علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

 

 

 

 


الإمام ابن الجوزي يقول فى كتابه صيد الخاطر تحت عنوان  <!--[endif]--> :
" العقل بين التكليف و الإذعان "
   
   إني رجل حُبب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به ثم لم يُحبب إلى فن واحد منه ، بل فنونه كلها . ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه   بل تروم استقصاءه . و الزمان لا يسع ، و العمر أضيق ، و الشوق يقوى ، والعجز يظهر ، فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات .
   
   
   ثم أن العلم دلني على معرفة المعبود ، و حثني على خدمته ، ثم صاحت بي الأدلة عليه إليه ، فوقفت بين يديه ، فرأيته في نِعَمه ، و عرفته بصفاته ، و عايَنت بصيرتي من ألطافه مادعاني إلى الهيمان في محبته ، و حركني إلى التخلي لخدمته ، و صار يملكني أمر كالوجد كلما ذكرته ، فعادت خلوتي في خدمتي له أحلى عندي من كل حلاوة . فكلما مِلتٌ إلى الانقطاع عن الشواغل إلى الخلوة ، صاح بي العلم : أين تمضي ؟ أتعرض عني و أنا سبب معرفتك به ؟
   فأقول له : كنت دليلاً و بعد الوصول يستغني عن الدليل .
   
   
   قال : هيهات ! كلما زِدتَ   زادت معرفتك بمحبوبك و فهمت كيف القرب منه . و دليل هذا أنك تعلم غداً أنك اليوم في نقصان . أوَ ما تسمعه يقول لنبيه صلى الله عليه و سلم : و قل رب زدني علماً؟.
   
   
   ثم ألست تبغي القرب منه ؟ فاشتغل  بدلالة عباده عليه ، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة و السلام . أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق ، على خلوات التعبد ، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم ؟
   أما قال الرسول صلى الله عليه و سلم لعليٍ رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً ، خير لك من حمر النعم ؟ .
   
   
   فلما فهمتُ صدق هذه المقالة ، تهوست على تلك الحالة ، و كلما تشاغلت بجمع الناس  تفَرّق همي . و إذا وجدت مرادي من نفعهم  ضعفت أنا ، فأبقى في حيز التحير متردداً ، لا أدري على أي القدمين أعتمد . فإذا وقفت متحيراً صاح العلم : قم لكسب العيال ، و ادأب في تحصيل ولد يذكر الله . فإذا شرعت في ذلك قلص ضرع الدنيا وقت الحلب ، و رأيت باب المعاش مسدوداً في وجهي ، لأن صناعة العلم شغلتني عن تعلم صناعة .
   
   
   فإذا التفت إلى أبناء الدنيا ، رأيتهم لا يبيعون شيئاً من سلعها إلا بدِين المشتري . و ليت من نافقهم أو راءاهم نال من دنياهم ، بل ربما ذهب دِينه و لم يحصل مراده . فإن قال الضجر : اهرب . قال الشرع : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت .
   
   
   و إن قال العزم : انفرد ، قال : فكيف بمن تعول ؟
   فغاية الأمر أنني أشرع في التقلل من الدنيا ، و قد ربيت في نعيمها . و غذيت بلبانها ، و لطف مزاجي فوق لطف وضعه بالعادة . فإذا غيرت لباسي و خشنت مطعمي ،  نفر الطبع لفراق العادة فحل المرض فقطع عن واجبات ، و أوقع في آفات
   و معلوم أن لين اللقمة بعد التحصيل من الوجوه المستطابة ، و تخشينها لمن لم يألف سعى في تلف النفس .
   
   
   فأقول : كيف أصنع ؟ و ما الذي أفعل ؟ و أخلو بنفسي في خلواتي ، و أتزيد من البكاء على نقص حالاتي . و أقول : أصف حال العلماء  و جسمي يضعف عن إعادة العلم ،

و حال الزهاد  و بدني لا يقوى على الزهد ،                            و حال المحبين و مخالطة الخلق تشتت همي ، و تنقش صور المحبوبات من الهوى في نفسي  فتصدأ مرآة قلبي .
   
   
   و شجرة المحبة تحتاج إلى تربية في تربة طيبة تسقى ماء الخلوة من دولاب الفكرة . و إن آثرت التكسب لم أطق . و إن تعرضت لأبناء الدنيا ـ مع أن طبعي الأنفة من الذل و تديني يمنعني ـ فلا يبقى للميل مع هذين الجاذبين أثر . و مخالطة الخلق تؤذي النفس مع الأنفاس !!!
   
   
   و لا تحقيق التوبة أقدر عليه ، و لا نيل مرتبة من علم أو عمل أو محبة يصح لي . فإذا رأيتني كما قال القائل :
   
   
    ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له       إياك إياك أن تبتل بالماء
   تحيرت في أمري ، و بكيت على عمري ، أ.هـ من صيد الخاطر
 ويبدو والله أعلم ان هذا هو أفضل حال للمؤمن يعيش الدهر ثم يموت وهو يبكى على حاله فى محرابه ولو اصلح الله له كل احواله مابكى أى ماتعبد و ما أحب فبكاؤه وقود لمحبته ومحبته وقود لبكائه وذله بين يدى ربه هو سر عزته بين خلقه وانسداد الأبواب أمامه هو سبب افتقاره إليه فالله له والله معه ورحماك اللهم به لأجل ذلك شُرع دعاء المؤمنين بعضهم لبعض فكلهم فى ساحة حرب لاينهيها الا الموت لأجل ذلك يستقبل أحدهم على باب الجنة استقبال الأبطال وتكرمه الملائكة اللهم اجعلنا منهم وثبتنا حتى نلقاك 

الإمام ابن الجوزى يعبر عن حال المؤمن  رغم الفوارق بين المؤمنين وما يتحملون من رسالات وأعباء .

 

المصدر: صبد الخاطر للامام ابن الجوزى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 172 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2013 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

317,775