الجمعية الآكاديمية المصرية لتنمية البيئة EASED

بحوث بيئية

edit

 

مخاطر التلوث الجيني

 

طارق كمال الفلاح

كلية الزراعة – قسم الإنتاج الحيواني-جامعة الفاتح – طرابلس

 

المستخلص

تقنيات الهندسة الوراثية الجديدة أعطت العلماء الوسيلة لاختراق جينومات الكائنات الحية بفصائلها المختلفة, وأزاحت العوائق بين فصائل الكائنات الحية التي ليس لها علاقة ببعضها وذلك بنقل مورث (جين) أو أكثر من فصيلة إلى أخرى, ناتجا عن ذلك جينومات جديدة لم تكن موجودة في الطبيعة من قبل . وهناك مخاطر عديدة ظهرت مع تطور هذه التقنيات, خصوصاً بعد انتشار زراعة المحاصيل المحورة وراثياً في أغلب مناطق العالم, واستعمال بعض فصائل الحيوانات المستأنسة كمصدر لبروتينات مهمة للصحة البشرية, بعد تغيير جينومات هذه الحيوانات بغرس جينات من كائنات أخرى ليس لها علاقة مع فصيلة هذه الحيوانات. هذه المخاطر مثل التنقل الأفقي للجينات, وحركة حبوب اللقاح عبر الحقول للمحاصيل المحورة وراثياً تهدد الأصول الوراثية للكائنات الحية من نبات وحيوان إلى جانب النظام البيئي والايكولوجي. هذا التهديد قد يكون أكثر خطورة في دول العالم النامي ومنطقتنا العربية بسبب الإمكانيات العلمية المحدودة في أغلب بلداننا العربية في هذا المجال, خصوصاً بعد صدور دراسة استمرت سنتان عن الأمم المتحدة (المؤسسة الجامعية للدراسات المتقدمة للأمم المتحدة 2008) تقول بأن أكثر من 100 دولة في أفريقيا وآسيا ليست قادرة على إدارة وتوجيه واستعمال التكنولوجيا الحيوية الجديدة, وتحذر الدراسة من أن ذلك يجعل العالم مفتوح لمخاطر جدية في السلامة الحيوية.

هذا البحث يتعرض للطرق التي ينتج عنها التلوث الجيني وبعض حالات التلوث الجيني التي حدثت في العالم النامي خلال العقد الأخير والدروس المستفادة من هذه الحالات في كيفية بناء القدرات في مجال السلامة الحيوية أو البيولوجية للبلدان العربية..

Key words : genetic pollution-transgenics- gene flow-biodiversity-genetic diversity

                       wild species .

 

المقدمة

تاريخياً, كان التقدم العلمي بمختلف مجالاته خصوصاً في القرن السابق مواكباً لتأثيرات سلبية على البيئة وصحة الإنسان, (المبيدات بأنواعها, البلاستيك, الذرة, غازات المصانع.... إلخ).وليس هناك على مدى تاريخ العلوم والتقاني, أي تكنولوجيا لا تخلو من مخاطر أو انعكاسات صحية وبيئية. وإمكانية وقوع الضرر الذي يتم تقديره ببحوث الأمانة الصحية والبيئية, قد يظل قائم على المدى البعيد من استعمال التقنية.

الكائنات المحورة وراثياً (Genetic Modified Organisms) , واستخداماتها في الزراعة لم تنج هي الأخرى من نفس التساؤل القديم الجديد: كيف نحافظ على البيئة كما هي ؟ وفي نفس الوقت نستغل هذه الصناعة في تطوير الزراعة وإطعام الجياع وتحقيق الأمن الغذائي في دول العالم النامي, والحد من بعض الأمراض عن طريق المحاصيل الحاملة للقاحات ....... إلخ.

وتعتبر المحاصيل المحورة وراثياً (GM crops) , والتي بدأ الإنتاج التجاري فيها منذ 1996 وكذلك الأغذية المشتقة منها, مأمونة كطعام في الوقت الحاضر. وقد أجرى تقييم لهذه الأغذية لمعرفة أي نوع من الآثار السلبية التي قد تسببها وذلك من عدد كبير من الجهات الصحية الرسمية بالدول التي تبنت هذه التكنولوجيا على أراضيها مثل الولايات المتحدة , كندا, الصين, الأرجنتين, البرازيل و المملكة المتحدة.

والملاحظ أن أسس الوقاية والتي ظهرت في الجهاز القانوني بألمانيا في بداية السبعينات من القرن الماضي والتي تهتم بسياسات الحماية البيئية, انتشرت في الثمانينات عبر العالم خصوصاً بعد اعتمادها في كثير من المواثيق الدولية, وفي التسعينات من القرن السابق كانت لهذه الأسس دوراً مهماً في تشريعات الحماية البيئية والتي طبقت في منع دخول منتوجات التكنولوجيا الحيوية إلى الأسواق الأوروبية.

إلا أن هناك نقطة سلبية للغاية تتعلق بالمحاصيل المحورة وراثياً وتقديمها للعالم, فهذه الصناعة تشهد تسارعاً كبيراً في تقديم الجديد مع تباطؤ في إصدار التشاريع والقوانين المتعلقة بمراقبتها, خصوصاً في دول العالم النامي, فمن الملاحظ أن شركات التكنولوجيا الحيوية بالولايات المتحدة تقدمت في سنة 2006 بضعف عدد استثمارات التراخيص لتجربة محاصيل محورة وراثياً لإنتاج أدوية أو مواد كيماوية, مقارنة بسنة 2005, علماً بأن هذه التجارب ستكون في حقول مفتوحة, وبعضاً منها في الدول النامية منها الهند والباكستان ومصر. وهناك حوالي 70% من التجارب الحقلية التي جرت في عام 2005 تحتوي على ما يسمى "جينات سرية" مبونة على أنها معلومات سرية للشركة, وهذا يعني بأن الإدارات المسؤولة بالدولة أو المنطقة التي تجري فيها هذه التجارب ليس لديها أي معلومات عن ماهية هذه الجينات التي تم غرسها في نباتات المحاصيل المجربة, علماً بأن تجارب المحاصيل المحورة وراثياً تجري في البيئة المفتوحة حتى يمكن اختبار مقدرة البذور.

 

التلوث الجيني Genetic Pollution

في السابق كانت الإشارة إلى التلوث الحيوي (Bio pollution) يعني غزو وانتشار فصائل غريبة من الكائنات الحية, نبات أو حيوان, في مناطق لا تكون موجودة فيها أصلاً, ومع تقدم علوم الهندسة الوراثية وإنتاج الكائنات المحورة وراثياً من نبات وبكتيريا وحيوان ونشرها في البيئة بشكل متسارع, نتج عنه نوع جديد من التلوث البيئي وهو التلوث الجيني  (Genetic Pollution) وهو يعني انتقال جينات جديدة بالخطأ في كائنات حية بالبيئة, أو بمعنى آخر انتقال الجينات الجديدة المغروسة في الكائن المحور وراثياً عند نشره في البيئة إلى فصيلته العادية أو الفصائل البرية القريبة منه عن طريق التزاوج وتنقل حبوب اللقاح من مكان لآخر في حالة النبات وهو الأهم نظراً لانتشار زراعة المحاصيل المحورة وراثياً في جميع قارات العالم.

ويحذر مناهضي التكنولوجيا الحيوية الزراعية, والبعض منهم من العلماء المتميزون في هذا المجال من تحرير ونشر الكائنات المحورة وراثياً بهذه الطريقة السريعة, وإنه في حالة نشرها في الطبيعة فلن يكون بالإستطاعة حصرها أو ضبطها, وبالتالي فإنها ستمرر ما تملكه من جينات جديدة إلى الأجيال القادمة خصوصاً في الفصائل البرية لنفس النبات التي تعتبر الأصول الوراثية لأي فصيلة التي يعمل عليها الإنتخاب الطبيعي والصناعي في عمليات التحسين الوراثي, والأمر سيكون خطيراً من ناحية فقدان الأصول الوراثية البرية في جينومات الفصائل البرية للنبات ومن ناحية أخرى وهي لا تقل خطورة, فيما إذا اتضح لاحقاً أن بعض هذه التغييرات الجينية قد يكون لها تأثيرات أخرى غير تلك التي تكونت بشأنها.

كما أن بعض معارضي استعمال الكائنات المحورة وراثياً, خصوصاً في مجال النبات يبدون تخوفهم من أن الجينات الخاصة بمقاومة المبيدات والتي زرعها في محاصيل محورة يمكنها التسرب إلى فصائل عشبية حيث تكون النتيجة إنتاج أعشاب تقاوم المبيدات ومن الصعب ضبطها والتخلص منها, أما الأشجار المحورة وراثياً فهي أيضاً تثير مشاغل بيئية إضافية بسبب طول دورة حياتها.

إلا أن بعض المؤيدين لهذه التقنية يستبعدون أي خطورة في انتشار الكائنات المحورة وراثياً خصوصاً المحاصيل المهمة منها, ويرى البروفسور في علوم الوراثة نورمان ايلستراند (Norman Ellstranol) من جامعة كاليفورنيا – ريفير سايد, بأنه فعلاً يتم تزاوج بين بعض المحاصيل المحورة وراثياً مع نباتات برية أخرى من نفس الفصيلة, ولكنه يضيف بأن المحاصيل العادية كذلك يتم فيها مثل هذا التزاوج, وبأنه هناك حوالي 44 نوع من نباتات المحاصيل المعروفة تزاوجت مع واحد أو أكثر من النباتات البرية من نفس الفصيلة في مختلف أنحاء العالم, لذلك فإن هذا النوع من التزاوج ليس نادراً, وأنه في بعض الحالات يسبب مشاكل سلبية وأن النبات المحور وراثياً سيأخذ نفس نهج النبات العادي في هذا الشأن. إلا أن البروفسور ايلستراند لم يوضح في دراسته ودفاعه عن النبات المحور وراثياً عن كيفية حماية الأصول الوراثية البرية والفصائل القريبة من النبات المحور وراثياً من امتلاك جينومات لم تكن موجودة فيها من قبل, (عدا ما ينتج من الطفرات وهي نادرة). خصوصاً أن الجينات المغروسة في ما يعرف بالمحاصيل المحورة وراثياً من الجيل الثاني تحمل جينات مختلفة من الحيوان والبكتيريا وحتى جينات بشرية.

 

التلوث الجيني والتنوع الحيوي

يعتبر التنوع الحيوي (Biodiversity) أساس الأمن الغذائي للإنسان على المدى الطويل, فكلما زاد التنوع الحيوي داخل أي نظام زراعي, تزيد بالتالي قدرة هذه النظام على مقاومة الأمراض والآفات وظروف الطقس غير الطبيعية.

وخلال التاريخ الحديث وبعد التقدم الكبير في علوم الوراثة والتحسين الوراثي للنبات والحيوان مع بدايات القرن العشرين, كان هدف الإنسان دائماً زيادة الإنتاج للمحاصيل الهامة والحيوانات التي يستعملها لغذائه, بدون التركيز على تأثيرات ذلك في المدى الطويل والتي تمس أمنه الغذائي والبيئة التي يعيش فيها لأجيال قادمة, في نفس الوقت الذي قدم فيه علماء التطور والوراثة والبيئة العديد من النظريات والدراسات والأبحاث التي تبين أن النظام البيئي والتنوع الحيوي الموجود على الأرض له أهمية كبيرة كمصدر وراثي لا ينضب لجميع فصائل الكائنات الحية من نبات وحيوان وحشرات وقوارض ..... إلخ, في نظام أيكولوجي بديع ومتوازن, فهو مثل بنك جينات طبيعي يمدنا بما نحتاجه عند الحاجة. فمثلاً الفصائل المختلفة من المحاصيل الهامة في تغذية الإنسان مثل القمح والشعير والأرز والذرة لها فصائل برية موجودة في الطبيعة تعتبر المخزون الوراثي الذي تحتاجه الإنسان كإحتياطي استراتيجي على مدى الأجيال .ويعتبر العلماء في مجال التطور والوراثة أن هذا التنوع البيئي والمصادر الوراثية للفصائل البرية من أهم أساسيات الأمن الغذائي للإنسان للأجيال القادمة. ولكن هذا التنوع يتم إختراقه وتهديده من حين إلى آخر, والمبرر دائماً هو زيادة الإنتاج من أجل غذاء الإنسان.

فمثلاً خلال الثورة الزراعية الخضراء في الستينات قامت الحكومات والشركات في دول العالم النامي بحملة كبيرة لإقناع الفلاحين باستبدال محاصيلهم الوطنية خصوصاً القمح والأرز والذرة ببذور محسنة ومهجنة عالية الإنتاج ولكن مع استعمال الأسمدة والكثير من المواد الكيماوية. وبالفعل تضاعف إنتاج المحاصيل الإستراتيجية في تلك الفترة خصوصاً في البلدان التي كانت في أمس الحاجة إلى زيادة الإنتاج مثل الهند والباكستان ولكن في المقابل كانت الثورة الخضراء سبباً في تهديم التنوع الحيوي للمحاصيل الوطنية في تلك الدول باستعمالها نظام زراعي جديد ومحاصيل جديدة حلت محل الوطنية وجعلت المزارعين في دول العالم النامي يعتمدون إعتماداً كبيراً على البذور الجديدة والأهم من ذلك الإستعمال المفرط للمبيدات الحشرية والعشبية.

والمحاصيل المحورة وراثياً, إذا لم يتم ضبطها تمثل تهديداً خطير للتنوع الحيوي للنبات والحيوان والحشرات, فهذا النوع من النباتات يحمل جينومات جديدة لم تكن موجودة في الطبيعة من قبل, وتستطيع أن تنقل جينوماتها إلى نباتات أخرى من نفس الفصيلة أو من فصائل قريبة, بما في ذلك الفصائل البرية, وذلك عن طريق انتقال حبوب اللقاح والبذور بطرقها المختلفة سواء كان ذلك عن طريق الرياح أو الحشرات أو عشوائياً وبالخطأ عند نقل وخزن البذور . ويعتبر هذا النوع من التلوث الجيني الأكثر تهديداً للأجيال المستقبلية لهذه الفصائل, والخطورة لا تكمن هنا في التنوع الحيوي والوراثي لهذه الفصائل وإنما على النظام البيئي الايكولوجي بالكامل, المترابط طبيعياً في عمليات تبادل المنفعة والاعتماد.

والأبحاث في مجال التلوث الجيني نجدها قليلة ان لم تكن نادرة في الولايات المتحدة الأمريكية المُصدر الأول لهذه التقاني الجديدة والتي اعتمدت الانتاج التجاري بشكل موسع منذ عام 1996 للمحاصيل المحورة وراثياً. والسبب هو أن المحصولين الأساسين في عمليات التحوير الوراثي في هذا البلد كانا الصويا والذرة, وهاذين المحصولين ليس لهما فصائل برية أو حشائش من النوع القريب من فصائلهما في القارة الشمالية من أمريكا, لذلك لم يكن هناك تخوف على التنوع الحيوي أو الوراثي بسبب عدم وجوده. ورغم ذلك فقد رصدت بعض حالات التلوث الجيني التي حدثت في حقول قريبة مزروع بها صويا أو ذرة غير محورة وراثياً . ومن المعروف أن نبات الذرة يعتبر أصوله الأولى من أمريكا الوسطى (المكسيك) لذلك فإن تنوعه الوراثي يتركز في هذا الموطن, بينما تتركز أصول نبات الصويا في جنوب شرق آسيا والقمح في الشرق الأوسط.

وفي نفس الإطار نجد أن لنبات القطن أصول وراثية وتنوع حيوي في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة, لذلك تدخلت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة (EPA) ومنعت شركة مونساتو من زراعة قطن محور وراثياً في المناطق الجنوبية لوجود تنوع وراثي بري لهذا المحصول, وقامت الشركة بتجاربها على القطن المحور وراثياً في أحد ولايات الشمال التي عادة لا تزرع فيها القطن.

والملاحظ أن شركات التكنولوجيا الحيوية الأمريكية مثل (Monsanto) و (Syngenta) , لا تتبنى إجراءات ولوائح الوكالة الأمريكية لحماية البيئة عند تعاملها مع دول العالم النامي. فهذه الشركات لها عقود تجارب وإنتاج للقطن والأرز والذرة المحورة وراثياً , إلى جانب القمح والكانولا والبرسيم وبنجر السكر والموز والكيوي والطماطم والقرعة المحورة وراثياً في كثير من بلدان العالم النامي وعلى الأخص الباكستان والهند والصين ومصر وجنوب أفريقيا, بالرغم من وجود فصائل برية وأنواع محلية لهذه المحاصيل في هذه الدول.

كما أن هناك بعض المحاصيل المحورة وراثياً تم منعها في عام 2009 بدول الاتحاد الأوروبي نتيجة لدراسات أوضحت خطرها على البيئة وصحة الإنسان, ببعض دول العالم النامي, منها الذرة المحورة وراثياً (Bt Corn) من نوع (MON 601) التي تنتج نوع من السموم ضد الحشرات الضارة بهذا المحصول, حيث تبين أن الجين المزروع في هذه الذرة والمأخوذ من البكتيريا قد يكون له ضرر على صحة الإنسان والتنوع الحيوي لحشرات الحقل.

الجيل الثاني من الكائنات المحورة وراثياً

وقد يكون تهديد التلوث اكثر خطورة على البيئة والانسان , عندما يسمح بالتسويق التجاري لمنتوجات الجيل الثاني لشركات التكنولوجيا الحيوية والتي أجريت عليها التجارب الحقلية خلال الخمس سنوات الأخيرة ومن أهمها المحاصيل النباتية.حاملة اللقاحات لأمراض مثل الالتهاب الكبد الوبائي والإيدز, ومنها لإنتاج بروتينات لأغراض مختلفة في معالجة بعض الحالات المرضية مثل التليف الكيسي وتليف الكبد. بل أن بعض الشركات تخطط لإنتاج ذرة محورة وراثياً لإنتاج بلاستيك وأخرى لإنتاج مبيد خاص لقتل الحيوانات المنوية لدى الإنسان كوسيلة لضبط النسل (Spermicide) .وقائمة التجارب التي أجُريت أو التي استكملت وتنتظر الترخيص التجاري تطول , إلا أن من أهمها تلك المحاصيل التي تم هندستها وتحويرها وراثياً لإنتاج أدوية وبعض البروتينات المعالجة إلى جانب اللقاحات فيما يعرف بمحاصيل الأدوية (Pharm Crops) , ومثل هذه النباتات تحتوي على تتابعات من الحمض النووي (DNA) يتضمن جينات تشفر لبروتينات غريبة عن النبات وقد تكون هذه القطع من الحمض النووي مأخوذة من حيوان, أو فيروس, أو حتى من الإنسان.

    ورغم أن الأهداف لبعض من هذه المحاصيل قد تكون في صالح بلدان العالم النامي الفقيرة, مثل إنتاج لقاحات قليلة التكاليف لمرض الالتهاب الكبدي الوبائي (Hepatitis B) الذي يعتبر لقاحه الموجود منذ سنوات طويلة باهظ الثمن بالنسبة لمئات الملايين من سكان العالم النامي, وهذا النوع بالذات من المحاصيل حاملة لقاح الالتهاب الكبدي قد أجريت عليه تجارب كثيرة في كثير من البلدان المتقدمة , وتم تقديمه في محاصيل عديدة مثل الموز والبطاطس والذرة إلا أنه لم يتم إنتاجه تجارياً.

     وفي المقابل هناك معارضة كبيرة لمحاصيل الجيل الثاني خوفاً على التنوع الحيوي لمحاصيل إستراتيجية من تلوثها بجينات غريبة عنها. فمحاصيل مثل الأرز والذرة تعتبر إستراتيجية لدول العالم النامي إذ تشكل الغذاء الرئيسي لثلثي سكان العالم, وتهديد أصولها الوراثية في موطنها قد تكون نتائجه كارثية في المستقبل, خصوصاً أننا الآن لا نتعامل مع جينات مكافحة الحشرات والمبيدات وإنما جينات تشفر الأدوية ولقاحات تؤخذ في حالات معينة.

 

جينات بشرية في جينوم الأرز

     من أحدث الأمثلة للمحاصيل التي تنتج الأدوية والتي أثارت الكثير من الجدل في أوائل عام 2007, هو الترخيص للإنتاج التجاري المحدود من قبل وزارة الزراعة الأمريكية للشركة الأمريكية (Ventria Bioscience) بولاية كاليفورنيا لنوع من الأرز المحور وراثياً يحتوي جينومه على جينات بشرية تُشفر لثلاثة بروتينات بشرية, اثنان منها (Lysozyme Lactoferin)  وهي مركبات تقاوم البكتيريا الموجودة في اللعاب ولبن الأم . وقد سمح للشركة بحصاد حوالي 1500 هكتار في موقع للشركة بولاية كنساس التي لا تزرع الأرز , وقامت الشركة بالفعل بحصاد حوالي 220 هكتار في ربيع 2007. ومن المعروف أن محصول الأرز يحتاج إلى مناطق مغمورة بالمياه, أي في وجود الأنهار, وحيث أن ولاية كنساس لا يزرع فيها الأرز فإن اختيار هذه المنطقة يضمن عدم تلوث محاصيل الأرز في مناطق أخرى بالولايات الجنوبية.

    ومن المقرر أن تستعمل هذه البروتينات البشرية التي سيتم استخلاصها من بذور الأرز كعلاج لحالات الإسهال الشديد. ورغم أن مصادر الشركة تصرح بأن هذه البروتينات ستكون عاملاً فعالاً في القضاء على هذه الحالة التي تسبب في موت حوالي مليوني طفل سنوياً في العالم النامي, فإنها في نفس الوقت تخطط لمزج هذه البروتينات في حلوى خاصة للأطفال لأستعمالها في محاربة الإسهال للمصابين به في الدول المتقدمة. وقد يكون هذا هو الغرض الرئيسي من تجربة وإنتاج هذا النوع, فدول العالم النامي الفقيرة دائماً لا تكون الهدف الرئيسي لمثل هذه الشركات كمصدر تجاري للربح.

    ومعارضو مثل هذا النوع من المحاصيل يشككون في مدى مراقبة وعزل هذا النوع من الأرز مستقبلاً, وفي قدرة الجهات المعنية على الحيلولة دون تلوث محاصيل الأرز العادية بالجينات البشرية. خصوصاً إن الأمر يتعلق بنوع من البروتينات التي لها وظيفة في جسم الإنسان. مع العلم بأن هذه هي المرة الأولى التي يسمح فيها بالزراعة الحقلية المفتوحة لمحاصيل تحمل أدوية أو لقاحات , حيث أن جميع التجارب السابقة لمثل هذا النوع تجري في صوبات زجاجية أو معامل معزولة.

 

طرق التلوث الجيني

1-     التسرب الجيني (Gene Flow):

وهوة عبارة عن التزاوج المباشر بين النبات المحور وراثياً والنبات العادي من نفس الفصيلة أو حشائش من فصيلة برية قريبة عن طريق انتقال حبوب اللقاح. وتعتبر المزروعات المختلفة في الحقول المفتوحة وعلى مساحات مختلفة مترابطة عن طريق تنقل حبوب اللقاح وكذلك البذور لهذه المزروعات.درجة الترابط هذه والمسافات التي تحكمها تعتمد على كيفية انتقال حبوب اللقاح والبذور بواسطة الرياح أو الحشرات كذلك مدى الترابط الجيني أو الوراثي بين النباتات في المزروعات القريبة , مما يجعل هذا النظام يتفاعل على درجات مختلفة حسب أنواع المزروعات وطبيعة الأرض , وهذا يجعل من دراسة التسرب الجيني وغزو النبات من منطقة إلى أخرى صعبة إلى درجة كبيرة وتواجه الكثير من التحديات . وهناك تقنيات حديثة تطورت وتستعمل الآن لقياس هذه الحالة (Squire, G.R.et.al 2001) .

إنتقال وحركة البذور أو الجينات في البيئة يبدأ في العادة ببطء تم يتسارع تدريجياً , والمشكلة تكمن في مراقبة أو تحقيق مشاهدة الأحداث النادرة من هذا التنقل أو التي تحدث بأعداد صغيرة. ويحدد (Squire .et.al) الطرق والتقنيات المطلوبة للمراقبة في ثلاثة نقاط رئيسية : على أن تظهر لنا أن هناك كائن حي أو جين قد انتقل من مكان إلى آخر , وأن تُبين أو تقيس تأثيره على الكائنات الموجودة في المكان الذي انتقل إليه , وكذلك أن تعطي لنا تصور أكبر عن تأثير الانتقال من المعلومات الأولية.

هذه الطرق أو التقنيات تحتاج إلى خبرات في علوم عديدة , وهي بيئة النبات , الوراثة , علم الحيوان , علم الأمراض , الرياضيات والإحصاء . ويجب أن تجري بحوث لتجميع هذه العلوم من أجل هذه الظاهرة في قالب واحد وليس كل على حدا.ونظراً للتقدم الكبير في تقنيات معرفة التتابع أو الشفرة الوراثية للحامض النووي (DNA) , فإن هذا قد ساعدكثيراً في تحسن الطرق اللازمة في الكشف ومراقبة تحرك   المواد الوراثية من نبات إلى آخر , ومن أهم التقنيات التييعمل بها الآن في الكشف عن انتقال الجينات : AFLPS (SSAPS) - RAPDS Microsatellities - ISSRS كل واحدة من هذه التقنيات مخصصة لحالات معينة من تأثير الجين  :  جينات متعددة – موقع جيني واحد – سيادة كاملة .... إلخ   ولتأكيد التسرب الجيني يكون من المهم مشاهدة عملية نقل المادة الوراثية من كائن أو مجموعة إلى أبناء مجموعة أخرى.ويتم تجميع البذور من النباتات المتلقية المحتملة أو الأمهات (Potential Receptors) ثم زرعهم وتحليل التتابع الوراثي فيها.بعد ذلك تتم مقارنة الحامض النووي لهذه الأمهات مع النبات المحور (Donor) , ويحدث التسرب الجيني إذا كان تتابع معين من الحامض النووي وجد في الزرعات الجديدة من الأمهات ولكن ليس في الأمهات .

       علوم الوراثة الجديدة وتقنياتها جعلتنا نتحقق من أشياء كان من المستحيل تحقيقها في زمن قريب . ورغم ذلك هناك مشاكل لازالت عالقة وتحتاج إلى مزيداً من البحوث , خصوصاً فيما يتعلق بحركة البذور وحبوب اللقاح بواسطة الرياح والحشرات , بالإضافة إلى التقارب الجنسي بين الفصائل المختلفة للنبات. كما أن التنوع البيئي والحيوي مختلف من مكان إلى آخر , إلى خلال عقد من الزمن تتضمن محصول الذرة , حيث أن هذا النبات له مقدرة طبيعية على نشر حبوب لقاحه عن طريق الرياح لعدة كيلومترات , مما يشكل خطورة علة التنوع الحيوي للأصول الوراثية لهذا المحصول المهم في مختلف مناطق العالم التي تزرعه.

     وفي دراسة نُشرت نتائجها في أواخر عام 2006 وأُجريت بواسطة فريق بحثي من وكالة حماية البيئة بالولايات المتحدة (EPA) استعمل فيها البُحاث تصميماً أو نموذجاً لطقس ريحي في حقول مفتوحة مزروعة بعشب محور وراثياً (Bentagrass) وذلك في ولاية أوريجون بالشمال الغربي للولايات المتحدة , وكان الهدف من التجربة ملاحظة مدى انتقال حبوب اللقاح لهذا العشب المحور , بالإضافة إلى جانب ظروف الطقس والمناخ المتباين من منطقة إلى أخرى. فمثلاً نجد أن أكثر من ثلث حالات التلوث الجيني التي سُجلت دراسة حقلية عن التزاوج الخلطي مع نباتات عادية غير محورة ومن نفس الفصيلة في الحقول والأراضي المجاورة. ويحمل العشب المحور وراثياً جين مزروع لصفة مقاومة الجلايفوست الذي يحمل موجهاً واضحاً عند حدوث التزاوج مع نبات آخر (glyphosate tolerance) , واستعمل في هذه التجربة حوالي 162 هكتار , زرع فيها 2.8 مليون بذرة لكل هكتار. وكانت النتائج تؤكد على سهولة تسرب حبوب اللقاح لهذا العشب المحور وراثياً , حيث وجدت صفة مقاومة الجلايفوست في نباتات جديدة تم إنتقاؤها عشوائياً واختبرت معملياً , والأهم من ذلك أن وجودها كان على مدى 21 كيلو متراً من مكان حقل العشب المحور وراثياً . وحسب النموذج المقترح في هذه الدراسة فإن تسرب حبوب اللقاح لهذا المحصول المحور وراثياً قد يمتد إلى 75 كيلومتراً. هذه الدراسة كان لها الأثر الكبير بين مناصري البيئة ومعارضي زراعة المحاصيل المحورة وراثياً خصوصاً أنها صادرة من وكالة حماية البيئة الأمريكية التي لها جزء كبير من مسؤولية الترخيص والموافقة على زراعة ونشر الكائنات المحورة وراثياً . إلا أننا يجب أن نوضح أن إجراء مثل هذه الدراسات يكون له نتائج أدق إذا كانت متكررة في مناطق بيئية مختلفة أو بمعنى آخر إجرائها في البيئة الوطنية وعدم الاعتماد على نتائج في مناطق أخرى غير متشابهة .

 

2- التنقل الأفقي للجين (Horizontal Gene Transfer)

             التنقل الأفقي للجين بين الفصائل المختلفة للكائنات الحية يحدث باستمرار وهو يعني انتقال جين أو قطع من (DNA) من كائن إلى آخر بطريقة مخالفة لنقله الطبيعي من الآباء إلى الأبناء. ومن المعروف أنه في مراحل عديدة من العملية المخبرية لإنتاج أي محصول محور وراثياً يستعمل العلماء مجموعات من الحمض النووي التي لها شفرات خاصة بمقاومة مضادات حيوية معينة , والتي تبقى كجزء دائم من الناتج الأخير للنبات المحور وراثياً (جينات واسمة). والتخوف هنا هو أن ينتقل جين مقاوم للمضادات الحيوية من الغذاء المحور وراثياً إلى الكائنات الدقيقة الموجودة في معدة الإنسان وأمعائه أو إلى بكتيريا موجودة في الطعام. ويكون ذلك سبباً في مقاومة المضادات الحيوية التي يأخذها الإنسان عند العلاج من الأمراض . ويعد هذا النوع من التلوث الجين تهديداً مباشراً على صحة الإنسان بالرغم من نذرة حدوثه نظرياً , لذلك فإن فريق مشترك من الخبراء (WHO-FAO) أوصى بعد استخدام الجينات المقاومة للمضادات الحيوية في بحوث الأغذية المحورة وراثياً.

3- التزاوج المباشر بين الحيوانات 

أصبح إنتاج الحيوانات المحورة وراثياً وإكثارها عن طريق الاستنساخ أحد طرق شركات التكنولوجيا الحيوية في إنتاج بعض الأدوية والبروتينات البشرية في ألبان هذه الحيوانات , خصوصاً في الماعز والأبقار . ويحدث التلوث الجيني عند تزاوج مثل هذه الحيوانات مع مثيلاتها الغير محورة وراثياً عن طريق الخطأ . ونظراً لزيادة عدد الشركات التي تستعمل الحيوانات المحورة وراثياً في إنتاج مختلف الأدوية واللقاحات والبروتينات لأغراض مختلفة فإن الفرصة تزيد في إمكانية إنقلاب أحد هذه الحيوانات (ذكر أو أنثى) وفرصة تزاوجه مع أفراد طبيعية من نفس العشيرة . ويكفي حيوان بالغ واحد لإحداث تلوث جيني قد يكون كارثياً خصوصاً في حالة عدم معرفته أو مراقبته.

4- التلوث الجيني العشوائي

ويأتي ذلك عن طريق استعمال بذور محورة وراثياً عن طريق الخطأ (مثل حادثة تلوث حقول الذرة في المكسيك) , أو سقوط بعض البذور المحورة وراثياً من الشاحنات عند نقلها أو تخزينها أو إلتصاق البعض منها في آلات البذر والتوزيع .... إلخ.

ويكفي إنبات عدد بسيط من البذور في أي مكان حقلي لإحداث تلوث جيني في الحقول المجاورة كما تم توضيحه في النقطة الأولى عن التسرب الجيني بواسطة الرياح والحشرات.

 

 الأخطار المحتملة من التلوث الجيني 

1- التنوع الوراثي Genetic diversity

كل الفصائل المستأنسة من نبات وحيوان والتي تم تحسينها وتطويرها من أجل غذاء الإنسان عبر أجيال طويلة لها فصائل برية قريبة منها (wild species) وهي المخزون والاحتياط الجيني لهذه الكائنات لأجيال قادمة , والتي يعمل عليها الانتخاب الطبيعي والصناعي من طرف الإنسان عند الحاجة إليها . فمثلاً نجد أن الفصائل المحسنة من القمح والشعير والذرة تم إنتخابها وتحسينها تحت ظروف بيئية معينة قد تتغير وتختلف عبر الزمن , كما هو الواقع الآن في تغير المناخ نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري , وتحت أي ظروف بيئية جديدة ومختلفة فإن الفصائل البرية لهذه المحاصيل أو أسلافها هي التي تزود هذه المحاصيل بالجينات اللازمة للاقلمة والإنتاج تحت الظروف البيئية الجديدة.

    هذا التنوع الوراثي Genetic diversity لأي نبات يعتبر أساسي وحيوي لمستقبل الزراعة وغذاء الإنسان في المستقبل . وعدم وجود تنوع وراثي لبعض المحاصيل في بعض مناطق العالم كان السبب في كثير من الخسائر الكبرى نتيجة أمراض أو آفات . فمثلاً في عام 1970 أصيب محصول الذرة في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة بمرض (leaf blight),تسبب التماثل الوراثي(genetic uniformity) لمحصول الذرة في أمريكا وعدم وجود أسلاف برية , وكانت الخسائر تقدر بحوالي 15% من المحصول والذي يساوي في ذلك الوقت حوالي مليار دولار .

    وفقدان التنوع الوراثي للنبات والحيوان مستمر نتيجة لأسباب عديدة , وتُقدر منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) بأن حوالي 75% من التنوع الوراثي لمحاصيلنا الزراعية قد فُقد خلال المائة عام الماضية.

والتلوث الجيني في المحاصيل الإستراتيجية بواسطة تزاوجها العشوائي مع محاصيل محورة وراثياً , يعتبر أكبر تهديد الآن للتنوع الوراثي لهذه المحاصيل , خصوصاً في المناطق ذات الأصول الوراثية القديمة مثل تلوث الذرة في المكسيك التي تعتبر منطقة التنوع الوراثي لجميع أنواع الذرة المعروفة .

ومناطق التنوع الوراثي للمحاصيل الهامة تختلف حسب النوع , ونذكر بعض الأمثلة منها:

الصويا :  تعتبر الصين المنشأ الرئيسي للتنوع الوراثي للصويا . وهناك أكثر من 6000 نوع من الصويا البرية في الصين تُمثل حوالي 90% من مجموع ما هو موجود في العالم . ومع ذلك فإن الصين أكبر مستورد للصويا من الولايات المتحدة . وتعتبر 80% من الصويا المزروعة في الولايات المتحدة محورة وراثياً.

الأرز : يعتبر الغذاء الأساسي لحوالي ثلثي سكان العالم وهناك نوعان : الأرز الآسيوي (Oryza sativa) والأرز الأفريقي (O. glaberriuma) , وتعتبر مناطق جنوب شرق آسيا مركز التنوع الحيوي للأرز وفصائله البرية . ويوجد أنواع عديدة تم إنتاجها تجارياً من الأرز المحور وراثياً في الولايات المتحدة بما فيها أحد الأنواع الذي يحمل جينات بشرية . وتقوم بعض شركات التكنولوجيا الحيوية بتجارب حقلية على أنواع من الأرز المحور وراثياً في بعض بلدان العالم النامي التي بها تنوع حيوي للأرز منها بنغلادش وباكستان والهند والصين واندونيسيا .

القمح : له أهمية خاصة في تغذية سكان العالم ويزرع منه حوالي 230 مليون هكتار في العالم سنوياً . وتعتبر منطقة الشرق الأوسط مركز التنوع الوراثي والأصول البرية للقمح . وهناك أنواع عديدة من القمح المحور وراثياً أنتجته شركة (Monsanto) , منها المقاوم للفيروسات والمبيدات العشبية والطفيليات والمقاوم للجفاف . ومن المعروف أن القمح في الولايات المتحدة يتلقى خسائر كبيرة (145 مليون دولار سنوياً) نتيجة حشائش (goatgrass) . وإذا انتقل الجين المقاوم لمبيدات الحشائش من القمح المحور وراثياً إلى هذه الحشائش , فإنه يصبح من الصعب جداً التخلص منها بنفس المبيدات .الخطورة على التنوع الوراثي من نبات وحيوان نتيجة للتسرب أو التلوث الجيني من كائنات محورة وراثياً هو أكبر الأخطار المحتملة من هذه التقنية على مصادر الغذاء للبشرية في المستقبل . يقول عالم النبات (Jack Harlan) في هذا المصدر مبيناً أهمية التنوع الوراثي للكائنات الحية :

Between us and Catastrophic starvation on a scale we cannot imagine

2- عشائر الحشرات والقوارض المفيدة وخصوبة التربة

الحشرات التي تتغذى على المحاصيل أحد المشاكل الأكثر ضرراً والتي تسبب خسائر كبيرة في المحاصيل . والمراقبة الناجحة على هذه الحشرات تعتمد على بقاء التوازن الطبيعي بين الحشرات والقوارض التي تتغذى عليها , وحوالي 50% من القضاء والحد من الحشرات التي تتغذى على المحاصيل يأتي من القوارض الموجودة في الحقل بينما تقضي مبيدات الحشرات على 10% فقط , بينما تعتمد النسبة الباقية على مقاومة النبات نفسه .

    والمحاصيل المحورة وراثياً التي تحمل جين لمقاومة الحشرات (Bt-crops) تحد من عدد الحشرات إلى درجة كبيرة تؤثر على وجود القوارض التي تتغذى عليها إلى جانب إحتمالية تسمم القوارض من الحشرات التي تتغذى على المحصول المحور وراثياً .

      وفي تجربة (Hilbeck  et al., 1998) أوضح التأثير على القوارض المفيدة في المعمل على حشرة (lacewings) , أظهرت الدراسة زيادة معدل الموت للقارض عند تغذيته على حشرات تغذت على ذرة محورة وراثياً لمقاومة الحشرات (Bt Corn) .ونبات Bt هو نبات محور وراثياً بحيث يكون في مقدوره التعبير عن نوع من السموم ضد الحشرات , الذي ينتج من جينات موجودة في (Crystal family) Cry , والتي توجد في عناصر وراثية متحركة تسمى بلازميدات (Plasmids) .

وفي تقنيات التحوير الوراثي للنبات يتم عزل هذه البلازميدات من بكتيريا (Bacillus  turingiensis) أو(Bt. وهناك بعض الشكوك في تأثير السموم المأخوذة من عائلة Cry على الثدييات والإنسان (Jack Heinenrann) , فبعض بروتينات هذه العائلة يعتبر سام لخلايا الفار والإنسان , لدرجة أن بعض البروتينات من هذه العائلة جاري البحث في إستعماله كعامل للعلاج الكيماوي البشري لقدرتها على قتل أنواع معينة من الخلايا البشرية (Akiba  et al., 2004) .

       ومن المعروف أن البكتيريا (B. thccringiensis) تم عزلها نظراً على قدرتها السُمية على الحشرات , ولكن دراسات حديثة على هذه البكتيريا أوضحت أن هناك فصائل كثيرة أخرى لديها بروتينات (Cry) ولكن ليس لها قدرة سُمية على الحشرات , الأمر الذي زاد من الشكوك حول الدور البيولوجي لبكتيريا Bt الحقيقي.

      بعض من هذه الدراسات (Heiremann , 2009) اقترح أن هناك تغير في التداخل البيئي بين بكتيريا (Bt) وجينات (CRY) الموجودة في النبات وبين فصائل أخرى من البكتيريا . كذلك هناك تغير كبير حدث في التداخل البيئي بين بكتيريا Bt والإنسان خلال العقود الأخيرة , وإن هذا التغير حدث بسبب التركيز في تعرض الإنسان للبكتيريا وبروتيناتها السُمية , وذلك بسبب الاستعمال المفرط لها . فمنذ بداية القرن السابق هناك 13000 طن متري من بكتيريا Bt تنتج سنوياً لعمليات التخمر (Anonymous , 1999) . وهناك حوالي 114 مليون هكتار زرعت في عام 2007 بالذرة والقطن المحور وراثياً والذي يحمل جينات (CRY) المأخوذة من هذه البكتيريا . لذلك فإنه من الواضح أن فصائل معينة وجينات معينة (CRY genes) تم انتخابها واختيارها بطريقة جعلتها خارج منظومتها البيئية الطبيعية . ومن ناحية أخرى فإن تعرض الإنسان إلى بكتيريا (Bt) وسُمياتها زاد مع الإنتاج التجاري المحتوى على (Bt) بالإضافة إلى المحاصيل المحورة وراثياً الحاملة لجينات من هذه البكتيريا (Bt Crops) .

      وهناك دراسات حديثة وهامة عن بعض المحاصيل المحورة وراثياً الحاملة لجينات (Bt) , ففي دراسة فرنسية أوضح البحاث أن هناك دلائل على تسمم في الكبد والكلى في فئران تم تغذيتها على ذرة محورة وراثياً من فصيلة (Bt) من النوع (MON 863) (Seralini  et al., 2007) . وفي دراسة أخرى نُشرت في عام 2008 , وجد بُحاث من النمسا فروق معنوية على فئران تم تغذيتها على غذاء يحتوي ذرة محورة وراثياً ومُركبة تسمى (NK 603 * MON 810) , وكانت التأثيرات واضحة على الولادات الثالثة حيث أوضحت النتائج بأن هناك تأثيرات سلبية على التناسل إلى جانب التأثير السُمي على الكلى  (Velimirov et al.,.2008) . وفي نفس السنة أظهرت دراسة لفريق بحثي من إيطاليا تأثيرات سلبية أخرى للذرة المحورة وراثياً (MON 810) وذلك   في الأمعاء والجهاز المناعي في الفئران الصغيرة والكبيرة في السن   (Finamore et al., 2008) .

 هذه الدراسات أوضحت جميعها التأثير السلبي لمحاصيل (Bt) على الفئران , وقد يعني ذلك أن لها نفس التأثير على الكثير من القوارض الحقلية المفيدة إلى جانب الحشرات الأمر الذي قد يكون له نتائج وخيمة على النظام البيئي على المدى الطويل فيما يتعلق بعلاقة تبادل المنافع بين القوارض والحشرات والنبت , خصوصاً أن المحاصيل المحورة وراثياً من نوع (Bt) تزرع الآن في جميع مناطق العالم ومن أهمها الذرة والقطن.

                 إن تأثير التلوث الجيني من المحاصيل المحورة وراثياً على القوارض والحشرات قد يكون أكثر ضرراً عندما تزرع هذه المحاصيل بالقرب من مصادر بالقرب من مصادر مياه مثل الأنهار والبرك . ففي دراسة أمريكية لفريق بحثي مشترك من جامعات شيكاغو وانديا وجنوب إيلينوى (NABS , 2007) , أوضحت أن الذرة المحورة وراثياً (Bt Corn) التي تزرع بالقرب من مصادر مياه مثل الأنهار والبرك قد تكون ضارة إلى الحياة المائية مثل ذباب (Caddis – flies) . وفي التجربة المعملية أظهرت هذه الحشرات معدلات نو منخفضة عندما تم تغذيتها على أوراق الذرة المحورة وراثياً . ومن المعروف أن غذاء الحشرات مثل الذبابة التي تعيش فوق وتحت الماء يكون كذلك من بقايا النبات الموجود على الماء . وتنتقل حبوب اللقاح وأجزاء أخرى من الذرة المحورة وراثياً عبر المياه السطحية إلى الأنهار والبرك المائية حيث تكون مصدر غذائي للحشرات الموجودة وقد أوضحت الدراسة إنتشار أجزاء من الذرة المحورة وراثياً وحبوب اللقاح في الأنهار عندما تُزرع الذرة المحورة قريباً منها وذلك بعد إجراء تجربة في عامي 2005/2006 في 12 نهر وبرك مائية زرعت الذرة المحورة قريباً منها وكانت مختلفة من ناحية عرض النهر وقوة التيار إلى جانب المسافات بينها وبين حقول الذرة المحورة المزروعة . ومن المعروف أن Caddis – flies بالرغم من أن أسمها كذبابة إلا أنها من أنواع الفراشات , وحيث أن بعض أنواع الذرة المحورة التي تحتوي على (Bt) تفرز سموم ضد أنواع الفراشات والقوارض كما أوضحت الدراسات الحديثة فإن هذه السموم قد تكون أيضاً ضارة على Caddis – flies التي لا تضر محصول الذرة العادي ولكن القضاء عليها بهذه الطريقة قد يضر بالنظام البيئي المائي . حيث استخلصت الدراسة إلى أن الحصاد الكبير للذرة المحورة وراثياً في بعض المناطق قد يكون له تأثير سلبي على النظام البيئى المائى.

             أما تأثير التلوث الجيني على خصوبة التربة فقد أشارت إليه دراسات قليلة منها (Saxene  et al.,.2002) , حيث أوضح أن المحاصيل المحورة وراثياً من فصيلة (Bt) تفرز المادة السُمية من الجذور داخل التربة , وهناك احتمالية بأن الضخ المباشر يكون له تأثير سلبي على خصوبة ال�

الجمعية الأكاديمية المصرية لتنمية البيئة eased

eased
تم اشهار الجمعية الاكاديمية المصرية لتنمية البيئة فى عام 2000م. وهى جمعية بيئية لاتهدف الى الربح وتعمل تحت مظلة وازرة التضامن الاجتماعى. والجمعية عضو فى الاتحاد النوعى للجمعيات العاملة فى مجال البيئة بمصر منذ اشهارها. ويضم مجلس الادارة خمسة أعضاء وله سبعة لجان معاونة. وعدد أعضاء الجمعية العمومية 250 عضوا. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,982