د/ أحمد عبد الوهاب برانيه

أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية

مقدمـة:

الأصل في ظاهرة التلوث البيئى أنه مشكلة اقتصادية اجتماعية وأن ابعادها البيولوجية والكيميائية ما هي إلا مشاكل فرعيه أو ما يطلق عليه مشاكل تابعه.

فالملوثات ما هي إلا مواد وطاقة غير مستغلة لا يتم الاستفادة منها وهو ما يعتبر هدراً في هذه الموارد، فعلي سبيل المثال توضح بعض التقديرات أن مقدار الفاقد من المواد الخام والطاقة المستخدمة في الدول الصناعية يمثل حوالي 40%،60% على الترتيب من إجمالي هذه العناصر المستخدمة ، وهذا الفاقد يتسرب إلى البيئة ليلوثها(1).


ولا تقتصر الآثار الاقتصادية للتلوث على الفاقد من مواد الطاقة المستغلة بل تتعداها إلى تكاليف العديد من الأضرار الأخرى التى يسببها التلوث وكذلك تكاليف معالجة هذه الأضرار وإلغاء آثارها، والتى تمثل خسائر فادحة بالنسبة للأقتصاد القومي.


ويثير ارتفاع تكاليف حماية البيئة العديد من التساؤلات حول الجدوى الاقتصادية من مثل هذه المشروعات خاصة بالنسبة للدول النامية والتى تعاني أصلاً من قصور في مواردها المالية المخصصة لمشروعات التنمية الأساسية.


وللرد على هذه التساؤلات نعود إلى تجارب الدول الصناعية في هذا المجال والتى أثبتت أن تكاليف حماية البيئة ومكافحة التلوث أقل من الخسائر التى يسببها التلوث للإقتصاد القومي، حيث تقدر الخسائر التى يسببها التلوث البيئي بحوالي 1-3% من إجمالي الناتج المحلى لهذه الدول، بينما تقدر تكاليف حماية البيئة ومكافحة التلوث ما بين 0.5 إلى 1.5% من إجمالي الناتج المحلي لها،(1) ، وسيزيد هذا الفارق إذا أخذنا في الاعتبار أن تقديرات الخسائر لا تتضمن جميع الأضرار خاصة تلك التى يصعب قياسها كمياً.


       هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن الاعتقاد بانخفاض العائد على الاستثمارات في مشروعات حماية البيئة، يعود إلى حد كبير إلى بعض المشاكل والصعوبات في تقدير أضرار التلوث من جانب وسهولة تقدير تكاليف حماية البيئة، حيث ترجع الصعوبة في الحالة الأولي إلى كون من يلوث قد لا يتحمل تبعات ذلك التلوث، وأن العوائد التى تعود من الأنفاق على حماية البيئة قد لا يتمتع بها القائم بالأنفاق، فالصناعة قد تتولى الأنفاق على حماية البيئة ويكون المستفيد قطاعي الصحة والزراعة مثلاً ، وأخيراً صعوبة تتبع عوائد الأنفاق على حماية البيئة.


مشاكل قياس الآثار الاقتصادية للتلوث

تواجه عملية قياس الآثار الاقتصادية للتلوث البيئي عدة صعوبات ناتجة عن طبيعة ومكونات الأضرار التى يسببها التلوث حيث أن بعض هذه الأضرار قد يصعب أولا يمكن قياسها والتعبير عنها في شكل قيم نقدية.، كما أن تسلسل التداعيات الناتجة عن هذه الأضرار في مجالات وقطاعات عديدة تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل تتبع جميع الخسائر والأضرار الناتجة عن هذه التداعيات، وحتى بالنسبة للأضرار القابلة للقياس الاقتصادي، فإنه في كثير من الأحيان يكون من الصعب حصرها وتتبعها بشكل كامل ودقيق.

         

كل هذه العوامل والصعوبات أدت إلى عدم إمكانية تحقيق تقدير دقيق عن الجوانب الاقتصادية للتلوث سواء من حيث التكلفة أو العائد المحقق من مكافحة التلوث وحماية البيئة، وهى نفس المشاكل التى واجهتنا في هذا الجزء من الدراسة.


وتنقسم التكاليف الاقتصادية التى يسببها التلوث إلى مجموعتين رئيسيتين:

المجموعة الأولـى:  وتضـم الأضرار القـابلة للقيـاس الكمـي ويمكـن

التعبير عنها بقيم نقدية، وبالتالي تنقسم إلى تكاليف مباشرة وغير مباشرة.

التكاليف المباشرة : وتمثل ، قيمة الأضرار المباشرة الناتجة عن تلوث البيئة ويتحملها المجتمع وتضم:

1- قيمة الموارد والطاقة التى تنبعث أثناء العمليات الإنتاجية وتسبب تلوث البيئة.

2- التكاليف التى يتحملها قطاع الصحة نتيجة للأضرار الصحية التى يسببها التلوث.

3- قيمة النقص في الإنتاج من الأنظمة الطبيعية – مصايد الأسماك.

4-    ارتفاع استغلال موارد وعناصر بديلة لتلك التى تم تلويثها (مثال ذلك تكاليف الحصول على الأسماك من مصدر آخر غير الذى تم تلويثه).

تكاليف الأضرار التى تصيب أدوات ووسائل الإنتاج.

5- انخفاض الإنتاجية لعنصر العمل.

6- الانخفاض في العائد على رأس المال المستثمر.

7- التكاليف الإضافية اللازمة لبرامج ومشروعات مكافحة التلوث وحماية البيئة.


أ‌- التكاليف الغير مباشرة: وتمثل الأضرار التى تنشأ بشكل غير مباشر نتيجة حدوث التلوث وتضم:

1-                    تكلفة تفادى آثار التلوث (مثال ذلك تكاليف البحث والانتقال إلى مناطق صيد جديدة بعيده عن المناطق الملوثة.

-  تعويضات المتضررين من التلوث – الصيادين والعاملين في الأنشطة الإنتاجية المساعدة.

2-                      تكلفة الفرصة البديلة للاستثمارات التى تخصص لحماية البيئة ومكافحة التلوث.


المجموعة الثانية : وتضم الأضرار الغير قابلة للقياس الكمي أو التى يصعب قياسها وبالتالي لا يمكن التعبير عنها بقيم نقدية . مثال ذلك.

-   الآلام البدنية والنفسية التى تصاحب الإنسان نتيجة التلوث.

-   المعاناة نتيجة تدهور الجوانب الجمالية في الطبيعة.

-  التلفيات التى تحدث في الشعاب المرجانية والمناطق الشاطئية والتى يصعب تقدير قيمتها.





 

(1)  المصدر: د.خالد فهمي – التوطن الصناعى والبيئة ، بحث التوطن الصناعي في مصر عام 2000 ، معهد التخطيط القومي ، 1988.

المصدر: د/ أحمد عبد الوهاب برانيه أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية
drBarrania

د/ أحمد برانية أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى

ساحة النقاش

د/ أحمد عبد الوهاب برانية

drBarrania
أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

367,035