ملاحظات عامة على مشروع قانون الإدارة المحلية
د. سمير محمد عبد الوهاب
من المنتظر أن يناقش مجلس النواب فى جلساته المقبلة مشروع قانون الإدارة المحلية الذى انتهت لجنة الإدارة المحلية بالمجلس من مناقشته منذ أكثر من عام ونصف العام. ولما كان قانون الإدارة المحلية يعتبر من القوانين المكملة للدستور، ويحدد أدوار المحافظات فى عملية التنمية، وعلاقاتها بالحكومة المركزية، ولما ينطوى عليه من توزيع للسلطات والاختصاصات بين الوزارات والمحافظات، وتمكين للمواطنين من ممارسة الديمقراطية المحلية، فهناك عدد من الملاحظات على مشروع القانون.
تتمثل أهم ملاحظاتنا فى عدم معالجته العديد من المشكلات التى تعانينها الإدارة المحلية، ومبالغته فى الإحالة إلى السلطة التنفيذية، وعدم حدوث تطور فى أسلوب اختيار القيادات التنفيذية، ومحدودية سلطة الوحدات المحلية فيما يتعلق بإيرادات الوحدات المحلية، وغياب مبادئ الحوكمة المحلية وضعف دور المواطنين فى المشاركة، وذلك إلى جانب عدم التسلسل المنطقى والموضوعى فى تقسيم مشروع القانون، وعدم دقة بعض المصطلحات والمفاهيم والصياغة القانونية.
فهناك العديد من مشكلات الإدارة المحلية التى تجاهلها مشروع القانون، ومن أهمها:
تعدد مستويات الإدارة المحلية، والتدرج الهرمى بين الوحدات المحلية، وعدم التوازن بين السلطة والمسئولية على المستوى المحلى، وعدم وضوح الاختصاصات المحلية وتداخلها مع اختصاصات الحكومة المركزية، خاصة دور المجالس المحلية فى تحقيق التنمية المحلية واستغلال الموارد المتاحة، ودورها فى تحقيق الشراكة مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى.
بالغ مشروع القانون فى الإحالة إلى السلطة التنفيذية، خاصة فيما اعتبره الدستور من اختصاص السلطة التشريعية. فعلى الرغم من أن المادة 176 من الدستور قد أكدت أن يحدد القانون سبل دعم اللامركزية، وأن يضع برنامجا زمنيا لنقل السلطات إلى الوحدات المحلية ، إلا أن مشروع القانون قد ترك ذلك للوزير المختص بالإدارة المحلية ولمجلس المحافظين. وأجاز لرئيس الجمهورية أن ينشئ وحدات محلية أخرى، بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء ، دون أن يحدد ماهية هذه الوحدات المحلية، ولماذا ؟ كما ترك لرئيس الجمهورية - بعد موافقة مجلس الوزراء - تحديد قواعد ومعايير الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى تتعين مراعاتها عند إنشاء وإلغاء هذه الوحدات. وأحال مشروع القانون تحديد اختصاصات الوحدات المحلية ومجالسها المختلفة إلى اللائحة التنفيذية، وهو ما يعنى أن الحكومة، من خلال رئيس الوزراء تستطيع التحكم فى حجم وطبيعة السلطات والاختصاصات التى تمنحها أو تمنعها عن هذه الوحدات والمجالس.
وبالنسبة لأسلوب اختيار رؤساء الوحدات المحلية ، أبقى مشروع القانون على الوضع الحالى لاختيارهم ، بالتعيين عن طريق الحكومة المركزية ، دون أن يضع شروطا موضوعية لاختيارهم ، ودون تحديد أى دور للمواطنين ولممثليهم فى المجالس المحلية فى هذا الاختيار. وعلى الرغم من تأكيد مشروع قانون استقلالية الموازنات المحلية ، إلا أنه لم يحدد سلطة المحافظات فى فرض الضرائب أو تحصيلها أو فيما يتعلق بالإيرادات والنفقات. وإذا كان العديد من دول العالم قد تبنت الحوكمة المحلية فى العقود القليلة الماضية ، إلا أن مشروع القانون قصر دور المواطنين فى صنع القرارات والخطط على حضور جلسات استماع ينظمها المجلس المحلى لمناقشة الخطة ، وعلى نشر قرارات المجالس المحلية وموازناتها وكل ما يتعلق بالعمل المحلى على بوابة الكترونية تنشأ لهذا الغرض.
والتساؤل هنا ما مدى التزام المجالس المحلية بنتائج هذه الجلسات ؟ وأين مبادئ الحوكمة من شفافية ومساءلة وغيرها ؟ اتسم مشروع القانون بعدم التسلسل المنطقى أو الموضوعى ، فهناك عدم تطابق بين عنوان الباب الأول التنظيمات الأساسية للإدارة المحلية وعناوين الفصول التسعة التى شملت: الوحدات الإدارية ، والوزارة وأكاديمية الإدارة المحلية ، ومجلس المحافظين ، ورؤساء الوحدات المحلية.
كما اشتمل الفصل الأول عن الوحدات الإدارية على أقاليم التنمية المحلية والمجتمعات العمرانية الجديدة. وتناول المشروع المحافظين قبل تناول المجالس المحلية وفى إطار الباب المعنون بـ التنظيمات الأساسية للإدارة المحلية، كما تناول حقوق وواجبات أعضاء المجالس المحلية (ف2) ونظام سير العمل فى المجالس المحلية (ف3)، وتشكيل لجان المجلس وحقوق وواجبات أعضائه قبل تناول تشكيل المجالس المحلية فى الوحدات المحلية.
هناك عدم دقة فى بعض المصطلحات والمفاهيم تمثل فى الخلط والتداخل بين السلطة التنفيذية (ممثلة فى رئيس الجمهورية ، والحكومة ، والإدارة المحلية ، كما وردت فى الدستور) وبين المجلس التنفيذى على المستوى المحلى (ممثلا فى رؤساء وأعضاء هذا المجلس)، وعدم توحيد المصطلح الذى يعبر عن الوحدات المحلية ، فمرة الوحدات الإدارية , ومرة وحدات الإدارة المحلية ، ومرة الوحدات المحلية. كما وردت عبارات الوزير والوزير المختص والوزير المختص بالإدارة المحلية ، دون تحديد الفروق بين كل هذه العبارات. وفى النهاية ، نرى أن هناك رغبة أكيدة من جانب الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية فى ضرورة إجراء الانتخابات المحلية فى أقرب وقت ممكن، خاصة أن مصر تفتقد وجود مجالس محلية منذ عام 2011، وهو وضع مخالف للقانون وللدستور، ولم يحدث على مستوى العالم، ولا حتى فى مصر ذاتها منذ بداية الأخذ بنظام مجالس المديريات فى عام 1883. ونرى فى نفس الوقت أن هناك حاجة ملحة إلى ضرورة الإصلاح الشامل والحقيقى لنظام الإدارة المحلية فى مصر، بما يتفق مع دستور 2014، ويتجاوب مع التطورات التى شهدها العديد من دول العالم فى مجال اللامركزية والحكم المحلى.
وللخروج من هذا المأزق نقترح أن يركز مجلس النواب فى دور الانعقاد العادى الحالى على تعديل قانون الإدارة المحلية الحالى، بما يستجيب للنصوص الدستورية، ويمكن من إجراء انتخابات المجالس المحلية فى أقرب وقت ممكن، خاصة أن هذا التعديل لن يشمل أكثر من 27 مادة من مواد القانون الحالى، ولن يحتاج ذلك إلى وقت طويل فى المناقشة. كما نقترح أيضا تشكيل لجنة لوضع قانون عصرى يليق بمكانة مصر ويحظى بالقبول والتوافق العام ، على أن تضم ممثلين لمجلس النواب، ولوزارة التنمية المحلية والوزارات الأخرى ذات الصلة بالإدارة المحلية ، وخبراء لديهم رؤية وخبرة فى مجال التجارب الدولية للإدارة المحلية ، وذلك إلى جانب ممثلين للأحزاب السياسية الرئيسية التى لها تمثيل فى البرلمان ، فضلا عن ممثلين لبعض منظمات المجتمع المدنى التى تهتم بقضايا الإدارة المحلية.
<!--