Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

مصر بين الفيدرالية والحكم المحلى

د. سمير عبد الوهاب   رئيس قسم الإدارة العامة

بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

<!-- 

فى الفترة الأخيرة، طرح بعض الأساتذة والمثقفين الفيدرالية كشكل للحكم فى مصر. وهذه الدعوة ليست جديدة، فقد طرحها سياسيون ومثقفون من قبل وفى مناسبات معينة، تعبيرا عن الرغبة فى تمكين المحافظات وإعطائها المزيد من السلطات والاختصاصات. فالرئيس أنور السادات كان يعبر فى بعض خطبه عن أمنيته بأن تكون المحافظات فى مصر مثل الـStateبـ أى الولايات فى الولايات المتحدة الأمريكية.

 

 

ومن هنا، جاءت الشعارات التى كان يرفعها من حين إلى آخر مثل المحافظ هو رئيس للجمهورية فى محافظته، واستحداث مجلس محلى بالانتخاب المباشر يشبه البرلمان إلى جانب وجود مجلس تنفيذى يشبه مجلس الوزراء على المستويات المحلية، بل إنه ربط موازنات المجالس المحلية للمحافظات بموازنة مجلس الشعب فى الفترة ما بين عامى 1971، و1975.

وإذا كان الهدف من وراء طرح الفيدرالية هو إعادة توزيع السلطات والمسئوليات بين الحكومة المركزية فى العاصمة والمحافظات، بحيث يتم تمكين الأخيرة وجعلها قادرة على استغلال مواردها وإمكاناتها، خاصة فى ضوء محدودية دورها، فإن ذلك يرجع أيضا فى بعض الأحيان إلى الخلط بين الفيدرالية والحكم المحلى، على الرغم من الاختلاف بينهما. فالفيدرالية هى عبارة عن مجموعة من الأقاليم المختلفة التى يتميز كل منها بخصوصية معينة، من حيث اللغة أو العرق، ويرغب فى الاحتفاظ بخصوصيته وبإدارته لشئونه الداخلية، وفى أن يكون له دستوره الخاص به، وسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية التى تميزه عن غيره من الأقاليم فى إطار دولة تتولى الحكومة الفيدرالية فيها أمور الدفاع والسياسة الخارجية. ونتيجة لذلك، يكون لكل إقليم قوانينه الخاصة به فى التعليم، والصحة، والحكم المحلى، وغير ذلك.

أما الحكم المحلى، فهو تعبير عن اللامركزية التى تجعل السلطة قريبة من المواطن فى المنطقة التى غالبا ما يسكن فيها، سواء كانت مدينة أو قرية، ويوجد فى الدول الفيدرالية والدول الموحدة على حد سواء، باستثناء أنه فى الأولى يوجد فى المستوى الذى يلى حكومة الولاية، بينما يوجد فى الثانية فى المستوى الذى يلى الحكومة المركزية. ويتمثل فى وجود مجالس محلية تقوم على أساس تمثيل المواطنين وإشراكهم فى ممارسة السلطات والاختصاصات، إما من خلال هذه المجالس أو من خلال آليات الديمقراطية المباشرة، وذلك لإدارة شئون المجتمع المحلى، بما فى ذلك تقديم الخدمات العامة وتحقيق التنمية المحلية، وعلى أن يكون لهذه المجالس الحق فى فرض ضرائب ورسوم محلية وتحصيلها في المنطقة الخاضعة لولايتها.

كما يختلف الحكم المحلى عن الإدارة المحلية التى تركز على الجوانب التنفيذية وتكون على المستوى القطاعى, الوزارات والهيئات العامة, حيث يتم توزيع السلطات والاختصاصات بين الوزارة في العاصمة وفروعها في المناطق المختلفة.

وانطلاقا مما سبق، نرى أن شكل اللامركزية الأنسب لمصر هو الحكم المحلى، وذلك للأسباب الآتية:

أولا: إن اللجوء إلى الفيدرالية من جانب العديد من الدول يرجع إلى ظروفها السياسية وتركيبتها الاجتماعية التى تجعلها فى حاجة إلى الحفاظ على استقلالية أقاليمها وعلى الخصوصية اللغوية أو العرقية أو الدينية لكل منها من ناحية، والرغبة فى تكوين دولة واحدة من ناحية أخرى. كما أن الدول الموحدة التى تحولت إلى الفيدرالية يكون ذلك على مضض منها. فعلى الرغم من أن الدستور العراقى الصادر فى عام 2005 يتيح للمحافظات أن تكون أقاليم فيدرالية، إلا أن الإقليم الوحيد الذى طبق ذلك هو إقليم كردستان، فى حين تأبى باقى المحافظات ذلك. وبالنسبة للوضع فى مصر، فإنه جد مختلف، فهناك تجانس إلى حد كبير بين المحافظات وبعضها البعض، ولا توجد لأى منها خصوصية لغوية أو عرقية أو دينية، بل غالبا ما ينتمى المواطن أو الأسرة الواحدة إلى أكثر من محافظة. وقد أخذ دستور 2014 فى اعتباره ذلك، فأكد فى أول مادة منه أن جمهورية مصـر العربية دولة ذات سيـادة، وهى موحـدة لا تقبل التجزئة.

ثانيا: إذا كان من المفترض أن يكون لكل محافظة فى مصر ما يميزها عن غيرها، إلا أن ذلك لا يستلزم أن يكون لكل منها قوانينها الخاصة بها، بل إن ذلك يمكن أن يكون فى ظل قوانين واحدة على مستوى الدولة تتيح لكل منها المرونة فى التطبيق.

ثالثا: إن الأهداف والدوافع التى عبر عنها المطالبون بالفيدرالية لمصر والمتمثلة فى جعل كل محافظة مسئولة عن تحقيق التنمية، واستغلال مواردها الداخلية، وجذب الاستثمارات الخارجية وحريتها فى اختيار محافظيها، من خلال انتخابات ديمقراطية حرة ووضع الموازنة والخطط التنموية كل ذلك مرتبط بنظام الحكم المحلى وليس بالفيدرالية. كما أن الدستور المصرى أتاح ذلك فى مواده المتعلقة بالإدارة المحلية والتى تحتاج إلى أن تصدر فى شكل قانون جديد للإدارة المحلية.

رابعا: إذا كان البعض قد طرح الفيدرالية كشكل ناجح لتحقيق التنمية الشاملة فى الدولة، فإن هناك تجارب لدول موحدة ناجحة أيضا، والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها: اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، وإندونيسيا. فالنجاح فى كل الحالات مرتبط بتبنى نظم قوية للحكم المحلى، وليس بتبنى الفيدرالية فى حد ذاتها.

وفى النهاية، نؤكد أن علاج مشكلات مصر لن يكون إلا بتبنى نظام قوى للحكم المحلى يعطى السلطات والصلاحيات الضرورية للمحافظات ولجميع الوحدات المحلية فى أن يكون لكل منها خطتها وموازنتها المحلية المستقلة. وأضيف إلى ذلك أن وظائف الدول القديمة، ومن بينها مصر والتى كانت تتمثل فى حماية أراضى الدولة والدفاع عنها، وحفظ الأمن والنظام، وضمان عدالة توزيع مياه الأنهار ومواجهة الفيضانات كانت ومازالت وظائف مركزية. ونؤكد أيضا أنه لا خوف من تطبيق نصوص الإدارة المحلية وتشكيل المجالس المحلية، طالما أن هناك حكومة مركزية قوية ومن حقها دستوريا أن ترد أى مجلس محلى يخالف النظام أو السياسة العامة للدولة إلى طريق الصواب.

 

 

المصدر: جريدة الأهرام اليومية عدد 48385 السنة 143 مايو 2019

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

326,281

ابحث