جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عندما ينقلب الصلح شرًّا!
|
|
التاريخ : الخميس 13 أكتوبر 2011 12:20:48 مساءً
الأصل فى الصلح أن يكون خيرًا، وأن يطفئ نيران الغضب، وأن يجلو سحب الكراهية والبغض. منذ شهور عدة قرأتُ خبر الحادث.. بعدها بأيام قرأتُ خبر الصلح؛ انقبضتُ، وشعرتُ بضيق شديد، انتابنى يومها شعور لا أنساه: أىُّ صلح؟ كيف؟ ولمصلحة من؟ لعلكم تذكرون جريمة قطع الأذن الشهيرة التى جعلت كل مصرىّ سَوِىّ يتحسس أذنه، ويتألم بشدة وكأنه هو المصاب! انتظرنا حكمًا عادلاً ورادعًا لمن سولت له نفسه أن يشوه خلق الله.. وعلى العكس جاءت النهاية الصادمة، قالوا: الصلح خير! قلت لنفسى ولمن حولى: هذا الصلح لن يكون خيرًا أبدًا، لأنه جاء مبتورًا كالأذن المقطوعة. "الصلح خير" فى حالة الإصابة الخطأ، حتى وإن أدت لفقد حياة برىء. الصلح فساد وإفساد إذا أعفى مجرمًا شريرًا من العقوبة، ليعود لممارسة الجريمة، ويكون قدوة سيئة لغيره!! كان هذا العبث فاصلاً من مسلسل أسود أنتجه نظام مبارك، وقام بتوزيعه فى كل أنحاء مصر لضمان انشغالنا به عن جرائم لا حصر لها. تَرْكُ المجرم ليفلت من العقاب هو أحد أهم ملامح عصر المخلوع؛ وسيلة مضمونة لتشجيع الجريمة ونشر الشعور بالظلم الذى يقهر الناس ويحبطهم. مشاغبو الملاعب الرياضية يُقبَض عليهم ليلاً متلبسين بتخريب المنشآت والاعتداء على مشجعى الفريق المنافس، وفى الصباح يُفرج عنهم وكأن شيئًا لم يكن! "الصلح خير" تُذكّرنى بتقديم الصدقات لأطفال الشوارع. "الصدقة خير" إلا لو أَدّت -كما حدث بالفعل- إلى تخريب المجتمع بتحويل مئات الآلاف من أبنائه إلى شحاذين وأطفال شوارع. الخير –فى غير موضعه- شر؛ إن الظروف الدقيقة التى نمر بها هذه الأيام تفرض علينا درجة عالية من الجدية والحسم.. التعقيدات التى نعيشها تبيح لنا أن نعطل -ولو لفترة محدودة- هذه الدعوة الشريفة: "الصلح خير". الحكمة تقتضى ألا نتهاون فى محاسبة المخطئ عن خطئه المتعمد مهما صَغُر؛ يجب أن يشعر كل مواطن أنه آمن فى ظل سيادة القانون وعدم التهاون أو الإبطاء فى تطبيقه. أما المساواة بين الجميع فهى شرط أُعبِّر عنه بقولٍ عامِّىٍّ قلتُه مرة بشكل عفوىّ: "مادام على الكل.. يبقى زى الفل". نعيش حالة عجيبة من التخبط الفكرى، وهى نتيجة طبيعية للجريمة الثقافية التى ارتكبها نظام المخلوع. لقد نجح زعيم عصابة الثقافة لمدة ثلاثة وعشرين عامًا فى نشر الظلام على أوسع نطاق. نجحت الثقافة المصرية فى حرمان المواطن المصرىّ من نور الثقافة والفكر، فلم يجد أمامه إلا الخرافات، وحكايات "أمنا الغولة"، و"أبو رجل مسلوخة". المسلمون والمسيحيون البسطاء تركتهم وزارة الثقافة فريسة سهلة وصيدًا ثمينًا للدجالين والمشعوذين وأصحاب الأفكار المسمومة... الثقافة للمثقفين.. حِكر عليهم.. يُحظر الاقتراب منها أو لمسها إلا لمن دخل دائرة المقربين!! مئات الملايين أُنفِقتْ لخدمة بضعة آلاف! فى حين ساد ظلام دامس فى كل أنحاء مصر! بلغ بى الجهل أن تصورت يومًا أنهم جاهلون، حتى اكتشفت أنهم خونة متآمرون! لقد أدركوا منذ اللحظة الأولى أن أفضل وسيلة للسيطرة على أمة هى إضعاف أهلها بحرمانهم من الثقافة والفكر المستنير. فى الظلام يشغل كل منا نفسه بأفكار الآخرين وعقيدتهم؛ يحاكمهم ويحكم عليهم، ويتمادى فى تنفيذ الحكم بنفسه! فعلت الحكومة فعلتها، متحدية لكل الجهود المخلصة لنشر الفكر والثقافة، ومنها جهود ساقية عبد المنعم الصاوى ومن يعتلون مسارحها ومنصاتها من أصحاب الرسالة الذين يلحون على طرح الثقافة للجميع من خلال أنماط مبتكرة وجذابة. الثقافة التى نروج لها تتحول مع الممارسة إلى منهج حياة يرحب بالاختلافات ويوظفها لإثراء كافة أشكال الإبداع، ليشع منها النور المنشود. نريد الآن، ودون إبطاء، أن نعيد قراءة تراثنا الفكرىّ، ونقوم بوضع تعريفات عصرية لما نردده -فى كثير من الأحيان- دون أن نعيه! ساعتها فقط سنتصالح مع مصطلحاتنا ومع أنفسنا، ونقول بسعادة واطمئنان: "الصلح خير".
|
المصدر: الخبر الاقتصادى
الامناء الاستشاريون للخبرة والتقييم
ساحة النقاش