بقلم/ محمد ربيع الشلوي
لا يمكن أن ننكر أن ثورات الربيع العربي ، قد جاءت كفكرة ٍ عربية خالصة ، ولدت في تونس ، في أواخر عام ألفين وعشرة ، وتمت محاكاتها في بقية الدول العربية الأخرى ، بيد أنها لم تصدر للبقية الباقية من الدول العربية الأخرى لتباين ظروفها ، كالجزائر والمغرب والسودان مثلاً ، أو في دول الخليج العربي بأسرها . كانت تلك الثورات جاءت كهياج شعبي وبركان غضب متأجج ، جراء حالة الفساد المتفشي ، والإستبدادية ، والطغيان والظلم. والركود الاقتصاديّ ، وسوء الأحوال المَعيشية، فضلاً عن التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في تلك الدول ، وثارت الشعوب مؤمنة بالفكرة ملبية نداء التحرر ، ولكن للأسف دوماً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن . ويبقى السؤال الذي يلح علي أشد الإلحاح ،ويطرح نفسه مجدداً ..أ نجحت هذه الثورات أم باءت بالفشل ؟! لقد أثبتت الايام والشهور ، فشل جميع ثورات الربيع العربي الذريع ، بل وتقهقر الشعوب العربية جمعاء ، وحدوث إنتكاسة في الديمقراطية ، والحرية ، فإذا ما تأملنا جميع الثورات في الوطن العربي قد باءت جميعها بالفشل ، ولم تحقق سوى مصالح بعض القلة ، وسادت البراجماتية ، والنفعية ، ومحاولات الإستبداد بالحكم ـ على حساب الشعوب والطبقات الفقيرة ،وأحلامهم التي ذهبت إدراج الرياح. وسادت معها تيارات وثورات مضادة تضرب جميع الثورات التي قامت في عمق ،عن طريق بقايا الأنظمة الأخرى ، أو ما يعرف بالدولة العميقة ، والمؤسسات الموالية ، داخل الدولة . فقد نشرت صحيفة “التايمزالبريطانية ” في سبتمر الماضي مقالاً بعنوان الخريف العربي ، في أعقاب مقتل السفير الأمريكي في ليبيا ، وبعد قيام الإحتجاجات أمام السفارات الأمريكية في بعض الدول العربية . وأدركت الولايات المتحدة فقدان سيطرتها على هذه الشعوب المتأججة ، التي لم تتنسم بعد الحرية . وأدركت الفوضى العارمة التي إجتاحت تلك الشعوب ، ودورها في التاثير على مصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط. سياسة الولايات المتحدة..هي سياسة التعامل مع الامر الواقع .. لم تملك الولايات المتحدة في بادئ الأمر إلا التسليم بحتمية هذه النتائج التي أسفرت عنها تلك الثورات ، بيد ان هذه النتائج التي خلفتها الثورات ، كانت تمثل ضغوطاً شديدة ، على الإدارة الأمريكية ، خاصة بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم في بعض الدول ، وسط تذمر وترقب وتوجس إسرائيل من هذه الثورات ، التي لم يكن لها قادة معروفون بذواتهم يمكن السيطرة عليهم ، او معرفة توجهاتهم ، ووسط لغط حكم غوغائي هلامي في هذه الدول المستنفرة . وأعتلت كراسي الحكم التيارات الإسلامية او المتأسلمة ، ما أدى إلى شن حرب ضروس من قبل الغرب الذي لطالما حارب الإشتراكية أو الشيوعية ،في أواخر القرن المنصرم ، لكن الحرب ضد الإسلام تبقى هي الحرب القادمة . ولكن أبت الولايات المتحدة ، ولاسيما الغرب ، إلا رجوع هذه الشعوب بعد فقدانها زهرة شبابها، من أبنائها المخلصين ، بخفي حنين ، صفراً خائبين . فهي الوحيدة المدركة لتركيبة المواطن العربي ، زاعمة أنه لا يعرف للحرية ، ولا يدرك معناها ، وإنما يدور مع الفوضى وجوداً وعدماً. مستعينة في ذلك بمؤسسات داخل تلك الدول أو عبر منظمات للمجتمع المدني تدعم من خلالها ، لإجتثاث، وإستئصال شأفة أية حركات تحرية داخل تلك البلدان النامية. تغير شيه جذري في منطقة الشرق الاوسط . أرى أن في الشرق الاوسط الجديد ، تغيرت ملامحه ، وبدت ملامح الكهوله والشيخوخة على معظم الدول العربية سيما الدول التي قامت بها تلك الثورات ، التي ما لبثت أن صادفت موجات أو تيارات معادية أو ثورات مضادة ، لتعيد الأمور إلى ما كانت عليه ، فصادف درء السيل درءاً يدفعه ، كما يقول المثل العربي . لنرى أن خريطة الشرق الأوسط قد تبدل حالها ، وطرأ عليها تغيرات شبه جذرية ، لتبدو فيه إسرائيل كدولة قوية ،بين دويلات متناحرة ، يمزقها الخلافات والصراعات الداخلية ، بعدما خلت كراسي الحكم ، ولازالت شاغرة. كما أن أحداً لن ينكر ما حدث بالنسبة للقضية الفلسطينية برمتها ،قضية النزاع العربي الإسرائيلي ، التي أصبحت نسياً منسياً ، وباتت القضية لا يتطرق إليها لا من قريب أو بعيد ، وهذا ما يصب في صالح الكيان الصهيوني أو دولة إسرائيل ، وهذا ما تعمل إسرائيل على إتمامه ، لقد قضت براقش على نفسها .. إن أنظمة الحكم في العالم العربي فيما قبل إندلاع موجة الثورات العربية ، كانت أنظمة قوية ، مسيطرة ، قمعية إستبدادية ، تحكم سيطرتها وقبضتها على مقاليد الحكم ، وكانت تستخدم أساليب القمع ، هذا الأسلوب وإن رخص إلا أنه كان هو الحل الناجع والأمثل ، وهل ممالك وعروش الخليج في جزيرة العرب بمأمن عن هذه الكذبة الحمقاء التي قد قضت على آمال الديمقراطية والتحرر ؟! ووئدت هذه الفكرة في مهدها ، لا ننكر أن هذه الدول العربية في حالة إرتباك وإضطراب ، وتحاول بشتى الطرق إخماد أي حركات لديها، بل تدعم أي نظام يحاول قمع هذه الحركات التي أثبتت فشلها مؤخراً . فهذه سوريا ، التي لم يعد لها قائمة ، وسط تمسك نظام الأسد بالحكم ، والتمادي في إرتكاب المجازر و الإبادة الجماعية ، بين موقف دولي متخاذل ،بعد إنحياز المعسكر الشرقي (روسيا والصين) ، وإيران انظام الأسد ،ما جعل الولايات المتحدة تتقهقر عن قرار توجيه الضربة العسكرية ، بعد إلحاح وضغط من إسرائيل ، حتى لا تكرر سيناريو تدخل حلف الناتو في ليبيا . وتلك ليبيا ، التي يعمل الجميع فيها على تقسيمها إلى منطقتين شرقية كانت أو غربية ، بين ترحيب ورفض من القبائل العربية ، ووسط إضطرابات أمنية، بعد إنتشار السلاح ، وتردي الحرية وإنتهاك القوانين والاعراف ،وكذلك اليمن وهي قريبة الشبه إلى حدٍ كبير بليبيا ، من حيث سيطرة القبائل ، والنظام القبلي ، وسيطرته على مجريات الأحداث والسياسة . وتونس ،التي لازالت في صراعات خفية ، ومحاولات إخماد جذوة الإسلاميين رويداً، دون وضوح لخارطة الطريق لديها. وأتوقع أن يتكرر هذا السيناريو المستهلك في تركيا ، وفي الحزب الحاكم ، حزب التنمية والعدالة ، وأتوقع الإطاحة به ، وبحكم أردوغان وجماعته ، وتولي حزب الشعب الجمهوري العلماني مقاليد الأمور هنالك ، والأحزاب الأخرى المعارضة، وهذا ما ستشهد به الأيام القريبة ال قادمة ، وأخيراً ..بقي لي أن أتسائل.. أهذا نهاية المطاف ؟! أم أنها البداية ؟! ترى هل حلم الشعوب العربية في بناء وطن ديمقراطي ، أصبح حلماً بعيد المنال ؟! ، أم أنه حلم مشروط بتحقيق مصالح تلك الدول العملاقة ، رهين موافقة ومباركة القوى الكبرى ، لتحقيق التوازن المنشود في الشرق الأوسط ، أو تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد . أم ستعد حركات التحرر الحقة كرة أخرى ، بإرادتها ، لا إرادة مملاة عليها .