القبض المباح قانونا على مرتكب جريمة. قبض بقصد ابتزاز المال من مرتكب الجريمة. معاقب عليه.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 3 ـ صـ 45
جلسة 15 من أكتوبر سنة 1951
(21)
القضية رقم 484 سنة 21 القضائية
برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا ورئيس المحكمة، وحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك وإسماعيل مجدي بك المستشارين.
قبض. القبض المباح قانونا على مرتكب جريمة. قبض بقصد ابتزاز المال من مرتكب الجريمة. معاقب عليه.
إذا كان الظاهر من ظروف الدعوى أن المتهمين عندما قبضوا على المجني عليهما بدعوى أنهما ارتكبا جرائم تموينية لم يكن قصدهم من ذلك إلا ابتزاز المال منهما، فإنه لا يفيد هؤلاء المتهمين قولهم إن ارتكاب المجني عليهما الجرائم التموينية يبيح لهم القبض عليهما. ذلك لأنه بفرض وقوع تلك الجرائم منهما فإن القبض المباح قانوناً هو الذي يكون الغرض منه إبلاغ الأمر لرجال البوليس وتسليم من ارتكب الجريمة لأحد رجال الضبطية القضائية.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم بمدينة القاهرة: أولاً - لأن المتهم الأول قبض على لبيب جيد وولده وليم وجورجي مخالي اتسناسيوس ونبوية علي حسين في غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين بذلك وحالة اتصافه بأنه موظف بالتموين ثانياً - والمتهمان الثاني والثالث اشتركا مع المتهم الأول بطريق الاتفاق والمساعدة بأن اتحدت إرادتهم على ذلك وساعداه على الأعمال المتممة لهذه الجريمة فتمت بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. ثالثاً - ولأن المتهمين الأول والثالث أيضاً سرقا مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً وساعة جيب ودبلة من الذهب من جورجي مخالي اتسنانيوس بطريق الإكراه الواقع عليه بأن أمسك به المتهم الأول واعتدى عليه بالضرب الذي لم يترك أثراً معطلاً بذلك مقاومته وتمكن مع المتهم الثالث من سرقة هذه الأشياء. رابعاً - لأن المتهمين الأول والثالث استوليا على مبلغ أربعين جنيهاً من نبوية علي حسين وذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المجني عليه المذكورة بواقعة مزورة واتخاذهما صفة غير صحيحة وذلك بأن أوهماها بأنها تتجر في البترول على خلاف الأوامر الخاصة بالتموين وادعيا أنهما من الموظفين التابعين لوزارة التموين الذين لهم شأن في إجراء ضبط الجرائم التموينية وأنهما سيخليان سبيلها ولا يبلغان عن جريمتها نظير هذا المبلغ الذي تسلماه منها. خامساً - المتهم الثاني أيضاً اشترك بطريق الاتفاق والتحريض مع المتهمين الأول والثالث في ارتكاب هذه الجريمة بأن حرضهما على ارتكابها واتفق معهما على ذلك فوقعت بناء على ذلك التحريض وتلك المساعدة. سادساً - المتهم الأول - شرع في الاستيلاء على مبلغ عشرة جنيهات من لبيب جيد وذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهامه بواقعة مزورة واتخاذ صفة غير صحيحة وذلك بأن أوهمه بأنه يتجر في الدقيق على خلاف الأوامر الخاصة بالتموين وأدلى أنه موظف بوزارة التموين وممن لهم شأن في ضبط الجرائم التموينية وأنه سيخلي سبيله ولا يبلغ عن جريمته نظير هذا المبلغ ولم تتم الجريمة لسبب خارج عن إرادته وهو مفاجأة ضابط البوليس للمتهم وضبطه قبل تمكنه من إتمام جريمته. سابعاً - المتهمان الثاني والثالث اشتركا مع المتهم المذكور في ارتكاب جريمة الشروع في النصب المبينة في البند السابق. (سادساً) بطريق الاتفاق والتحريض بأن حرضاه على ارتكاب هذه الجريمة واتفقا معه على ذلك فوقعت بناء على ذلك التحريض والاتفاق. سابعاً - المتهمان الأول والثالث استوليا بطريق الاحتيال على مبلغ واحد وثمانين جنيهاً من مانتونا كنستاكس ومارد بروس طوغيان وإسكندر واصف جرجس وأرسطو قولجيون ومانولي كلا قدران وفيليب فولجيون وفهمي محمد رضوان والليثي علي محمد وعلي السيد علي وذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهامهم بوقائع مزورة واتخاذهما صفة غير صحيحة بأن أوهماهم بأنهم يتجرون في الأصناف المبينة بالمحضر على خلاف القوانين والأوامر التموينية وادعيا أنهما من الموظفين التابعين لوزارة التموين والذين لهم شأن إجراء ضبط الجرائم التموينية وسيخليان سبيل كل منهم ولا يبلغان عنه نظير المبلغ الذي دفعه لهما. وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 280 و282 و314/ 1 و336/ 1 - 2 و45 من قانون العقوبات للأول و40/ 1 ـ 2 ـ 3 و41 و336/ 1 ـ 2 و45 و280 و282 من نفس القانون للثاني و40/ 1 - 2 - 3 و41 و280 و282 و314/ 1 و336/ 1 - 2 منه للثالث. فأمر بذلك ومحكمة جنايات مصر نظرت هذه الدعوى ثم قضت فيها عملاً بمواد الاتهام - بمعاقبة أحمد عبد النبي متولي بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنين. وبمعاقبة كل من علي عبد اللطيف صيام وأمين عبد الحكيم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض.. الخ
المحكمة
..حيث إن الطاعن الثالث "أمين عبد الحكيم" وإن قرر الطعن إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فطعنه لا تكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر بالقانون بالنسبة إلى الطاعنين الآخرين.
وحيث إن أوجه الطعن المقدمة من الطاعن الأول تتحصل في القول (أولاً) بأن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون إذ دانته بجريمة القبض على المجني عليهم الأربعة الأول بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض حالة اتخاذه صفة كاذبة وهي أنه موظف بالتموين وقت إجراء هذا القبض في حين أن القبض على فرض حصوله قد وقع على المجني عليهم المذكورين لارتكابهم مخالفات لما تقضي به أوامر التموين وهذا الظرف يبيح لأي فرد القبض على مرتكب مثل هذه الجريمة طبقاً لنص المادة السابعة من قانون تحقيق الجنايات التي تخول لكل فرد في حالة تلبس الجاني بالجريمة وفي جميع الأحوال المماثلة أن يحضر الجاني أمام أحد أعضاء النيابة أو يسلمه لأحد مأموري الضبطية القضائية أو لأحد رجال الضبط بدون احتياج لأمر بضبطه. ثانياً - إنه مع افتراض أن القبض تم بغير وجه حق وفي غير الأحوال التي تصرح بها القوانين واللوائح فإن ركني جريمة التهديد المنصوص عليها في المادتين 280 فقرة أولى 282 من قانون العقوبات غير متوافرين فالركن المادي وهو فعل القبض أو الحبس أو الحجز يقتضي الإمساك بالشخص من جسمه وتقييد حركته وحرمانه من حرية التجول ومنعه من الحركة كما يريد. هذا الركن غير متوافر كما هو مستفاد من أقوال المجني عليهم أنفسهم بمحضر الجلسة كما أن الركن المعنوي وهو القصد الجنائي غير متوافر أيضاً كما سبق بيانه من أن القبض حصل لأسباب يبيحها القانون. ثالثاً - اخطأ الحكم أيضاً إذ دانه بجريمة السرقة بإكراه مع أن المستفاد من أقوال المجني عليه عن هذه الجريمة بالجلسة أن إكراها ما لم يقع ـ وعلى فرض أن عنفا وقع فإنه لم يكن بقصد ارتكاب السرقة بل كان مستقلاً عنها ومنقطع الصلة بها على أن المحكمة لم تذكر في حكمها أن الاعتداء وقع بقصد السرقة وهذا أيضاً قصور يعيب الحكم. رابعاً - طلب الدفاع عن الطاعن الثاني وهو ضابط بكلية البوليس ضم دفتر النوبتجية الخاص بكلمة البوليس وكذا دفتر مواعيد الدخول والانصراف من الكلية إلا أن المحكمة لم تستجب إلى هذا الطلب الذي يفيد منه الطاعن الثاني أصلاً كما يفيد منه الطاعن تبعا إذ لو ثبت للمحكمة صحة هذا الدفاع لانهارت الجريمة قبل الاثنين وفي عدم استجابة المحكمة لهذا الطلب إخلال بحق الدفاع يعيب الحكم.
وحيث إنه بالنسبة للأوجه الثلاثة الأول من الطعن فإن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى التي دان بها الطاعن سواء عن جريمة القبض أو السرقة بالإكراه بما تتوافر فيه العناصر القانونية لهاتين الجريمتين كما هي معرفة به في القانون مستنداً في ذلك إلى الأدلة التي أوردها وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها كما تعرض الحكم المطعون فيه لدفاع الطاعن المشار إليه فقال: "ولا يفيدهم القول بأن لبيب ووليم ارتكبا جريمة تموينية مما يبيح القبض عليهما لأنه بفرض وقوع تلك الجريمة فإن القبض المباح قانوناً يكون الغرض منه إبلاغ الأمر لرجال البوليس المختصين وتسليم من ارتكب الجريمة لأحد رجال الضبطية القضائية وظاهر من ظروف الدعوى أن المتهمين عندما ارتكبوا هذه الجريمة ما كانوا يقصدون إبلاغ الأمر أو تسليم المجني عليهما على رجال الضبطية القضائية بل كان القصد مما ارتكبوه ابتزاز المال منهما ولم يتم لهم ذلك لسبب خارج عن إرادتهما وهو ضبط الواقعة قبل دفعه إلى المتهم الأول". ولما كان هذا الذي أوردته المحكمة صحيحاً في القانون فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل.
وحيث إن أوجه الطعن المقدمة من الطاعن الثاني تتحصل في القول بأن الحكم المطعون فيه دانه بجريمة الاشتراك في القبض والنصب والشروع في النصب على بعض المجني عليهم في حين أنه لم يقم الدليل المثبت لاشتراكه في الجريمتين اللتين أنكرهما الطاعن. أما الثالثة وهي التي أقر بها فقد دافع بأنه إنما كان يعاون بحسن نية على ضبط المجني عليهم لارتكابهم جرائم تموينية. كذلك أخل الحكم بحقه في الدفاع إذ طلب في إحدى جلسات المحاكمة ضم دفتر النوبتجية ودفتر الحضور والانصراف بكلية البوليس التي يعمل بها مدرسا لكي تدلل بالبيانات المثبتة بهما على أنه كان بالكلية في التاريخ والوقت المقول بأنه اشترك في واقعتين من الثلاث المنسوبة إليه. كما طلب استدعاء مدير كلية البوليس لسماع أقواله عن دقة البيانات الواردة بهذين الدفترين إذا لم تقتنع المحكمة بدقة هذه الدفاتر. وبالرغم من إبداء هذه الطلبات وتمسكه بها فإن المحكمة التفتت عنها بغير مبرر أو تعليل. وأخيراً يقول الطاعن إنه طعن على عملية الاستعراف التي أجريت على شخصه كما طعن على اعتراف المتهم الثالث عليه بالتحقيقات ذلك الاعتراف الذي عدل عنه أمام المحكمة إلا أن المحكمة اعتمدت على هذين الدليلين دون أن تشير إلى هذا الدفاع وهذا قصور يعيب الحكم.
وحيث إنه لا محل لما يثيره الطاعن من ذلك إذ أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية للجرائم الثلاث التي دانه بها وأورد الأدلة على اشتراكه في تلك الجرائم بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة بأن اتحدت إرادة المتهمين الثلاثة وساعد هو الطاعن الأول على ارتكاب إحداها كما حرضه على ارتكاب الجريمتين الأخريين فوقعت الجرائم جميعاً نتيجة لذلك الاتفاق والتحريض وتلك المساعدة. لما كان ذلك وكان ما طلبه الدفاع من ضم الدفترين إنما كان للاطلاع على المواعيد المثبتة بها وكانت المحكمة قد سألت الطاعن عن مبلغ دقة تلك البيانات المنقولة بمحضر تحقيق النيابة عن الدفاتر فأجاب بأن ما ثبت من الاطلاع عليها ظاهر وواضح لا ينقصه شيء وكانت المحكمة قد ردت في الحكم على هذا الطلب بقولها :"وقال المتهم الثاني إنه كان في يومي 7 نوفمبر سنة 1948 وأول يناير سنة 1949 بكلية البوليس واستدل على ذلك بما أثبت بدفاتر تلك الكلية الخاصة بحضور وانصراف الضباط. وقد تبين من الاطلاع على دفتر أحوال الكلية أن المتهم سلم النوبتجية والدفتر الساعة التاسعة صباحاً من يوم أول يناير سنة 1949 إلى زميله الملازم عبد الحي أبو علي. وأنه في يوم 7 نوفمبر سنة 1948 سلم الدفتر والنوبتجية الساعة الثامنة والثلث صباحاً إلى زميله الملازم رؤوف أبو السعود وثابت بدفتر الحضور أنه انصرف من الكلية الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً يوم أول يناير سنة 1949 ومؤشر بأنه انصرف للراحة يوم 7 نوفمبر سنة 1948 في صباح ذلك اليوم وطلب ضم هذه الدفاتر لاطلاع المحكمة عليها. وبما أن هذه الدفاتر كما هو واضح من الاطلاع السابق لا تفيد أن المتهم كان بالكلية في وقت وقوع حادث الخواجة جورجي مخالي انستاسيو التي وقعت حوالي الساعة التاسعة صباحاً ولا في وقت وقوع حادث نبوية حسن علي فضلاً عن أن ما أثبت في هذه الدفاتر لا يقطع بوجود المتهم بالكلية أوقات تسليمه النوبتجية والانصراف ولا ترى المحكمة محلاً لضم هذه الدفاتر كما سلف"، وكان الطاعن من ناحية أخرى لم يقم من جانبه بإعلان الشاهد المشار إليه طبقاً لما يقضي به القانون - فإن ما يثيره من ذلك كله لا يكون له محل وبالتالي لا محل لما أثاره الطاعن الآخر في هذا الشأن. أما أوجه الدفاع الموضوعية التي أشار إليها في طعنه بشأن عملية العرض واعتراف متهم عليه فهي من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً ما دام الحكم قد بين أدلة الثبوت التي أخذت بها المحكمة مما يفيد اطراحها لذلك الدفاع.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ساحة النقاش