ما إن ينتهِ الناس من قراءة الصحف الورقية وإلقاء الكرتونات القديمة في القمامة، حتى يظهر أناس آخرون كل همهم هو استثمار وإعادة تدوير هذه المخلفات، بغرض تحويلها إلى منتجات ورقية أو كرتونية جديدة تستخدم في مجالات صناعية شتى.
ومن رحم المخلفات الورقية التي تمثل حوالي 30% من المخلفات التجارية والمنزلية، خرجت مهن ومشروعات صغيرة وكبيرة، لا سيما أن الأسواق في العالم يزداد فيها الطلب على هذا المنتج كمغذٍ لصناعات عديدة، بل إن دولة مثل ألمانيا اهتمت بهذه الصناعة، حتى إنها تحتل المرتبة الأولى عالميا في إعادة تدوير الصحف والكرتون، فهي تعيد تصنيع 70% من استهلاكها الورقي.
جمع الورق وفرزه
أول مهنة ظهرت في هذه الصناعة هي جمع وفرز الأوراق والكرتون مثلها مثل أعمال أخرى فلها خباياها وأسرارها وقواعدها في العمل كما يقول أحد العاملين الذي يعمل بهذه المهنة في منطقة منشية ناصر الشهير بجمع المخلفات في مصر.
ولأنه رفض أن يظل عاملا صغيرا عند أحد تجار جمع الورق والكرتون، فقد قرر هذا العامل أن يستقل بعمله بعد ثلاث سنوات، خاصة أنه "شرب الصنعة"، كما يطلق المصريون على من تعلم مهنة بإتقان.
فقد اشترى محلا كبيرا لعمله مخزن واستعان بثلاثة عمال، وبدأ جمع الورق من المحلات والمطابع بمقابل، وأحيانا بدون مقابل لكسب ثقة أصحاب المحلات.
ورغم أنه ليس مدربا على تطوير مشروعه، فإنه يقول في سطور قليلة المجالات التي وسع بها عمليات جمع وفرز المخلفات الورقية فضلا عن عوائدها، وذلك كما يلي:
- يشتري طن الكرتون من جامعي القمامة بسعر 250 جنيها مصريا، ويبيعه بـ 275 (الدولار = 5.80 جنيها تقريبا)، أما طن مخلفات الورق فيصل سعره لـ300 جنيه، ويبيعه بحوالي 400 - 700 للطن حسب نوعه وحالته، فيما يصل طن ورق الجرائد 120 جنيها، ويبيعه بـ 135.
- يتعاقد مع شركات الكرتون لشراء الكرتون النظيف الخارج من مصانعه لخطأ في الطباعة أو التقفيل بسعر ما بين 400 إلى 800 جنيه للطن، فضلا عن مخلفات المطابع أو قصاصات ورق المطابع التي يصل سعر الطن منها ما بين 800 – 1200 جنيه.
- يشتري الكتب المدرسية القديمة من وزارة التربية والتعليم بسعر الطن ما بين 500 – 700 جنيه حسب حالة الورق، كما تقوم إحدى السيارات التابعة له بالمرور بعد نهاية كل عام دراسي لشراء كيلو الكتب بـ 10 قروش مصرية.
ومع نجاحه في بيع آلاف الأطنان من مخلفات الورق، نما مشروعه ووسّع مخازنه وزاد عماله، ثم اشترى سيارات نقل وأيضا مكابس لكبس الورق، وذلك لتسهيل عملية التخزين والشحن للمصانع التي تقوم بدورها بإعادة تصنيع الورق أو الكارتون مرة أخرى.
وينصح تاجر الكرتون من يرغب في تنفيذ مشروع مثله أن يعمل بالمدن؛ نظرا لأن المخلفات الورقية والكرتونية التي تخرج من المدينة أضعاف المخلفات التي تخرج من الريف، كما يجب عدم رش الكرتون بالماء، وهي طريقة يلجأ إليها البعض لزيادة وزنه، إلا أنها تقلل من سعره.
ووفقا لما قاله هذا العامل فحالة الكرتون وجودته تحدد كلا من سعره، وكذلك المصنع الذي يطلبه، فقصاصات ورق المطابع تطلبها شركات المناديل الصحية، فيما تطلب شركات عبوات البيض النفايات الورقية، وهناك شركات تتعامل مع الكرتون مهما كانت حالته، حيث تقوم بفرمه وعجنه لإدخاله ضمن عمليات الإنتاج الكبرى بشركات الكرتون والورق.
ساحة النقاش