ما تتميز به السينما عن المسرح، من مرونة في التعبير:
1- تتميز السينما عن المسرح بإمكانية تركيب الفيلم من لقطات متعددة، محدودة في الطول الزمني لكل منها، كما يمكن لأي منها أن تحوي مكاناً مغايراً، إذا أُريد ذلك، أو اقتضاها السرد السينمائي. ومن ثم فإن السينمائي يمكنه تشكيل الزمن الموضوعي (الواقعي)، الذي يعايشه في الواقع وفقا لما يريد، أي يمكنه ضغط الحدث الذي يشغل في الواقع حيزاً زمنياً مداه ساعة، مثلاً، إلى دقائق معدودات، أو أكثر أو اقل. والعكس صحيح، ففي بعض الحالات يمكنه إطالة معادل الوحدة الزمنية الواقعية سينمائياً، إلى ما يزيد عليها في الواقع، إذا اقتضت الظروف ذلك.
2- أما في المسرح فإن الوحدة الزمنية تتدفق بكاملها، كما يحدث في الواقع دون اقتطاع منها أو إضافة إليها. وبالمثل إذا أريد الانتقال من وحدة زمنية إلى وحدة زمنية أخرى في المسرح، فإن ذلك لا يتم ألا بإنزال الستار، أو إنهاء المنظر بإظلام المسرح، أو باستخدام المسرح الدائري.
3- يستطيع السينمائي دائماً الانتقال اللحظي من وحدة زمنية إلى أخرى جديدة، حال وصله لنقطتين بعضهما ببعض، وكذلك الأمر في المكان الفيلمي، فإن السينما تستطيع الانتقال اللحظي أيضاً من مكان إلى آخر جديد، الأمر الذي لا يمكن تنفيذه في المسرح ألا بإنزال الستار أو الإظلام، كما في تغيير الوحدة الزمنية.
4- تستطيع السينما تغيير وجهة نظر المتفرج داخل المكان الواحد، من حيث المسافة والزاوية، فتقترب الكاميرا في عمق المنظر، أو تبتعد منه، وتُغير وضعها إلى اليمين أو اليسار، وإلى أعلى أو إلى أسفل. أما في حالة المسرح، فإن المتفرج يظل ناظراً إلى المسرحية من وجهة نظر واحدة وثابتة، من حيث الزاوية والمسافة
.5إن ما تتميز به السينما عن المسرح، من مرونة في عنصري المكان والزمان، يتيح لها ميزة نقل المشاهد إلى قلب الأحداث ليعايشها بصورة أقوى، ويندمج وينتقل معها بصورة أشد تأثيراً من المسرح.
ب. المقارنة بين السيناريو في السينما والرواية الأدبية
على الرغم من استخدام الكلمة في كل من السيناريو والرواية الأدبية، لأنها وسيلة للتعبير، إلا أن دور الكلمة في كل منهما يختلف اختلافاً كبيراً فيما بينهم ، ويرجع ذلك أساساً إلى العديد من الاختلافات بين طبيعة كل من السيناريو والسينما عموماً، من ناحية، والرواية الأدبية، من الناحية الأخرى، وتتمثل هذه الاختلافات في الآتي:
1- السيناريو السينمائي يُكتب بلغة سينمائية خاصة موجهة إلى الفنيين الذين يتولون تحويله إلـى فيلم سينمائي، يتلقاه المشاهد مباشرة كصورة مرئية ـ صوتية متحركة"Aural Amage Visual". وعلى ذلك فإن دور الكلمة في كتابة السيناريو، دور مؤقت لوصف كل ما يمكن رؤيته وسمعه فقط، وبعبارة أخرى، فإن الكاتب السينمائي في كتابته للسيناريو مقيد بحدود الواقع الملموس، أي الواقع المادي Physical Reality .
في حين الكلمة في الرواية الأدبية تقدم للقارئ صورة ذهنية "Mental Image". أي أنّ الأديب يستخدم الكلمة لترجمة خياله، وعلى القارئ أن يعيد تجسيد الصورة في خياله من خلال الكلمة، أي أن القارئ لا يتلقى هذا الخيال بصورة حية مباشرة، كما يحدث في حالة مشاهد الفيلم السينمائي.
2- يترتب على ذلك الفارق الجوهري، بين طبيعة وسيلتي التعبير، أنّ الكاتب السينمائي مقيد في لغته بحدود الواقع المادي فقط، بينما الأديب الروائي يمكنه تجاوز هذه الحدود إلى مجال أوسع، حيث تتناول لغته أيضاً الواقع النفسي أو الروحي، كما تتناول أدق الأفكار المجردة. فعندما يتعرض كاتب السيناريو للواقع النفسي لشخصية ما، فإنه مقيد بوصف الانعكاسات الخارجية المَحسوسة، التي تترجم هذا الواقع وتعبر عنه بكل من الصوت والصورة، أما الروائي الأديب فإنه يستطيع أن يتوغل داخل النفس البشرية، ليصور ما يحدث في داخلها، فيصف انفعالاتها بما شاء من الأوصاف المجردة، والتشبيهات والاستعارات والرموز، التي لا يستطيع الكاتب السينمائي استخدامها، أو قد يستخدمها بحذر شديد وفي حدود ضيقة جداً، وللتوضيح فقط، وليس لتجسيدها كصورة.
3- إضافة إلى الفارق الجوهري بين طبيعة كل من الوسيلتين، فإن هناك عدداً من الفوارق الأخرى، التي تشكل الصورة العامة للاختلاف، بين رؤية الكاتب السينمائي ورؤية الأديب الروائي، وهي:
1- أن الفيلم السينمائي يعرض على المشاهد في تدفق مستمر ودفعه واحدة، ومن ثم فإن المشاهد يفتقد إمكانية استعادة ما يكون قد صعب عليه فهمه، أو رغبته في تأمل المعنى الكامن في مشهد سابق، أما قارئ الرواية، فيستطيع، بالطبع، أن يُعيد قراءة بعض أجزائها أو التوقف لتأمل معاني بعض الفقرات. هذا فضلاً عن إمكانية قراءة الرواية على فترات زمنية متفرقة، متقاربة أو متباعدة.
2- يستطيع الروائي أن يسهب في إعطاء الصفات المميزة، أو المحددة لشخصية ما دفعة واحدة، أو في حيز متصل، فضلاً عن قدرته على التوقف عند كل شخصية جديدة لوصفها على حدة، بينما يُقدم العمل السينمائي أوصاف الشخصية من خلال رؤيتها، ومن خلال أفعالها وأقوالها، التي تتوزع على مراحل الرواية، وتتشابك مع أفعال وأقوال الشخصيات الأخرى.
3- تعطى الرواية الأدبية انطباعاً بوقوع أحداثها في زمن ماضي، بينما يُعطى سرد الفيلم انطباعاً بوقوعها في الزمن الحاضر.
4- يتمتع الكاتب الروائي بحرية واسعة في إيقاف التدفق الطبيعي للأحداث، والارتداد إلى حدث سابق ليسرده في إسهاب، بينما الكاتب السينمائي يعود إلى أحداث الماضي في حدود ضيقة، عندما يتطلب التكوين الخاص بالسيناريو، مثل هذا الأسلوب.
ساحة النقاش