تشكل الثقافة بؤرة جدل محتدمة في نقاط متفرقة من العالم، افرزها صراع الهويات أو الثقافات أو الحضارات الذي تحدث عنه "هنتغتون" منذ القرن الماضي، وما يزال متواصلا عبر الأزمنة، لا احد استطاع من الدول العظمى ولا حتى الناشئة آن يصنع لنفسه خارطة ثقافية على مقاس الأعراف والتقاليد والديانات، ولذلك فهذا التناطح حاصل داخل المجتمع الواحد الذي تتمازج فيه الثقافات الشعبية المتأصلة في جذور المجتمع، ويصعب مع كل ذلك الزخم الثقافي إعلاء إحداها على حساب الأخرى وإشكالية الوطن العربي اليوم تكمن في إيجاد صيغة مثلى لتقريب الثقافات من بعضها وذلك بفتح الحدود، ورفع الضغائن، إضافة إلى تقبل الآخر كما هو، وليس كما نريد نحن آن نراه من منظورنا الذي يشوبه الكثير من القصور. الثقافة العربية والإسلامية حتما غنية وهي أكثر من ذلك كله أزلية ممتدة منذ بلاد الرافدين "ميزوبوتاميا" أولى الحضارات التي ظهرت على وجه البسيطة، ولذلك تطرح بحدة فكرة الصراع بين الثقافات خاصة في زمن العولمة أو كوكبة هذا العالم على نحو غربي يسحق معه كل الموروث، ويحيل هذه البلدان إلى مجرد "حاويات" تستقطب سلعا لا تناسب مقاسها العقلي والديني ولذا حتى عندما اقترح الغرب استبدال فكرة "الصراع" بـ "حوار" الحضارات لم تجد ما يتوائم معها في ارض الواقع، مقاربته كانت بعيدة كل البعد عن تطلعات الشعوب التي تتوق لان تُظهر للعالم أنها تمتلك قدرات قد يكون الزمن أجحفها حقها في الظهور، ولكنها شبيهة بتلك الدرر المتكورة في عمق المحارة ولكن السؤال الذي ظل مشرعا على كم هائل من التأويلات، جاء في صيغة تعجيزية يستفهم حول كيف يحدث الحوار والتوافق بين شعوب مختلفة في عقليتها كخطوة أولية، ثم يتدرج في معرفة شتى اوجه الاختلافات الوراثية الفطرية وحتى المكتسبة من مجتمعات وبيئات متباينة، وأكثر من ذلك كله محاولة الشعوب المتقدمة إلغاء الثقافات الأخرى رغم ما سعى إليه الكثير من العلماء لدراسة الانتروبولوجيا، لكنها تبقى مجرد قراءات نظرية لواقع الحياة في نقاط متفرقة من العالم بغرض معرفة أساليب عيشها وتحديد الفروق الجوهرية بين هذه المجتمعات وغيرها.
أما نقطة الاتفاق التي يسعى العلماء لربطها ببعضها في محاولة لتجاوز الفروقات فتبقى مغيبة، لان الثقافة التي هي تعبير عن كاريزما المجتمعات العربية والإسلامية، لا تتوافق مع ما دونها من الثقافات، ولان الصراع الأزلي القائم حول من "من" الحضارات سيسود العالم ما يزال يُطرح، وربما هو اكثر حدة في هذا الوقت خاصة مع زوال حرب الأقطاب وانفراد القطب الأمريكي بالريادة. ولذلك تبقى الشعوب العربية تتجرع ثقافتها في صمت كبير، هذه الثقافة التي حصرها البعض في ألوان من الغناء والرقص الشعبي أو الفولكلور، وغابت في ظلها ثقافة الكتابة، والتي بسببها كان تراث بعض الدول شفويا وزال بزوال الأجيال المتعاقبة، وفي أخرى ظل نزر قليل منه محفوظ ومكدس في رفوف مكتبات عتيقة بحيث لا تصله يد قارئ متمرس
بقلم
وسيلة مكى