مجلة فجر الحرية

(يصدرها ثوار دار الكتب)

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" ، أي لاضطربت الأمور واختلت وخرجت عن طبيعتها، لقد ورد ذكر الفساد بمشتقاته اللغوية في القرآن الكريم في مواضع كثيرة لخطورة هذا الأمر، لكن يبقى سؤال يتردد بقوة، كيف يكون الإنسان فاسدا، وخاصة عندما يكون مسئولا؟، وهذا يجعلنا نبحث أولا في إدراك الكلمة ومعناها من الناحية اللغوية، فعندما نقول فسد الشيء أي أنتن وعطب، والمفسدة هي الضرر، والفساد يعني الخلل والعطب، حتى عندما يطلق على عقد من العقود يعني بطلانه، لكن ما أعجبني حقيقة هو وصف الإمام الجليل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله للفساد بكلمات معدودة فقال "هو إخراج الشيء عن طبيعته".
وهذا الوصف الأخير سيكون أساس تقييمي للمسئول إذا كان فاسدا أم لا، وحقيقة فإنه سريعا ما يتبادر للذهن ارتباط الفساد بالنواحي المالية والإدارية، لكن هذا النوع من الفساد يكون هين ويمكن تعويضه ومعالجته إذا ما تم مقارنته بفساد من نوع آخر أكثر خطورة وآثاره ممتدة ألا وهو فساد العقول والثقافة، فكل مسئول يساعد في تغييب وعي الإنسان ونشر ثقافة رديئة لا تعبر عن القيم والمثل الإنسانية الرصينة هو مسئول فاسد، لأنه أخرج الشيء عن طبيعته، فبدلا من أن يسهم في تكوين وعي الإنسان بصورة سليمة وصحية، ونشر ثقافة قائمة على إبداع حقيقي وحرية مسئولة معبرة عن قيم المجتمع، قام بعكس ذلك فأخرج العقل عن طبيعته، بل وأثر في تكوين شخصية إنسان على عكس ما ترتضيه أيضا الفطرة السليمة، وهذا الأمر أكثر ما ينطبق فإنه ينطبق على وزارة الثقافة المصرية وقطاعاتها المختلفة، خاصة الفترة التي امتدت لسنين طوال قبل ثورة 25 يناير وما زالت ممتدة حتى الآن، فبحكم عملي في دار الكتب والوثائق القومية إحدى قطاعات هذه الوزارة كم عانينا من نشر مثل هذه النوعية من الثقافة ثقافة التوريث والظلم والاضطهاد والقمع، وانعكاس ذلك على أسلوب العمل وشخصية الموظف التي اتسمت في عمومها بالسلبية.
لذلك في تقديري أن الموضوع بالفعل جد خطير ويتعدى الفساد المالي والإداري، فلا يمكن للقيادات الثقافية التي تعايشت وترعرعت في ظل النظام البائد ومازالت في مناصبها - والبعض منها تم ترقيتها لمناصب أعلى – وكانت مسئولة مسئولية مباشرة عن تجريف الشخصية المصرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني أن يسهموا في بناء شخصية مصرية حقيقية تعود لأصولها ومكوناتها الحضارية العريقة (إعادة الشيء إلى طبيعته)، شخصية تؤمن بحريتها وكرامتها ودورها الفاعل في مجتمعها، لأنه باختصار "فاقد الشيء لا يعطيه"، وسنظل نحذر انتبهوا... هذا المسئول فاسد.

المصدر: د/عصام الغريب
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 151 مشاهدة
نشرت فى 4 سبتمبر 2012 بواسطة darbook

فجر الحرية (يصدرها ثوار دار الكتب)

darbook
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

28,839