<!--<!--<!--
اليـوم العالمي للعـدالـة الاجتمـاعيـة
WORLD DAY OF SOCIAL JUSTICE
د/علـى مهــران هشـام
تعد العدالة الاجتماعية حاجة إنسانية كونية، وهي في الوقت نفسه قضية وطنية. ففي أوطاننا العربية كانت العدالة الاجتماعية ولا تزال مطلباً مهماً من مطالب الحركة الاجتماعية ، وهي حركة المواطنين نحو مصالحهم الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية.
في العشرين من شهر فبراير من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، وهو ما اقترحته الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي لا تقصر العدالة الاجتماعية على تحقيق التنمية الاجتماعية وتكافؤ الفرص للفئات المهمشة والمحرومة، بل تشترط أن يسود السلام والأمن واحترام حقوق الإنسان وتحقيق الحريات الأساسية لبلوغ التنمية الاجتماعية، وبالتالي العدالة الاجتماعية إنها مهمة أقل ما يقال فيها إنها عسيرة وصعبة في عالم تفتقد الغالبية العظمى من سكانه لتلك الشروط مجتمعة.
فالفقر والاستعباد وغياب المساواة داخل المجتمعات البشرية وفيما بينها، تمثل كوابح كأْداء أمام تحقيق السلم والأمن والحريات الأساسية.. فلننظر إلى عالمنا العربي، وإلى داخل مجتمعاتنا لنكتشف أن العدالة الاجتماعية بقيت إلى يومنا هذا حلما صعب المنال وعلة العلل في مجتمعاتنا هي أن غالبية السكان معطلة، أمية، مهمشة ومضطهدة. فالنساء مثلا واللاتي يشكلن نصف المجتمع مهمشات ونسبة الأمية في صفوفهن عالية جدا تصل في المغرب إلى 70 في المائة، والأقليات في غالبية دولنا مضطهدة، وبعض السكان الأصليين محرومون في وطنهم من حقوقهم المدنية.. وجميع هؤلاء ومعهم بقية السكان، يعانون من اختلال التوازن ما بين حقوقهم وواجباتهم الوطنية، وهم في أفضل الأحوال رعايا وليسوا مواطنين. وتتعدد السلطات القامعة في بلداننا وأكثرها فعالية سلطة الدولة وسلطة الدين.. وكما يقول السيد هاني فحص «ما بين تعسف الدين وقهر السلطة، يضيع الدين وتضيع الثقافة» ولن تتحقق العدالة الاجتماعية التي تحلم بها البشرية من دون تحويل العباد من رعايا إلى مواطنين. وهنا علينا أن نستفيد من التجربة الغربية، فمنذ أكثر من قرنين جرى الفصل ما بين الدين والدولة عندما نص التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة العام 1791 على محاذير عدة منها: «لا يجوز للكونجرس أن يسن قانوناً يتعلق بإنشاء دين للدولة، أو منع ممارسته بحرية؛ أو يحدّ من حرية التعبير، أو الصحافة؛ أو حق الناس بالتجمع بسلام...» وفي العام 1793 تحول الرعايا الفرنسيون إلى مواطنين عندما صدر دستور السنة الأولى للجمهورية الفرنسية مستخدما بنحو واسع مصطلح المواطن ومذكراً بحقوقه، فقد عرف الدستور في مادته الرابعة الذين يتمتعون بالمواطنة الكاملة في فرنسا هم: كل رجل ولد أو أقام في فرنسا وعمره 21 عاما.. وكل أجنبي بلغ عمره 21 سنة وأقام في فرنسا مدة عام واحد، ويعيش من إيراد عمله، أو أنه متزوج بفرنسية أو تبنى طفلا، أو يرعى كهلا.
تلك كانت البدايات التي وفرت الأرضية الصالحة لنمو فكرة المواطنة وتطورها.. هذه الفكرة التي أصبحت بهذا الدستور مشاعة للجميع، ولم تعد حكراً على أبناء الوطن، استناداً إلى رابطة الأرض أو رابطة الدم، ولكنها أصبحت متاحة حتى لزائري الوطن أو المقيمين فيه، ولو مؤقتاً ولكل من يعمل، ولكل من يقدم خدمات اجتماعية وإنسانية للمواطنين. إن مثل هذه التسويات الاجتماعية تقدم أنموذجاً رائداً من التعايش له مدلولاته الإنسانية، وينسجم تماماً مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، كما ينسجم مع المثالية والأممية والأخلاقية التي جاءت بها الأديان السماوية، هذه الأديان التي جرى استغلالها لتحقيق أغراض سياسية، حتى وصلنا إلى قناعات تطالب بإبعاد الدين عن السياسة لإنقاذ الدين من شرور السلطة وإنقاذ السلطة من شرور بعض المستغلين للدين. وعلى مدى عقود أثمرت التجربة الغربية، وغيرت تماما، ليس حاضر تلك المجتمعات فقط، بل مستقبلها أيضاً.. بحيث أصبح المواطن فيها هو القيمة العليا، بغض النظر عن عرقه أو دينه أو طائفته، وتحققت بعض الجوانب من العدالة الاجتماعية، وبخاصة الأبعاد التي تتعلق بالحريات السياسية والمدنية والضمانات الصحية والاجتماعية ومازالت جوانب عديدة مغيبة ومؤجلة إلى حين..وكلما نتمعن فيما وصل إليه أوباما كرئيس لأميركا وساركوزي كرئيس لفرنسا، نتعلم الدروس في مجال المواطنة. فقد فاز نيكولا ابن المهاجر المجري ساركوزي في فرنسا برئاسة الجمهورية، وتراجعت منافسته السيدة الفرنسية الأصيلة سيغولين رويال، وفاز ابن المهاجر الأفريقي باراك حسين أوباما وخسرت منافسته الشقراء الأميركية الأصيلة هيلاري كلينتون، كما خسر منافسه الأميركي الأبيض جون ماكين!! وربما يكون الدرس الأكثر أهمية الذي تعلمتاه من بروز هاتين الشخصيتين في أعرق الديمقراطيات الغربية، هو الانتصار الحاسم والرائع لمفهوم المواطنة في الغرب. فالمواطنة بالعمل وليس بالعرق أو الجنس، المواطنة حق تكفله القوانين الدينية والدنيوية والشرائع الدولية، فهل سنتعلم درس الديمقراطية الأول، وننبذ التعالي المذموم والاستبداد الظالم والمحاصة المفرقة وعدم العدالة بين السكان.
بكل تأكيد , لا يمكن تصور العدالة الاجتماعية دون إطلاق التنمية على جميع الأصعدة. ويأتي في مقدمة ذلك توفير فرص العمل، وفتح دورات التأهيل والتدريب والتطوير. ولا يمكن تصور نظام اقتصادي اجتماعي عادل دون وجود الضمان الاجتماعي، وقانون لحماية المتقاعدين. كما تعد الخدمات الأساسية ( مياه – كهرباء – صرف صحي – تعليم – خدمات صحية - أمن ) هامة وضرورية لحياة كريمة بل يجب تحسينها، كماً ونوعاً، وتقديمها للمواطنين بأيسر الطرق وأسهلها وأن تكون في متناول إمكانياتهم الاقتصادية .
إن العمل المشترك، الذي يستوعب كل من يعتبر أن العدالة الاجتماعية قيمة إنسانية، تستحق بذل الجهود، لأنها فكرة كبيرة، راودت المفكرين الذي وضعوا في الصدارة حق الإنسان وحمايته وصون كرامته منذ القدم. ولم تضعف هذه الفكرة ويجب ألا تضعف بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة في مرحلة العولمة، بل عظمت قيمتها باعتبارها حاجة كونية كبيرة.
العالم العربي جزء أصيل وفعال في العالم، خصوصاً أن هناك قضايا حساسة في جداول أعمال السياسيين ومتخذي القرار، منها الدستور أو تعديلاته أو حتى تغيره ، والقوانين المتعلقة بقضايا شائكة ومتشابكة أيضا مثل حق المرأة في المشاركة في تحمل كافة المسؤوليات السياسية والقيادية والمهنية ، ودعم الشباب، ورعاية الأطفال، وحماية الشيوخ، ودعم ذوى الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي ورعاية الفتيات وحق التعليم المجاني .
وخلاصة القول , الشرائع السماوية ومنها الإسلام والتي أختص الله بها أرض وديار العرب كرمت الإنسان والمرأة وأعلت من شأنهم وفضل الله الإنسان على سائر المخلوقات وساوى الإسلام بين الجميع في الحقوق والواجبات وجعل أكرم الناس عند الله أفضلهم أخلاقا فلا فضل لعربي على أعجمي أو أبيض على أسود أو غنى على فقير إلا بالعمل الصالح والنافع والخلق الطيب , هذه الفضائل والقيم الرفيعة والمثل النبيلة هي قواعد للعدالة بين البشر أقرتها الشريعة الإسلامية الغراء منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان , السؤال القائم , لماذا التراجع وجلد الذات ونسيان أو تناسى تراثنا الثرى الوفير والتخلي بقصد أو بحسن نية عن هويتنا ؟!!
والله المستعــان ,,,,
ساحة النقاش