أذكار الصباح والمساء من أقوى ما يستعين به المؤمن على تجديد إيمانه قبل مكافحة أعمال النهار وهواجس الليل.. وكلما تقدم الزمان وكثرت الفتن والظلمات وتعقدت الحياة وازدحمت وزادت ضغوطها.. كلما كان المؤمن أحوج إلى الاعتصام بذكر الله تعالى.. فهو الحياة وهو النور وهو القوة وهو الملجأ الأمين والحصن الحصين. وبالتأكيد كلما كان التدبر والتأمل في الأذكار أعمق كان انتفاع القلب به أعظم وشفاؤه به أقرب. والتدبر ثمرة من ثمرات العلم بمعنى الذكر الذي يردده اللسان.. وكلما كانت حصيلة الذاكر من المعرفة بمعاني الأذكار أوفر كان تدبره أسهل وأكثر.. حتى إنه يظل يقلب الذكر ويتأمله من وجوه عدة.. فمرة من ناحية الإعراب.. ومن البلاغة.. ومن حكم فقهي إلى معنى إيماني إلى حكمة إلهية.. وغير ذلك مما يغرى القلب بالتوغل في أعماق الذكر. وهناك في الأعماق ما أجمل الصدف واللآليء والمرجان

(أصبحنا/ أمسينا و أصبحالمُلكُ للهِ و الحمدُ لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ و له الحمدُ و هو على كل شيء قدير، ربِّ أسألك خيرَ ما في هذا اليوم و خيرَ ما بعده، و أعوذ بك من شر ما في هذا اليوم و شر ما بعده، ربِّ أعوذ بك من الكسل، و سوء الكبر، رب أعوذ بك من عذابٍ في النار و عذابٍ في القبر) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: "أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها ،رب أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر، وأعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر" وإذا أصبح قال ذلك أيضا: (أصبحنا وأصبح الملك لله) رواه مسلم. (أمسينا وأمسى الملك لله) دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائنا لله ومختصا به وهذا بيان لحال القائل أي عرفنا وأقررنا بأن الملك لله (والحمد لله) لا لغيره فالتجأنا إليه وحده واستعنا به وخصصناه بالعبادة والثناء عليه والشكر له ولهذا أعلن بعد ذلك إيمانه وتوحيده فقال: (ولا إله إلا الله وحده لا شريك له) (وحده) فيه توكيد للإثبات (لا شريك له) توكيد للنفي وهذا تأكيد بعد تأكيد.. اهتماما بمقام التوحيد وتعلية لشأنه.. ولما أقر لله بالوحدانية أتبع ذلك بالإقرار له بالملك والحمد والقدرة على كل شيء فقال (له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيءٍ قدير) وفى الإتيان بهذه الجملة المتقدمة بين يدي الدعاء فائدةٌ عظيمةٌ فهو أبلغ في الدعاء وأرجى للإجابة ثم بدأ بعد ذلك يذكر مسألته وحاجاته فقال: (رب أسألك خير ما في هذه الليلة).. أي خير ما أردت وقوعه في هذه الليلة للصالحين من عبادك من الكمالات الظاهرة والباطنة ومن المنافع الدينية والدنيوية (وخير ما بعدها) من الليالي (وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها) وأعتصمُ بك والتجىء إليك من شرِّ ما أردتَ وقوعه فيها من شرورٍ ظاهرةٍ وباطنة ا.هـ (أصبحنا وأصبحَ الملكُ لله) فنحن والملك كله ملك لله وحده فهو المتصرف فينا والمتصرف في كل أجزاء الكون. إنَّ هذا الذكر يحمى العبد من نفخة الكبرياء، كما يحميه في نفس الوقت من الذل والخضوع لغير الله أيا كان.. فمادام هو نفسه لله فهو عبد مملوك خاضع وهو لا يملك حتى شهيقه وزفيره وأمره ليس بيده بل بيد ربه سبحانه.. فعلى أي شيء يتكبر ويتجبر؟. كذلك مادام هو لله فلا أحد غير الله يملك من أمره هو شيئا.. فلماذا يذل لأحد غير مالكه أو يخضع له؟. وإذا كان الملك كله لله مملوكا وخاضعا.. فكيف يدَّعى هو أن له من الملك شيئا يتصرف فيه أو من الأمر شيئا يهدد به غيره أو ينفذه وفى الوقت نفسه كيف يخاف أو يذل أو يخضع لمن ليس له من الملك أو الأمر شيء؟ أو يرائيه بعمله أو يلجأ إليه أو يتوكل عليه؟ ولكن إذا كانت هذه الحقيقة دائمة لا يغيرها إصباح ولا إمساء.. فما فائدة تخصيصها بالصباح والمساء؟؟ الفائدة أن هذا هو حال القائل أي أصبحنا مقرين بهذه الحقيقة.. فنحن في هذا الوقت نجدد اعترافنا وإيماننا بها أو ـ والله أعلم ـ أننا أصبحنا معلنين بأننا لله.. وكذلك أصبح الكون أو أمسى معلنا بأنه لله وهذا التفسير يعرفه من يعيش مع الطبيعة.. ويرى ما يجد على الكون في الصباح والمساء.. ففي الصباح تشرق الشمس بإذن ربها فتدب الحياة من جديد.. فكأن الكون كله قد كان في الموتة الصغرى كابن آدم ثم بعثه الله من جديد فهو لله ولولا أن الله قد أذن له ما انبعث ولا كان.. وقد أقسم الله تعالى بهذه الحالة فقال (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) وكذلك المساء تغيب الشمس ويرحل النهار ويحل الظلام.. وغير ذلك من علامات يعلن بها الملك كله أنه لله.. حتى إن الشمس تذهب لتسجد لربها تحت العرش.. كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم (والحمد لله) فالملك لله والحمد كذلك لله.. فهو الواحد في ربوبيته.. الواحد في عبوديته (ولا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) وهذا الجزء من الذكر سنقوله منفصلاً عشر مرات.. أو مائة مرة كما سيأتي. ولكنه جاء هنا من باب التوسل إلى الله تعالى.. والله أعلم فكل ما سبق هو مقدمة لما سيأتي من الدعاء (رب أسالك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده.. وأعوذ بك من شرما في هذا اليوم وشر ما بعده) فنحن نتوسل إلى الله تعالى بإقرارنا بأننا له وحده.. وأن الملك كله له وحده وبأن الحمد له وحده.. وبكلمة التوحيد أن يقدر لنا في هذا اليوم أو هذه الليلة خيرها وأن يعيذنا من شرها.. فهو القادر على التصرف في ملكه وحده سبحانه وهذا الذكر ينشىء صلة وعلاقة قوية بين الإنسان وبين الكون من حوله.. فهو ينبه الإنسان إلى ظاهرتين في الكون يتجلى فيهما جماله.. إذ يتغير فيصبح أو يمسى أجمل وأروع ما يكون.. وهما ظاهرتا الإصباح والإمساء قال تعالى (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) وقال (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) ولذلك فإن لهذه الأذكار متعة خاصة لا يذوقها إلا من يرددها.. وهو يتأمل الكون حوله عند هذين الوقتين - الشروق والغروب - فلهذين المشهدين روعة تسيطر على القلب وتسحره.. فينطق بتسبيح الله تعالى وبحمده وهذه الأذكار تصحح علاقة الإنسان بالكون.. ولولا توجيه الإسلام لقلب الإنسان وهو يشهد الكون عند هذه الظواهر الخلابة لضل الإنسان.. فهناك من يسجد للشمس أو للقمر متأثرا بعظمتهما.. ولكن تـأتى هذه الأذكار لتذكر المؤمن بحقيقة هذه المخلوقات.. وأن شروقها العظيم وغروبها الجميل أدلة على عظمة خالقها.. وعلى وحدانيته لا على نديتها وكونها شريكاً له سبحانه.. فنحن والملك خاضعون لله (أصبحنا وأصبح الملك لله) ويتأكد ذلك عندما نتذكر أن الناس كانت ترهب هذه المخلوقات لعظمتها.. وتفسر بعض الظواهر مثل العواصف والزلازل بأنها حالات غضب من هذه الأفلاك.. فتقدم لها القرابين ولا تزال بقايا من هذه الوثنيات باقية حتى عصرنا هذا. (رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر) المراد بالكسل عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور القدرة عليه.. ومن كان كذلك فإنه لا يكون معذورا بخلاف العاجز فإنه معذور لعدم قدرته. الكبر هل بالفتح أم بالسكون؟ قال القاضي: رويناه الكبر بإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس والفتح بمعنى الهرم والرد إلى أرذل العمر قال: وهذا أظهر وأشبه.. صحيح مسلم بشرح النووي جـ 3 صـ 311 . والمستعاذ منه هنا هو ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل واختلاط الرأي وغير ذلك مما يسوء به الحال (وأعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر) "اللهم بك أصبحنا و بك أمسينا و بك نحيا و بك نموت و إليك النشور" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور, وإذا أمسى فليقل اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير" سنن الترمذي وسنن أبى داوود وحسنه الألباني في صحيح الجامع. (اللهم): قال ابن حجر: هذه كلمة كثر استعمالها في الدعاء وهو بمعنى يا ألله.. والميم عوض عن حرف النداء فلا يقال اللهم غفور رحيم مثلا.. وإنما يقال اللهم اغفر لي وارحمني. وقيل بل كالواو الدالة على الجمع كأن الداعي قال: يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى. قال الحسن البصري: "اللهم" مجتمع الدعاء.. وعن النضر بن شميل: من قال :"اللهم" فقد سأل الله بجميع أسمائه اهـ مختصرا (بك أصبحنا) بقوتك وقدرتك وإيجادك وبنعمتك وإعانتك وإمدادك أصبحنا أي دخلنا في الصباح أو أدركنا الصباح.. إذ أنت أوجدتنا وأوجدت الصباح. (و بك نحيا و بك نموت) فإنما نحن بك أنت المعين وحدك و أمورنا كلها بيدك.. ولا غنى لنا عنك طرفة عين.. وفى هذا من الاعتماد على الله واللجوء إليه والاعتراف بمنته وفضله ما يحقق للمرء إيمانه.. ويقوى يقينه ويعظم صلته بربه سبحانه وتعالى. (و إليك النشور) المرجع يوم القيامة ببعث الناس من قبورهم وإحيائهم بعد إماتتهم. (و إليك المصير) أي المرجع والمآب.. وقد جعل صلى الله عليه وسلم قوله "وإليك النشور" في الصباح ، وقوله "وإليك المصير" في المساء رعايةً للتناسب والتشاكل.. لأن الإصباح يشبه النشر بعد الموت، والنوم موتة صغرى والقيام منه يشبه النشر بعد الموت قال تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) والإمساء يشبه الموت بعد الحياة.. لأن الإنسان يصير فيه إلى النوم الذي يشبه الموت والوفاة ومما يوضح هذا أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول عند قيامه من النوم (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما آماتنا وإليه النشور) فسمى النوم موتا والقيام منه حياة بعد الموت. (اللهم أنت ربّي لا إله إلا أنت، خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ و أبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سيدُ الاستغفارِ أن يقول (اللهمَّ أنت ربى لا إله إلا أنت .. خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ.. أعوذ بك من شر ما صنعتُ.. أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت) من قالها من النهار مُوقنا بها فمات من يومِه قبلَ أن يُمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة.. وفى لفظ له: (من قالها حين يمسى فمات من ليلتِه دخل الجنة.. ومن قالها حين يصبح فماتَ من يومِه دخل الجنة)؟ اللهم": أي يا الله حُذف منها ياء النداء وعُو ض عنها بالميم المشددة"معنى (وأنا عبدك) يجوز أن تكون مؤكدة لقولك أنت ربي.. ويجوز أن تكون مقررة لإقرار جديد أي أنا عابد لك . ويؤيده عطف قوله (وأنا على عهدك) أي أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك أو أنا مقيم على ما عهدت إليَّ وأمرتني من أمرك ومتمسك به ومؤمن وواثق وراجٍ وعدك في الثواب والأجر والرضا والجنة واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه: الاعتراف بالعجز والقصور عن كُنْه الواجب من حقه سبحانه أبوءُ لك : معناه اعترف بنعمتك عليَّ (وأبوء بذنبي): أعترف أيضا وقيل معناه :أحمله برغمي لا أستطيع صرفه عنى (فتح الباري جـ11 ص114) لماذا سمي بسيد الاستغفار؟ قيل لأنه جامعٌ لمعاني التوبة وقيل وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد الاستغفار لأنه قد فاق سائر صيغ الاستغفار في الفضيلة وعلا عليها في الرتبة.. فهو جامع لمعان غزيرة وعظيمة (أنت ربى) ليس لي ربٌ سواك والربُّ هو المالك الخالق الرازق المدبر لشئون خلقه.. فهذا اعتراف بتوحيد الربوبية (لا إله إلا أنت) لا معبود بحق سواك فأضاف توحيد العبودية (وأنا على عهدك وعدك ما استطعت) أي وأنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك والقيام بطاعتك وامتثال أوامرك ما استطعت.. أي على قدر استطاعتي (أعوذ بك من شر ما صنعت) ألتجئ إليك يا الله وأعتصم بك من شر الذي صنعته في نفسي بيدي ولم يصنعه غيري (أبوء لك بنعمتك على) أعترف بعظيم إنعامك عليَّ وترادف فضلك وإحسانك، وفى ضمن ذلك شكر المنعم سبحانه والتبري من كفران النعم قال ابن القيم: فأقر بتوحيد الربوبية المتضمن لانفراده سبحانه بالخلق وعموم المشيئة ونفوذها، وتوحيد الإلهية المتضمن لمحبته وعبادته وحده لا شريك له.. والاعتراف بالعبودية المتضمنة للافتقار من جميع الوجوه إليه سبحانه. ثم قال (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) فتضمن ذلك التزام شرعه وأمره ودينه.. وهو عهده الذي عهده إلى الإيمان والاحتساب ثم لما علم أن العبد لا يوفِّيِ هذا المقام حقه الذي يصلح له تعالى..علق ذلك باستطاعته وقدرته التي لا يتعداها فقال (ما استطعت).. أي التزام ذلك بحسب استطاعتي وقدرتي.. ثم شهد المشهدَين المذكورَين- وهما مشهد القدرة والقوة من الله ومشهد التقصير من نفسه فقال (أعوذ بك من شر ما صنعت) فهذه الكلمة تضمنت المشهدين معا. ثم أضاف النعم كلها إلى وليها وأهلها والمبتدي بها، والذنب إلى نفسه وعمله فقال (أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي) فأنت المحمود والمشكور الذي له الثناء كله والإحسان كله ومنه النعم كلها.. فلك الحمد كله ولك الثناء كله ولك الفضل كله وأنا المذنب المسيء المعترف بذنبه المقر بخطئه قال بعض العارفين: العارف يسير بين مشاهدة المنة من الله، ومطالعة عيب النفس والعمل.. فشهود المنة يوجب له المحبة لربه سبحانه وحمده والثناء عليه، ومطالعة عيب النفس والعمل يوجب استغفاره ودوام توبته وتضرعه واستكانته لربه سبحانه.. ثم لما قام هذا بقلب الداعي وتوسل إليه بهذه الوسائل قال (فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت) طريق الهجرتين ص 164 وفى هذا الاستغفار معانٍ عظيمة وكثيرة منها:- ـ أن العبد بعد أن أجرم الجُرم وارتكب الذنب وخالف مولاه.. هاهو يلجأ إلى من عصى أمره وخالف أوامره وارتكب في حقه الجريمة. فمن خاف من غير الله هرب منه ومن خاف من الله هرب إليه.. فالله تعالى يتولى عبده في كل أحواله في حال طاعته وفى حال معصيته كذلك. ـ ومنها أن الإنسان حين يرتكب الذنب يطيع هواه وشهوته.. ويقضى لذة وطلبا من مطالب النفس.. وربما كان مسرورا وقت وصوله للذنب وحصوله عليه. ولكن ها هو الآن يعود فيصف الذنب بأنه ثقل يرهق كاهله ويضيق بحمله وملازمته إياه.. فيبحث عن من يخلصه منه.. فلا يجد إلا ربه ومولاه.. فها هو يستجير به ويستغيث راجيا ذليلا حتى يعافيه الله من عواقب هذا الوزر. ـ إن الذنب عار والمؤمن يلجأ إلى وليه سبحانه ليمحو عنه هذا العار الذي يلاحقه, والذنب نار ولكن لا يشعر بها العبد وهو في سكرة المعصية.. وعندما يفيق لا يجد إلا ربه يتوجه إليه ليطفئ ناره التي أشعلها في نفسه بيده. ـ وفى سيد الاستغفار إصلاح وعلاج لكل الدمار والآثار التي أحدثتها المعصية.. فهو يعيد بناء ما انهدم من الإيمان.. ففي الحديث (ولا يسرِقُ السارقُ حينَ يسرِقُ وهو مؤمن) بل لحظة ارتكابه للمخالفة يكون قد غابت عن قلبه بعض حقائق الإيمان أو ضعفت إلى درجة لا تقوى على رد الشهوة. فها هو المؤمن يعود فيعترف لربه بأنه ما ارتكب السيئة كفرانا بربوبيته ولا خروجا من عبوديته ولا جحودا لنعمته فهو مؤمن مقر بأنه هو ربه وهو إلهه الذي لا إله إلا هو, هو الإله الحق الذي لا يحق أن يعبد إلا هو سبحانه.. وهو عبد له ولا يزال على عهده بأن يطيعه راجيا جنته. إنه يشهد على نفسه أنه تورط في خطيئة.. لكن ذلك من غفلته وجهله ورعونته وحماقته وليس تمردا على خالقه وعلى من أنعم عليه سبحانه. ـ ومنها أن الشيطان لا يزال يغوى الإنسان ويستدرجه ويزين له المعصية إلى أن يسقط فيها.. وعندئذ يفرح الشيطان بانتصاره عليه وبإبعاده عن ربه وبقربه منه ومن استيلائه عليه وسيطرته على إرادته وأفعاله. ولكن ها هو العبد يعود فيغيظ الشيطان باستغفاره هذا الذي يندم فيه ويتراجع عن تلك الخطوة الخاطئة فلا يبقى للشيطان فرحا ولا مرحا. ـ فائدة أن يبدأ العبد يومه وليلته بالاستغفار.. مع أن الاستغفار مشروع في كل وقت: إن ابتداء اليوم بالاستغفار فتح صفحة جديدة بمحو ما سبق من الذنوب.. وعندما يبدأ الإنسان صفحة بيضاء نقية فإنه سيحاول أن يحافظ عليها نقية فلا يقترف ذنوبا جديدة. فائدة ثانية أنه تجديد لمعاني هذا الذكر على القلب من أول اليوم وكذلك الليلة لاحتياج القلب إليها في هذا الوقت بالذات. "اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد و لك الشكر" فضله : من قاله حين يصبح قد أدى شكر يومه ، ومن قاله حين يمسى فقد أدى شكر ليلته" رواه أبو داود قال الشوكاني : وفي الحديث فضيلةً عظيمه ومنقبه كريمه حيث تكون تأدية واجب الشكر بهذه الألفاظ اليسيره "تحفة الذاكرين ص 84 " (اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك) : أي ما صار مصاحباً بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك : أي فمن عندك ومن فضلك وحدك لا شريك لك : تأكيداً بمعنى كل ما أصبح بي من نعمه فمنك وحدك لا يشاركك في إعطائها غيرك فلك الحمد ولك الشكر : أي لك الحمد بلساني على ما أعطيت ، ولك الشكر بجوارحي على ما أوليت ، وإنما جمع بين الحمد والشكر لأن الحمد رأس للشكر ، والشكر سبب للزيادة قال تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } سورة إبراهيم 7وشكر النعم واجب قال تعالى : { واشكروا لي ولا تكفرون } سورة البقره 125 ، شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص 119 "اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت، اللهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر، و أعوذ بك من عذاب في النار و عذاب في القبر، لا إله إلا أنت" (ثلاث مرات) اللهم عافني في بدني : أي سلمني من الأمراض والآفات في بدني ، وسلمني من الذنوب والآثام. اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري : خصصت هاتين الحاستين وهما داخلتان في البدن ، لأنهما الطريق إلى القلب الذي بصلاحه يصلح الجسد كله ، وبفساده يفسد الجسد كله ، وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( ومّتِّعْنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا وأجعله الوارث منا ) وهذا سؤال الله ان يُبقي السمع والبصر وسائر القوى صحيحه سليمه لما في ذلك من الإستعانة بها على القيام بالطاعات لا إله إلا أنت : لا معبود بحق سواك اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر : أي التجئ وأحتمي بك من الكفر - وهو غاية الضلالة - والفقر : هو خلو ذات اليد (وأعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت) : أي ألتجئ وأحتمي بك من عذاب القبر ، وهو ما يكون في البرزخ من العذاب على الروح والبدن لمن أستحق ذلك ، وفي هذا إثبات أن عذاب القبر حق ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( أيها الناس أستعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن عذاب القبر حق ) رواه أحمد "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكَّلت و هو ربُّ العرش العظيم" (سبع مرات) فضلها: (من قالها حين يصبح وحين يمسي سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والأخرة) رواه أبو داود حسبي الله: أي الله يكفيني جميع ما أهمني ، فلا نتوكل إلا عليه كما قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} سورة الطلاق 3 الذي لا إله إلا هو: الذي لا معبود بحق سواه. عليه توكلت: أعتمدت عليه وفوضت جميع أموري ، ووثقت به في جلب ما ينفع ، ويدفع ما يضر وهو رب العرش العظيم: خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات ، وفي الأثر (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض) رواه ابن جرير في تفسيره وإذا كان هذا المخلوق بهذه العظمة والمجد والسعة ، فكيف بخالقه ومبدعه سبحانه .. ينظر أحكام القرآن للقرطبي 10 / 442 ، تيسير الكريم المنان للسعدي 3 / 318 (اللهم إني أسألك العفو و العافية في الدنيا و الآخرة، اللهم إني أسألك العفو و العافية في ديني و دنياي و أهلي و مالي، اللهم استر عوراتي، و آمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي و من فوقي و أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) رواه أبو داود بدأ صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء العظيم بسؤال الله العافية في الدنيا والآخرة ،فهي دعوة جامعة وشاملة للوقاية من الشرور كلها في الدنيا والآخرة ، والعافية لايعادلها شيء ، ومن أُعطيَ العافية في الدنيا والآخرة فقد كمل نصيبه من الخير . اللهم إني أسألك العافية في الدنيا : أي أطلب منك محو الذنوب ، والوقاية من كل أمرٍ يضرني من مصيبة أو بلاء . والآخرة : أي أطلب منك الوقاية من أهوال الآخرة وشدائدها، ومافيها من أنواع العقوبات . اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني : أي أطلب الوقاية من كل أمر يشين الدين أو يخل به " كذب - غيبه - نميمه " . ودنياي : أي أطلب الوقاية منك يارب من كل أمر يضرني من مصيبة أو بلاء . وأهلي : أي أطلب الوقايه لأهلي من الفتن ، وحمايتهم من البلايا والمحن . ومالي : أي أن تحفظه مما يتلفه من غرق أو حرق أو سرقة أو نحو ذلك . فجمع في ذلك سؤال الله الحفظ من جميع العوارض المؤذية والأخطار المُضرَّة . اللهم استر عوراتي : أي عيوبي وتقصيري وكل مايسوؤني كشفه ، ويدخل في ذلك الحفظ من أنكشاف العورة ، وحَرِيٌّ بالمرأة أن تحافظ على هذا الدعاء ، ولاسيما في هذا الزمان الذي كثر فيه تهتك النساء وعدم عنايتهن بالستر . وآمن روعاتي : آمن : من الأمن هو ضد الخوف ، والروعات : جمع روعة ، وهو الخوف والحزن ،ففي هذا سؤال الله أن يجنبه كل أمر يخيفه أو يحزنه أو يقلقه ، وذكر الروعات بصيغة الجمع إشارة إلى كثرتها وتعددها . اللهم احفظني من بين يَدَيَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي : فيه سؤال الله الحفظ من المهالك والشرور التي تعرض للإنسان من الجهات الست ، فقد يأتيه الشر والبلايا من الأمام ، أو من الخلف ، أو من اليمين ، أو من الشمال ، أو من فوقه ،أو من تحته ، وهو لايدري من أي جهة قد يفاجئه البلاء أو تحل به المصيبة ، فسأل ربه أن يحفظه من جميع جهاته ، ثم إن من الشر العظيم الذي يحتاج الإنسان إلى الحفظ منه : شر الشيطان الذي تربص بالإنسان الدوائر ، ويأتيه من أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ، ليوقعه في البلايا والمهالك ، وليبعده عن سبيل الخير كما في دعواه في قوله { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } سورة الأعراف 17 فالعبد بحاجه إلى حصن من هذا العدو ، وواقٍ له من كيده وشره ، وفي هذا الدعاء العظيم تحصين للعبد من أن يصل إليه شر الشيطان من أي جهة من الجهات ، لأنه في حفظ الله ورعايته . وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي : فيه إشارةٍ إلى عظم خطورة البلاء الذي يحل بالإنسان من تحته كأن تخسف به الأرض ، وهو نوع من العقوبة التي يحلها الله عز وجل ببعض من يمشون على الأرض دون قيام منهم بطاعة خالقها ومبدعها كما قال تعالى: { فَكُلاً أخذنَا بِذَنبِه فَمِنْهُم من أرسلنا عليهِ حَاصِباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خَسَفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وماكان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } سورة العنكبوت 40 (فقه الأدعية والأذكار للبدر 3/30 بشيء من الأختصار ). "اللهُمَّ عالمَ الغيبِ و الشهادةِ، فاطرَ السمواتِ و الأرضِ، رَبَّ كلَ شيءٍ و مَليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ،و من شر الشيطان و شركه، و أن أقترف على نفسي سوءًا أو أجرَّه إلى مسلم" رواه أبو داود يقوله المسلم إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه . هذا دعاء عظيم مشتمل على التعوذ بالله من الشرور كلها ، من مصادرها وبداياتها ، ومن نتائجها ونهايتها ، وقد بدأ بتوسلات عظيمة إلى الله جل وعلا بذكر جملة من صفاته الكريمة ألدالة على عظمته وكماله . فتوسل إليه بأنه عالِمَ الغيب والشهادة : أي عالِم ما غاب من الخلق وما شاهدوه ، لأن الله يعلم الحاضر والمستقبل والماضي ،( ويعلم ما كان ، وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، ولايخفى عليه شيء) من تعليق الشيخ سعيد بن وهف حفظه الله . فاطر السموات والأرض : يعني يا الله يا فاطر السموات والأرض ، وفاطرهما يعني : أنه خلقهما عز وجل على غير مثال سابق . رَبَّ كل شيء ومَلِيكَه : يعني رب كل شيء ومليكه ، والفرق بين الرب وبين المالك في هذا الحديث أن الرب هو الموجد للأشياء الخالق لها ، والمليك هو الذي يتصرف فيها كيف يشاء .أشهد أن لا إله إلا أنت : أعترف بلساني وقلبي أنه لا معبود بحق إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي لأن النفس لها شرور كما قال تعالى : { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم } سورة يوسف 53. فإذا لم يعصمك من شرور نفسك فإنها تضرك ، وتأمرك بالسوء ، ولكن الله إذا عصمك من شرها وفقك إلى كل خير . ومن شر الشيطان وشركه : يعني تسأل الله أن يعيذك من شر الشيطان ومن شر شِرْكه : أي : مايأ مرك به من الشِرْك ، أو( شَرَكِه ) والشَرَك :ما يُصطاد به الحوت والطير وماأشبه ذلك ، لأن الشيطان له شَرَك يصطاد به بني آدم ، إما شهوات أو شبهات أو غير ذلك . وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم : أي أجر على نفسي سوء أو إلى مسلم . شرح رياض الصالحين لأبن عثيمين 1/541 . قال ابن القيم : فذكر النبي صلى الله عليه وسلم مصدري الشر ، وهما : -النفس والشيطان ، وذكر مورديه , ونهايته وهما : عوده على النفس أو على أخيه المسلم . بدائع الفوائد 2/209. "بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم" (ثلاث مرات ) صباحًا و مساءً فضلها : "من قالها ثلاثاً إذا أصبح وثلاثاً إذا أمسى لم يضره شيء . "رواه أبو داود ". قال الشوكاني : وفي الحديث دليل على أن هذه الكلمات تدفع عن من قاله كل ضر كائناً ماكان, وأنه لا يصاب بشيء في ليله ولا نهاره ، إذا قالها في الليل والنهار . وكان إبان بن عثمان ، وهو راوي الحديث عن عثمان - قد أصابه طرف فالج - وهو شلل يصيب أحد شقي الجسم - فجعل رجل منهم ينظر إليه -فقال له إبان : ما تنظر ؟ أما الحديث كما حدثتك ، ولكني لم أقله يومئذ ليمضي الله علي قدره . بسم الله : أي : أتحصن وألتجيء وأحتمي باسم الله . الذي لايضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء : أي : من تعوذ واحتمى باسم الله فإنه لا تضره مصيبة من جهة الأرض ولا من جهة السماء . وهو السميع : الذي سبحانه يسمع كل صوت مهما بعد ومهما ضعف قال تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } "سورة الزخرف 80 ". ومن معاني السميع : إنه سميع الدعاء : أي : مجيب الدعاء كما قال إبراهيم عليه السلام : { إن ربي لسميع الدعاء } " سورة إبراهيم 39 ". العليم : علم الله محيط بكل شيء , قال تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ } " سورة الأنعام 59 " (ينظر تحفة الذاكرين للشوكاني ص 76 فقه الأدعيه 3/13 . فلا يقع فيها إلا بقَدَرٍ أزَلِيٍّ .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 229 مشاهدة
نشرت فى 17 إبريل 2024 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

295,035