يعد أدب الخيال العلمي من أهم الأجناس الأدبية المعاصرة وأوثقها ارتباطا بحياة البشر، وذلك لارتباطه بشكل ونوعية الحياة في المستقبل نتيجة للتقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع، وقد أطلق على هذا الأدب العديد من المسميات، مثل أدب الأفكار، وأدب التنبؤ بالمستقبل، وأدب التغيير، والأدب الذي يهتم بحال ومصير الجنس البشري.
وللخيال العلمي الجاد القابل للتحقيق قواعد في كتاباته، اذ يقوم على فرضيات علمية مدروسة يمكن تحقيقها، كما انه يعد بمثابة مرآة تعكس أحدث الانجازات العلمية، كما يزود العلم بأفكار يمكن استثمارها وتحويلها الى ابتكارات واكتشافات جديدة.
ويمكن القول بأننا نعيش في عصر أدب الخيال العلمي، ففي العصر الحالي توشك الحدود الفاصلة بين العلم والخيال أن تتلاشى بعد أن حققت معظم تنبؤات الخيال العلمي وتحولت لواقع ملموس، كما أن هناك اليوم سباقا هائلا بين العلماء وكتاب الخيال العلمي، حول أفكار وانجازات المستقبل في شتى المجالات، لدرجة أن وقائع الثورة العلمية والتكنولوجية السريعة والمذهلة قد تجاوزت الكثير مما كان يعد خيالا علميا. وقد لعب الخيال العلمي وما زال دورا كبيرا في الوصول الى الاكتشافات والاختراعات العلمية ، فلو نظرنا الى الكثير من الانجازات العلمية التي تحققت خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الحالي، بدءا من السفر للفضاء ونهاية بالعلاج الجيني والاستنساخ، لوجدنا أن كل هذه الحقائق والانجازات العلمية سبق التنبؤ بها في كتابات الخيال العلمي منذ أواخر القرن التاسع عشر. وكمثال، فقد تنبأ كاتب الخيال العلمي البريطاني الشهير اتش جي ويلز H.G.Wells في روايته «العالم تحرر» The World Set Free عام 1914، باكتشاف الطاقة الذرية وتحررها والاشعاع الصناعي وتطور القنابل الذرية، وقد استفاد من هذه الرواية عالم الفيزياء الأمريكي المجري المولد ليو زيلاردLeo Szilard واستطاع أن يؤسس على تنبؤات ويلز هذه معادلات نظرية كانت الأساس في مشروع مانهاتن الأمريكي لتصنيع القنبلة الذرية عام 1945. وسيظل الخيال العلمي يحث العلم والعلماء على تقديم المزيد من الانجازات في المستقبل.
وتكمن أهمية الخيال في أنه يجعل الفرد مبدعا في تفكيره، أي ينمي لديه القدرة على التصور لما ستكون عليه الأشياء والأحداث في المستقبل وكيفية الاستعداد لمواجهتها، وبالتالي يمكن القول بأن تنمية الخيال العلمي مدخل ضروري لتنمية الابداع والكشف المبكر عن المبدعين والمتميزين، لضمان تزويد عالمنا العربي بجيل من العلماء المبدعين في شتى مجالات العلم والمعرفة، حتى نضمن لنا مكانا مرموقا في عالم المستقبل.
ولقد أدركت الدول المتقدمة أهمية الخيال العلمي في اعداد وتنشئة جيل من العلماء والمبدعين، فقامت بادراجه في مناهج التعليم المختلفة، وافتتاح أقسام دراسية بالجامعات في تخصص أدب الخيال العلمي، وأكدت على أن دراسة الخيال العلمي جزء لا يتجزأ من استراتيجيات المستقبل. وقد أشار الى ذلك كاتب المستقبليات الأمريكي ألفين توفلر Alvin Toffler في كتابه «صدمة المستقبل» Future Shock بقوله «قراءة الخيال العلمي أمر لازم للمستقبل»، كما أشار لذلك كاتب الخيال العلمي البريطاني الشهير آرثر سي كلارك Arthur C. Clark في كتابه «لقطات من المستقبل» Profiles of the Future وله: «القراءة النقدية لأدب الخيال العلمي هي بمثابة تدريب أساسي لمن يتطلع الى الأمام أكثر من عشر سنوات»
وعلى الرغم من الأهمية التي يوليها الغرب لأدب الخيال العلمي، الا أن عالمنا العربي لم يشهد اهتماما مماثلا أو حتى متناسبا مع تلك الأهمية، ولعل أخطر الثغرات التي تعاني منها نظم التعليم العربية تكمن في عدم اعطاء الخيال والابداع حقهما من الاهتمام، مما يؤدي الى اغفال تنشيط قدرات النشء الابداعية، فما زلنا ننظر بحساسية واستغراب لهذا النوع من الأدب، وبالتالي تحجم الكثير من مؤسسات الثقافة ودور النشر عن نشر هذا الأدب لعدم ادراكها لأهميته في تطور العلم والتكنولوجيا وفي اعداد العلماء والمبدعين.
لقد أصبح من الضروري الاهتمام بأدب الخيال العلمي في عالمنا العربي، اذ يجب على كافة مؤسسات المجتمع التعليمية والثقافية والاعلامية أن تعطي أهمية كبرى للخيال حيث يجب التأكيد من خلال مناهج الدراسة على عمق العلاقة بين العلم والخيال العلمي، من خلال ادراج هذا الفن الراقي من الأدب في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات للوقوف على روائع هذا الأدب، ولغرس حب العلم في نفوس طلابنا، حيث همزة الوصل القائمة بين الخيال العلمي ودراسات المستقبل، فكلاهما يسعى الى التنبؤ بالمستقبل.
وأذكر هنا بما قاله العالم العربي البروفسور أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء في ندوة بمؤسسة الأهرام المصرية في يونيو عام 1995، يقول: «الجميل في أمريكا وهو ما جعلها تتقدم على العالم علميا، أن الخيال لا يقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لا بد أن يحلم، واذا لم يتخيل العالم ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا»
نشرت فى 14 سبتمبر 2012
بواسطة drhosam2010
حسام الدين محمد مازن
الاستاذ الدكتور/ حسام مازن أستاذ المناهج وطرق التدريس، ووكيل كلية التربية بسوهاج للدراسات العليا والبحوث سابقا، والعميد السابق للمعهد العالي للكمبيوتر وتكنولوجيا الإدارة بسوهاج،عضو لجنة ترقيات الأساتذة في تخصص المناهج وطرق التدريس وتكنولوجيا التعليمللفترة2012=2015م ثم 2016/2019م .حائز على جائزة جامعة سوهاج التقديرية 2016م-أرفع جائزة بالجامعة. من المهتمين بتبسيط العلوم ونشرها »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
225,402