ليلة ذات قدر عظيم
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: “كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، فعمل ذلك ألف شهر، وحتى لا يحرم المسلمون هذا الفضل أنزل الله تعالى هذه السورة الكريمة:
“إِنا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3) تَنَزلُ الْمَلائِكَةُ وَالروحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبهِمْ مِنْ كُل أَمْرٍ(4) سَلامٌ هِيَ حَتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(5)” .
وسورة الْقَدْر مكية، وقد تحدثت عن بدء نزول القرآن العظيم، وعن فضل ليلة القدر على سائر الأيام والشهور، لما فيها من الأنوار والتجليات القدسية، والنفحات الربانية، التي يفيضها الباري جل وعلا على عباده المؤمنين، تكريماً لنزول القرآن المبين، كما تحدثت عن نزول الملائكة الأبرار حتى طلوع الفجر، فيا لها من ليلةٍ عظيمة القدر، هي خير عند الله من ألف شهر .
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض علامات هذه الليلة المباركة فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شُعاع لها . (رواه مسلم) .
وثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة، ورواه الطيالسي في مسنده، وسنده صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة) .
كما روى الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة بلجة “أي مضيئة”، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم “أي لا ترسل فيها الشهب”)، فهذه ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر .
ولا يلزم أن يعلم من أدرك ليلة القدر أنه أصابها، وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص.