قبل مجيء المشايخ كنا نخرج الى التريضات بنظام معين ولم نستمتع بفتح الأجنحة بعضها على بعض.
كانت مصلحة السجون وأمن الدولة كذلك يعتمدون سياسة  التدرج في أي توسعة وعدم الفتح مرة واحدة وهذه سياسة متبعة عندهم لها خلفيات من خبرتهم بالسجون لذا لم يفتح علينا الا بالتدريج. وكنت قد حفظت من الرائد مصطفى قوله : إن الناس اذا التقت تكلمت في المهم فاذا طال الوقت تطرق حديثهم الى غير المهم فاذا زاد تطرقوا الى المحظور"
كما أنهم أرادوا ان يكون الفتح علينا مع حضور المشايخ.
في أول يوم للندوات كان قلق شديد ينتاب ادارة السجن استعدادا لحضور عدد كبير من قيادات الأجهزة الأمنية المختلفة واحتياج الندوات الى كثير من الترتيبات والتجهيزات اللائقة.
كان ضابط أمن الدولة الرائد مصطفى نور الدين قد جمع مندوبين من كل اجنحة السجن من قبل حضور المشايخ ووضع سيناريوهات متوقعة مختلفة  لما سيحدث والترتيبات المطلوبة لكل سيناريو وشارك في ذلك ضابط المباحث الرائد احمد ضيف الذي كان يشدد على الأمنيات ويحذر من وجود ممنوعات.
ومن طرائف هذه الفترة أنهم استدعونا يوما ثم بشرونا بالسماح بدخول حلة مطبخ واحدة لكل جناح فكان حضورنا ضروريا لعقد مباحثات مشتركة ومشاورات قبل دخول الحلة ! كان ضابط المباحث اذا شرد بنا الحديث بعيدا يعود فيكرر: المهم أين ستبيت الحلة ؟ واقترحنا ان تكون بالتناوب بين الغرف لكنه اصر ألا تبيت إلا عند مندوب الجناح وتحت مسؤليته فوافقنا على أساس أنه ليس عندنا بنات تبيت بره"
خرجنا من الأجنحة فوجدنا ترتيبات أمنية كثيفة وعساكر متراصة داخل العنابر وحراسات بالسلاح فوق الأسطح والعساكر يوجهوننا كأننا ندخل هنا لأول مرة وليس هذا بيتنا. أشعرونا بالغربة في هذا اليوم
هذا المشهد المتوتر بدا لي أنه قد يؤدي الى شحن النفوس والى صنع حاجز بين الاخوة ومشايخهم لكن يبدو أن النظرة الأمنية كانت تحتاط أكثر لأدنى احتمال كما يبدو أنها رغبت في اشاعة جو من الحزم في الموضوع يمنع مجرد أي فكرة أو وسوسة في رأس أي أحد لتعكير المشهد .
عندما جلسنا جميعا وجاء المشايخ من مستشفى السجن الى المنصة حضرني القلق ماذا عسى أن يكون في الدقائق التالية  وهل يمكن أن ينفس أحد عن غضبه فيتكهرب الجو؟
كتبت ورقة وقمت فأعطيتها لأقرب مشايخنا على المنصة فمرت عليهم جميعا كان نصها " ألتمس زيادة جرعة الحديث الدافيء قبل الدخول في الموضوع"
فاجأني المشايخ وبهرني استهلالهم جميعا وبدا من أول كلمة أنهم دارسون متفهمون لوضع الاخوة عامة ولاخوة العقرب وحساسية موقفهم خاصة . كان هذا الشعور قد انتابني بعد استقبالهم لكنه ازداد الآن.
الشيخ كرم افتتح الندوة بمقدمته التي حفظناها : إلهى ..........إبتليتنا فما وجدتنا صابرين
و أنعمت علينا فما وجدتنا شاكرين
فلاا أنت زدت البلاء لقلة صبرنا..ولا أنت رفعت النعم لقلة شكرنا
ما ألطفك بنا مع قبيح ذنوبنا..يا الله
ان بدت المحاسن منا فبفضلك ولك المنة علينا
وان بدت المساوىء منا فبعدلك ولك الحجة علينا ..........
أسألك مسألة المسكين، و ابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، و ادعوك دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته، و ذل لك جسده، ورغم لك انفه، و فاضت لك عيناه، ...الخ
كانت هذه المقدمة الغير متكلفة كافية لإضفاء جو إيماني لطيف يتم فيه تناول موضوع لو فتح فيه باب الجدل لانهارت جسور كثيرة وخرجت أمور عن السيطرة .
وقال الشيخ في مقدمته أنه يتحمل المسؤلية الأدبية عن كل الأحداث والأخطاء التي وقعت فيها    
كانت هذه العبارة وحدها كافية بأن تطفيء نيرانا في انتظار الشرار
وأن تعطي عنوانا للأسلوب الذي ستتناول به الأمور وأن تشيع الاطمئان لدى الجميع وشعرت أن الشيخ قد عافاني وعافانا جميعا ورفع عنا الحرج اللهم ارفع عنا وعنه كل حرج   
أما الشيخ أسامة حافظ فقد أبلغ في كلماته السهلة المعبرة عن حبه وتقديره
أما الدكتور ناجح فقد أشبع المقدمة حديثا رقيقا
والشيخ علي الشريف كذلك مهد لمحاضرته بكلمات بليغة رقيقة
أما الدكتور عصام دربالة فقد قدم بمقدمته الرصينة  أناديكم.. أشد على أياديكم وأقبل الأرض بين أيديكم  وأقول أفديكم وأهديكم ضيا عيني ودفء القلب أعطيكم فمأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم
أعادت كلمات المشايخ لي روحي الشاردة واستعدت شعورا قديما كنا ونحن معهم في ليمان طرة نستمتع به وهو وجودنا في كنفهم وفي ظلال بركتهم فهم الذين يعاش في أكنافهم خصوصا وكلماتهم هذه نابعة من مشاعر صادقة تغمر قلوبهم     
أما الشيخ عاصم فلم يكن قد حضر بعد والى الآن لا أعرف السبب وان كنت قد شهدت سبب تنحيته عن الندوات فيما بعد مع الشيخ عصام دربالة وكذلك الشيخ عبود والشيخ طارق الزمر فقد كان الاثنان قد تم  ترحيلهما الى سجن أبي زعبل قبل بدأ الندوات كما أخبرنا المشايخ
وكان غيابهم هذا أول أمر يلفت الانتباه ويثير التساؤلات.

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 100 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

290,319