أعتقد أن من أكبر دروس هذه الجولة الاعتبار بتداول الأيام وتحولها

عندما نزل السيف على الحزب الوطنى ودالت عليهم الجولة قال أحدهم : "ياجماعة إعملوا حساب الأيام "

كان يقصد بالطبع أن لايغتر أحد بأن الأيام فى صفه الآن فالأيام دول وكما نزعت من أحد فإنها قد تدور وتنزع من هذا الجديد

ولكن مع نشوة الانتصار والظفر غالبا لم يلتفت أحد إلى هذه العبرة من جانبها الآخر

الجانب الذى يلتفت إليه  ـ بل الذى يستغرق فيه ويغوص ـ من تأتى الأيام لإنصافه غوصا كاملا فلا يستطيع أن يرى غيره هو أن الله قد بدل الأيام نصراً له أو إكراما أو انتقاما ممن ظلمه وقهره

ولكننا سرعان ماوجدنا الأيام تعود سريعا إلى الصف الذى مابرحته الا قريبا ..

وأصبحنا لانجد نفس الطعم الذى كنا نجده حين نقرأ قول الله تعالى (تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) بل تحول هذا الطعم من حلوقنا حلوا إلى الذين كانوا يجدونه مرا مرارة الصبر

إنها عبرة ليست بالسهلة وثمنها ليس يسيرا ثمنها كل ماخسره الصف الظافر منذ قريب المعتدى عليه المسلوب منذ قريب أيضا

العبرة التى تلوح لى هى أن هذا التداول هو ليس لهؤلاء ولا لأولئك 

أى أن الله تعالى لم يجعل هذه السُنَة ليستمتع بها هؤلاء أو هؤلاء وإنما ليعتبر بها الجميع والسعيد الذى يحوز خلاصة هذه السنة الكونية هو من يعتبر بها ويعمل متحسبا لدورانها .

روى عن أبى الدرداء رضى الله عنه أنه شارك فى موقعة انتصر فيها المسلمون وبينما هم جميعا فرحون بنصر الاسلام إذا به جالس حزين يبكى !!

 فلما سئل عن هذا الحال الغريب إذا به قد نظر الى المشهد نظرة مختلفة لأنه أعطى قلبه الفرصة لكى يتأمل المشهد من الزاوية التى تنفعه نفعاً حقيقيا أى فى الآخرة فماذا يرى؟

يتساءل أبو الدرداء ألا ترى كيف هوانهم على الله ؟

إنه يستنتج من ذلك هوان خلق الله عليه إذا عصوه وخالفوا أمره وبالتالى يخشى على نفسه أن يسقط فى مخالفة أمر الله  فيكون مصيره مصيرهم سواء . . .  

ورغم أن التيار الاسلامى أثبت أنه أصدق من غيره وأروع من حيث البراءة  من مرض التشفى والانتقام ولذلك اكتفى بالاستمتاع بالإحساس بأن الحق سبحانه قد أنصفه بزوال مُلك ظالمه وبتمكينه إلا أنه يبدو والله أعلم أن المطلوب الذى كان منتظرا منه كان أعظم من ذلك

لقد أدى ماعليه ـ ربما ـ ولكن على مستوى رجال الدعوة ولو أنهم لم يتصدروا للدولة لكان كافيا أن يعفو وأن يصفحوا وأن لايستغلوا فرص الفوضى ـ الكثيرة ـ فى تصفية الحسابات وفى الانتقام أو على الأقل فى المطالبة بمحاكمة من عذبوهم بل قد انشغلوا عن ذلك .

يبدو لى والله أعلم بالصواب أن هذه الأيام والآلام التى نعيشها وضعتنا فى موقع الذين سلّ القدر عليهم سيف السلب بعد العطاء لنذوق هذه المرارة ولنعيش هذه الأحاسيس بقوة فنعيش مشاعرهم

إن معايشة هذا الإحساس أمر هام لرجال الدولة .

سيثور سؤال هام وجيد هو : وماذا كان على التيار الاسلامى أن يفعل ؟ بل العكس هو الصحيح كان لابد أن لايتسامح وأن يطهر .

وأنا مع هذه الإجابة أنا مع التطهير ولكن

بالتأكيد كلنا لسنا مع التعميم ولا مع أخذ العاطل بالباطل بل ( ولاتزر وازرة وزر أخرى ) فكان يجب المسارعة بالتمييز بين الضالعين فى الفساد والظلم فى العهد السابق وبين المقربين الذين لم يشاركوا فى هذا الفساد وكان يجب عدم إشاعة جو عام من عدم الإحساس بالأمن لدى هؤلاء الذين كانوا كلما أحسوا أن السيف قد اقترب من رقابهم كرهوا هذا الوضع الجديد وتمنوا الخلا ص من هذا القلق وكان يكفيهم الفترة الانتقالية التى أوسعهم فيها البعض تهديدا وتفزيعا

إن هذه المسألة لها جانبان

جانب إنسانى محض لاعلاقة له بالسياسة بل علاقته بالقيم والأخلاق إذ ليس أخلاقيا أن يؤاخذ إنسان بجرم لم يرتكبه وإن كانت هذه المؤاخذة تتمثل فى تهديد حياته وأمواله بل الدين والأخلاق أن يسارع فى تأمينه وإزالة قلقه ولعل مسارعة الرسول الحكيم ذى القلب الرحيم صلى الله عليه وسلم بتأمين هؤلاء بإعلان سريع ملازم لدخوله مكة من فعل كذا فهو آمن تفيدنا فى هذه العبرة  

أما سياسيا  فقلق هؤلاء ليس فى صالح الوضع الجديد الذى لايزال بحاجة إلى مساندة الجميع إذ أن هذا الذى يبحث عن الأمان سيحاول الوصول إليه بأى طريق ويحاول أن يجد مسلكا يقربه من هذا النظام الجديد ينال به الأمان ولو بكلمة رضا أو على الأقل تبرئة

فإذا لم يجد بحث عن البديل  فإذا لاح له فى الأفق بريق أمل في وضع جديد يمنحه هذا الأمان سارع بمساندنه وهذا ماحدث بالفعل مع المقريبن من النظام الهالك وخصوصا أصحاب الأموال والمصالح لكبيرة التى تحتاج الى مظلة حماية وأمان ولعل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد صب فى صالح سرعة السيطرة والاستسلام منهم

ولا أدرى بالطبع إذا كان الدافع للرسول صلى الله عليه وسلم هو السياسة الشرعية ومراعاة الأصلح والأأمن الذى يحول دون إراقة دماء أم القيم وحدها لكن أعتقد أن مراعاة القيم فى الاسلام دائما يكون لها مردوها الحسن والجيد فى السياسة وليس السىء

أما اجتماعيا فالاحاس بالأمان والمصالحة العامة للمجتمع بالتأكيد تصفُّ المجتمع صفا منسجما متماسكا متحابا وهذا التماسك له أثر هائل على كل جوانب الحياة

هذا معنى يلوح لى الآن بعد أن وضع القدر بحكمته التيار الاسلامى فى هذا الموقع وجعل من الصواب أن يفكر بقاعدة الجزاء من جنس العمل والقدر معلم عظيم بلاشك

 

لقد كان هناك من هو بعيد عن الظلم والفساد أو على الأقل لم يكن ظلمه فاشيا أو على الأقل كان لديه استعداد لصلاح الحال ولو سياسة ومداراة ولم تمسه الثورة بسوء ولكنه كان قلقا وفى كل يوم يسمع مايفزعه  من الأخبار وتتدهور وتتساقط حوله الحكومة التى كان يتعايش ويتعامل معها فيتركه هذا الحال فى فزع وقلق مثل هذا الذى عشناه : هل تراهم يفكرون فيه ؟ هل هو مدرج فى القائمة ؟أم أنهم سيمهلونه أم ؟ أم ؟ وماذا عليه أن يفعل ليؤمن نفسه ومصالحه ؟

والإجراء العملى الذى كان يجب على التيار الاسلامى اتخاذه هو المسارعة بالمصالحة الوطنية الشاملة التى تعتمد على القانون فى تحديد المسؤليات القانونية فالقانون هو الذى يدين حتى ولو كان بمحاكم لها طابع السرعة أو الثورية المهم أن الإدانة ليست مشاعا ولامزاجا عاما أوخاصا

 وتعتمد على العفو والصفح فيما دون ذلك أى فيما يشتبه فيه ولم يثبت بعد أى تسقط المطالبة ويعم الاعتذار فيتبعه العفو ثم العفو العام الذى تصدره الدولة ويشمل ملفات كثيرة أثناء الثورة وقبلها وبعدها

 كما يعتمد على تبرئة البرءاء حتى يستريح كل إنسان ويحدد مصيره فينطلق الى العمل والشعور بالولاء للنظام الجديد

كان يجب علينا أن نعتبر من هذا الحدث فنؤمن بأن نزع الحكم منا أمر وارد فنحتاط لذلك ولو إيمانيا ونحذر من الإإحساس بأن الله تعالى الحق العظيم يمكن أن يجامل أحدا حتى ولو كا منتسبا الى الدين فلا نسب بين أحد وبين العلى الكبير إلا طاعته

إن التيار الاسلامى مطالب بأن يتمهل كثيرا قبل أن يقلد غيره من الأنظمة بل الأصل أن يبحث فى قيمه وأخلاقه وأصوله ليعمل بها ويبنى عليها سياساته لتنبع مبنية على الاسلام مشبعة بقيمه وأخلاقه والله اعلم بالصواب

                      اللهم وفقنا واهدنا وسددنا

 

 

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 253 مشاهدة
نشرت فى 29 نوفمبر 2013 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

294,039