كان الضابط ينتظر وقت اجازته بفارغ الصبر وعلى عجلة من امره يتمنى اليوم الذي سينزل فيه إلى زوجته آية وطفله الصغير نور الذي لم يتجاوز عمره 18 شهرا..كان الوقت يمر عليه هذه المرة بصعوبة..قلبه"مقبوض"وكأنه يشعر أن شيئا ما سيحدث له..صورة زوجته كانت امام عينه ولاتفارقه ابدا حتى إذا نام كانت تأتى له فى الحلم وهى تحتضن ابنها الصغير وتشد عليه..كان الزوج يتعجب لهذا وعندما يستيقظ يتصل بها ليطمئن عليها هى وابنها نور فيهدأ قلبه.
مرالوقت وحان وقت اجازة الضابط..كانت السعادة تغمرقلبه لأنه سيرى ابنه وزوجته واسرته..وكأنت آية تنتظره فهى تعلم ميعاد اجازته وكعادتها بابتسامتها الهادئة استقبلت زوجها واعدت له الطعام..ثم ذهب الضابط وزوجته إلى اهله للاطمئنان عليهم وزار بعض اصدقائه وفى الطريق اثناء عودتهما إلى منزله وعد الزوج احمد زوجته أنه سوف يأخذهما إلى مدينة بنها ليشترى لها ولنور بعض المستلزمات والاحتياجات الشخصية وقضاء وقت جميل فى احد النوادى والمنتزهات..فرحت الزوجة ومر الوقت وجاء اليوم التإلى.
للسعادة حدود
كان اليوم منذ بدايته غير مبشر للزوجة..حدثت امورا لم تتفاءل بها الزوجة..لكن الزوج كان هادئ ويمضي وقته بشكل طبيعى..فى هذا اليوم حضرت بسمه شقيقة آية الكبرى..ولاحظت أن آية مكتئبة فى هذا اليوم وحالتها النفسية سيئة..حاولت أن تخرجها من هذه الحالة وبدأت تضحك معها وفجأة وقفت آية واقترحت على اختها أن تكلم ابن عمتها التى لم تكلمه منذ فترة واطمأنت عليه..كما ذهبت إلى والدها ووالدتها لتطمئن عليهما وكأنها كانت تودع احبابها..الغريب أنها تحدثت مع اختها فى هذا اليوم عن عيد ميلادها الذي لم يمر عليه شهرين وقالت لها وكأنها كأنت ترى طائر الموت الذي سيخطفها بعد ساعات إلى عالم الحق"تصدقى يا اختى أننى اشعر أن عيد الميلاد السابق هو آخر عيد ميلاد لى!"
الوداع الأخير
ودعت آيه اختها واحتضنتها وكأنها لن تراها مرة اخرى ثم عادت إلى المنزل..التقت بزوجها الذي أخذ زوجته وابنه الصغير متجهين إلى مدينة بنها للتنزه وشراء بعض المستلزمات..وهناك قضوا احلى وقت وكانت السعادة تغمر قلبيهما..الزوج وزوجته فى قمة الفرحة والبهجة..عاشا يوما جميلا فى احد النوادى..كانت الزوجة تدقق النظر إلى زوجها وكأنها اول مرة تخرج معه أو كأنهما عروسان لا زالا فى اشهرالزواج الأولى..الشيء الغريب الذي اثار تعجب الزوج عندما اوصت الزوجة زوجها على ابنها أن يراعيه ويهتم به داخل المول التجارى الذي كأن يشترى منه..خرج الزوجان متجهان إلى السيارة..استقل الضابط سيارته وإلى جواره زوجته آيه التى تحمل ابنها وتلاعبه..الزوج يتحدث فى بعض الأمور الأسرية تارة ويقوم بالتهريج مع زوجته وابنه الذي يلاعبه تارة اخرى..وفجأة تقول الزوجة لأحمد زوجها" أنا مخنوقة وحاسة بالخوف ولا اعرف السبب؟!"..زوجها حاول يهدئ من روعها وخوفها لكن الزوجة تظهر لزوجها أنها هدأت لكن لايزال هناك شيئا مجهولا تخاف منه..الزوج يقترب من قرية العزيزية بلدته..لمح من على بعد كيلوات صغيرة أن قريته ليس بها نور ووضح ذلك على مدخل القرية الصغيرة..استمر الزوج فى السير كما لمح على الجانب الآخر من مدخل القرية بعض الأشخاص الذين يستوقفون السيارات لكنه لم يتوقع أن هؤلاء عصابة مسلحة يسرقون المارة تحت تهديد السلاح.
استمر الزوج فى السير بسيارته واخذ اول دوران بالقرب من قريته حيث يسير عكس الطريق لمسافة قصيرة وهو معتاد أن يدخل منه ليقرب المسافة..هنا لمح شخصا معه سلاح إلى يستوقف قائد سيارة ميكروباص ويجبره على النزول من سيارته واضعا فى وجهه السلاح وعلى باب السيارة شخص آخر لكن سائق الميكروباص دفع هذا الشخص واغلق باب سيارته ثم اسرع إلى الأمام وصدم قدمه اليمنى مما جعل الشاب يسقط على الأرض لكن فى نفس الوقت قام هذا الشاب بإطلاق النارعلى قائد هذه السيارة بشكل عشوائي مما جعل اهل قرية العزيزية يسألون عن مصدر إطلاق النار وهرع البعض إلى الطريق لرؤية ماذا يحدث؟.
حاول الضابط أن يهرب بسيارته إلى الخلف لكنه خاف على زوجته وابنه أن يضعهما فى مرمى إطلاق النار حيث أنه لو عاد إلى الخلف ستكون زوجته فى نفس اتجاه البلطجية وربما تصيبها طلقة..أندفع إلى الأمام محاولا العبور بأقصى سرعة لكن زعيم العصابة وقف امام سيارته معتقدا أن هذا ضابط جاء لمطاردتهم بعد أن سمع صوت إطلاق النار كما أن لون زجاج السيارة"الفاميه"هو ما جعل افراد العصابة يعتقدون ذلك فقاموا بإطلاق النار على هذه السيارة..اكثر من 30 طلقة خرجت ناحية سيارة الضابط احمد الذي عاد إلى الخلف وحاول عبور السكة الحديد لكن فوجئ بمجموعة اخرى من البلطجية منتشرة ناحية الأراضى والسكة الحديد ومعهم اسلحة نارية اخرى وظلوا يضربون النار عليه عدة طلقات.
شعر الضابط أنه فى مأزق وعليه التعامل على نفس قدر الحدث ولم يستسلم ورفض تسليم سيارته إلى العصابة ليس خوفا او حرصا على قيمة السيارة ولكن لأن داخها زوجته وابنه ولأنه يعلم أنه إذا وقف بسيارته ماذا سيفعلون بهما؟.
على الجأنب الآخر الزوجة تعيش لحظات رعب وخوف لم تشهد مثلها فى يوم من الأيام..تصرخ بأعلى صوتها تارة ثم يختنق صوتها تارة اخرى..حالة من الفزع تسيطر على الزوجة التى تشعر أنها فى كابوس اقتحم حياتها مع زوجها فجأة..احتضنت ابنها الصغير نور الذي كان يبكى ويصرخ فزعا من صوت إطلاق النار ومشاهدته والده وهو يحاول الهرب من كمين أخطر عصابة فى المنطقة..كانت الزوجة تحاول أن تتماسك حتى يستطيع زوجها التركيز والهروب من الفخ المفاجيء الذي وضعه القدر فيه..لم يخطر ببال الضابط للحظة أن يستخدم سلاحه الموجود معه لأن هذه اللحظة عقله كأن شبه مغيب فكل همه هو كيف ينجو بزوجته وطفله من هذا الوضع الذي ربما يدفع هو أو زوجته أو طفله أو جميعهم ثمنه.
فجأة شعر الزوج أن سيارته سرعتها قلت بعض الشيء وأن العجلة الخلفية اصيبت بطلقة فرغت كل الهواء الذي داخلها لكنه لم يتوقف وظل يزيد سرعة سيارته متجها ناحية قريته عابرا الأراضى الزراعية.
كانت زوجته على الناحية الخرى تتألم..تنظر إلى زوجها نظرات وداع..دموعها تنهمر من عينيها..لاتريد أن تبلغ زوجها أن هناك رصاصة اصابت جسدها حيث دخلت من جأنبها الأيمن وخرجت من الجأنب الآخر..وسط كل مايحدث وماجرى لها لاتزال الأم تحتضن طفلها الصغير لتحميه وتفديه بروحها..الطفل يبكى..الأم تنزف..الزوج يحارب من اجل الهرب كما أن الرصاصة التى اصابت الزوجة خرجت منها لتصبه ايضا فى ذراعه الأيمن..الزوجة تنظر إلى زوجها وهى تميل على ابنها لتحميه..تقول له كلمات مأساوية"اهرب يا احمد..خلى بالك من نور..لاتتركه يواجه مصاعب الحياة بمفرده"..نظر الضابط لها ولمح فى عينيها التى اصفرت ووجها الذي شحب والعرق الذي ينهمر من فوق جبينها أن زوجته اصابتها طلقة وأن حالتها خطرة..
الزوج اصيب بحالة من الذعر وظل يقول"تحملى ياحبيبتى..خلاص أنا قربت من الإسعاف..كلمات كانت تخرج من فمه وهو يبكى مئات المرات داخل قلبه..يود أن يعود إلى هؤلاء الأفراد البلطجية الذين اصابوا زوجته.
الزوج يستمر فى قيادة سيارته وبيده الأخرى يحاول أن يسند زوجته التى تلفظ أنفاسها الأخيرة..واخيرا وصل الزوج إلى قريته من مدخلها الخلفى ولمح سيارة الإسعاف فقام بالتوقف امام الإسعاف ونزل مسرعا طالبا من المسعفين حملها إلى المستشفى وقام هو الآخر بالركوب معهم ثم اعطى ابنه إلى احد الاشخاص من ابناء القرية لتوصيله إلى والدته..واتجهوا بعد ذلك إلى مسشتفى منيا القمح لكن فور دخول الزوجة لفظت أنفاسها الأخيرة وخرجت روحها إلى بارئها فى مشهد مأساوى ابكى الجميع من الاطباء والممرضات بعد أن عرفوا الحادث وكيف لقيت حتفها.
على الفور تم ابلاغ اللواء محمد كمال جاد مدير امن الشرقية الذي امر بسرعة تشكيل فريق بحث اشرف عليه اللواء على ابو زيد مدير المباحث الجنائية بالشرقية والعقيد محمود جمال رئيس فرع بحث جنوب وتكون فريق البحث من الرائد محمد الحسينى رئيس المباحث والرائد عبد المنعم علاء معاون المباحث وبتكثيف التحريات واعداد الأكمنة تبين أن الجناة هم المهندس والدكتور وهانى اخطر عصابة فى منطقة منيا القمح والقرى المجاورة لها وأن بعضهم اشتركوا فى حادث خطف الطبيب والمطالبة بفدية.
تم عمل الأكمنة اللازمة وبتكثيف التحريات تبين أن هؤلاء الأفراد هاربين فى"معلف"بالقرب من احدى قرى منيا القمح..تم تجهيز القوة اللازمة ومداهمة هذا المكان المختبئين داخله وبعد 24 ساعة تم إلقاء القبض عليهم رغم محاولتهم الهرب وتبادلهم اطلاق النار مع الشرطة الا أن العقيد محمود جمال رئيس فرع البحث استطاع عمل خطة جعلت لحظة القبض عليهم بدون صعوبة وتم إلقاء القبض عليهم..وبمواجهتهم اعترفوا بارتكاب الواقعة..على الفور أحالهم اللواء محمد كمال جاد مدير امن الشرقية إلى النيابة التى باشرت التحقيق وامرت بحبسهم اربعة ايام على ذمة التحقيق.
اعترافات القتلة
وقف المتهمون امام مدير نيابة منيا القمح الذي استمع إلى اقوالهم واعترفوا بارتكابهم الجريمة لكنهم لم يكن هدفهم من البداية هذا الضابط ولكن كانوا ينتظرون سيدة لديها محل لبيع الذهب والمجوهرات وأنها فى هذا الوقت تأتى ومعها سيارة الصاغة لذلك انتظروها بالقرب من مدخل القرية على الطريق السريع بنها الزقازيق واستغلوا انقطاع الكهرباء عن المنطقة والتى تنقطع كل يوم فى هذا التوقيت لتسهل مأموريتهم لكنهم انتظروها كثيرا فلم تأت فقاموا بقطع الطريق ومحاولة سرقة اي سيارة..
هكذا اعترف المتهمون امام مدير النيابة بجريمتهم..كما قالوا أنهم استوقفوا سيارة ميكروباص لكن سائقها استطاع أن يهرب..وهنا جاءت سيارة الضابط ولم نر من داخلها واعتقدنا أنه ضابط قادم من المديرية او مركز منيا القمح لمطاردتنا فأطلقنا عليه النار بسرعة وكثافة لأننا فى هذه اللحظة على رأى المثل الشائع"ياقاتل يامقتول!"..وطاردناه واصبنا زوجته كما اصبنا الإطار الخلفى للسيارة..وهنا اصابت الزوجة طلقة نظرا لقرب مصدر إطلاق النار وهو المهندس الذي كان خلف السيارة استطاع أن يضرب بعشوائية واصاب الزوجة.
فى منزل اسرة المجنى عليها..رغم حالة الحزن التى كانت تسكن جنباته إلا أنهم كانوا اقوياء ووالدتها تحديدا التى قالت"كل مؤمن مصاب..وبنتنا شهيده لأنها قتلت غدر وكأنت تحمى طفلها نور الملاك الصغير الذي فقد حنان الأم وعطفها ولم يشبع منها فعمره عام ونصف"..هكذا تحدثت الينا الأم واستطردت قائلة: يابنى لايكفينى فى هؤلاء الإعدام ولكن الشنق فى ميدان عام لأن هؤلاء اصبحوا كثيرين فى هذه البلد ورغم أن الشرطة تعرفهم جيدا لكنها لا تقبض عليهم فهؤلاء يطلقون النيران بالليل ويسببون الرعب فى المنطقة ويرتكبون جرائم بشعة وآخرها جريمة خطف طبيب قرية ميت بشار الذي كاد أن يفقد حياته لولا الجهد الكبير لرجال الشرطة واعادته مرة اخرى.
خرجت الأم من الحجرة التى كنا نجلس بها دون أن نعرف اين ذهبت؟
والتقطت ابنتها بسمة طرف الحديث قائلة: حسبي الله ونعم الوكيل فى هؤلاء المجرمين..لابد وأن يقتص منهم القانون وحتى تتلاشى هذه الظاهرة من البلطجة وبث الرعب فى قلوب المواطنين وانتشار ظاهرة الخطف والاغتصاب وفقدان الأمن والأمان بسبب هؤلاء لابد وأن يوضع قأنون يجرم هذه الجرائم البشعة ويعدمهم فى ميدان عام ليكونوا عبرة لغيرهم..فآخر كلمات قالتها لى اختى كانت توصينى فيها على ابنها الصغير نور وكانت متشائمة بسبب الاحداث المتكررة والذي لايمر يوم إلا ويدفع كثيرون من هذا البلد الثمن حياتهم.
واضافت قائلة وهى تمسك بصورة نور الطفل الصغير ابن اختها المجنى عليها: نور منذ الحادث وهو يستيقظ فى الليل مرات كثيرة منتفضا ويقول"عايز ماما..امسكوا الحرميه"يعيش منذ هذا الحادث لحظات مرعبة ولاينام ولايتكلم مع احد مثل الأول ويطلب امه باستمرار.
هنا دخلت ام المجنى عليها حاملة فى يدها جلباب ملطخ بالدماء وقالت: هذا هو جلباب آية الذى كانت ترتديه اثناء الحادث ثم وضعت اصبعها فى ثقب بالجلباب واشارت أنه من آثار الطلقة التى اصابت جسدها كما اشارت على ثقب آخر وهو الثقب الذي خرجت منه نفس الطلقة.
كما امسكت اختها بسمة بفارغ الرصاصة التى اصابت يدها وقالت لو ذهبت لمكان الحادث ستجد من هذا الكثير فهؤلاء يبدو أنهم كانوا يدخلون حربا شرسة ضد عدو وليس ضد ناس ابرياء مسالمين.
ظلت الأم تقول"حسبي الله ونعم الوكيل..حسبي الله ونعم الوكيل فى من قتل ابنتى..ايه التى هى ايه والجميع يشهد لها بحسن اخلاقها وأدبها واحترمها وحبها للجميع وفعلها للخير..انشاء الله مثواك الجنة يابنتى..وربنا ينتقم لمن قتلك غدرا.