استخدام قصب السكر كوقود عربات
أماندا سبيك
المراسلة الخاصة لموقع أميركا دوت غوف
(أماندا سبيك كاتبة مقيمة بواشنطن نشرت مقالاتها حول الصحة والعلوم والتربية والبيئة في مجلة "يو إس نيوز أند وورلد ريبوت" وأسبوعبة "ذي نيشن" (الأمة) ويومية واشنطن بوست وسواها من منشورات.
كان هوزي غولدمبيرغ الفيزيائي النووي البرازيلي الحائز على عدة جوائز يبتغي إختبار فكرة جديدة ومتحدية. ويقول "أنا كفيزيائي، أعرف كيف أقوم بالحسابات. وفي العام 1978 كانت هناك فورة هائلة بخصوص غاز الإيثانول هنا (في البرازيل) لكن لم يثر ذلك اي نقاش بخصوص استبداله لوقود الأحافير. وعندها قررت أن أقوم بالحسابات لأتحقق من مدى إمكانية تجدد الإيثانول. وكم هي كميات النفط التي يمكن أن نوفرها بالتحول إلى الإيثانول السائل المصنع من قصب السكر؟
كانت البرازيل تعاني من أزمتي الإرتفاع الهائل لدينها العام ومن حالة تضخم خطير. وكانت الأزمتان تعزيان بصورة كبيرة لحقيقة أن الإقتصاد البرازيلي كان يسيّر على النفط الذي كانت تستورد نسبة 80 إلى 90 في المئة منه بأسعار خيالية. ولغرض تخفيف اعتماد البرازيل على النفط المستورد تبنت حكومة البرازيل الوطنية برنامجا لتحويل تشغيل المركبات في البلاد من البنزين إلى الإيثانول المصنّع من قصب السكر المخمر. وبالإشتراك مع صناعة السكّر البرازيلية قدمت الحكومة إعانات لمزارعي السكر وقروضا لمعامل تقطير الإيثانول وحوافز لشراء سيارات تعمل على وقود الإيثانول.
لكن غولدمبيرغ لم ينشر نظرياته وحساباته في دورية العلوم ("ساينس") العريقة والمرموقة حتى العام 1978 وعندها بدأ صناع القرار السياسي في البرازيل وغيرها من البلدان رؤية أن قصب السكر يمكن أن ينتج وقودا نظيفا مربحا ومتجددا يستعاض به عن البنزين. وقال غولدمبيرغ لمجلة "تايم" الأسبوعبة في 2007: "كانت مساهمتي هي جعل الناس يتيقنون من إن الإيثانول هو توجهنا للمستقبل."
وبدأ غولدمبيرغ بالترويج للفكرة بأن تطوير الإيثانول كان أساسيا للنمو المستدام والذي يمكن أن يخفض من انبعاثات غاز الكربون وبالتالي يقلل من خطر التغير المناخي. وقال غولدمبيرغ: "ما يتعين عمله هو إنتاج قصب السكر والإيثانول في بلدان إستوائية فتلك البلدان بحاجة لصناعات نظيفة، وعملية تحويل قصب السكر إلى الإيثانول يستولد فرص عمل كثيرة. وفي حال باشرت دول البحر الكاريبي وأفريقيا بزراعة قصب السكر وإنتاج الإيثانول لأغراض التصدير فإن من شأن ذلك أن يدفع عجلة التنمية."
ومع استقرار أسعار النفط في ثمانينات القرن الماضي تعثر تطوير الإيثانول في البرازيل. وبدأت شراكة أقيمت بين منتجي قصب السكر بالعمل على زيادة الغلال الزراعية لحقول قصب السكر وبنفس الوقت خفض نفقات إنتاج الإيثانول. وكان أبرز تحسن آنذاك هو استخدام ما يعرف بـ"ثفل" قصب السكر وهو فضلات مستخرجة من قصب السكر المسحوق من أجل إنتاج الطاقة لعملية تصنيع الإيثانول. واستخدام فضلات الثفل يعوض عن استعمال وقود الأحافير لدى إنتاج الإيثانول. وعلى نقيض ذلك فإن الإيثانول المستخرج من الذرة وهي عملية تستخدم في الولايات المتحدة تنتج وقودا لا يزيد إلا بحدود 15 إلى 25 في المئة عن وقود الأحافير الذي يدخل في إنتاجه. ويلاحظ غولدمبيرغ: "لهذا السبب فإن ميزان الطاقة لإيثانول قصب السكر هو الافضل في عالم الوقود الأحيائي."
وفي العام 2000 ومع ارتفاع أسعار النفط وتراجع أسعار الإيثانول أصبح ألإيثانول الوقود المميز لدى البرازيل. وكان أن طرحت شركات صناعات السيارات الكبرى سيارات تعمل على "الوقود المرن" في 2003 فأنتجت مركبات تعمل إما على البنزين أو على الإيثانول بنسبة حوالي 100 في المئة. وسرعان ما بدأ الطلب على سيارات "الوقود المرن" وقفزت السيارات العاملة على الإيثانول قفزة هائلة. وتمثل العربات العاملة على الوقود المرن حاليا حوالي نسبة 90 في المئة من جميع السيارات الجديدة المباعة في البرازيل، وقد أصبحت متوفرة في العالم قاطبة.
وبرأي غولدمبيرغ فإن هذا لم يتحقق في وقت سابق لأوانه أبدا. ففي مقال آخر في دروية "ساينس" نشر في 2007 احتسب الفيزيائي أنه على خلفية المعدلات الراهنة لاستهلاك وقود الأحافير فإن احتياطيات النفط ستنضب خلال 41 عاما والغاز الطبيعي في غضون 64 عاما والفحم الحجري خلال 155 عاما. وجاء في المقال قوله: "إلى جانب مسألة النضوب فإن استهلاك وقود الأحافير يتسبب في مشاكل بيئية خطيرة، وعلى الأخص تسخين حرارة العالم." وهو يرى في تجربة البرازيل مع الإيثانول نموذجا يمكن بل يجب الإحتذاء به في العالم قاطبة. إذ إلى جانب خفض اعتماد البرازيل على مصدر طاقة آخذ بالنفاد فقد أدى استخدام الإيثانول في البرازيل إلى خفض انبعاثات غاز الكربون بنسبة حوالي 47 في المئة سنويا أي نسبة 20 في المئة من كامل أثر الكربون.
ويرى غولدمبيرغ وعدا أكبر في إنتاج الإيثانول من الجيل الثاني وذلك من خلال استخدام مواد من السيلولوز – مثل الأعشاب وفضلات المحاصيل والحدائق والأشجار. ويقول العالم :"السيلولوز موجود في كل مكان ولكن علينا تفكيك جزيئاته لغرض تخميره" ولا تزال التكنولوجيا لعمل ذلك في مرحلة التطوير. وإلى أن تصبح عملية قابلة تجاريا "ثمة خطة بديلة موجودة أصلا."
الآراء المعبر عنها في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء وسياسات الحكومة الأميركية
****