جمالات يونس |
من بين أعمال المبدع الراحل اسامة أنور عكاشة أتوقف دائماً عند مسلسل "ارابيسك".. كان فيه جراح ماهر لفوضي التكوين الاقتصادي والاجتماعي لمصر والتي خلقت تركيبة مختلفة فكانت النتيجة انهيار "الفيلا" التي أراد البطل أن يخلق التناغم بين عناصرها المتنافرة دون وعي حقيقي للتناقضات.. هل كان اسامة زرقاء اليمامة الذي تنبأ بما سيحدث؟.. ربما التنوع التاريخي الذي كان يمكن أن يكون عنصر فرقة شكل قوة وثراء للمصريين لانهم كانوا يعيشون في مستوي اقتصادي متقارب لكن ما حدث منذ بداية السبعينات فتت هذه القوة في صراع طبقي بين قلة تملك واغلابية تصارع الفقر الذي وجد الإرهاب فيه أرضا خصبة لينمو ويتوحش بين 3 ملايين اسرة تعيش في المقابر و16 مليون مصري في العشوائيات التي تحولت لاحزمة ناسفة حول منتجعات الأثرياء. بإختصار بين قصور القاهرة الجديدة والرحاب والمنصورية وبالم هيلز والشقة 57 متراً لمحدودي الدخل الهوة واسعة لان الدولة تخلت ونظام العدالة مختل والمستقبل غامض وخطير. والطبقية دائماً يخدمها تعليماً طبقيا يميز النخبة ويزيد في انفصالها ويربطها بأجندات لا تلتقي بالضرورة مع المصلحة العليا للوطن. عشرات الانظمة من التعليم فرقت المصريين شيعا. لدينا مدارس يسمونها دولية اللغة العربية غريبة فيها تسوق تعليما اجنبيا وتصل مصاريفها إلي 50 ألف جنيه سنويا تثير علامة استفهام كبيرة حول الولاء للوطن وفي المقابل تصرف الدولة 16 مليار جنيه سنويا علي 18 مليون طالب 500 ألف مدرسة والحقيقة أنها اموال ضائعة فالمنتج النهائي لا يصلح للعمل حتي في ورشة سيارات. حتي مقولة "لا أحد ينام بدون عشاء" اصبحت فلكلورا من الماضي بيننا من لا يجد طعام يومه ومن يأكل من أكوام القمامة وبقايا رواد فنادق السبع نجوم وافراح "الهاي كلاس" وبيننا أيضا من يمرض من التخمة ومن يأتي له الطعام ساخناً بالطائرات وبيننا كذلك 9 ملايين شاب وفتاة يسيرون نحو العنوسة يقابلهم من ينفقون علي حفلات الزفاف لابنائهم ملايين الدولارات. وللأسف بعد كل ذلك وبعد ثورتين مازالت الحكومة مرتبكة تيار يسعي لدخول الدولة كمستورد مباشر لوقف جماح الاسعار وآخر يعرقل هذا الاتجاة بكل قوة ولا يدري أنه يلعب بالنار. كل هذه التناقضات بنتائجها الفجة كان لابد ان تطال في مقتل مظلة كبيرة كنا نحتمي بها وهي الدين وفي وقت ان كنا نعيش في طبقات متقاربة فشل التطرف في اختراق وحدتنا الوطنية وتقسيمنا دينياً ومذهبياً. حتي المرض من يملك له الحق فقط في العلاج الاثرياء لهم مستشفيات السبع نجوم كقصورهم وبفلوسهم تفتح لهم عيادات الخارج ابوابها ومنهم من لا يتعفف عن مشاركة الفقراء في القليل الذي يعالجون به علي نفقة الدولة. اما الفقراء فأسري الفيروسات الفشل الكلوي والسرطانات بلا تأمينات حقيقية. ولا نعرف علي ماذا تراهن الحكومة.. فكل هذه المشاكل نار تحت الرماد وهي مؤجلة فقط لأن الناس ملتفة حول مشروعها القومي "محاربة الإرهاب" ويوماً ما سنستأصل جذوره وسيلتفت الفقراء للدولة ولن يرضوا علي العدالة الاجتماعية بديلاً. مجتمع بكل هذه التناقضات لابد ان ينفجر يوما ما لذا حين خرج الشباب يوم 25 يناير كانوا يصرخون "عيش. حرية. عدالة اجتماعية. كرامة انسانية" وما حدث بعد ذلك من تداعيات لا يجب ان نلوم فيه إلا انفسنا حكاماً ومحكومين حتي لو أدارته اجهزة خارجية فنحن مهدنا الارض وهم زرعوا ويأملون في الحصاد وعلينا ألا نمكنهم من تحقيق هذا الأمل. مصر ستعبر بخارطة مستقبلها إن شاء الله لأن المخلصين من ابناء هذا الشعب يريدون ذلك وينتظرون استحقاقاً أهم أعتقد انهم لن يفرطوا فيه هذه المرة. |
نشرت فى 23 ديسمبر 2013
بواسطة ebrahime
ابحث
عدد زيارات الموقع
255,355