Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

الرعاية الإنسانية للعاملين فى الإسلام

د. محمد ماهر الصواف

كانت المجتمعات التقليدية تفرق بين السيد والأجير في المعاملات والحقوق ، ويبرر  أرسطو ذلك بالقول : "إن الطبيعة أوجدت رجالاً للأمر والسيطرة، وآخرين للطاعة والخضوع، فالعبيد خُلِقوا للخضوع، ويجب على الأحرار أن يستكثروا من العبيد ليستخدموهم في الأعمال اليدوية الشاقة ، وينصرفوا هم للأعمال الفكرية". ومن هنا كان طبيعا عند بداية الثورة الصناعية ان يتم أهمال حقوق العمال وأنشغال الباحثون والعلماء في البحث عن كيفية ترشيد استخدام الموارد المادية والألات  والحد من  النفقات ، وركزت مدرسة الإدارة العلمية الإهتمام علي وضع القواعد التنظيمية وخطوات للعمل والإنتاج  بهدف زيادة  الإنتاجية ، إلا انه بظهور مدرسة العلاقات الانسانية ( 1916 ) والمدارس السلوكية ونظريات الدوافع بدأ الاهتمام  بالعنصر البشري حيث نبهت هذه المدارس الأذهان إلى ضرورة إشباع الحاجات الإنسانية للعاملين فى المعيشة الكريمة والأمان وحاجاتهم للإحترام والتقدير والإعتراف بجهودهم وفقا لنظرية Maslow ) 1951 )، إذ أن ذلك سيشكل الدافع لهم لرفع مستوي الآداء و تحسين العملية الإنتاجية وتطويرها وتقديم الأفكار الخلاقة التي تساعد المنظمة علي مسايرة المتغيرات البيئية والوفاء بمتطلباتها المستجدة و المتغيرة .

ويوضح العرض السابق كيف ان الإهتمام بالعنصر البشري ظل غائبا حتي بداية القرن العشرين وكان العامل مجرد اداة انتاجية ولا تلتزم الإدارة بمراعاة إحتياجاته الإنسانية . وهنا يثار التساؤلات التالي : هل أهتم الإسلام بإنسانية العاملين خاصة وانه ظهر في حقبة تاريخية وبيئة اجتماعية يمارس فيها السادة علي العبيد والخدم كل مظاهر التسلط والتحكم ؟ وهل أهتم الإسلام بمراعاة الجانب النفسي والمعنوي في التعامل مع العامل  أوالخادم حفاظا علي كرامته ؟ 

علي خلاف البيئه الاجتماعية التي ظهر فيها الاسلام نجد ان القرآن الكريم يؤكد علي الكرامة والمكانه المتميز للإنسان عن باقي المخلوقات ويقول الله سبحانه وتعالي :) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا  ( ويقول تعالي ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون )

ويتضح من هذه الآيات الكريمة أن الانسان مخلوق من أفضل مخلوقات الله عز وجل . فقد كرمة الله وحفظ أدميته ، وصان له كرامته ، بل وجعله خليفته في الأرض.  وبناء علي هذا التفضيل لا يجوز تحقير العامل مهما قلت درجته الوظيفية ، إذ يجب معاملته بما يحفظ كرامته وإنسانيته التي أكرم الله العلي القدير بها كل إنسان في الأرض . ويقول الله تعالي  (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) 

ويخاطب الله رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ويؤكد الرسول الكريم على حسن المعاملة مع العمال بقوله ( إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم عليه) رواه  البخارى  ومسلم .

 

وهكذا تبدوا عظمة الاسلام في سبقه للنظريات الإدارية الحديثة والاهتمام بالجوانب الإنسانية وفتحة الباب لكل أنواع الرعاية الاجتماعية للعامل أو الأجير .

 

 ونؤكد هنا أن هذه الحقوق الثابته للعامل فهي منحة من الله يقابلها مسئولية كل فرد عن أعماله وتصرفاته أمام الله . وهكذا ينظم الإسلام حقوق وواجبات كل من صاحب العمل والعامل أو الأجير، فيلتزم الأول بتقديم الرعاية الإنسانية والاجتماعية للعامل ويحفظ كرامته وحقوقة، كما أن العامل هو أيضا عليه إحترام واجباته ومسئولياته من أهمها :

<!--الإلتزام  بواجبات العمل وعدم مخالفتها  أو يقصّر فى أدائها.

<!--الأمانة والإخلاص و يقول النبي )   : ( من غشّ فليس منا) روه مسلم

<!--الإتقان في العمل بقول النبي)      إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) رواه الترمذي.

<!--التعفّف من استغلال الوظيفة أو النفوذ للنفع الشخصى

ونخلص مما سبق أن الإسلام هو أول من قرر الأسس العامة للمعاملة الكريمة للعاملين بالمنظمات و أهتم بالعنصر البشري والجوانب الإنسانية والاجتماعية عند إدارة هذا العنصر وسبق بذلك المدارس الإدارية الحديثة .

المصدر: د. محمد ماهر الصواف: الإسلام والرعاية الاجتماعية والانسانية للعاملين،مجلة العلوم الإدارية ، العدد 31 ص 7-32

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

331,262

ابحث