محمد عبد السلام - منسق برلمان دمياط - باحث دكتوراه في الانتخابات

<!--

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->

أمير النغم الشرقي ... رياض السنباطي

المولد والنشأة  :

     من مواليد ٣٠ نوفمبر عام ١٩٠٦ في مدينة فارسكور ، حياة السنباطي الخاصة كانت غاية في البساطة، بل أنها تكاد تقترب من ملامح الانطوائية والعزلة إلا عمن يتعامل معهم من المطربين والموسيقيين .

     لقد نشأ بين الحقول في الريف المصري الجميل والوديع ، فتشربت نفسه منذ الطفولة صفاء الطبيعة ، وتفتحت موهبته الموسيقية على شدو الحسان ، وترديد الألحان ، وتغريد الطيور وليس في هذا شئ من المبالغة أو التزويق فقد كان أبوه " محمد السنباطى " عازفا وملحنا ومنشدا ، يجيد استخدام العود ، وله فرقة موسيقية تحيى ليالي الأفراح والمناسبات ، وتحظى بالرضا والتكريم في نطاق قرى الإقليم ، ومن حصيلة هذا التكريم ينفق الأب على غلامه الوحيد وبناته الثماني ، وأم ترعى شئون البيت قدر ما تستطيع .

     وكان والد رياض - محمد السنباطى - رجلا مئناثا .. أي خلفته من البنات إلى أن من الله عليه بهذا الابن الوحيد بين شقيقاته الثمانية ، ولا يعرف أنه سينحو بفن الغناء العربي نحوا رقيقا ساميا مما جعل الناس جميعا .. المثقفين وغير المثقفين على السواء في الوطن العربي كله يتغنون بأبلغ القصائد الشعرية لأئمة الشعراء .

بداية الطريق :

     يتعلم رياض في المدرسة لكنه مشغول الذهن بالموسيقى ، ومن أجل تهيئة ظروف أفضل لتعليم الأبناء ينتقل الأب بالأسرة إلى " المنصورة " التي كانت تتبعها فارسكور في هذا الوقت .. ويحث الأب الابن على الاهتمام بدراسته لمستقبل أفضل ولكن الابن كان له رأيا آخر واهتماما خاصا بفن الموسيقى والغناء ، فرغم أنه ألحقه بكتاب الشيخ على مرسى بميدان الموافي ، إلا أن الصبي كان شغوفا بالموسيقى والغناء كما أسلفنا .. فكان كثيرا ما يترك الكتاب ليتجه إلى دكان نجار قريب تخصص في صناعة الأعواد الموسيقية ، وكان يتوافد عليه بعض الهواة من العازقين والمغنين وكان يستمع إليهم .

     في التاسعة ، أصيب بمرض عصبي في عينيه جعل استمراره في الدراسة أمرا عسيرا .. فبدأ يتعلم عن والده .. أساليب العزف على العود ، ويتعلم الأدوار والقصائد القديمة ، وبدأ والده يشركه معه في الفرقة في الحفلات والأفراح .. ودرس على يد الأستاذ محمد شعبان مدرس الموسيقى والعود فى المنصورة في ذلك الزمان ، وهو غير المعلم محمد شعبان القديم الذي درس على يديه بعض كبار الموسيقيين القدامى مثل عبده الحامولي وداود حسنى ، وكان يعيش في المنصورة أيضا والمتوفى 1896 أي قبل مولد رياض السنباطى بحوالي عشر سنوات .

     تقاربت المسافة بين الأب والابن بقدر ما تباعدت بينه وبين المدرسة والكتاب وأسمع رياض أباه بعض ما يحفظ من ألحان وغناء ، وان كان لا يجيد عزفا على آلة ، أو معرفة بالتأليف والتلحين ، أدرك الوالد على الفور أن الاستعداد عند ابنه طيب والموهبة حاضرة ، ولكنها متوارية فأخذ يعلمه الموسيقى والمقامات وأصول الأداء والإنشاد وأساليب الغناء واصطحبه معه ليقدم بمفرده " وصلات " غنائية في حفلات الأفراح ، وشيئا فشيئا بدأ نجمه يسطع ، واسمه يسرى بين الناس ، انه مازال في ريعان الشباب المبكر ، لكنه مطرب الفرقة وفتاها الأول ويدلله الجمهور فيطلق عليه لقب " بلبل المنصورة ".

     لكن " البلبل " يريد أن ينطلق ، ويطير ، ويحلق في سماء أرحب وأوسع إلى متى يظل حبيس " قفص " النطاق المحلى المحدود ، حيث يتجول الوالد بالفرقة ؟ إلا أن الأقدار ترقب والحظ يترصد والتوقيت عند علام الغيوب .

     جاء إلى المنصورة في زيارة شيخ الملحنين والمطربين " سيد درويش " .. انه حدث كبير ، ولكن لا غرابة فيه ، أما المدهش حقا أن يستمع الشيخ عرضا وبلا ترتيب إلى الشاب " رياض السنباطى " وهو يغنى الأغنية الشهيرة للسيد درويش : " أنا هويت وانتهيت " ويتبعها بأغنية أحرى أيضا له ، وثالثة ، وكلها صعبة الأداء ، فيعجب به أستاذ الأساتذة ، ويتبين فيه موهبة حقيقية جديرة بالتألق ، و" خامة " نجم في العزف والغناء فأسرع إليه ، وأثنى عليه ، وعرض أن يصحبه معه إلى الإسكندرية حيث الانطلاق ولكن الأب اعتذر بأن رياض الآن هو سند الأسرة ومصدر رزقها ، قالها الوالد محمد السنباطى بلا حرج – فالشيخ سيد درويش صديق قديم وكل منهما يدرك مشاعر وأحوال صاحبه فضاعت من " رياض " فرصة ذهبية وأمنية لا يدرى أحد ماذا ستثمر لو أنها تحققت ! ولما رفض والده ذهابه إلى الإسكندرية أكد الشيخ سيد على ضرورة توجهه إلى القاهرة حيث سيكون له شأن وأي شأن !

     وتأتى مصادفة أخرى ، وربما كانت مفاجأة ! ففي عام 1922 يلتقي على غير موعد بمحطة للسكة الحديد – والد رياض مع والد فتاة مغنية تدعى " أم كلثوم " . ومع كل والد فرقته الغنائية ، وبعد سنوات طوال من الكفاح والنجاح ، يذكر السنباطى " كوكب الشرق " بهذا اللقاء الشبابي الأول ، ويمضيان معا في " مشوار " فني طويل مصعدان نحو القمة .

     ومصادفة ثالثة غير أنها لم تكن مفاجئة ، أراد رياض أن يجرب التلحين فتلك خطوة ترفعه درجة، وتلبى بعض طموحه ، فالتلحين أو " التأليف الموسيقى " أفضل عنده وأسمى من الغناء وان كان أصعب فى مجال الابتكار والإبداع والتجديد ، لكن التلحين يحتاج إلى كلمات أغنية أو قصيدة ، وأين الشاعر الشاب في مثل سنه الذي يملك الموهبة والمستوى الجيد في النظم وصياغة المعنى الراقي الرقيق ؟ - تسوق إليه المصادفة صديق قديم : شاعر المنصورة الشاب " على محمود طه " فيطلب منه رياض أن يتعاون معه في تحقيق رغبته ويتفقان فيغنى له رياض من تلحينه ويألف السنباطى تلحين القصائد الشعرية في وقت مبكر من حياته ، ولسوف يكون لذلك أثر كبير في مستقبل إبداعاته .

الانطلاق نحو الشهرة :

     مع الأيام أيقن الوالد محمد السنباطى أنه من الضروري أن يأخذ الفتى فرصته ويتجه إلى القاهرة ، وهكذا نزح إلى القاهرة عام 1927 وعنده عشرون عاما .

     بادر رياض السنباطى بالالتحاق بنادي الموسيقى الشرقية ، وفى امتحان القبول دهش أعضاء اللجنة من براعته فى العزف على آلة العود ، ومن أدائه الممتاز للموشحات والأغاني .

     وكانت مفاجأة قلما تحدث : أن يعين في الوقت نفسه بمعهد الموسيقى معلما لآلة العود ، وسرعان ما أصبح اسمه معروفا في الأوساط الفنية وأقبلت عليه الشركات الإنتاجية تطلب منه الإشراف فنيا على أعمالها ، والتعاقد معه كعازف للعود في فرقها الموسيقية ثم عهد إليه بتلحين أغنيات لبعض المطربين المشهورين مثل : عبد الغنى السيد أحمد عبد القادر نجاة على ..وهو ابن الريف والأقاليم يغلب عليه الحياء كثيرا والرهبة قليلا حتى ينفسح له طريق بين مسارات موسيقيين كبار يحفظ الناس أسماءهم وألحانهم : محمد القصبجى ، زكريا أحمد ، داود حسنى ..ومع مطربين معروفين في كل الأنحاء : منيرة المهدية ، أم كلثوم ، محمد عبد الوهاب ... لا يتردد ، فجذوة الإبداع الفني في داخله آن لها أن تتأجج وتتوهج وتشع - وهاهو الحظ السعيد يسوق له " مصادفة أخرى " تدفعه نحو القمة وترفعه نحو المجد.

     كان الفنان الموسيقى الأديب " مدحت عاصم " يمشى الهوينا منتعشا بعد سهرة قضاها في بيت صديق يهوى العزف على الكمان بمصر الجديدة ، وفى الطريق إلى بيته في العباسية الشرقية ، مر بشابين يتحدثان في الموسيقى ، وعن آلة العود .

     والموسيقى عند عاصم غرام وهيام ، فدفعه الفضول – كما يقول – إلى إبطاء خطواته ليسترق السمع من حيث لا يشعران .. فلما أعجبه الكلام ، تقدم إليهما وعرفهما بنفسه وبحبه للموسيقى والعزف على العود والبيانو والكمان ، وعلم منهما أن أحدهما طالب بالثانوي يهوى الموسيقى والآخر رياض السنباطى قادم من المنصورة ، ويعلم العزف على العود والغناء بمعهد الموسيقى الشرقية .. فدعاه عاصم إلى بيته والاستماع إلى عزفه على العود الذي أطربه وأدهشه ، فصارت صداقة حميمة بين الشابين الموسيقيين سوف تثمر فيما بعد - انطلاقة كبرى للسنباطى مع كوكب الشرق .

     بدأت الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية ، وبدأت إرسالها يوم 31 مايو 1934 وحلت بذلك محل محطات الإذاعة الأهلية التي أوقفت وانتهت بقرار حكومي وكان قد وصل عددها إلى سبع محطات ، وكانت تعمل قبل المحطة الحكومية بسنة أو سنتين ، الإذاعة قدمت رياض فى أول الأمر ، وكان ذلك حوالي أواخر 1934 كعازف عود منفرد

      ولحن لأم كلثوم أول أغنية غنتها له على المسرح في بداية موسمها الغنائي عام 1937 في قاعة بالجامعة الأمريكية ( النوم يداعب عيون حبيبي ) من كلمات رامي ولحن السنباطى .

     وكان لقاء أم كلثوم برياض السنباطى بداية مرحلة جديدة في إبداع كل من السنباطى ألحانا وأم كلثوم غناء وطربا فى مجموعة رفيعة المستوى من القصائد الدينية والسياسية والعاطفية تحمل روح الشرق ، ونبض الشعب ، وتهز وجدان الأمة العربية وكان لها فضل كبير آخر : أن أصبحت قصائد أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد إقبال على كل لسان ، وفى ذاكرة البسطاء والكتل الجماهيرية في أرجاء الوطن العربي ، شرقا وغربا ، ومعانيها العلوية الرائعة فى ضمير الأجيال

رياض السنباطى والسينما  :

     التقطته السينما ، فلحن أغان لعدد من أفلامها ، أداها مطربون ومطربات كانوا معروفين مرموقين ، فقفزت ألحان السنباطى عاليا في سماء التألق والشهرة ، حيث جدد وأحسن ، وأعطى لكل منهم أبعادا موسيقية قوية شجية خصوصا مع أسمهان وأم كلثوم .

     لحن لأم كلثوم في أفلام : نشيد الأمل ودنانير وعايدة وفاطمة ، أما فيلم " سلامة " الذي أخرجه المخرج الاسرائيلى الايطالي الجنسية الذي كان يقيم بمصر " توجو مزراحى " فلم يلحن سوى لحن واحد ، واختير للقيام بدور البطولة في فيلم " حبيب قلبى " ومثل معه: هدى سلطان ومحسن سرحان وتحية كاريوكا وفردوس محمد .

 

 

رياض السنباطى الاجتماعي

     كان " رياض السنباطى " عزوفا عن المجتمعات والحفلات ، فهو لا يغشاها ، بل انه لم يحضر ولا حفلة واحدة لأم كلثوم كمستمع .. كان زاهدا .. قانعا بمجتمعه الصغير وما يحيط به من أصدقاء حميمين وأسرته الصغيرة حيث أنه كان يحب أن يقضى وقته بمنزله.

     مرة واحدة حضر لأم كلثوم ، ولكنه لم يحضر كمستمع ولكن كقائد للفرقة الموسيقية مع الأغنية الوطنية " طوف وشوف " من كلمات " عبد الفتاح مصطفى " ، بعد أن أخبرته أم كلثوم قبيل الحفلة بحضور الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر " والذي كان قد أبلغها بحبه وإعجابه بألحان رياض السنباطى ، وقال لها انه يود أن يراه .. فرحب رياض بالحضور فقاد الفرقة الموسيقية ليلتقي بالرئيس عبد الناصر.

     واشترك " السنباطى " بألحانه في المسرح الغنائي ، ولم ينس نصيبه من الغناء بصوته هو ، وان كان مقلا ،ولئن كان قد أسهم فى تطوير الأغنية العربية ، فهو أيضا جدد وطور التأليف الموسيقى العربي باستخدام أدوات غربية طوعها للألحان العربية : مثل البيانو والأورج والجيتار والأوكورديون .

     واستطاع بمهارة وذكاء أن يمزج الإيقاعات الشرقية بالإيقاعات الغربية في سلاسة وانسجام ، مع المحافظة على الطابع المميز للموسيقى الشرقية العربية المؤصلة الشجية ، فأثرى وأرضى ، وأمتع وأرسى قواعد ، ووضع علامات على طريق النهضة الموسيقية والغنائية الحديثة في مصر والعالم العربي ، وسارت على نهجها أجيال من الفنانين المبدعين في هذا المجال .

     وقبل أن نصل إلى الخاتمة في موضوع ابن فارسكور رياض السنباطى – نقول انه في إحدى اللقاءات الإذاعية لرياض قال فى معرض حديثه وتذكره لسنواته الأولى : انه تعلم الموسيقى أول ما تعلم في فارسكور على يد " الأسطى " – هكذا قالالسيد النجار .. يقول انه معلمه .. فمن هو السيد النجار يا ترى ؟ .. لابد أنه كان موسيقيا موهوبا من حواري فارسكور ..وإلا ما كان قد تعلم على يديه أمير الغناء العربي وأستاذ الموسيقى الشرقية " رياض السنباطى "
فكم تعيش في قراك وفى مدنك الصغيرة يا مصر .. هذه الفلتات العظيمة التي يذكرها التاريخ بكل الاحترام والتقدير .

وفاته :

     بدأ المرض يناوئه من 1970 ، وفى 3 فبراير 1975 ، ودعت مصر رفيقة العصر الذهبي أم كلثوم ، وكان شيخ الملحنين زكريا أحمد قد رحل سنة 1961 وبعده في مارس رحل محمد القصبجى 1966  .

     وكانوا يكونون أضلاع الثالوث الرائع – كان قد أعد لأم كلثوم قصيدة للشاعر : أحمد ناجى اسمها " انتظار " ، وبعد وفاة أم كلثوم أعطاها لسعاد محمد على اعتبار أنها الأقرب لأم كلثوم ولكنها لم تنل النجاح المأمول .. وفى يوم التاسع من سبتمبر 1981 الثاني عشر من ذي القعدة 1401 هجرية .. مات رياض السنباطى فنان الغناء العربي .

 المصدر : كتاب اعلام ومشاهير دمياط - تأليف محمد عبد السلام منسق برلمان دمياط - باحث دكتوراه في الاداب

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 218 مشاهدة
نشرت فى 27 أكتوبر 2013 بواسطة ebnmasr

ساحة النقاش

محمد عبد السلام - معد ومقدم برامج تلفزيونية

ebnmasr
محمد عبد السلام - معد ومقدم برامج تلفزيونية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

26,694