د علي اسماعيل للطب النفسي والاستشارات النفسية والزوجية والاجتماعية وللتنمية البشرية

موقع يهتم بتبسيط العلوم النفسية للعامة وللمتخصصين من خلال عرض حالات وفيديوهات وابحاث

<!--

<!--<!--<!--<!--

 

 

 

تحليل أحداث مظاهرات الإسكندرية من الناحية النفسية والاجتماعية

 

 

إعداد

دكتور / علي إسماعيل عبد الرحمن

   استاذ الطب النفسي والأعصاب م.  بطب الأزهــر

 

 

مقدمة:

     العنف هو سلوك قصدي يستهدف إلحاق الضرر بالشخص أو الممتلكات، ويعتبر العنف السياسي هو أشهر أنواع العنف، وهو عنف يوجه نحو جماعة معينة ( طائفة )، ولا يقتصر علي رموز الجماعة أو الممثلين الرسميين لها، بل يستهدف أيضاً جمهور الجماعة أيضا.

والعنف السياسي يتسم بالعلانية لأنه في نظر من يقوم به أنه شرف كبير يستحق التباهي، كما يتوقف الحكم علي مرتكبه سلبا أو إيجابا ( إرهاب ، استشهاد ) علي خلفية الشخص الثقافية والاجتماعية مما يجعل الحكم علي نفس السلوك بحكمين متضادين.

العنف السياسي لا تحركه المصالح المادية المباشرة، بل تحركه محاولة تحسين أوضاع الجماعة المنتمي إليها الفرد أو الصالح العام للمجتمع ككل.

العنف السياسي لا تحركه الدوافع الفردية نحو شخص ما ( الثأر ) بل نحو أفكار هذا الشخص وما يمثله كرمز لجماعة معينة.

ويعتبر العنف السياسي الديني ( الموجه من طائفة دينية إلي أخري ) هو الأعلى ضجيجا في عالم اليوم ، وما حدث في الإسكندرية هو صورة من صور العنف السياسي الموجه من جماعة دينية إلي أخري ، وهو صراع طائفي من المستوي الثاني الذي يتميز بتنوع أطرافه  واتساع مجاله عن الصراع الفردي ( المستوي الأول ) وإن كان أقل تعقيدا من الصراع الدولي ( المستوي الثالث ).

وقد سبب هذا الصراع الكامن حدوث أزمة ( تحول مفاجئ عن السلوك المعتاد ، مما ترتب عليه نشوء تهديد مباشر لقيم أو المصالح الجوهرية لأحد أطراف النزاع) قام بها مجموعة من الأفراد العاديون الذين لم يكونوا ضمن تنظيم سياسي أو ديني ، حيث اندفعوا للمشاركة في الأزمة إثر شرارة سلوكية صغيرة ، وهي تسرب معلومة منقوصة وهو ما يطلق عليه ( الإشاعة ).

ولكي تتكون الإشاعة لابد من توافر جزأين أساسيين ، أولهما أن يكون محتواها ديني أو جنسي ، وثانيهما أن يكون جزء كبير من المحتوي غامض أو مجهول حتي يتيح للأفراد المشاركين في نقلها إلي إضافة جزء كبير من معتقداتهم أو خيالاتهم.

تحليل الأزمة:

هو صراع علي المستوي المجتمعي ( طائفي )، ديني من حيث الموضوع، علني من حيث درجة الظهور، متعدد الأطراف، عنيف الدرجة، وهو صراع معلوماتي، قيمي، علاقاتي من حيث السبب.

معلوماتي [ ناتجة عن نقص المعلومات، افتقاد المعلومات الصحيحة، استخدام أسلوب التعمية ( خروج البابا وشيخ الأزهر لتأكيد الوحدة الوطنية )].

علاقاتي ( لأنه قائم علي عداء كامن بين الطرفيين وافتراضات سلبية من كليهما تجاه الأخر ).

قيمي ( لأنه مرتبط بالعقيدة الدينية مما جعله يتأجج.

ما الذي أدي إلي استمرار الأزمة لفترة ؟

( 1 ) سوء العلاقات بين الطرفيين ( الافتراضات السلبية ): فالمسلمون يفترضون أن المسيحيين عملاء ومأجورين وأكد علي ذلك استخدام أمريكا لورقة المسيحيين عند أي أزمة مع الحكومة المصرية مما أعاد إلي الأذهان استخدام أوربا للمارونيين أثناء العهد العثماني.

ويري المسيحيون أن المسلمين يودون القضاء عليهم ويظهر ذلك في طريقة تعامل المسيحيون داخل المجتمع لمصري حيث يتعاملون علي أنهم جماعة اثنية (لهم طقوس وعادات مميزة ) وأنهم مختلفون عن محيطهم الوطني من ناحية ومتحدين كجماعة من ناحية أخري ( ظهور الانطواء علي الذات وتعميق النزعة الطائفية لديهم ).

( 2 ) العداء الكامن بين الطرفيين والرغبة في الثأر: فالمسلمون يرون أن المسيحيين انتصروا عليهم في مشكلتي وفاء قسطنطين وماري عبد الله ، ولابد من الثأر للدين طالما أن الدولة لم تفعل ذلك، والمسيحيون يرون أن المسلمين يقومون باستقطاب الشباب المسيحي نحو الإسلام  فأرادوا الثأر من ذلك بالطعن في الدين الإسلامي ( المسرحية ).

( 3 ) الإصرار علي الرأي وعدم التراجع عنه : وذلك للأسباب الآتية:

( أ ) كلا الطرفيين يري أن الأخر هو البادي بالعدوان وأن التراجع ضعف وتخاذل.

( ب ) كلا الطرفيين يري أن الأخر هو الخارج عن الأصول الصحيحة بينما هو الملتزم بها.

( ج ) كلا الطرفين يري أن الأخر لن يتغير مهما حاول إيهامنا بالتغيير.

( د ) كلا الطرفيين يري أن الأخر سواء كان مفكرا أو منفذا أو معارضا لفكر جماعته هو عدو ، وأن ما يحدث من تنوع في المواقف هو من قبيل الخداع.

( 4 ) اللعب علي مشاعر الجماهير ( التحفيز ) :

المسلمون يقولون ( المسيحيون لا يمثلون سوي الأقلية )، ويرد المسيحيون (نحن أصحاب البلد و المسلمون سرقوا مصر من القبط )

يجب أن ننقي من صفوفنا المتخاذلون الذين يدعون إلي الحوار معهم، فهم إما سذج مضللون أو عملاء مندسون، أو ضعاف ترعبهم المواجهة.

( 5 ) الإحباط الشديد لدي الطرفيين: وهو نوعين إحباط عام، وأخر خاص.

الإحباط العام لدي الطرفيين يتمثل في فقدان الأمل في المستقبل علي كل المستويات ( الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية ).

ويمثل الإحباط الخاص لدي المسيحيين في إحساسهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، وأنه لا فائدة ترجي من الحكومة خاصة بعد ظهور ترشيحات الحزب الوطني لمجلس الشعب ووجود فقط اثنان من الأقباط ، مما جعلهم يشعرون بالخديعة فقاموا بمحاولة إحراج السلطة وإظهارها بصورة غير القادرة علي حماية مواطنيها خاصة مع قرب انعقاد مؤتمر أقباط المهجر.

ويمثل الإحباط الخاص لدي المسلمون في رؤيتهم الانصياع الكامل للغرب في تنفيذ كل الأوامر ، وخوف الحكومة الدائم والشديد من استخدام ورقة الأقباط مما يجعلهم يخالفوا القانون والدستور من أجل إرضاء الغرب ( مشكلة وفاء قسطنطين ).

( 6 ) غياب العقاب : كلا الطرفيين يعلم أن الدولة تهتم بالتحكم في رد الفعل أكثر من اهتمامها بالفعل نفسه مما يجعلها تلجأ إلي  المساومة  كحل وحيد للتخلص من الأزمة بشرط عدم خسارة الطرفيين .

 

التحليل الكيفي للأزمة:

( 1 ) الطلاب الشباب: هم من حركوا المظاهرة وهو ما يشير إلي أن العنف سمة شبابية ، وأنه يخرج دائما من المتعلمين فهم الذين بدئوا في نشر الأسطوانة التي تحتوي علي المسرحية ، كما أن الشباب هم الأكثر انشغالا بقضايا الوطن ، وسماتهم النفسية تجعلهم أكثر انفعالا ، وأقل قدرة علي ضبط النفس والتحكم في الغضب ، وساعد علي ذلك رؤيتهم المحبطة للمستقبل ( هم الأكثر تأثرا بالمستقبل ).

( 2 ) الأشخاص ذوي المستويات الاجتماعية والاقتصادية المتوسطة والدنيا ( العمال، الحرفيين، الطلاب ):هم الأكثر تواجدا في المظاهرة، وهو ما يشير إلي عمومية الشعور بالإحباط والرغبة في التغيير.

( 3 ) الذكور : كانوا أضعاف المشاركات من الإناث ، وذلك لأنها قضية تمس الفكر  وهو ما يجد صدي لدي الذكور ، ولا يمثل تهديدا للأسرة ومصدر الرزق بصورة مباشرة وهي القضايا الأكثر اهتماما لدي الإناث ، كما أن الذكور مسموح لهم بحرية  أكبر في التعبير عن أرائهم .

( 4 ) استخدام الدولة لحيلة الإنكار ( النائب العام صرح بأنه لا توجد مسرحية ) مما أثار حفيظة كلا الطرفيين، وأدي غلي التشكيك الدائم في نوايا الدولة، وأكد ما يعتبر من سمات الطابع القومي المصري.

( 5 ) استخدام الدولة لحيلتي الإنكار والتعمية ( تأكيد شيخ الأزهر والبابا علي عدم وجود فتنة ) أدي إلي اتهام الدولة بالجبن وعدم قدرتها علي مواجهة الأزمات.

( 6 ) حماية الأفراد بعضهم لبعض ( سيكولوجية التظاهر ): حيث تتغير الصفات الشخصية لدي الأفراد فتحل الشجاعة محل الخوف، مما يجعل توقع مسار المظاهرة محل شك.

( 7 ) تراجع دور القيادات السياسية المدنية في صفوف كلا الطرفيين ، وانتقال مركز الثقل إلي القيادات الدينية ( القساوسة أصحاب المسرحية ، الإخوان هم من أنهوا الاعتصام ) ، مما يزكي روح الطائفية ويؤكد عدم الثقة بالسلطة.

 

ومن كل ما سبق نجد أن الدولة كانت هي المستهدفة من الطرفيين: فالمسلمون يرون أنها تحمي الأقباط، والأقباط يريدون قياس مدي التزام السلطة بحمايتهم.

فهي نظرية الابن المدلل، الابن المنبوذ، فالابن المدلل هو الذي يقيس إلي أي مدي يسمح له الأب بالخطأ، والابن المنبوذ هو الذي يستفز الأب ليظهر عجزه عن المواجهة.

 

الحلول:

الأفكار وحدها مهما بلغت من تشوهات انفعالية وفكرية لا تؤدي إلي ظهور أو ممارسة العنف ، فلكي تتحول الفكرة إلي سلوك تحتاج إلي توافر العديد من الخصائص والسمات النفسية والاجتماعية والموقفية ، فكراهية الأخر قد تؤدي إلي العنف ، كما قد تؤدي إلي السلبية ( الانسحاب ، أو المقاطعة ).

وللقضاء علي العنف يجب الاهتمام بالأتي :

( 1 ) الفئات المهمشة ( الأكثر قابلية لاستثارة العنف ) خاصة الشباب ، الفقراء ، العاطلون، وذلك للتعرف علي مثيرات العنف لديهم ومحاولة خفض هذه المثيرات.

( 2 ) الحوار الصحي الايجابي لإعطاء كل الفئات الحق في التعبير وقبول الأفكار مهما كانت درجة الاختلاف معها أو النفور منها، مما يقل من حدوث العنف.

( 3 ) التدريب علي المهارات الاجتماعية، ومهارات التواصل، ومهارات الحوار.

( 4 ) العقاب الفوري للمخطأ، مما يقلل حدة وتكرار السلوكيات العنيفة.

( 5 ) مسئولية السلطة السياسية: الإصلاح السياسي بلا خوف أو تردد، مقاومة التزوير، إلغاء القوانين المقيدة للحريات.

( 6 ) مسئولية السلطة الأمنية: الالتزام بالمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، التعامل بحياد تام مع كل المواطنين، محاسبة المتجاوزين من رجال الشرطة.

( 7 ) مسئولية المدارس: استعادة الدور التربوي، تنمية مهارات التواصل بين الطلاب، وفتح أبواب المناقشة بينهم وتنميتها.

( 8 ) مسئولية الإعلام: إشاعة قيم التسامح والصدق والعدل والرحمة وغيرها من الأخلاقيات.

( 9 ) مسئولية المؤسسات الدينية : إشاعة قيم المحبة وقبول الأخر المختلف ، محاربة الفكر الديني الاستقطابي.

( 10 ) مسئولية الأسرة: الحوار والتسامح والفكر الديني السمح.

 

 

 

 

المصدر: مجلة شبكة العلوم النفسية العربية العدد 25-26 شتاء وربيع 2010

التحميلات المرفقة

dralysmail

علي إسماعيل استاذ م. بطب الازهر /استشاري KJO / رئيس CME

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 12 مايو 2015 بواسطة dralysmail

ساحة النقاش

دكتور علي اسماعيل للطب النفسي و الاستشارات النفسية والتنمية البشرية والمشكلات الزوجية والاجتماعية

dralysmail
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

109,273