لقد انتقل مفهوم الاستراتيجية من المجال العسكرى إلى العديد من المجالات الأخرى ثم انتقل إلى مجال التربية. وعبر عملية هذا الانتقال من المجال العسكرى إلى المجال التربوى تبين أن الاستراتيجية تحقق قدرة تنافسية بأكبر كفاءة ممكنة. مما يعنى أن الاستراتيجية تجعل النظم متفوقة على نفسها وعلى غيرها من النظم الأخرى التى لا تعتمد على التخطيط المستقبلى. ونظرا للطبيعة المستقبلية للتربية انتقل مفهوم الاستراتيجية ليستخدم فى ميدان التربية على نطاق واسع منذ مطلع السبعينات من القرن العشرين وذلك عندما قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بوضع الاستراتيجية التربوية موضوع ورقة العمل لمؤتمرها وتزامن هذا المؤتمر فى الوقت الذى نظم فيه اليونسكو لجنة تطوير التربية على المستوى الدولى وتطوير استراتيجية التربية على المستوى الدولى و العربى, وتم تعريفها بأنها "فن تنظيم العلاقات التى تربط بين السياسة التعليمية والتخطيط لها والممارسات التى تحقق انتقال الجهود والمشروعات التعليمية من وضعها الراهن إلى الوضع الذى تستهدفه الغايات السياسية".
كما تم تعريفها بأنها اتجاه سير أو خطة عمل تبدأ من هدف وتكون ترجمة له. وعُرفت بأنها عملية منهجية متقدمة فى التفكير يتم بمقتضاها طرح البدائل أو خطوط السير التى تُوصل إلى غاية أو هدف. كما عُرفت أيضا بأنها مجموعة من الأفكار والمبادىء التى تتناول ميدانا من ميادين النشاط الإنساني بصورة شاملة متكاملة وتكون ذات دلالة على وسائل العمل ومتطلبات واتجاهات مساره بقصد إحداث تغييرات وصولا إلى أهداف معينة.
ويلاحظ على التعريفات السابقة أنها لم تحدد العلاقة بين السياسة والاستراتيجية. كما يلاحظ انه عند الانتقال بالمصطلح إلى حقل التربية فان هناك حاجة ماسة إلى استخدامه بهذا المعنى السياسي لأنه يقتضى ارتباط الاستراتيجيات سواء أكانت عسكرية أو سياسية أو تربوية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية ببعضها البعض لأن جميع هذه الاستراتيجيات تسعى إلى تحديد الأهداف العامة طويلة الأجل أو الاستراتيجية التى يراها المجتمع ضرورية وحيوية من اجل استمراره حضاريا وثقافيا.
والاستراتيجية طويلة الأجل هي استراتيجية جماعية التوجة وقوية النزعة لأنها تحدد أهداف قومية للتعليم تعكس كل أراء الأمة وتعبر عن ضميرها وطموحاتها كما أنها تحدد الأولويات وترسم خطوط السلطة والمساءلة بوضوح وهى وإن كانت مرتبطة بالواقع وإمكاناته إلا أنها أيضا تصدر نتيجة مُثل ومبادئ عليا لا يختلف عليها أفراد المجتمع وأحزابه السياسية, فالاستراتيجية تمثل ثوابت التطوير ومبادئ التغيير.
د. محمد نصحى ابراهيم
ساحة النقاش