تقدير التعويض هو من إطلاقات محكمة الموضوع بحسب ما تراه مناسباً لجبر الضرر. مستهدية في ذلك بكافة الظروف والملابسات في الدعوى، فلا عليها إن هي قدرت التعويض الذي رأته مناسباً، دون أن تبين أو ترد على ما أثاره الطاعن من هذه الظروف.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 1075
جلسة 8 من يونيه سنة 1972
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حافظ هريدي، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.
(168)
الطعن رقم 424 لسنة 36 القضائية
( أ ) مسئولية. "المسئولية التقصيرية. مسئولية متولي الرقابة".
مسئولية القائم على تربية القاصر عن عمله غير المشروع. أساسها خطأ مفترض هو الإخلال بواجب الرقابة. انتقال هذه الرقابة إلى من يشرف على تعليم القاصر أثناء وجوده في المدرسة. تمسك الطاعن بالخطأ المفترض في جانب والد القاصر - دون الخطأ الثابت - عن الحادث الذي وقع منه في المدرسة. نفي الحكم المسئولية عن الوالد تأسيساً على أن إدارة المدرسة هي المسئولة مفردها عن الرقابة. لا خطأ.
(ب) نقض. "أسباب الطعن. السبب الجديد".
واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ج). محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير التعويض". تعويض.
تقدير التعويض من إطلاقات محكمة الموضوع مستهدية في ذلك بكافة الظروف والملابسات في الدعوى.
(د) نقض. "ما لا يصلح سبباً للطعن". مسئولية. محكمة الموضوع.
رفض الحكم بأسباب سائغة دفاع الطاعن بصدد وقوع الحادث مفاجأة. النعي عليه في هذا الخصوص جدل في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع. عدم إثارته أمام محكمة النقض.
1 - القائم على تربية القاصر وإن كان ملزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك القاصر للغير بعمله غير المشروع، وأن هذه المسئولية تقوم على خطأ مفترض لمصلحة المضرور هو الإخلال بواجب الرقابة، إلا أن هذه الرقابة تنتقل إلى من يشرف على تعليمه أثناء وجوده في المدرسة، فلا يستطيع المكلف بالرقابة أن يدرأ مسئوليته إلا إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أن الضرر وقع بسبب أجنبي أو خطأ من المضرور أو خطأ ثابت في جانب الغير. وإذ كان الحكم الابتدائي قد أقام قضاءه بنفي المسئولية عن والد الغلام الجاني على - أن الحادث وقع في المدرسة وأن إدارة المدرسة كانت مسئولة بمفردها عن الرقابة وقت وقوعه - وكان الثابت أن الطاعن لم يتمسك بصحيفة الاستئناف بالخطأ الثابت اكتفاء بالخطأ المفترض في جانب والد القاصر عن الحادث الذي وقع منه أثناء وجوده في المدرسة، فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
2 - إذا كان الدفاع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع، فإنه لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - تقدير التعويض هو من إطلاقات محكمة الموضوع بحسب ما تراه مناسباً لجبر الضرر. مستهدية في ذلك بكافة الظروف والملابسات في الدعوى، فلا عليها إن هي قدرت التعويض الذي رأته مناسباً، دون أن تبين أو ترد على ما أثاره الطاعن من هذه الظروف.
4 - إذا كان ما قرره الحكم المطعون فيه - بشأن رفض دفاع الطاعن بصدد وقوع الحادث مفاجأة بما يعفيه من المسئولية - سائغاً ومؤدياً للنتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون في حقيقته جدلاً في تقدير الدليل حول قيام عنصر المفاجأة وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن عبد السلام السيد فهمي أقام الدعوى رقم 2012 سنة 1960 مدني كلي القاهرة طلب فيها إلزام وزير التربية والتعليم وناظر مدرسة السلطان مصطفى الابتدائية ومحمد متولي بأن يدفعوا له متضامنين ستة آلاف جنيه وقال في بيان دعواه إن ابن المدعى عليه الأخير وهو تلميذ بمدرسة السلطان مصطفى الابتدائية ضرب في 12 مايو سنة 1959 ابنه عادلاً (الذي كان ينضم إلى ذات المدرسة، وذلك أثناء وجودهما بفنائها، وقد أفضى هذا الضرب إلى موته، وقيدت الواقعة جناية برقم 467 سنة 1959 السيدة، وقضت فيها محكمة الأحداث بتسليم الجاني إلى ولي أمره، وقد ثبت من هذا التحقيق إهمال المدرسة بتركها للمجني عليه ملقى على الأرض مغمى عليه فترة طويلة دون إسعاف. وإذ كان التلميذ المعتدي تحت رقابة ناظر المدرسة وقت الاعتداء فإن الناظر يكون مسئولاً لإهماله الرقابة وعدم الإشراف على التلاميذ أثناء الفسحة ولتقاعسه عن إنقاذ ابنه بعد الاعتداء عليه، كما تسأل وزارة التربية معه مسئولية المتبوع. دفع الناظر ووزير التربية الدعوى بانتفاء مسئوليتهما لأن الحادث وقع مفاجأة ودون إمكان دفعه وبأن الناظر قام بالإسعافات الأولية المناسبة التي تنفي عنه الإهمال وتنعدم معها مسئولية المتبوع وبتاريخ 24 من فبراير سنة 1962 حكمت المحكمة بإلزام ناظر المدرسة ووزارة التربية بأن يدفعا للمدعي متضامنين مبلغ خمسمائة جنيه لما ثبت لديها من إهمال الناظر متولي الرقابة في المدرسة، وأن هذا الخطأ منه إذ وقع أثناء تأدية وظيفته فإن وزير التربية يسأل معه بالتضامن طبقاً لنص المادة 174 من القانون المدني، كما نفى الحكم المسئولية عن والد الجاني قولاً منه بانتقال الرقابة إلى إدارة المدرسة في فترة الدراسة، استأنف ناظر المدرسة ووزير التربية هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه ورفض الدعوى، وقيد استئناف أولهما برقم 953 سنة 79 ق وقيد الثاني برقم 1013 سنة 79 ق، وبعد أن أمرت المحكمة بضم الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد، حكمت بتاريخ 14 يونيه سنة 1966 بتأييد الحكم المستأنف. طعن ناظر المدرسة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير، وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الاستئناف بأن القاصر وقد ارتكب عملاً غير مشروع، وكان أبوه هو الذي يتولى الرقابة عليه ويقوم بتربيته، فالمفروض أنه إما أن يكون قد قصر في رقابة ولده أو أنه أساء تربيته أو ارتكب الخطأين معاً، وقد اكتفى الحكم المطعون فيه بنفي مسئولية الرقابة عن الأب دون أن ينفي عنه سوء التربية، وهذا من الحكم خطأ في تطبيق القانون وقصور، لأن الأب مسئول عن جريمة قتل يرتكبها ولده حتى ولو وقعت الجريمة داخل حوش المدرسة لأنه لم يحسن تربيته، وإذ كانت المادة 169 من القانون المدني تجعل المسئولين عن الفعل الضار متضامنين في التزامهم بالتعويض على أن تكون المسئولية بينهم بالتساوي إلا إذا حددها القاضي فإن مصلحة الطاعن في إبداء هذا الوجه من الدفاع تكون ظاهرة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن القائم على تربية القاصر وإن كان ملزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك القاصر للغير بعمله غير المشروع، وأن هذه المسئولية تقوم على خطأ مفترض لمصلحة المضرور هو الإخلال بواجب الرقابة، إلا أن هذه الرقابة تنتقل إلى من يشرف على تعليمه أثناء وجوده في المدرسة فلا يستطيع المكلف بالرقابة أن يدرأ مسئوليته إلا إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أن الضرر وقع بسبب أجنبي أو خطأ من المضرور أو خطأ ثابت في جانب الغير. إذ كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد أقام قضاءه بنفي المسئولية عن والد الغلام الجاني على قوله: "إن حادث الضرب الذي أفضى إلى الموت وقع في مدرسة السلطان مصطفى وبذلك تكون الرقابة من الوالد قد انتقلت إلى إدارة المدرسة التي كانت مسئولة بمفردها عن الرقابة وقت وقوع الحادث لأن ابنه لم يكن في كنفه بل كان بمنأى عنه، ولم يكن متوالياً رقابته وهذا كاف لنفي الخطأ المفترض في جانبه، وهو أساس المسئولية فلا يسأل عن تعويض الضرر الذي يحدث نتيجة هذا الخطأ" وكان الثابت أن الطاعن لم يتمسك بصحيفة الاستئناف بالخطأ الثابت اكتفاء بالخطأ المفترض في جانب والد القاصر عن الحادث الذي وقع منه أثناء وجوده في المدرسة، فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل باقي أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه شابه القصور المبطل من ثلاثة أوجه (أولها) أنه جعل الطاعن مسئولاً عن تعيين العدد الكافي من المشرفين في فترة الفسحة دون أن يبين إن كان هذا الخطأ هو خطأ الناظر أم خطأ الوزارة، فخلط بذلك بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي ورتب على الأخير المسئولية الشخصية للطاعن. (وثانيهما) أن الطاعن أثار أمام محكمة الموضوع أن تشريح جثة المجني عليه يبين أنه كان مصاباً بعدة أمراض خطيرة تجعل فرصته في الحياة ضئيلة ولو لم يقع عليه العدوان، ولكن الحكم المطعون فيه لم يعن ببحث هذا الأمر عند تقدير التعويض وهو منه قصور يعيبه (وثالثها) أن الطاعن تمسك لدى محكمة الموضوع بأن الحادث وقد وقع فجائياً وفي أقل من ثلاث دقائق فإنه لم يكن في وسعه منعه وتفادي الحادث مهما كان عدد الرقباء، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفاع استناداً إلى ما جاء بحكم النقض الصادر في 21/ 10/ 1946 وهو قياس خاطئ لأن إدارة المدرسة في حكم النقض سالف الذكر كانت مخطئة ابتداءً وقبل الحادث فلم يكن يعفيها من المسئولية المفاجأة به.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول منه بأن هذا الدفاع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. ومردود في الوجه الثاني منه بأنه لما كان تقدير التعويض هو من إطلاقات محكمة الموضوع بحسب ما تراه مناسباً لجبر الضرر مستهدية في ذلك بكافة الظروف والملابسات في الدعوى، فلا عليها إن هي قدرت التعويض الذي رأته مناسباً دون أن تبين أو ترد على ما أثاره الطاعن من هذه الظروف. ومردود في الوجه الأخير بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه رفض دفاع الطاعن بصدد وقوع الحادث مفاجأة بما يعفيه من المسئولية على قوله: "وكان الحادث يخلص في أن المتهم عرض قدمه للمجني عليه أثناء جريه في الفناء فوقع المجني عليه تبعاً لذلك على الأرض ودارت مناقشة بين الاثنين بسبب ذلك انتهت بأن انهال المتهم على المجني عليه بالضرب الذي أدى إلى وفاته. لما كان ذلك، فإن واقعة الاعتداء بالضرب الذي أفضى إلى الموت كانت مسبوقة بمشادة استغرقت عدة دقائق، وهذا من شأنه أن ينفي عن واقعة الضرب المفضي إلى الموت عنصر المفاجأة" ولما كان هذا الذي قرره الحكم سائغاً ومؤدياً للنتيجة التي انتهى إليها فإن النعي يكون في حقيقته جدلاً في تقدير الدليل حول قيام عنصر المفاجأة، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ساحة النقاش