ضابط بوليس. حقه في القبض على المتهم المتلبس وتجريده من سلاحه. استعمال القوّة لهذا الغرض. محاولة المتهم الهرب. استعانته على الفرار بركوب فرس. إطلاق النار على الفرس لتعطيلها. قتلها. لا جريمة.
الحكم كاملاً
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 36
جلسة أوّل فبراير سنة 1937
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل الرشيدي بك المستشارين.
(40)
القضية رقم 213 سنة 7 القضائية
( أ ) تلبس. ضابط بوليس. حقه في القبض على المتهم المتلبس وتجريده من سلاحه. استعمال القوّة لهذا الغرض. محاولة المتهم الهرب. استعانته على الفرار بركوب فرس. إطلاق النار على الفرس لتعطيلها. قتلها. لا جريمة.
(المادة 310 ع = 355)
(ب) دفاع شرعي. استظهاره من وقائع تنتجه. لا تدخل لمحكمة النقض.
(المادة 210 ع = 246)
1 - إذا كان المستفاد مما أثبته الحكم أن المتهم كان متلبساً بجريمتي حمل السلاح بدون رخصة وإهانة ضابط البوليس بالقول أثناء تأديته وظيفته، فهذه الحالة تسوغ قانوناً للضابط أن يقبض على المتهم ويجرّده من سلاحه وأن يستعمل القوّة الضرورية لذلك. فإذا ما حاول المتهم الهرب لتفادي القبض كان للضابط أن يعطله. فإذا اضطر في سبيل ذلك إلى إطلاق النار على الفرس التي استعان بها المتهم على الفرار قاصداً تعطيلها عن العدو فقتلها فإنه لا يكون متجاوزاً حقه، والفعل الذي وقع منه لا يكوّن جريمة.
2 - إذا استظهرت المحكمة من وقائع الدعوى أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، ولم تكن هذه الوقائع متجافية مع النتيجة التي استخلصتها المحكمة، فلا معقب عليها في ذلك.
المحكمة
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه ذكر أن ضابط البوليس أطلق العيار على فرس المدّعي الأول للتمكن من ضبط السلاح غير المرخص به، وهذا لا سند له من التحقيقات، بل ويخالف ما ثبت فيها على لسان الضابط نفسه إذ قرّر في تحقيقات النيابة أنه أطلق العيار على الفرس ليوقعها وأنه أصابها في كفلها من الخلف. وتلك الأقوال مضافة لموقع الإصابة لا تؤدّي إلا إلى معنى واحد وهو أن الضابط أطلق العيار قاصداً قتل الفرس.
ومن حيث إن هذا الوجه موضوعي لأنه متعلق في الحقيقة بتأويل أقوال الضابط وتقديرها، ولا نزاع في أن ذلك من شأن محكمة الموضوع ولا رقابة عليها فيه إلا إذا كانت تلك الأقوال لا تؤدّي عقلاً إلى ما استخلصته منها. وظاهر من العبارة التي ينسبها الطاعنان إلى الضابط وهي قوله إنه أطلق العيار على الفرس ليوقعها وإنه أصابها في كفلها من الخلف أنها لا تتعارض مع ما أثبته الحكم من أن الضابط أطلق العيار على الفرس لكي يعطلها عن العدو، بل هي تؤدّي عقلاً إلى ما استنتجته منها محكمة الموضوع.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه ذكر أن إطلاق العيار كان لأمر اقتضته ضرورة قيام الضابط بواجبه. ومعنى هذا أن المحكمة أباحت قتل الفرس للتمكن من ضبط السلاح. وهذا مبدأ لا تقرّه الإنسانية ولا القانون ولا تعليمات البوليس، إذ حمل السلاح جنحة بسيطة يجوز الحكم فيها بالغرامة، فلا يمكن أن تكون مبرراً لقتل الماشية لمجرّد التمكن من ضبط السلاح لإمكان مصادرته. ومن ثم تكون محكمة الموضوع قد أخطأت في تفسير المقتضى الذي نصت عليه المادة 310 عقوبات، إذ المقصود بهذه العبارة أن يكون هناك خطر من الحيوان على النفس أو المال، وأن يكون الخطر واقعاً في الحال، وأن لا توجد طريقة أخرى مشروعة أو أقل إجراماً لتفادي الخطر.
ومن حيث إن الواقعة الثابتة في الحكم هي أنه بينما كان ضابط البوليس جالساً بالنقطة إذ سمع صوت ثلاثة أعيرة نارية على مقربة من النقطة فأسرع إلى مصدر الصوت وبصحبته العسكري قنديل عيسى فأدرك المتهم الأوّل (الطاعن الأوّل) وهو راكب فرسه وبيده بندقية فسأله عما إذا كانت لديه رخصة لها فأجاب سلباً فطلب إليه أن يسلمها فلم يمتثل وأهانه بقوله له "لا أنت ولا أعظم منك يأخذها" وعند ذلك حضر المتهم الثاني (الطاعن الثاني) راكباً فرسه ووقف حائلاً بينهما فانتهز المتهم الأوّل الفرصة وفرّ هارباً قاصداً بذلك الإفلات من ضبطه بالبندقية الغير المرخصة، فما كان من الضابط إلا أن تعقبه لضبطها كما تقضي بذلك واجباته. وقد استمر المتهم الأوّل في عدوه رغم تنبيه الضابط له بالوقوف، ولما لم يمتثل أطلق الضابط عياراً نارياً على فرسه لكي يعطلها عن العدو، وبذلك يتمكن من ضبط البندقية، غير أن المتهم الثاني أدركه في هذه اللحظة شاهراً عصاه الغليظة يريد أن يضربه بها، فلم يجد الضابط وسيلة لدفع هذا الخطر المحدق به إلا أن يصوب غدارته إلى فرس المتهم الثاني فتخر صريعة ويسقط المتهم الثاني معها. وقد حدث في أثناء ذلك أن تمكن المتهم الأوّل من الفرار وإخفاء البندقية، ثم عاد بفرسه إلى محل الحادثة حيث نفقت نتيجة المقذوف الناري. وقد أضاف الحكم بعد ذلك أنه يبين من كل ذلك أن إطلاق الضابط للعيار الناري على فرس المتهم الأوّل اقتضته ضرورة القيام بواجبه وهو ضبط البندقية الغير المرخصة التي كانت معه وحاول الهرب بها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن الطاعن الأوّل كان متلبساً بجريمة حمل السلاح بدون رخصة وبجريمة التعدّي على الضابط بالقول أثناء تأدية وظيفته، وهذا التلبس يجيز للضابط قانوناً أن يقبض على المتهم المتلبس ويجرّده من سلاحه وأن يستعمل القوّة الضرورية للوصول إلى هذا القبض، فإذا ما حاول المتهم الهرب في هذه الحالة كان للضابط أن يوقفه ويعطله عن الهرب. وقد أثبت الحكم أن الطاعن الأوّل الذي كان متلبساً بجريمتي حمل السلاح والتعدّي حاول الهرب راكباً فرسه رغم تنبيه الضابط له بالوقوف، فاضطر الضابط إلى إطلاق العيار على الفرس لكي يعطلها عن العدو، وهو إذ فعل ذلك لم يتجاوز حقه ولم يخالف القانون في شيء.
أما ما يدعيه الطاعنان من أن الضابط يعتبر في هذه الحالة أنه قتل الفرس بدون مقتضٍ فلا محل له لأن الحكم لم يثبت أن الضابط تعمد قتل الفرس، بل كل ما أثبته أنه تعمد تعطيلها، وهذا لا يؤدّي إلى أنه تعمد القتل، فإذا نفقت الماشية في هذه الحالة فلا يسأل الضابط عن هذا النفوق لأنه جاء نتيجة لعمل مشروع قانوناً.
ومن حيث إن محصل الوجه الثالث أن الحكم ذكر أنه بعد أن أصاب الضابط فرس المدّعي الأوّل تقدّم المدّعي الثاني شاهراً عصاه الغليظة يريد أن يضربه بها، فإذا ما تبين أن الضابط بقتله فرس المدّعي الأوّل كان قد ارتكب جريمة يعاقبه القانون عليها، وأنه ارتكبها بغير مقتض، فلا يجوز له أن يستظل بحق الدفاع لأنه يكون بسوء تصرفه قد وضع نفسه هذا الوضع وعرض نفسه للضرر. ومن القواعد المقرّرة أن المعتدي لا يكون له أن يتمسك بحق الدفاع لرد اعتداء يقع عليه بعد وقوع اعتدائه. على أن التهديد بالعصا لا يصح اعتباره مبرراً لأن يقتل فرساً كريمة إذ كان في وسع الضابط أن يلجأ إلى وسيلة أخرى غير إجرامية، خصوصاً وقد كان معه عسكري مسلح وكان في الإمكان إصدار الأمر له ليحول بين الاثنين.
ومن حيث إن الشق الأوّل من هذا الوجه لا أساس له. لأن الثابت في الحكم أن الضابط لم يرتكب جريمة ولم يكن معتدياً حتى يسقط حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه. أما الشق الثاني الخاص باستطاعة الضابط للدفاع عن نفسه أن يلجأ إلى وسيلة أخرى غير قتل الفرس فهو نزاع موضوعي فصل فيه الحكم المطعون فيه بأن أثبت "أنه بالنسبة لقتل الضابط فرس المتهم الثاني قد تبين للمحكمة من ظروف الحادثة أن المتهم الثاني هذا، وقد رأى الضابط أطلق العيار الناري على فرس أخيه، هجم عليه بحالة نفسية متهيجة يريد إيقاع الأذى به فلم يكن هناك مفر لدرء هذا الخطر المحقق الحصول إلا أن يطلق العيار على الفرس ليوقفه دون الوصول إليه والتمكن من إيذائه. وترى المحكمة أنه معذور في تصرفه هذا. خصوصاً إذا لوحظ أنه قد تألبت عليه جموع العرب المرافقة للمتهمين الأوّلين (الطاعنين) ولم يكن برفقته إلا جندي واحد فهو مضطر في سبيل الدفاع عن نفسه درءاً للخطر المحدق به إلى اتخاذ هذا التدبير الذي رأى فيه نجاة له من هذا الخطر المحقق". ويرى من هذا الذي أثبته الحكم أن الضابط كان مضطراً في سبيل الدفاع عن نفسه إلى إطلاق النار على الفرس ليوقف المتهم الثاني عن إيصال الأذى به. فإذا عدّته المحكمة في هذا الظرف في حالة دفاع شرعي عن نفسه تكون قد أصابت في تطبيق القانون، وتقديرها في هذا الصدد موضوعي لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ساحة النقاش