برق المعصية فى مطر السَكينة
قال ابن القيم :
وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار ، والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده ، عند اضطرابه من شدة المخاوف . فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه . ويوجب له زيادة الإيمان ، وقوة اليقين والثبات
وهي آية النصر تخلع قلوب الأعداء بصوتها رعبا إذا التقى الصفان للقتال .
وهي شيء من لطائف صنع الحق . تُلقي على لسان المحدث الحكمة كما يُلقي الملَك الوحي على قلوب الأنبياء . وتنطق بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار ، وكشف الشُبه .
والسكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها . وسكنت إليها الجوارح . وخشعت ، واكتسبت الوقار ، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة ، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش ، واللغو والهجر ، وكل باطل ،
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه .
وكثيرا ما ينطق صاحب السكينة بكلام لم يكن عن فكرة منه ، ولا روية ولا هبة ، ويستغربه هو من نفسه كما يستغرب السامع له وربما لا يعلم بعد انقضائه بما صدر منه فهى ليست شيئا يُملك يعني هي موهبة من الله تعالى ليست بسببية ولا كسبية يعني أنها بواسطة الملائكة بحيث تُلقي في قلوب أربابها الحكمة عنهم والطمأنينة والصواب . كما أن الأنبياء تتلقى الوحي عن الله بواسطة الملائكة ولكن ما للأنبياء مختص بهم ولا يشاركهم فيه غيرهم وهو نوع آخر
<!--
وأكثر ما يكون هذا عند الحاجة وصدق الرغبة من السائل ، والمُجالِس ، وصدق الرغبة منه هو إلى الله ، والإسراع بقلبه إلى بين يديه ، وحضرته ، مع تجرده من الأهواء ، وتجريده النصيحة لله ولرسوله ، ولعباده المؤمنين ، وإزالة نفسه من البَين .
وهي التي نزلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقلوب المؤمنين .
وهي شيء يجمع قوة وروحا ، يسكن إليه الخائف ، ويتسلى به الحزين والضجر . ويسكن إليه العصي والجرئ والأبي .
وهذا الشيء يشتمل على ثلاثة معان : النور ، والقوة ، والروح .
وله ثلاث ثمرات : سكون الخائف إليه ،
وتسلي الحزين والضجِر به ،
واستكانة صاحب المعصية والجرأة على المخالفة والإباء إليه .
فالنور : يكشف له عن دلائل الإيمان ، وحقائق اليقين . ويميز له بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشد ، والشك واليقين .
والحياة : توجب كمال يقظته وفطنته ، وحضوره وانتباهه من سِنة الغفلة . وتأهبه للقائه .
والقوة : توجب له الصدق ، وصحة المعرفة ، وقهر داعي الغي والعنت ، وضبط النفس عن جزعها وهلعها ، واسترسالها في النقائض والعيوب . ولذلك ازداد بالسكينة إيمانا مع إيمانه
|
فإذا حصلت هذه الثلاثة بالسكينة : وهي النور والحياة والروح سكن إليها العصيّ وهو الذي سكونه إلى المعصية والمخالفة ؛ لعدم سكينة الإيمان في قلبه صار سكونه إليها عوض سكونه إلى الشهوات ، والمخالفات . فإنه قد وجد فيها مطلوبه . وهو اللذة التي كان يطلبها من المعصية . ولم يكن له ما يعيضه عنها . فإذا نزلت عليه السكينة اعتاض بذِلتها وروحها ، ونعيمها عن لذة المعصية . فاستراحت بها نفسه . وهاج إليها قلبه . ووجد فيها من الروح والراحة واللذة ما لا نسبة بينه وبين اللذة الجسمانية النفسانية . فصارت لذته روحانية قلبية . بعد أن كانت جسمانية فانسلب منها ، وحبس عنها وخلصته . فإذا تألقت بروقها قال : مدارج السالكين منزلة السكينة |
|
||
|
تأمل آخر عبارة فهى حقيقة هامة لكل الدعاة والمربين ولكل تائب من لذات وشهوات فهى تفيد أن النفس تسكن ولابد إلى لذة فالتائب كانت نفسه تسكن الى المعصية وتستلذ بها فإذا وَجدت بعد التوبة لذة جديدة تسكن اليها تستعيض بها عن لذتها القديمة استمرت . وإن طال فقدها لهذه اللذة أنّت على صاحبها طالبة عودتها لليالى اللذة . إن هذا هو سر نكوص التائبين بعد قليل وانتكاسهم الى أسوأ مماكانوا عليه إن هذه الحقيقة تجعل الداعية حريصا على أن يعين التائب على أن يذوق ويجد حلاوة الإيمان سريعا وكذلك أو يبحث له عن لذات بديلة مثل: ـ لذة محبة الله تعالى ودعاء اللهم إنى إسالك حبك وحب من أحيك وحب عمل يقربنى إلى حيك اللهم اجعل حبك أحب إلىَّ من نفسى وأهلى ومن الماء البارد ـ لذة الظفر والانتصار على النفس بالصوم ـ لذة الأخوة فى الله والحب فى الله بالصحبة المؤمنة ـ لذة تخيل نعيم الجنة وتفاصيله ـ اللذات المباحة فى ظل العبودية لله مما يجعلها أتم وأكمل اللهم حبب الينا الإيمان وزينه فى قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم إنا نعوذ بك من الغى بعد الرشد ومن الضلالة بعد الهدى آمين
|
ساحة النقاش