حينما نتحدث عن القانون يتبادر إلى أذهاننا تطبيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وكذلك رفع الظلم عن المظلومين وإعطاء كل ذي حق حقه ولكن في النقيض الأخر نجد المثل القائل يا ما في الحبس مظاليم وقد زادت هذه الظاهرة في حياتنا المعاصرة بشكل كبير حيث يوجد أفراد ليسوا بمجرمين أو معتادا الإجرام موجودين بداخل السجون وبكثرة فمنهم من دخل السجن لأنه يعارض النظام ومنهم من دخل السجن لأنه لم يستطيع دفع مبلغ دين خمس مئة جنيهاً أو حتى خمسون أو مئة جنيهاً فيحكم عليه ويدخل السجن على الرغم أن المشكلة بسيطة ويمكن حلها لو أن أحداً من أهل الخير دفع المبلغ لم حبس هذا الشخص وأطلق عليه بعد ذلك لقب مجرم وهو في الحقيقة ليس بمجرم ولكنه ضحية لظروف صعبة جعلته مديون وهناك فئة أخرى تخالف القانون ونصوصه الجامدة في كثير من مواده نظراً لجهلها بمواده ونصوصه فيكتشف أنه فعل شئ خاطئ وهو لا يعلم أنه خطأ أو يتصرف في موقف ما بحسن نية دون أن يكون متعمد الخطأ أو أقدم عليه بإرادته الواعية قاصداً بهذا التصرف الإضرار بالغير أو الصالح العام للدولة ولكن وقوعه في الخطأ كان بدافع طيبته الزائدة أو سماحة نيته ثم يجد نفسه في مشكلة كبيرة وهى أن القانون لا يحمى المغفلين إذن فمن يحمى القانون ! الأذكياء والماكرين ؟ ثم يدخل الشخص السجن ويصبح بين أرباب السجون والمجرمين والبلطجية وهو ليس كذلك . ولنا أن نسأل ونجيب ما الهدف من تطبيق السياسة العقابية داخل السجون؟ الإجابة غالباً ما تكون في الشعار القائل أن السجن تهذيب وتأديب وإصلاح . ولنا أن نتعجب إذا كنا سنضع إنسان لأتفه الأسباب في السجن مع البلطجية ومعتادا الإجرام فماذا سيكون حال الشخص الذي لم يعتاد الإجرام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هل سيتعلم البلطجة داخل السجن بحق ويزداد عدد المجرمين مجرم جديد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وبالتالي بعد قضاء مدة العقوبة فمن الطبيعي جداً أن يعود الشخص مرات ومرات إلى السجن لأنه تعلم ممن تعامل معهم من البلطجية والمجرمين كيف تكون البلطجة الحقيقية وكيف يكون الإجرام الحقيقى فقد أصبح السجن كما يقولون مدرسة يختلط فيها الجميع ويتفقون على تعلم كيف يكون الفعل الإجرامي والمحاكاة الإجرامية الطبيعية على أرض الواقع من خلال نقل خبرات وممارسات المجرمين الحقيقيين إلى الأشخاص الذين ليس لديهم فكرة عن الفعل الإجرامي فأصبح الإنسان لا يحتاج إلى دورات لتعلم البلطجة ولكن عليه فقط الذهاب إلى السجن وهناك سيكون عنده خبرة كافية .وبهذا نكون فشلنا في تحقيق الهدف من العقوبة أو تطبيق السياسة العقابية لأننا أضفنا إلى قائمة المجرمين مجرم جديد وهو في الأساس ليس بمجرم . ففي بعض الدول المتقدمة أشكال أخرى للعقاب وتحقق بها الهدف من العقوبة ومن السياسة العقابية وبشكل فاعل جداً وخاصة مع الأشخاص الذين لم يعتادوا الإجرام أو الخطأ ولكنهم وقعوا في الخطأ نتيجة جهلهم ببواطن الأمور أو لحسن نيتهم الذائدة فهم لا يشكون في أحد و لا يمكرون بأحد ولكنهم أناس على الفطرة يتصرفون بفطرتهم السليمة فهناك في هذه الدول أشكال متنوعة من العقوبة إذا دعت الضرورة للحكم بعقوبة واستثناء البراءة كأن يعمل الشخص في الخدمة العامة الإجبارية ولا يوضع داخل السجون فلنا أن نتخيل أن فلان هذا بعد أن كان وزيراً أو حتى أقل من ذلك بكثير يقف في الشارع ويكنس الشارع فهذا قد يكون نوع من العقاب أشده النفسي أو توقيع غرامة مالية أو عمل دراسات عن الإدمان والمخدرات أو عمل أي شئ يصلح به ما أفسده ويعود بالنفع على المجتمع كله فهنا نستطيع أن نقول أننا نصلح الشخص وهذا ليس معناه أن نطبق ذلك على كل من خالف القانون فهناك البلطجية الحقيقيين الذين يسرقون وينهبون ويقتلون ولا يعقلون ولا يفرقون ويفعلون أفعالهم الإجرامية مع سبق الإصرار والترصد وبإرادتهم الواعية فهؤلاء يجب عزلهم عن المجتمع داخل السجون ثم محاولة تأهيلهم نفسياً أولاً وخلقياً وثقافياً وإعادتهم مرة أخرى إلى المجتمع لينخرطوا فيه ويكونوا أفراد صالحين بعد ذلك يعودوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية . ولهذا يجب تعديل نصوص ومواد القانون بحيث يستوعب كل الفئات ويراعى ويفرق بين معتاد الإجرام وبين الأشخاص الذين وقعوا بمحض الصدفة أو ساقهم القدر لهذا المصير ولكنهم ليسوا بمجرمين وبهذا نكون قد قلصنا الأعداد الرهيبة من البشر الموجودين داخل السجون. هذه كانت نظرة بين العدالة والظلم في تطبيق القانون .
بقلم
الأديب الدكتور/ وليد فهمى