مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل


بعد فوات الأوان



في كثير من المواقف نردد المثل العربي الجميل: “أكلت يوم أُكل الثور الأبيض”، ولكن من غير أن نتأمل في مغزى هذا المثل .

 يروى أن ثلاثة من الثيران أبيض وأسود وأحمر، كانت تعيش في غابة، وترعى من الحشائش ليلاً ونهاراً، من غير أن يضايقها أحد .

وذات يوم انتبه قطيع الأسود والنمور والذئاب إلى أن في ذلك المرعى فرائس، فبدأت الأسود والنمور بمهاجمة المرعى، وكان الثور الأبيض أقرب إليها من غيره، فافترسته على مرأى ومسمع من الثورين الآخرين الأسود والأحمر .

 استغاث الثور الأبيض بالأسود والأحمر، إلا أنهما أضمرا نية خبيثة وقالا: ما علينا من الثور الأبيض، لعل من مصلحتنا أن نختلي بالمرعى، فليذهب الثور الأبيض .

 واختليا بالفعل بالمرعى، لكن لم تطل فرحتهما حتى عادت الأسود والذئاب، وفي هذه المرة كان الثور الأسود هو الأقرب، فهاجمته الأسود، فاستغاث بالثور الأحمر، فسكت عنه الأحمر وقال في نفسه:

أليس من الأحسن أن أنفرد بالمرعى وحدي؟ فليذهب الثور الأسود وما عليّ من أحد، فافترست الأسود الثور الأسود،

 واختلى الثور الأحمر بالمرعى، وكم كانت فرحته، لكن عادت الأسود ثانية، وفي هذه المرة لم يكن هناك إلا ثور واحد هو الأحمر، فالتفت الأحمر لما أحس بالخوف، وصار يصرخ ويستنجد، لكن لا مغيث ولا منجد، فقد ذهب الأبيض والأسود، وما أمامه إلا قطيع الأسود .

 صرخ عندئذ صرخته الأخيرة وسلم نفسه للأسود وهو يقول:

“أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، ومعنى هذا أن الذي لا يفكر في سلامة الآخرين، ينبغي ألا يفكر فيه أحد، ولذا فإن استغاثته تأتي بعد فوات الفوت، ولن تجد أذناً صاغية، لأنه لم يبق أحد من حوله وبقي وحيداً في وسط الأعداء .

 نعم . . . كانت أمام الثيران الثلاثة فرصة ذهبية، لو تكاتفت في ما بينها منذ الهجمة الأولى، لكن سوء نياتها جعل كل واحد يفكر في نفسه، ولا يقوم لنجدة رفيقه .

 لذا فإن موت الثورين الثاني والثالث، كان محققاً منذ تخليهما عن نجدة الثور الأول، وتركه للأعداء يهاجمونه ويفترسونه .

 كم في هذه القصة وفي هذا المثل من عظة وعبرة لأهل هذا الزمان، حيث إننا نرى الدولة تلو الدولة تسقط تباعاً، والسبب أننا رضينا بسقوط الدولة الأولى، وربما رأينا في طريقنا إلى المسجد أحدهم يتعرض للاعتداء عليه، فلا ننصره .

 وعلى مستوى البيوت نرى انحرافاً في بيت من البيوت أو في فرد من أفراد العائلة، فلا نضرب على يد الغادر والعابث والظالم، حتى يتمادى، ثم ينتقل شره إلى آخر فرد في العائلة .

وعندئذ نلقي اللائمة على غيرنا، وننسى أننا كنا السبب، والشر في بدايته كان صغيراً يمكن السيطرة عليه، لكن سكتنا والساكت على الباطل شيطان أخرس .

 تكون نهاية الإنسان هكذا من دون أن يبالي به أحد، عندما تموت في نفسه الغيرة والنخوة والشهامة، وما تموت فيه الغيرة إلا إذا عاش من غير إيمان بالله، وقديماً قال الشعر:

إذا الإيمان ضاع فلا أمان

ولا دنيا لمن لم يحي دنيا



د . عارف الشيخ

المصدر: البيان الإلكتروني
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

607,974

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه