د/ أحمد عبد الوهاب برانيه

أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية

        تعتبر تنمية المبادلات التجارية بين الدول بصفة عامة و الدول العربية بصفة خاصة أحد المحاور الأساسية التى يقوم عليها النشاط الاقتصادي. وقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً جوهرياً في الجهود التى تهدف إلى تنمية التجارة العربية البينية أملته اعتبارات ومعطيات محلية وخارجية.

 

§   تعتبر الأسماك ومنتجاتها أحد عناصر التجارة الخارجية التى تحاول الدول والتكتلات الاقتصادية تعظيم الاستفادة منها، ووضعها ضمن قوائم معاملاتها التجارية مع الأسواق الأخرى على المستويين التنائى والدولي ، خاصة مع تفاقم أزمة الغذاء في العديد من الدول وبالتحديد تلك الدول التى تعاني من العجز الغذائي والدخل المنخفض والتى من بينها بعض الدول العربية.

 

§   إذا كان الميزان التجاري العربي الإجمالي من السلع الزراعية الغذائية يعاني من عجز مزمن والذي قدر  باكثر من20مليار دولار أمريكى، فإن الميزان التجاري للأسماك ومنتجاتها قد حقق فائضا قدره 500 مليون دولار أمريكي ،

 

§    إن الصادرات السمكية تعتبر أحد مصادر الدخل الرئيسية لبعض الدول العربية مثل موريتانيا والمغرب واليمن وتونس.

 

§    إذا ما أخذنا في الاعتبار الإمكانيات المتاحة لزيادة الإنتاج السمكي العربي (حتى في ظل التقنيات المتاحة) والتى تتمثل في حوالي 1.7 مليون طن من الأسماك السطحية وما يمكن تحقيقه من إضافة من خلال ترشيد استغلال الأسماك القاعية والرخويات والقشريات والجارى استغلالها ، فإنه يمكن تصور الإمكانيات المتاحة لزيادة حجم التجارة العربية من الأسماك ومنتجاتها.

 

§   في ظل المتغيرات التى سادت معظم دول العالم والتى نتج عنها اتباع معظم الدول لسياسات اقتصادية تقوم على التحرر الاقتصادي وتفعيل دور آليات العرض والطلب ، وسيادة دور القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية ، وتحرير التجارة الدولية مع توقيع اتفاقيات الجات وإقامة منظمة التجارة العالمية، أصبح العامل الحاكم في توجيه مسار الأنشطة الاقتصادية ومنها التجارة الخارجية هو عامل الكفاءة، والذي يعنى انتاج سلعة بأعلى جودة وأقل تكلفة، أي الكفاءة القادرة على المنافسة سواء في الأسواق الأجنبية أو الأسواق العربية.

        وعليه فإنه يصبح من غير المتوقع تنمية التجارة السمكية العربية بقرار سياسى أو لمجرد الرغبة في تحقيق شعارات قومية من الصعب تطبيقها على أرض الواقع والذي يحكمه تبادل المنافع على المستويين الجزئي والكلي والفردي والعام.

 

        ومن هذا المنطلق فإن السؤال الهام هو:

ما هي الإمكانيات والوسائل لتعظيم العائد من التجارة العربية السمكية ؟

والإجابة على هذا التساؤل تتطلب تحديد ما يلي:

 

1- أهم خصائص السلع السمكية و تاتيرها على التجارة.

2- أهم سمات وخصائص تجارة الأسماك العربية كما يعكسها الوضع الحالي لهذا النشاط. 

3-المعوقات والمحددات التى تؤثر على حركة تجارة الأسماك العربية داخل المنطقة العربية وخارجها.

4-آليـات تنشيط وتنمية تجارة الأسماك العربية.

 

1- أهم خصائص السلع السمكية و تاتيرها على التجارة

§          موسمية الإنتاج

§        تعدد الاصناف وتنوع المنتجات المصنعة

§        سرعة القابلية للتل

 

2- السمات الرئيسية لتجارة الأسماك العربية

 

§   يقدر حجم التجارة السمكية العربية بحوالي800ألف طن، قيمتها 1600مليون دولار أمريكي. حيث قدرت قيمة الصادرات من الأسماك ومنتجاتها بحوالي 1000 مليون دولار، وقيمة الواردات 600مليون دولارفي أواخر التسعينات من القرن العشرين .

§   أن نسبة الزيادة في كمية وقيمة الصادرات العربية تقدر بحوالي 4.2%، 32.8% على التوالي خلال ااتسعينات من القرن الماضى.

§      ويرجع ذلك إلى الزيادة في قيمة الصادرات السمكية للمغرب بنسبة 116%، وتونس بنسبة 19.4% بسبب زيادة أسعار الأسماك المصدرة من هذين البلدين ، في حين انخفضت الصادرات السمكية في عمان بنسبة 23.8% ، موريتانيا بنسبة 24.9% .

§   ساهمت صادرات المغرب بحوالي 56.2% من الصادرات السمكية الإجمالية ، يليها تونس 15.4% ثم موريتانيا 13.9% ، أي أن حوالي 86% من صادرات الأسماك العربية يتركز في الدول الثلاثة.

§   حققت الواردات من الأسماك ومنتجاتها زيادة قدرها 16.4% من حيث الكمية، 22.1% من حيث القيمة خلال نفس الفترة.

§   تصدرت مصر والسعودية وليبيا الدول العربية المستوردة الرئيسية للأسماك ، حيث بلغت قيمة وارداتها من الأسماك حوالي 300مليون دولار ، أى حوالي 58% من إجمالي قيمة الواردات العربية من الأسماك.

§   أن معظم الصادرات العربية (حوالي 90%) من الأسماك تتجه إلى أسواق أجنيه (أوربا واليابان)، كما يتم استيراد السلع السمكية من خارج المنطقة العربية ، وأنه في العديد من الحالات يتم تناول الأسماك المنتجة في الدول العربية من خلال وسيط أجنبي ، مثال ذلك أن مصر تستورد بعض الإنتاج العربي الأصل عن طريق وكلاء هولنديين وإيطاليين وبريطانيين.

§   يمكن تفسير هذا الوضع بارتباط الصناعات السمكية (الصيد والتصنيع) في الدول العربية ذات الوفرة في مواردها السمكية بالاستثمارات الأجنبية من خلال تعاقدات واتفاقيات مع منظمات وشركات أجنبية بسبب عدم توفر الاستثمارات الوطنية أو العربية، ولهذا تسيطر هذه الشركات والمؤسسات على تجارة الأسماك.

§    محدودية التجارة العربية البينية، حيت تتسم بتركيز التبادل بين عدد محدود من الدول تكون في معظم الأحوال من الدول المتجاورة مثل ليبيا مع المغرب وتونس وموريتانيا والجزائر وكذلك بين دول التعاون الخليجي.

§        أن معظم الصادرات والواردات العربية هي أسماك طازجة أو مبردة أو مجمدة غير مصنعة .

 

3- العوامـل المؤثرة في حركة التجارة العربية السمكية

 

§   يتركز اهتمام المصدرين والمستوردين في الدول العربية كما في غيرهم من الدول في البحث عن الأسواق المناسبة والتى تحقق تعظيم العائد من المبادلات التجارية للسلع والخدمات المختلفة.

 

§   مع تعاظم دور القطاع الخاص في الاقتصاديات العربية وتحرير التجارة الدولية بعد عقد اتفاقيات الجات وإقامة منظمة التجارة العالمية، أصبح مبدأ الكفاءة القائم على المنافسة هو العامل الحاكم في توجيه حركة التجارة الخارجية ، حيث     يصبح مستوى جودة السلع والتكلفة أهم مؤشرات الكفاءة وللمحافظة على الأسواق التقليدية والدخول إلى أسواق جديدة.

 

§        وكما سبق أن ذكرنا – فإن من سمات التجارة السمكية العربية أنها تتركز تصديراً واستيراداً في مجموعة الدول الأوربية وبكميات أقل في بعض الدول الأسيوية وبالتحديد اليابان، كما أن المنتجات العربية من الأسماك يتم تبادلها بين الدول العربية من خلال وسيط أوربي وليس مباشرة بين المصدرين والمستوردين العرب وهذا يعنى أمرين :

 

الأول : أن السوق الأوربية (مجموعة دول الوحده الأوربية) تعتبر – وكما يقال – الســوق التقليدية للأسماك العربية.

الثاني:  أن هناك تبادل تجاري في الأسماك بين الدول العربية ولكن يتم بشكل غير مباشر عن طريق طرف أجنبي ثالث لأسباب مختلفة عاقت وتعوق تحقيق تبادل مباشرة.

 

§   إذا ما أخذ في الاعتبار مبدأ تحقيق أكبر منفعة من التبادل التجاري وفي ظل حرية التجارة فإن كل من المصدر والمستورد العربى للأسماك سوف يتجه إلى الأسواق التى تحقق له أكبر عائد في ظل الخدمات والتسهيلات المتاحة.

 

§   السؤال الهام هو … إلى أي مدي يمكن الاحتفاظ بالأسواق الأوربية واليابانيه في ظل العديد من المتغيرات والمستجدات سواء على المستوى الإقليمى والدولي وأيضا بالنسبة لاتجاهات الطلب على الأسماك وتفضيلات المستهلكين في هذه الدول.

 

إن إجابة هذا السؤال الهام تطلب استعراض الحقائق الآتية:

1-    تتعرض المنتجات السمكية العربية لمنافسة غير متكافئة مع المنتجات الأجنبية سواء في الأسواق الأوربية واليابانية أو في الأسواق العربية المستوردة لهذه المنتجات بسبب عامل الجودة وانخفاض التكلفة.

فقد دخل منافسين جدد في تجارة الأسماك خاصة من الدول الأسيوية ويقدمون منتجات منافسة من حيث توفر معايير الجودة وتنوع المنتجات، خاصة في مجال المنتجات غير التقليدية ومنتجات القيمة المضافة Value  added  products ، كما أنهم استطاعوا تقديم أسعار منافسة مستفيدين من انخفاض تكلفة الإنتاج نتيجة وفره الموارد السمكية وانخفاض الأجور وأسعار عملاتها الوطنية.

 

2-    أصبحت الأسواق الأوربية واليابانية أكثر ديناميكية وحساسية وتعقيداً وأصبحت من أكثر الأسواق تكلفة لدخولها وذلك لأسباب مختلفة من أهمها التطور المستمر في معايير الجودة والمواصفات الصحية في جميع المراحل بدءاً من مرحلة الصيد إلى مرحلة التصنيع والتداول، وأن تحقيق هذه المعايير يتطلب ضخ استثمارات كبيره في كافة المراحل بدءاً من مرحلة الصيد حتى المستهلك، خاصة مع الارتفاع المتوقع في تكاليف المشروعات السمكية بسبب ما سيترتب على تطبيق اتفاقية الجات في مجال حقوق الملكية الفكرية وارتفاع تكلفة الحصول على التكنولوجيا اللازمة لتحديث الصناعات السمكية، وتكاليف استخدام العلامات التجارية.

 

3-    تحاول بعض الدول الأجنبية الالتفاف حول مبدأ حرية التجارة كما جاء في الاتفاقيات الدولية، بحجج مختلفة مثل حماية البيئة والدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة عمالة الأطفال…الخ.

 

4-    تناقص إمكانيات الوصول إلى الأسواق الأوربية وغيرها من الأسواق الأجنبية للمنتجات السمكية المصنعة (المجهزة ونصف المجهزة) في الدول العربية، نتيجة تصعيد مستويات التعريفة الجمركية على هذه المنتجات بعد جولة أورجواي، ويعطى هذا الوضع مؤشراً هاماً في حركة واتجاه تجارة الأسماك في المنطقة العربية، حيث يمكن فرض تعريفات أقل في اطار حكم الدول الأكثر رعاية أو نظام الأفضليات المعمم.

 

5-    إن اعتماد الصادرات السمكية العربية على المواد الأولية (أسماك حيه أو مبردة أو مجمدة) يحرم الاقتصاديات العربية من فتح مجالات جديدة للاستثمار والعمالة وخلق قيمة مضافة بما يساعد على زيادة العائد من تصدير الأسماك المصنعة.

 

6-  أنه إذا ما أريد المحافظة على الأسواق الأجنبية التقليدية فلابد من قبول التحديات التى تفرضها المنافسة العالمية وهذا يتطلب:

§        الارتفاع بمستوى الجودة وبأسعار تنافسية .

§   العمل على تطوير المنتجات العربية بما يتناسب مع التطورات المتلاحقة في أذواق المستهلكين واحتياجاتهم وما يتطلبه ذلك من:

§         تعديلات في هياكل الإنتاج والتسويق.

§         تدريب القوى العاملة .

§        الاستثمار في البحث والتطوير.

§    أن هذا يتطلب ضخ استثمارات غير قليلة، وهذا يعنى أن تكلفة المحافظة على هذه الأسواق الأجنبية أو الدخول إليها أصبح مكلفاً للغاية، وهذا مشروط بإمكانية تحاشى أشكال القيود المختلفة التى تفتعلها الدول الأجنبية وذلك للحد من انسياب المنتجات العربية خاصه المصنعه إلى أسواقها.

 

7- على الجانب الآخر فإن الأسواق العربية تتوفر لها المميزات الآتية:

§   اتساع وتنوع الأسواق العربية من حيث  عدد السكان  الذين يتزايدون بمعدل متوسط سنوي حوالي 2.2% علاوه على اتجاه أسعار اللحوم والدواجن إلى الارتفاع بسبب ارتفاع أسعار مدخلات هذه الصناعات.

§   على الرغم من تفضيل المستهلك العربي للأسماك الطازجة بشكل عام إلا أن مجموعة من العوامل أثرت في الفترة الأخيرة في تفضيلاته والتى انعكست في زيادة الطلب الحالي والمتوقع على المنتجات السمكية المصنعة والنصف مصنعة ومن أهمها ما يلي:

-         التوسع في المراكز الحضرية وبالذات في العواصم والمدن الهامة.

-         تطوير شبكة الطرق والمواصلات التى سهلت انسياب الأسماك إلى مراكز الاستهلاك.

-         تزايد الوعي والاهتمام بالغذاء الصحي.

-   زيادة أعداد المرأة العاملة وبالتالي زيادة الطلب على السلع المصنعة وشبه الجاهزة لتوفير الوقت المنفق في شراء الطعام وتجهيزه.

-         انتشار أجهزة التجميد والتبريد في المنازل مما يساعد على حفظ المنتجات السمكية لفترات مناسبة.

-   تطوير المنتجات السمكية وتنوعها مما يتيح اختيارات واسعة أمام المستهلكين والتى تناسب جميع الأذواق والعادات.

-   إدخال المنتجات السمكية في برامج تغذية التجمعات الكبيرة مثل المستشفيات والمدارس والجامعات ، والقوات المسلحة والشرطة والمصانع وكذلك برامج المعونات الغذائية.

 

§   أن الدول العربية غير متنافسة في إنتاج الأسماك بسبب تعدد واختلاف الأنواع واختلاف مواسم الإنتاج نتيجة اختلاف الظروف البيئية في المصايد العربية.

 

§   توفر الإرادة السياسية لتقوية التعاون الاقتصادي العربي وتأهيل الظروف المناسبة لتشجيع وتنمية التجارة العربية البينية من خلال الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف مثل اتفاقيات مناطق التجارة الحرة الثنائية واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيداً لقيام اتحاد جمركي ثم سوق عربية مشتركة، وكذلك وجود العديد من المؤسسات والآليات التى تهدف إلى تنمية التبادل التجاري العربي.

المصدر: دكتور/ أحمد عبد الوهاب برانية أستاذ اقتصاد و تنمية الموارد السمكية معهد التخطيط القومي
drBarrania

د/ أحمد برانية أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى

ساحة النقاش

د/ أحمد عبد الوهاب برانية

drBarrania
أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

367,045