أ.د/ صلاح الدين عبد الرحمن الصفتي Prof. S.A. El-Safty

كلية الزراعة جامعة عين شمس- موقع علمي متخصص في علوم الدواجن - مقالات علمية وثقافية Faculty of Agric

 

بقلم د.صلاح الدين عبد الرحمن الصفتي

كلية الزراعة جامعة عين شمس

 

لم تعد الزراعة مصدراً للغذاء فقط بل تطور مفهومها ومغذاها إلى أبعد من ذلك عند دول العالم المُتقدم، فيما يُعرف بثورة إنتاج الوقود الحيوي Biofuel  من الحبوب الزراعية، والتي قادتها وأيدتها دول كثيرة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وكندا، حيث دافعت تلك الدول بشدة عن حقها في توفير مصدر بديل وجديد للطاقة، خصوصا مع عدم استقرار أسعار النفط عالمياً، وقد توقعت تلك الدول نشوب أزمة عالمية هائلة نتيجة للنقص الشديد في النفط عام 2050 م. وتجدر الإشارة إلى أن استخدام الحبوب الغذائية في توليد الطاقة يُمثل تحدياً كبيراً للدول النامية والتي تعتمد اعتماداً كبيراً على استيراد قدراً كبيراً من تلك الحبوب لكي تفي باحتياجات مواطنيها ومن تلك الدول مصر "الزراعية سابقا". فضلاً عن ذلك أيضاً فإن الثورة البيوتكنولوجية (التقنيات الحيوية) في المجال الزراعي استطاعت وبصورة هائلة إنتاج أصناف جديدة من معظم الحبوب الغذائية ذات مواصفات وخصائص تتفوق في قدرتها على الأصل من حيث مُعدل الإنتاجية للفدان ومُقاومتها للظروف البيئية المُختلفة علاوة على تحملها للمُبيدات ومُقاومتها للأفات. لم يختلف التطور الحادث في قطاع الإنتاج الحيواني والداجني كثيراً عن ما تم الحصول عليه في القطاع النباتي، فإن الأبحاث العلمية مازالت جارية ومُستمرة لإنتاج سلالات حيوانية ذات مُعدلات نمو سريعة وقدرات مناعية عالية. من الجدير بالذكر فإن الغرض من مُقدمتي السابقة عن القطاع الزراعي حول العالم وأهميته وتطوره هو لفت نظر القاريء لما توليه دول العالم المُتقدم جمعاء لهذا القطاع من أهمية وذلك لاعتقادهم الراسخ أن الزراعة هي الحياة وأنه حقاً من يملك قوته يملك حريته ويملك قراره.

إن التعليم الزراعي في مصر يُعاني كثيراً من القصور والتقصير، حيث يجب أن نعي وندرك أن النهوض به يُعد بالتبعية نهوض وازدهار للقطاع الزراعي

المصري، وهذا بلا شك في ظل ما نراه حولنا من تحديات يُعتبر اضطراراً لا اختياراً، ويمكن القول وبلا أي مبالغة أن نهضة القطاع الزراعي في مصر تُعد من أهم قضايا الأمن القومي، حيث يجب أن يعي ويدرك ذلك الجميع خصوصاً في خضم ما يتم تفجيره يوماً بعد يوم من إشكاليات تخص قضايا الأمن الغذائي حول العالم.

       إن إشكالية عزوف طلاب الثانوية العامة عن الالتحاق بكليات الزراعة على مُستوى الجمهورية أراها من وجهة نظري مسئولية العديد من الجهات، ولكن في المُجمل هي إشكالية تسويق جيد لتلك الكلية، وبالتالي وضعها في مكانها الصحيح على خريطة التعليم الجامعي المصري، حيث ما يتوفر من معلومات لكثير من أولياء الأمور والطلاب عن تلك الكلية هي أنها كلية الفلاحة أو هي كلية الفأس والأرض فقط وأن فرص العمل بعد التخرج منها محدودة، ولهم بعض العذر في ذلك لما قد قلته سلفاً وهو ضعف عملية تسويق تلك الكلية وجهل حقيقتها وأهميتها، وهذا أدى إلى ما رأيناه خلال السنوات الماضية وحتى الآن وهو انخفاض الحد الأدنى للقبول بكليات الزراعة إلى 50% أملاً في أن يلتحق بها أحد. ولعل سطوري القادمة تطرح بعض من المُقترحات والتي ربما تُساهم في إيجاد الحلول نحو معرفة أكثر بدور وأهمية كليات الزراعة وربما عودة الطلاب مرة أخرى للالتحاق بها بل والفخر بأن يكونوا أحد خريجيها:

1- تحتوي كلية الزراعة على ما يقرب من 19 تخصص دقيق في مجالات الإنتاج النباتي والحيواني وعلوم الأراضي والكيمياء الحيوية وعلوم الميكروبيولوجي والوراثة ووقاية النبات وعلوم التصنيع الغذائي والاقتصاد والإرشاد الزراعي إلى جانب شعبة التقنيات الحيوية والتي تُعد أحد ثورات العلم الحديث. يتخرج الطالب من الكلية حاملاً درجة البكالوريوس في العلوم الزراعية لتخصص معين وليس بكالوريوس في الفأس والأرض كما يعتقد البعض.

2- يجب أن تتبنى وزارة الإعلام (أو الجهاز الإعلامي) بالتعاون مع وزارة التعليم العالي ممثلة في كليات الزراعة عمل رسالة إعلانية تُعرّف طلاب الثانوية العامة بكلية الزراعة من الداخل وأقسامها المُختلفة وهدف ورؤية كل قسم على حدى وذلك في ظل نظام الجودة والاعتماد الذي تتبناه وزارة التعليم العالي حالياً، على أن يتزامن ذلك مع الفترة المُحددة لكتابة رغبات الطلاب، حيث يُعد ذلك بمثابة تسويقاً إعلامياً لكلية يجهل حقيقتها الكثيرين.

3- تمليك فوري لخريجي الكلية الجادين في العمل في مجالات الزراعة المختلفة لأراضي مُستصلحة مع إعطائهم كافة التسهيلات اللازمة لتحويل تلك الأراضي لمشاريع مُنتجة.

4- لا يتم السماح بإنشاء أي من مشاريع الإنتاج الحيواني والداجني أو أي مشروعات أخرى مُتخصصة في المجال الزراعي إلا لأشخاص يحملون بكالوريوس في العلوم الزراعية في ذات التخصص المطلوب، أي أن تكون تراخيص المشاريع الزراعية لخريجي الزراعة فقط أسوة بما هو مُتبع في مهن أخرى كثيرة مثل الطب والصيدلة والمُحاماه.

5- تطوير نقابة المهن الزراعية وتفعيل دورها، والذي يجب أن لا ينحصر في معاشاتها الهزيلة أو مصايفها الترفيهية، حيث تعتبر نقابة الزراعيين من أقدم وأعرق النقابات المهنية بمصر (تأسست عام 1949م). يجب أن تتضمن محاور تطويرها إنشاء قاعدة بيانات تضم جميع أعضاء النقابة وسيرتهم الذاتية، وأن تفتح النقابة خطاً ساخناً مع سوق العمل في داخل مصر وخارجها لتكون حلقة الوصل الشرعية بين الخريجين وأصحاب العمل على أساس منظومي سليم.

6- تبني وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي ونقابة المهن الزراعية عمل دورات تدريبية لرفع كفاءة خريجي كليات الزراعة بما يفي ويخدم سوق العمل وفقاً لاحتياجاته الكثيرة والمتطورة.

7- أن يتم تغيير الاسم الحالي للكلية من "كلية الزراعة" إلى "كلية العلوم الزراعية" لكي  يكون أسم الكلية معبراً عن ما تحويه الدراسة بالكلية من كنوز العلوم الزراعية المُختلفة، ويُعتبر هذا البند ذو مغزى نفسي، وذلك محاولة لمحو ما رسخ في عقل وذهن الكثيرين عن كليات الزراعة في كونها كلية الفأس والأرض فقط. وتجدر الإشارة هنا أن الخريج الحالي للكلية يحصل بالفعل بعد تخرجه على بكالوريوس في العلوم الزراعية، وعليه فإن تسمية الكلية باسم "كلية العلوم الزراعية" يبدو منطقياً ومُحققاً لهدف ورؤية التخصصات المختلفة بالكلية في ظل نظام الجودة والاعتماد الجاري تطبيقه في جميع كليات مصر في الوقت الراهن.

8- أما عن هذا البند فهو يخص تطور القطاع الزراعي بشكل عام في مصر من خلال رفع ميزانية البحث العلمي الزراعي وتوفير كافة الإمكانات لعلماء وكوادر الزراعة في الجامعات ومراكز الأبحاث الزراعية بمصر، وتبني الأبحاث التطبيقية الهادفة لرفع الإنتاجية ومعظمة العائد وما أكثرها، والكثير منها للأسف حبيس الأدراج والمكتبات دون أي مردود أو اهتمام من أصحاب القرار  في العصر البائد فهي بالفعل تُمثل حبر على ورق، فيا لها من خسارة فجة حبر وورق وقبلها أفكار لا تُمثل أي شيء إلا لأصحابها.   

وأخيراً وليس بأخر فإن ما دفعني لكتابة هذه السطور هو فرط حزني وغيرتي على ما أصاب كليات الزراعة في مصر وذلك على مدى سنوات عديدة وحتى الآن، رغماً عن ما تمثله تلك الكلية من قيمة ومكانة كبيرة في الكثير من دول العالم حولنا. ولهذا فإنني قد أرى مع استخدام الحلول المُقترحة سالفة الذكر والاستعانة بأفكار خبراء التعليم والزراعة وما أكثرهم فإنه من الممكن أن يتحقق ما جعلته عنواناً لمقالي وهو انتفاضة الزراعيين، لأن فعلاً مصر بتتغير وأحنا لازم كمان نتغير معاها لكن مع شوية صبر وزيهم تفاؤل وأن لا ننسى أموال مصر المنهوبة خلال العصر البائد، كي نعرف أننا على الطريق الصحيح.

هيا أفيقوا

هيا ننهض من سباتنا العميق "المقصود"

هيا نصعد لمنزلتنا الطبيعية ولنأسف على ما فات دون الوقوف عنده كثيراً

هيا نبدأ العمل

تأمل وتعجب

بلغت واردات مصر الزراعية (نباتية وحيوانية) خلال عام 2010م أكثر من 30 مليار جنيه، في بلد ينعم بأطول نهر في العالم والذي يحيطه من الجانبين تربة زراعية سوداء غنية وخصبة، ناهيك عن التربة الرملية في الأراضي حديثة الاستصلاح والتي نجحت فيها زراعة العديد من المحاصيل الزراعية.

 

 

 

المصدر: مصادر متعددة
  • Currently 18/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 511 مشاهدة
نشرت فى 26 أغسطس 2011 بواسطة drsalah

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,074,873