قدرة الشعر الإسلامي على التعبير عن فكر الأمة، وتصوير عقيدتها، وتصورها للإنسان والحياة
والطبيعة، وأن هذا الشعر لم يكن عاجزاً عن استيعاب الإسلام استيعاباً يعزز أصالته، ويبعده عن التقليد، ويثبت عمق إحساس شعرائه واستقلاليتهم في التعبير، أما هيكل القصيدة ووحدتها، فكانت فواتح إسلامية للقصائد تمثلت في تسبيح الله، والدعاء، والمناجاة، والترحم على الشهداء، والحكم الإسلامية الخالصة، وذم الخمر، والتوبة، وحمد الله وشكره، وقد ختم الشعراء قصائدهم بأبيات على صيغة المثل في سهولة إيقاعه، أو بجواب على سؤال كان الشاعر قد عرضه في فاتحة القصيدة، وقد وفق الشعراء في ربط مطلع القصيدة بعاطفتها وخاتمتها معبرين عن تجربة إيمانية رائدة.
وأيضا في مقدمات القصائد التي تصدرت أكثر من نصف قصائد الشعر الإسلامي رموزاً الحياة الدنيا، وصلة الرحم، والنصر، وحياة الجاهلية، وكذلك محاورات ـ بين الشاعر وعاذلاته على الجهاد والكرم والسفر ـ أصابها تحول عظيم في المنبع الفكري، ورأينا أن العاذلات كن حقيقيات حيناً ورمزاً حيناً آخر، واختفت من الشعر الإسلامي مقدمات وصف الرحلة والظعائن، تلك الرحلات التي كانت
رمزاً للعلاقات القبلية وصلات الرحم المتقطعة، والأحلاف الموصولة، وكان اختفاؤها
نابعاً من اختفاء دواعيها، لأن الإسلام جاء بدولة الأمة، وجمع القبائل بالوحدة والتوحيد، واستقرت الحال الاقتصادية للقبائل بما تهيأ لها من العطاء من بيت المال.
وبرع الشعراء في التخلص (حسن الانتقال) من موضوع إلى آخر في القصيدة بخفاء لا يشعر به المتلقى.
واعتدل طول القصائد وارتبط بالتجربة الشعورية التي صدرت عنها
القصيدة وقد نبع الاعتدال والتوسط في طول القصيدة
بسبب غياب المقدمات حيناً، وإيجازها حيناً آخر، أو اقتصار القصيدة على موضوع واحد.
وأوشكت الوحدة الموضوعية أن تسود الشعر الإسلامي كله ـ إذا
احتسبنا المقدمة جزءاً أساسياً من موضوع القصيدة ـ تأصيلاً لوحدة الأمة والعبادة وسمة من سمات تطور هذا الشعر، وتمثلت الوحدة العضوية أيضاً في القصيدة الإسلامية، لأن العواطف والتجارب في القصيدة تتجه لإقامة موقف إيماني موحد من الإنسان والحياة والطبيعة.
فتبين أن الشعر الإسلامي استقى لغته من لغة القرآن الكريم، وغذته الحضارة بنعيمها، واقتربت هذه اللغة من لغة الحياة اليومية ، وكانت لغة واقعية جمعت البدوي والحضري، وانسجمت مع الإنسان في موقفه من الحياة والطبيعة وضوحاً وسهولة ويسراً، وأعرضت عن الغرابة وغدت أكثر قدرة وطواعية على إبراز العاطفة التي تضمنها تجربة الشاعر. وحملت ألفاظها دلالات أوسع مدى من دلالاتها السابقة بفضل ثقافة الشاعر التي طغت عليها الثقافة القرآنية، وبفضل تحول الحياة إلى جانب الإسلام.
واختصت معاني شعر المديح بفضائل النفس الإنسانية ومن العقل والعفة والعدل والشجاعة والرفعة، ونصر الإسلام وحسن السيرة والسياسة والعلم والحلم والورع والرأفة والرحمة والكرم والهيبة.
واتجهت معاني الغزل إلى الأوصاف الشخصية للمرأة بعيداً عن الإثارة والمفاتن، ملتزمة جانب العفاف وجمال الخلق والسيرة.
وجاء شعر الرثاء بمعاني الصبر، واحتساب الثواب في الآخرة، وتأكيد نعيم الجنة والخلود، وإبراز دور الشهيد في الدنيا الآخرة وضرب
الحكم والأمثال.
وبنى الهجاء معانيه على هدم قيم المروءة الإسلامية في شخص
المهجو، مع السخرية منه والهزء به، بعيداً عن الفحش إلا نادراً.
وأما الأساليب فقد كان أغلب الشعر الإسلامي مطبوعاً خالياً من التكلف بعيداً عن الصنعة، كما جاء كثير منه على الأسلوب التعبيري (الموحي) الذي ينشط الذكاء لاستشفاف الفكرة، وجاء بعضه على الأسلوب
التقريري المباشر الذي يصلح في شعر الوصايا
وسفوح الوغى لأحداث التأثير السريع.
وكان أسلوب المثل من الأساليب التي أكدها القرآن الكريم، فجاء الشعر الإسلامي متأثراً به في تركيز الفكرة وتكثيف المعنى في صياغة
سهلة واضحة مُنغمة يسهل حفظها وذيوعها.
واعتمد الشعراء الأضداد في المطابقة والمقابلة بين المواقف
والمعاني والأفكار والألفاظ الإسلامية وما يناقضها، كما لجئوا
إلى الكناية التي استمدوا بعض مدلولاتها من التصور الإسلامي.
رأي / هناك فنون وفنون وشعراء و شعراء أبدعوا في كل العصور وبكل اللغات ولكن ليس هناك لا أعظم لا أرقى من لغة القرآن ولا أعف و أبدع من شعراء عصر الرسول _ص_
بقلم
غدير الشوق