مشكلة الكتاب ممن يرغبون في البقاء دائما منضوين تحت سقف اتحاد الكتاب بالجزائر، بلغت حد الاستبداد في بعض الأحيان، ولحد إقامة أبواب من حديد في وجه المثقفين والمبدعين، غير أن الذين يرغبون في جعل الكتابة محدودة بسقف "إسمنتي" هم أيضا مخطئون.الواقع المرير الذي يجتازه الكاتب الجزائري والذي يتكرر في أكثر من نقطة من الوطن العربي، حيث يعاني هؤلاء من أزمة الظهور بحيث غطت أسماء بعينها على الساحة الأدبية، حتى لو كانت تلك الأسماء غير مجدية أدبية إلا أن حسن حظها جلب لها العزة ولغيرها الهوان، الساحة الأدبية التي أراد الكثيرون حصرها في نطاق ضيق ضاقت هي الأخرى على الكتاب رغم رحابتها، جعلتها يصعًدون في حرج كبير ويتطلعون بأعين قاصرة تجاه المستقبل.أزمة الكتاب بالجزائر وبالوطن العربي تدور حول الذهنيات البالية، هذه التي سادت حتى "استأسدت"، فأحكمت إغلاق الأبواب وكل المنافذ على حد زعمها، ولكن المتفحص بعين من خارج ديار الكتاب كما يزعمون يرى أن هذا الاتحاد الكلاسيكي والذي تتسم بنيته بالهشاشة يدرك أن الفضاء الأدبي الذي يتحدثون عنه ليس هو بعينه "اتحاد الكتاب"، لان اتحاد الكتاب ليس مقرات وهمية حتى لو كانت على ارض الواقع لها أساسات وأبواب ونوافذ، لكن الاتحاد الذي أرنو إليه وأتمنى أن يتجه إليه الكتاب هو هنا في عقولنا في مدى احتوائنا لإبداعات بعضنا البعض، في قدرتنا على تعرية واقعنا الاجتماعي، في استنطاق الحب المفقود منذ مولدنا. فانحصرت الأزمة وانحسر مدها حتى تحولت إلى هاجس وكان الأدب هو المقر بعينه رغم تعدد الفضاءات للنشاط ولكن ما يجري ليس بحثا عن الأدب ولكنه بحث عن الحظوة والجاه –ليس إلا-، لو كان هؤلاء "كتابا" كما يتقولون لما اكترثوا بذبك الكاتب الحقيقي يقاس ليس بعدد كتاباتها بل بـ "جودة" ما أنتج، وبقدرته على تحويل الواقع حياة من نوع آخر على الورق، يجعل أغلفة الكتب بعناوينها نابضة بحياة الناس، الكاتب يتحرر من كل قيد، ومن كل إطار مكاني قد يعيق تحركه وقدرته على الإبداع هو الذي ينطلق في فضاء فكره الفسيح بحثا عن الإلهام والأفكار الثملة بالحب والقدرة على الخلق، أما من يبحثون عن النور بين ركام إسمنتي فأقول لهم اعذروني "انتم لستم من الأدب بشيء، والأدب برئ من هكذا كتاب".ليت الكتاب يعودون لمنزلهم "الإسمنتية" أيضا، ولكن بعقول "غضة" حية يعيدون قراءة الواقع قراءة المتمرس، ويسالون أنفسهم ما إن كانوا ينشدون الأدب بعينه أم هيكله، وعندما يحددون الوجهة يمكنهم حينها إدراك ما إن كانوا ينتمون لزمرة المبدعين أم ما دونهم، وأقول مرة أخرى أن الكتاب في بلادي هم من قيدوا أنفسهم ودخلوا طواعية للسجن المبكر وفي سن الحداثة باختيارهم الانضواء بين جدران وسقف. وبخلاف ذلك فالتجربة التي يخوضها العشرات من الكتاب الشباب ويتلمسون من خلالها طريقا إلى نور حقيقي عبر الفضاءات الافتراضية جعلت المستحيل ممكنا، وهي تتلاءم والغاية التي كان ينشدها الكاتب الحقيقي سابقا وهي أن يقرا كتاباته اكبر عدد من الناس في أدنى الأرض وأقصاها، وهذه الميزة متوفرة الآن عبر هذا الفضاء الذي نحن بصدد الكتابة له، فأين هي المشكلة إذا أن اجلس على كرسي حقيقي في منزلي، واكتب على شاشتي ما ارغب أن أقوله بلا قيود رقابية من جهة ما، ولا تعريفة ادفعها لدار نشر تسلبني عصارة جهدي لتنعم به دون أن يتعب صاحبها ولا أن يكد، كل هذا لا يهم ولكن الكاتب الحقيقي في اعتقادي أبدا لم يهتم بأن يحتويه مكان، بل هو الطائر في أرقى تجلياته حين تحلق أفكاره إلى عوالم لا حدود لها بحثا عن نور حقيقي وليس مزيف.
بقلم
أم السعد مكى عبد الرحمن