<!--[endif]--><!--[if !mso]-->
<!--[endif]-->

إعداد الأستاذ الدكتور

شوقي إبراهيم علي عبد الله

أستاذ العقيدة والفلسفة  بجامعة الأزهر

<!--[if !mso]-->
<!--[endif]--><!--<!--[if !vml]-->

<!--<!-- 

بسم الله الرحمن الرحيم

الإتحاد قوة

الإتحاد والترابط والتضامن فريضة دينية

عملاً بقوله تعالى "إنما المؤمنون أخوة" ومن هنا وجدنا الإسلام يذم أسباب الإختلافات التي تجر الإنسان إلى الهاوية ومنها الغرور بالنفس والإعجاب بالرأي وسوء الظن بالغير والمسارعة إلى إتهامه بغير دينه وحب الذات وإتباع الهوى ومن أثاره الحرص على الزعامة أو الصدارة أو المنصب والتعصب لأقوال الأشخاص والمذاهب والعصبية لبلد أو أقليم أو حزب أو جماعة وهذه كلها رذائل أخلاقية عدت من المهلكات ويجب على المسلم أن يجاهد نفسه حتى يتحرر منها ولا يستسلم لها ويسلم زمامه للشيطان والإختلاف الذي ينشأ عن هذه الرذائل إختلاف مذموم بل هو داخل في التفرق المذموم.

ومن هنا دعى الإسلام إلى الإتحاد والترابط والتضامن وإجتماع القلوب وإلتئام الصفوف والبعد عن الإختلاف والفرقة وكل ما يمزق الأمة أو يفرق الكلمة من العداوة الظاهرة أو البغضاء الباطنة ويؤدي إلى فساد ذات البين مما يوهن دين الأمة ودنياها جميعاً فلا يوجد دين دعى إلى الأخوة التي تتجسد في الإتحاد والتضامن والتساند والتألف والتعاون والتكاتف وحذر من التفرق والإختلاف مثل الإسلام في قرآنه وسنته يقول الله تعالى " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" آل عمران الآية 107

واضح أن الآيات الكريمة دعوة قوية إلى توحيد الكلمة وإجتماع الصف المسلم على الإسلام وواضح أن الإعتصام بحبل الله هو أساس الوحدة والتجمع بين المسلمين وحبل الله والإسلام والقرآن وقد سجل التاريخ أن من قبلنا تفرقوا وأختلفوا في الدين فهلكوا ولم يكن لهم عذر لأنهم أختلفوا بعدما جائهم العلم وجاءتهم البينات من ربهم ومن هنا كان التحذير الإلهي ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعد ما جائهم العلم وجائتهم البينات من ربهم ومن هنا كان التحذير الإلهي ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعد ما جائتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" سورة آل عمران 105.

وقد أكد القرآن أن المسلمين وإن أختلفت أجناسهم وألوانهم وأوطانهم ولغاتهم وطبقاتهم أمة واحدة وهم الأمة الوسط الذين جعلهم الله شهداء على الناس وهم كما وصفهم القرآن كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتأمنون بالله "           سورة آل عمران 110.

وأعلن القرآن أن الأخوة الواسجة هي الرباط المقدس بين جماعة المسلمين وهي العنوان المعبر عن حقيقة الإيمان إنما المؤمنون أخوة فأصلحو بين أخويكم وأتقوا الله لعلكم ترحمون" سورة الحجرات آية 10.

وجاءت الأيات بعد هذه الآية تقيم سياجاً من الأداب والفضائل الأخلاقية يحمي الأخوة مما يشوهها ويؤذيها من السخرية واللمز والتنابذ بالألقاب وسوء الظن والتجسس يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءُ من نساء عسى أن يكن خيراً منهنً ولا تلمذوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب بئس الإثم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" الحجرات الآية 11، 12.

وحذر القرآن من التفرق ومن ذلك قوله تعالى قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض...." سورة الأنعام الآية 65.

فجعل تفريق الأمة شيعاً يذوق بعضها بئس بعض من أنواع العقوبات القدرية التي ينزلها الله بالناس إذا إنحرفوا عن طريقه ولم يعتبروا بآياته وقرنها القرآن بالرجم ينزل من فوقه كالذي نزل بقوم لوط أو بالخسف يقع من تحت أرجلهم كالذي وقع لقارون وقال تعالى "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبأهم لما كانوا يفعلون" سورة الأنعام .

جاء عن إبن عباس أن هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى الذين تفرقوا وأختلفوا في دينهم وجاء عن غيره أنهم أهل البدع وأهل الشبهات من هذه الأمة قال إبن كثير "والظاهر أن هذه الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له وإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا إختلاف فيه ولا إفتراق كمن إختلف فيه وكانوا شيعا أي فرقا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله تعالى قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ما هم فيه وهذه الآية كقوله تعالى "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحى والذي أوحينا إليه وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" سورة الشورى، وذم القرآن الذين تفرقوا وأختلفوا في الدين من أهل الكتاب في آيات كثيرة.

ومن توجيهات السنة النبوية تفصيل ما جاء به القرآن الكريم من الدعوة إلى الإتحاد والإئتلاف والتحذير من التفرق والإختلاف فقد دعت السنة إلى الوحدة ونفرت من الشذوذ والفرقة ودعت إلى القوة والمحبة وزجرت عن العداوة والبغضاء والأحاديث متعددة، روى الترمزي عن بن عمر قال "خطبنا عمر بالجابية فقال:أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة"(<!--) وروي عن إبن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يد الله مع الجماعة"(<!--) وروي عن إبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال   "إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شد شد إلى النار" وفي الصحيحين أن من فارق الجماعة شبراً فمات ميتة جاهلية وتأكد السنة الدعوة إلى الأخوة والوحدة بين المسلمين في مواقف كثيرة وبأساليب شتى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلم أخ المسلم ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" متفق عليها إبن عمر وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليها وقوله صلى الله عليه وسلم "والذي بنفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شئ إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم في الأعيان عن أبي هريرة.

المسلمون تتكافأ  دماؤهم ويسعى بذمتهم أبنائهم ويجير عليهم أقصاه وهم يد على من سواهم" رواه أبو داوود وإبن ماجد عن عبد الله بن عمر، ولقد حذرت السنة النبوية أبلغ التحذير من التباغض والتهاجر والتشاحن وفساد ذات البين فمن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" رواه البخاري ومسلم.

ومن حديث أبي أيوب الأنصاري لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" رواه البخاري في الأدب ومن حديث أبي هريرة المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب إمرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" رواه مسلم، ومن حديثه كذلك صلى الله عليه وسلم "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا أي أخروا هاذين حتى يصطلحا أنظروا هاذين حتى يصطلحا ومن حديث مولى الذبير عن الذبير دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسه بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا أو لا تؤمنوا حتى تحابوا" رواه الترمزي، 2512 .

ومن كراهية الإسلام للفرقة والإختلاف من حديث أبي خراش الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" رواه أبو داوود في الأدب، ومن كراهية الإسلام للفرقة والإختلاف نجد الرسول الكريم يأمر بالإنصراف عن قراءة القرآن إذا خشي من ورائها أن تؤدي إلى الإختلاف فقد روى الشيخان عن جند بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أقرءوا القرآن ما إئتلفت قلوبكم فإذا إختلفتم فقوموا عنه أي تفرقوا وأنصرفوا لئلا يتمادا بيكم الإختلاف إلى الشر فرغم ما هو معلوم لكل مسلم من فضل قراءة القرآن لم يأذن بقراءته إذا أدت إلى التنازع والإختلاف سواء كان الإختلاف في القراءة وكيفية الأداء فأمروا أن يتفرقوا عن الإختلاف ويستمر كلاً منهم على قراءته كما ثبت فيما وقع بين عمر وهشام وبين إبن مسعود وبعض الصحابى وقال "كلاكما محسن أم كان الإختلاف في فهم معانيه والمعنى إقرأوا وألزموا الإئتلاف على ما دل عليه فإذا وقع الإختلاف أو عرض عارض شبهه يقتضي المنازعة الداعية إلى الإفتراق فأتركوا قراءة القرآن وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة وهو كقوله في الحديث الآخر فإذا رأيتم أن دين يتبعون ما تشابه منه فأحذروهم"(<!--).

لماذا الإهتمام بالحرص على الوحدة والترابط والتضامن، والجواب أن الإسلام حرص كل الحرص على الإتحاد وحذر كل الحذر من التفرق والتشاحن لأن وراء الإتحاد منافع في حياة الأمة لا تخفى على ذي لبٍ:

1- الإتحاد يقوي الضعفاء ويزيد الأقوياء قوة على قوة فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها وألاف اللبنات المتفرقة والمتناثرة ضعيفة بتناثرها وإن بلغت الملايين ولكنها في الجدار قوة لا يسهل تحطيمها لأنها بإتحادها مع اللبنات الأخرى في تماسك ونظام أصبحت قوة أي قوة وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف بقوله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه" متفق عليه، ونبهت عليه الآية الكريمة حيث قال الله تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص"(<!--).

القصة المشهورة التي علمها الأب إلى أبنائه تؤكد هذا المعنى إذ لم يستطع أي واحد منهم أن يكسر مجموعة العصي المتضامنة على حين أمكن بيسر كسر كل منها على حدة فقال في ذلك الشعر "

كونوا جميعاً يا بني إذ أعترى     *   خطب ولا تتفرقوا أحادا

              تأبى العصي إذ إجتمعن تكسراً     *   وإذا إفترقن تكسرت أفرادا

والإتحاد ذلك كعصمة من الهلك فالفرد وحده يمكن أن يضيع ويمكن أن يسقط ويفترسه شياطين الإنس والجن ولكنه في الجماعة  محمي بها كالشاة في وسط القطيع لا يجترئ الذئب أن يهجم عليها فهي محمية بالقطيع كله إنما يلتهمها الذئب حين تشرد عن جماعتها وتنفرد بنفسها فيجد فيها ضالته ويعمل فيها أنيابه ويأكلها فريسة سهله وفي هذا فقد جاءت في الأحاديث كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" عليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان ذئب الإنسان وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" وقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شد شد في النار" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا وبالله التوفيق وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

(<!-- ) رواه الرتمزي في الفتن وقاله حسن صحيح غريب ورواه الحاكم وصححه على صوت الشيخين..

(<!-- ) ىرواه الترمزي، صـ 2167، ورواه الحاكم جزء 1 ، صـ115.

(<!-- ) متفق عليه.

(<!-- ) صورة الصف آية 4.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 108 مشاهدة

عدد زيارات الموقع

3,926