الغرامات المالية المنصوص عليها في العقود الإدارية تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية. لجهة الإدارة توقيعها بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها دون أن يتوقف ذلك على ثبوت ضرر للإدارة من إخلال الطرف الآخر بالتزامه ما لم يثبت هذا الطرف أن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 922
جلسة 26 من أكتوبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أحمد شمس الدين، ومحمد عبد اللطيف، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله.
(145)
الطعن رقم 471 لسنة 30 القضائية
عقد "عقود إدارية". "الغرامات المالية التي توقعها الإدارة". الشرط الجزائي. تعويض. قوة قاهرة.
الغرامات المالية المنصوص عليها في العقود الإدارية تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية. لجهة الإدارة توقيعها بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها دون أن يتوقف ذلك على ثبوت ضرر للإدارة من إخلال الطرف الآخر بالتزامه ما لم يثبت هذا الطرف أن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها.
الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية لأنها جزاء قصد به ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه حرصاً على سير المرفق بانتظام واطراد. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها في العقد بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، كما أن للإدارة أن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه. ولا يجوز للطرف الآخر أن ينازع في استحقاقها للغرامة بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون عليه أقام الدعوى 189 سنة 1954 الفيوم الابتدائية على الطاعنين وقال بياناً لها إنه رسا عليه عطاء عملية التركيبات الكهربائية بناحيتي اللاهون والفيدمين على أن يبدأ العمل في أول يناير سنة 1952 وينتهي في 30/ 4/ 1952 غير أنه لم يتمكن من إتمام العمل إلا في ديسمبر سنة 1952 للأسباب التي أبداها - وأنه لما طلب منه الإخطار عن اسم المهندس الذي يشرف على العمل طبقاً لنص البند الثامن عشر من العقد أجاب بأن الذي يتولى الإشراف كهربائي فني ذكر اسمه ومضى المطعون عليه قائلاً إن الطاعنين خصما من استحقاقه عن العمليتين مبلغ 489 ج منه مبلغ 132 ج غرامة التأخير ومبلغ 357 ج بواقع 1 ج عن كل يوم من أيام العمل لعدم تعيين مهندس للإشراف عليه... وأنه يعترض على ذلك الخصم فبالنسبة للتأخير فقد كان راجعاً إلى تعذر وجود بعض المواد بالسوق وبالنسبة للخصم الخاص بعدم تعيين المهندس فقد قام بتعيين مندوب فني للإشراف على العمل وأخطر الطاعنين بذلك دون أن يعترضا... ولم يترتب على إشراف المندوب أي ضرر إذ تسلم الطاعنان العمليتين بعد إتمامهما وانتهى المطعون عليه إلى طلب الحكم له بالمبلغ المخصوم وقدره 489 ج. وفي 28/ 3/ 1957 حكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى. استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 1147 سنة 74 ق القاهرة وفي 24/ 11/ 1960 صدر الحكم المطعون فيه قاضياً بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الطاعنين بمبلغ 357 ج وبتأييده فيما عدا ذلك وهذا المبلغ المحكوم به بمثل الغرامة التي خصمها الطاعنان لعدم تعيين المهندس. وفي 24/ 12/ 1960 قرر الطاعنان بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 2/ 5/ 1964 وفيها صممت النيابة على رأيها الذي ضمنته مذكرتها بطلب نقض الحكم وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات التالية للإحالة نظر الطعن بجلسة 12/ 10/ 1965 وفيها تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين يتحصل أولهما في مخالفة القانون ذلك أن المطعون عليه لم ينفذ مقتضى نص البند الثامن عشر من العقد رغم تمسك الطاعنين بوجوب تنفيذه بخطابيهما المرسلين إليه في 1/ 1/ 1952 و24/ 1/ 1952 وهذا النص متعلق بمصلحة عامة ويترتب الجزاء المتفق عليه بالعقد على مجرد مخالفته ويتحصل ثانيهما في خطأ الحكم في تأويل القانون وفي فساد الاستدلال إذ طبق العقد تطبيقاً خاطئاً تبعاً لفهمه الخاطئ للحكمة التي وضع من أجلها نص المادة 18 فقد قام فهمه على أن المقصود منه أداء المقاول للعمل على وجه مرض ورتب على ذلك عدم إعمال النص لانتفاء الضرر - بينما الصحيح أن جهة الإدارة تتفيأ به المصلحة العامة ونظام المرفق وهو نظام ثابت وموحد في عقود الأشغال العامة مما يتعين معه التزامه ومن ثم فإن نتيجة العملية تكون بعيدة عن مجال تحقق الضرر أو عدم تحققه الأمر الذي يكون معه منطق الحكم المطعون فيه غير سائغ.
وحيث إن النعي بهذين السببين صحيح ذلك أن الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية لأنها جزاء قصد به ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه حرصاً على سير المرفق بانتظام واطراد وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها في العقد بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها كما أن للإدارة أن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه ولا يجوز للطرف الآخر أن ينازع في استحقاقها للغرامة بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها - ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما يخالف هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين نقضه.
ساحة النقاش