د/ أحمد عبد الوهاب برانيه

أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية

 أثر المتغيرات الاقتصادية

على استدامة الموارد السمكية

 

 أعداد

 

                    د.أحمد عبدالوهاب برانيه                      

تونس – أكتوبر 2003


أولا : إستدامه الموارد السمكية ( المفهوم والأسس )

       يقصد بالموارد السمكية المخزون البيولوجي من الكائنات الحيوانية والنباتية المتواجده فى الوسط المائى ، وهى تعتبر من الموارد المتجدده حيث لها القدرة على استعاضة ما تفقده من عناصرها نتيجة خاصية تكرار الإنتاج دون تدخل الإنسان – مما  يجعل منها موردا لا ينضب إذا ما أستغلت ونظمت على أسس علمية سليمة .

 

        وخاصيه تكرار الإنتاج ( أستدامته ) ترجع إلى الطبيعة الديناميكيه للموارد السمكية والتى هى عملية تبادل مستمرة للأجيال على مر الزمن تتضمن ولاده للأجيال المتتابعه ثم نموها ثم هلاكها ، وذلك من خلال نظام الضباطى بتكيف بصوره أليه مع أى تغيير فى ظروف حياة هذه الموارد بطريقة منضبطة أخري .

 

 وإستغلال هذه الموارد الطبيعية يتم من خلال ثلاث عمليات هي :

1-  البحث العلمي والذى من خلاله يتم أستكشاف أن لأحد عناصر هذه الموارد فائدة أو قيمة تحقق أحد متطلبات وأحتياجات المجتمع .

2-    أستحداث التكنولوجيا أى الأدوات والوسائل التى بواسطتها يتم الحصول على العنصر ( العناصر ) المستهدف ومعالجته ليصبح ملائما للغرض المطلوب .

3-              تطبيق نتائج العلم وأستخدام التكنولوجيا فى الحصول على العناصر المستهدفة ومعالجتها لتصبح متاحه لاشباع حاجات معينه والمرحله الأخيرة هى ما تعرف بالعملية الإنتاجية .

 

وإستغلال هذه الموارد ثم لأغراض أساسية هى:

1-              توفير الغذاء .

2-              تحسين وضع ميزان المدفوعات من خلال التصدير .

3-              توفير مواد تدخل فى صناعة منتجات أخرى .

4-              الأغراض السياحيه والترفهية . 

 وعلى الرغم من أن الموارد السمكية تشكل وحدات متزنه ألا أنها ليست معزوله

عن الوسط ( البيئه ) الذى تحيا فيه ، فبقاؤها واستمرارها يتوقف على أستمرار الصله بينها وبين عناصر البيئة الأخرى ، وهذا يعنى أن المحافظة على الموارد السمكية تعنى المحافظة على سلامة الوظائف المختلفة لكل مكونات النظام البيئى المائى ، ومراعاه أن يكون أستغلالها فى حدود ما تسمح به طاقتها أو ما يعرف Carrying  Capacity    .

         ولما كانت عمليه الصيد عاملا هاما من العوامل التى تؤثر فى قدره الموارد السمكية على التجدد والاستعاضة أو بمعنى أخر على استدامتها ، فإنه يجب مراعاه أن يكون تأثير الصيد متوازنا مع عمليه أستعاده الموارد السمكية لعناصرها من خلال التولد النمو ، فإذا لم يتحقق هذا التوازن ، أى كان حجم المصيد أعلى من حجم التعويض لعناصر الموارد السمكية ، كانت النتيجة تناقص هذه الموارد ثم انقراضها فى النهاية ، لذا فإن المهمة الأولى لواضعى سياسات استغلال الموارد السمكية هى تحديد مستوى الاستغلال الأمثل والذى يعنى أكبر كميه من الموارد السمكية يمكن أن يحصل عليه على المدي الطويل، والذى يسمى أيضا مستوى الأستغلال الحرج Critical Exploitation Level   بحيث أذا زادت الكميات المنتجه ( من صنف أو مجموعه أصناف ) عن هذا المستوي ، فإنه يكون بداية لتناقص الكميات المنتجة فى السنوات التالية ، والذى يترتب عليه – مع استمرار مجهود الصيد Fishing Effort   بنفس المستوي – إلى انقراض هذه الأصناف ، وبمعنى آخر ، فإنه لضمان تكرارية واستمرار إنتاج المصايد فإنه يجب ضمان الحد الأدنى من المخزونات السمكية Stocks  والذى يسمح بتحقيق إنتاج سمكى غير متناقص .  

         والصيد الجائر Over Fishing  هو الذى يتخطى المستوى الحرج للاستغلال مما يؤدى إلى تخفيض الحد المسموح به للمخزونات السمكية وبالتالى إنخفاض قدرته على أستعاضة عناصره .

ثانياً : أثر المتغيرات الاقتصادية على أستدامه الموارد السمكية

       يمكن تقسيم المتغيرات الإقتصادية التى تؤثر على أستدامه الموارد السمكية إلى مجموعتين :

 1-             المتغيرات الداخلية :

وتضم مجموعه المتغيرات التى تحدث داخل قطاع الصيد بإعتباره نشاطا أقتصاديا تحكمه القوانين والمعايير الإقتصادية فى ظل ظروف إنتاجيه معنيه ، وهو ما يعنى العوامل التى تؤثر فى تحقيق أكبر عائد ممكن من تشغيل وحدات الصيد ، وفى هذه الحاله فإن مستوي الاستغلال الذى يحقق الكفاءة الإقتصادية يكون عند الحد الذى يتساوى عنده العائد الحدى مع تكاليف تشغيلها الحدية ( عائد وتكاليف تشغيل آخر وحدة صيد ) ، وهذا يعنى أنه سيتم تتابع تشغيل وحدات الصيد فى منطقة صيد معينه طالما أن العائد الذى تحققه وحده الصيد أكبر من تكاليف تشغيلها ، وأنه سيتم وقف تشغيل أى وحدات أخرى بعد الوحدة التى تحقق عائدا مساويا للتكاليف. وعلى هذا  الأساس فإن مستوي الإستغلال الأقتصــــادي ( مستوى الإنتاج الذى يحقق الكفاءة الأقتصادية ) ، قد لا يتطابق مع المستوى البيولوجي الأمـــثل ( المستوى الذى يسمح باستدامه الموارد السمكية ) .

         ومن تقييم الوضع الحالى لمعظم المصايد العربية يمكن القول أن حجم الإنتاج الاقتصادي يتعدى بكثير حجم الإنتاج البيولوجي ( الحرج ) والتى تعكسه ظاهره الصيد الجائر وما تتركة من تداعيات فى تناقص إنتاجيه العديد من المصايد فى الدول العربية. ويمكن تفسير ذلك بأن حجم الإنتاج الذى يحقق الكفاءة الإقتصادية لوحدات الصيد ، ما هو إلا داله للعلاقات الطبيعية والاقتصادية بين كل من المدخلات والمخرجات فى قطاع الصيد ، وحدوث تغييرات فى هذه العلاقات ينتج عنه تغيير فى مستوى الاستغلال البيولوجي . وأهم هذه المتغيرات ما يلى :

 أ-    التقدم التكنولوجي

        إن تطور تكنولوجيا صناعه الصيد تزيد من كثافة رأس المال Capitalization  فى القطاع والتى تؤدى إلى زيادة التكاليف الحدية من جانب ورفع الكفاءة الإنتاجية لوحدات الصيد من جانب آخر مما ينعكس فى زيادة الإنتاج الكلى إلى المستوى الذى يعظم العائد الإقتصادي فى ظل الأوضاع الجديده ، وفى هذه الحالة وفى ظل غياب رقابه جاده تتزايد إحتمالات تخطى حجم الإنتاج الإقتصادى حجم الإنتاج البيولوجى مما يهدد بإستزاف الموارد السمكية .

 ب-   ارتفاع أسعار المدخلات ( مستلزمات ووسائل الإنتاج )

       إن ارتفاع أسعار المدخلات فى قطاع الصيد سوف يؤدى إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، وهذا سوف يؤدى إلى زيادة مستوى الإنتاج لتحقيق الكفاءة الاقتصادية لوحدات الصيد ، والذى قد يعنى تخطى مستوى الاستغلال البيولوجى الحرج وبدايه أستنزاف المخزونات السمكية .

 

ج-   ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية

       وهذا العامل مرتبط بالعامل السابق ، وذلك أن معظم الدول العربية أن لم يكن جميعها تحصل على مستلزمات ووسائل الإنتاج من الخارج وأن أى تغيرات فى أسعار صرف العملات الأجنبية سوف يؤدى إلى أرتفاع تكاليف الإنتاج بما يوازى الارتفاع فى أسعار صرف العملات الأجنبية ، وهذا ما نلاحظة فى بعض الدول العربية من أرتفاع أسعار الدولار الأمريكى بقيم متزايده ، وهذا الوضع سوف يؤدى إلى أحتمالين .

1-              زيادة معدلات الصيد الجائر لتحقيق حجم إنتاج يحقق الكفاءة الاقتصادية.

2-              خروج الوحدات الغير اقتصاديه من النشاط .

وكلا الاحتمالين له تداعيات خطيرة ، فالاحتمال الأول يؤدى إلى استنزاف الموارد السمكية وماله من آثار خطيره ، والاحتمال الثانى يؤدي إلى عدم الاستفادة أو ضياع استثمارات كبيرة خاصة إذا علمنا أن مرونة تحويل الاستثمارات فى وحدات الصيد الى أنشطه أخري منخفضة للغاية بسبب صعوبة تسييل الأموال المستثمرة فى وحدات الصيد ، وأيضا زيادة معدلات البطالة وانخفاض إمدادات الغذاء . وفى ظل هذه الظروف لابد من تدخل الدولة لدعم هذا النشاط بشكل يحافظ على استمرار وحدات الصيد فى النشاط ويحافظ فى نفس الوقت على أستدامه الموارد السمكية .

 د-    الدعم الغير مخطط لنشاط الصيد

        فى بعض الحالات يتم تقديم دعم من قبل الحكومات للأنشطة الصيد ( خاصة بالنسبة لوسائل ومعدات الصيد ) دون توفر دراسات دقيقه عن الآثار المترتبة على تقديم هذا الدعم على أستدامه الموارد السمكية .

         إن إنخفاض أسعار المدخلات عن تكلفتها الفعلية نتيجه الدعم مع فرض بقاء أسعار المخرجات ثابته ( الأسماك ) يعنى زيادة هامش الربح المحقق مما يشجع على دخول وحدات صيد جديده مما يهدد استدامه الموارد السمكية .

 

هـ-   عدم كفاية الاستثمارات المخصصة للخدمات المساعدة مثل البحث العلمي فى مجال المخزونات السمكية ، ووسائل ومستلزمات الرقابة والإرشاد وغيرها .

 

2-    المتغيرات الخارجية

        وتضم المتغيرات التى تحدث من خارج قطاع الصيد وتؤثر فى استدامه الموارد السمكية ومنها .

أ-     غياب مفهوم المحاسبة البيئية عند اعداد دراسات الجدوى للمشروعات التنموية ذات التأثير على الموارد السمكية وبالتالى أدخال الجدوى البيئية عند اعداد دراسات جدوى هذه المشروعات وبالتالى تحديد أولوياتها 

ب-    عدم كفاية الاستثمارات اللازمة لمنع أو تقليل الآثار الضارة للمشروعات والأنشطة المختلفة على الموارد السمكية مثل مشروعات السياحة والترفيه والمشروعات الصناعية والزراعية والتوسع الحضري للمشروعات التنموية .

 

 

المصدر: د/ أحمد عبد الوهاب برانيه أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية
drBarrania

د/ أحمد برانية أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى

ساحة النقاش

د/ أحمد عبد الوهاب برانية

drBarrania
أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

336,588