الاختلاط في رأيي هو مادة معنوية خطيرة قابلة للاشتعال، فأينما وجدته ارتفعت ألسنة النيران والتهبت المشاعر واضطربت الثوابت والقيم.. ورغم كل هذا فلن نستطيع أبدًا الامتناع.. فكيف تطلب من أبناء الأسرة الواحده من تربين منذ نعومة أظافرهم أن يلعبن مع أبناء أعمامهن وأخوالهن أن يمتنعن إذا كبرن من الحديث معهم أوالتواجد على الموائد والحفلات العائلية، وكيف تمنع الرجل إذا تزوج من أن يأتي بزوجته إلى بيت أبيه وتجالس إخوانه وأزواج أخواته.. وكيف تمنع زميل الجامعة من زميلاته.. وكيف تمنع التعامل بين الموظفين من الجنسين؟ صار الاختلاط هو آفة العصر التي يصعب علينا مقاومتها.. حتى لو نجح القليل في إبعاد زوجته من محكات الاختلاط بدافع الغيرة.. ولكنه لا يمنع نفسه فيستأسد في مواجهة الفتنة.. رغم أن الفتنة لا تخاف من الرجولة فالجميع أمامها سواء. وهنا يلزمنا أمر في غاية الخطورة، وهو أن يعرف كل منا مقدار المسافة التي بينه وبين تلك الفتنة.. هل هي مسافة طويلة أم قصيرة.. أم أنه هوى في الفتنة فعلا ويصارع أمواجها وهو لا يعلم.. ففتنة الاختلاط لا ترجع لمقومات الشخص فقط ولكنها ترجع لمقوماته الشخصية وظروفه ومقومات الآخرين ممن يختلط بهم. فالرجل قوى الإيمان معتدل الغريزة المحصن بزوجة ترضية.. غير الرجل قوى الإيمان غير المحصن.. غير ضعيف الإيمان المحصن بمن ترضيه.. غير ضعيف الإيمان غير المحصن. ليس جميعهم على مسافات متساوية من فتنة الاختلاط أن وقعوا فيها، وكذلك المختلط بهن من النساء.. ليس الاختلاط بالعفيفات المحصنات بزوج يرضين عنه كالاختلاط بالعفيفات غير المحصنات ولا بالاختلاط بقليلات الحياء.. ربما يثبت أقوام لن يبتلين في أزواجهن وعليهن سمت إسلامي فيظن الناس أن دينهم منعهم من السقوط.. فإذا ما كان الابتلاء بينهم وبين أزواجهن وجدت الدين لا يحميهن من السقوط في فتنة الاختلاط ويهوين فيها غير عابئات، ولذلك فتلك الفتنة المضنية لا يمكننا أن ننظر إليها بشكل شخصي فقد تأمن على نفسك من الفتنة لعظم تدينك وألفة بينك وبين زوجك، وتتجاهل الأخريات ممن تختلط بهن، فربما يجدن فيك ما حرمن منه فتوقظ الفتنة النائمة وأنت لا تشعر وتصيبك لعناتها.. فكم أمن الرجل الفتنة من خادمته، وأمنت المرأة الفتنة من سائقها، متجاهلين مشاعرهم، وربما بات أحدهم يحلم بسيدته أو باتت تحلم بسيدها، إدراك الموقف هو أول طريق التصحيح.. فإذا أدركت خطورة الاختلاط كانت بداية النظر فيمن حولك.. وتصنيف علاقاتك بهم.. وتقنين تلك العلاقات. فهناك علاقات لا مانع من إنهائها ولا ضرر، فهذا أفضل، وهناك علاقات من الممكن إبعاد الفترات بين مواقف الاختلاط ليقلل منها بالتدريج وهذا حسن.. وهناك علاقات لا يمكننا منع الاختلاط فيها كزميلة العمل داخل المكتب الواحد.. وهنا يفضل عمل خطة لاستهلاك الوقت فيما ينفع مثل قراءة الكتب والقرآن بدلًا من الأحاديث الجماعية.. تبقى العلاقات الأسرية وهي الأشد، فالأمر ليس بين الرجل ومن يختلط بهن، ولكنه يواجه حمم وبراكين من العادات والتقاليد إذا ما فتح هذا الملف وأراد تقنين الاختلاط بين أبناء الأسرة الواحدة.. وهنا يأتي دور الرجل، فالرجل فقط يمكنه تحمل أعباء التقنين، فعليه تقصير فترة التواجد في المناسبات الأسرية المختلطة، ومحاولة عدم الزج بنسائه سواء زوجته أو أخواته أو بناته في تلك المناسبات إلا في الضرورة وبأوقات قصيرة ومقننة.. ومشاهد الاختلاط وإن عظمت وانتشرت.. وشعر الجميع بخطرها، فالحاجة أم الاختراع، فقد يبدع الكثير منا في الهروب من التهاوي فيها، ولكن فقط إن أراد.
نشرت فى 11 يوليو 2013
بواسطة ebrahime
ابحث
عدد زيارات الموقع
255,209