حصر المستأجر عناصر الضرر الذي أصابه من جراء تعرض المؤجر واضطراره للانتقال إلى مسكن آخر بأجرة أعلى. انتهاء الحكم بأسباب كافية إلى أن هذا الضرر مباشر ومتوقع. النعي عليه فيما تزيد فيه من نفي الغش والخطأ الجسيم عن المؤجر بفرض صحته. غير منتج.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 919
جلسة 14 من يونيه سنة 1973
برياسة السيد المستشار/ الدكتور حافظ هريدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن، وعلي صلاح الدين، وأحمد صفاء الدين.
(160)
الطعن رقم 332 لسنة 38 القضائية
(1) استئناف. "نطاق الاستئناف". إيجار. حكم.
اقتصار المستأجر - أمام محكمة أول درجة - على طلب وقف سريان عقد الإيجار بالنسبة لالتزاماته، والتعويض عما ناله من ضرر، وسقوط حق المؤجر في الأجرة من تاريخ تعرضه. طلبه في الاستئناف إعادة الحال إلى ما كانت عليه. طلب جديد. القضاء بعدم قبوله. لا خطأ.
(2) تعويض. "تقدير التعويض". محكمة الموضوع. نقض.
تقدير التعويض من مسائل الواقع. استقلال قاضي الموضوع به دون معقب.
(3) حكم. "الأسباب الزائدة". تعويض. إيجار. نقض. "ما لا يصلح سبباً للطعن".
حصر المستأجر عناصر الضرر الذي أصابه من جراء تعرض المؤجر واضطراره للانتقال إلى مسكن آخر بأجرة أعلى. انتهاء الحكم بأسباب كافية إلى أن هذا الضرر مباشر ومتوقع. النعي عليه فيما تزيد فيه من نفي الغش والخطأ الجسيم عن المؤجر بفرض صحته. غير منتج.
(4) حكم. "عيوب التدليل". إيجار.
طلب المستأجر من محكمة أول درجة الحكم بوقف سريان عقد الإيجار وسقوط حق المؤجر في الأجرة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1956. انصراف هذا الطلب إلى المدة التالية لذلك التاريخ انتهاء الحكم إلى أن أجرة هذه المدة لم تكن محل طلب أمام محكمة أول درجة. خطأ في فهم الواقع في الدعوى.
(5) دفوع. "الدفع بالإحالة". اختصاص.
رفع الدعوى بوقف سريان عقد الإيجار وسقوط حق المؤجر في الأجرة. ليس من شأنه أن يمنع محكمة أخرى من الفصل في ذات الطلب طالما لم يدفع أمامها بالإحالة.
1 - متى كان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه أن طلبات الطاعن - المستأجر - أمام محكمة أول درجة قد انحصرت في طلب وقف سريان عقد الإيجار بالنسبة لالتزاماته وحدها، وبسقوط حق المطعون عليه في الأجرة اعتباراً من....... وبإلزامه برد ما استولى عليه وما يستجد، وبالكف عن المطالبة بشيء من الأجرة اعتباراً من.... وبتعويضه عما ناله من ضرر، ولم يكن من بينها طلب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعرض، الذي طلبه لأول مرة عند نظر الاستئناف، وكان موضوع هذا الطلب يختلف عن موضوع باقي طلبات الطاعن التي نظرتها محكمة أول درجة، ولا يندرج في مضمونها، فإنه بذلك يعتبر طلباً جديداً لا يجوز إبداؤه في الاستئناف، وتحكم المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبوله عملاً بنص المادة 411 من قانون المرافعات السابق الذي نظر الاستئناف في ظله، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون وفي فهم الواقع في الدعوى يكون على غير أساس.
2 - تقدير التعويض الجابر للضرر هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع ولا معقب عليه من محكمة النقض في ذلك ما دام قد بين عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه.
3 - متى كان الطاعن قد حدد عناصر الضرر الذي أصابه - من جراء تعرض المؤجر له في الانتفاع - بالعين المؤجرة - وحصرها في اضطراره للانتقال إلى مسكن آخر بأجرة أعلى، وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أن هذا الضرر مباشر ومتوقع، وقدر التعويض الجابر له، وكانت الأسباب التي استند إليها في هذا الخصوص كافية لحمله، فإن خطأه فيما تزيد فيه من نفي الغش والخطأ الجسيم عن المطعون عليه يكون - بفرض صحته - غير منتج.
4 - إذ كان الثابت بالأوراق أن الطاعن طلب من محكمة أول درجة الحكم بوقف سريان عقد الإيجار الصادر عن الشقة المؤجرة له فيما يتعلق بالتزاماته وحدها وبسقوط حق المطعون عليه في الأجرة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1956 فإن طلبه هذا ينصرف إلى المدة التالية للتاريخ المذكور، ومنها الفترة من 1/ 9/ 1957 حتى 28/ 2/ 1959، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن أجرة هذه المدة لم تكن محل طلب أمام محكمة أول درجة، فإنه يكون قد أخطأ في فهم الواقع في الدعوى.
5 - رفع الدعوى بوقف سريان عقد الإيجار وبسقوط حق المؤجر في أجرة المدة من...... إلى...... أمام إحدى المحاكم ليس من شأنه أن يمنع محكمة أخرى من الفصل في ذات الطلب، ما دام قد رفع إليها ولم يتمسك أحد من الخصوم بالدفع بإحالة الدعوى بشأنه إلى المحكمة الأولى لقيام ذات النزاع أمامها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وأعرض عن الفصل في طلب وقف سريان عقد الإيجار في المدة المذكورة وسقوط حق المؤجر في الأجرة خلالها لقيام النزاع بشأنها أمام محكمة...... فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن...... (الطاعن) أقام الدعوى رقم 153 لسنة 1957 كلي القاهرة ضد..... - المطعون عليه - طالباً (أولاً) - وقف سريان عقد الإيجار المؤرخ 29/ 6/ 1936 الصادر عن الشقة المؤجرة له بالمنزل المبين بصحيفتها فيما يتعلق بالتزامات المدعي وحدها وبسقوط حق المدعى عليه في الأجرة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1956 (ثانياً) بإلزام المدعى عليه برد ما استولى عليه من المدعي وقدره 41 ج و130 م وما يستجد، وإلزامه بالكف عن مطالبته بشيء من الأجرة اعتباراً من أول فبراير سنة 1957 وبأن يدفع له تعويضاً قدره 500 ج وقال في بيانها إنه يستأجر شقة من منزل آلت ملكيته للمطعون عليه بأجرة شهرية بلغت بعد الزيادة القانونية 6 ج و855 م بعقد محرر في 29/ 6/ 1936 بينه وبين المالكة السابقة، ولما اشترى المطعون عليه المنزل أقام ضد المستأجرين الدعوى رقم 2809 سنة 1956 كلي القاهرة للحكم بإخلاء مساكنهم بحجة أنه انتوى هدم المنزل لإعادة بنائه بشكل أوسع، ولما قضي بوقفها لعدم حصوله على ترخيص بالهدم طبقاً لأحكام القانون رقم 344 لسنة 1956 عمد المطعون عليه من جانبه إلى إجبار الطاعن على إخلاء مسكنه بغير الطريق القانوني بأن خرب المنزل ونزع نوافذ وأبواب الشقق الأخرى التي أخلاها مستأجروها باتفاقهم معه، وأبطل نور السلم فأصبح مسكن الطاعن وسط خرائب لا يأمن فيها على نفسه أو على ماله مما اضطر معه لأن يستأجر مسكناً آخر انتقل إليه في أول نوفمبر سنة 1956، ثم وجه إنذاراً للمطعون عليه سجل عليه فيه ما قام به من أعمال تعتبر تعرضاً له في انتفاعه بالعين المؤجرة، وطالبه بإعادة المنزل إلى الحالة التي كان عليها عند التعاقد حتى يتسنى له الانتفاع به كما كان، وأعقب ذلك برفع الدعوى رقم 9314 لسنة 1956 مستعجل مصر عليه لإثبات حالة المنزل، وعينت المحكمة خبيراً أثبت في تقريره أن ما أجراه المطعون عليه في المنزل أمر يجعله موحشاً لساكنيه، وأنه بعد أن انكشفت المناور أصبحت أنابيب دورة المياه وسيلة يتيسر بها الصعود إلى مسكن الطاعن عن طريق المنور، كما أصبح الوصول إليه ميسراً أيضاً عن طريق إحدى الشرفات وأنه لذلك أقام دعواه بطلباته السابقة، وطلب المدعى عليه رفض الدعوى استناداً إلى أنه قد ثبت من تقرير خبير دعوى إثبات الحالة أن أعمال الهدم التي أجراها كانت في الشقق الخالية من السكان، وأن شقة المدعي وجدت سليمة، وأنه قام بتنفيذ ما أوصى به الخبير في تقريره بالنسبة لإنارة بئر السلم ووضع الحديد على النوافذ، وفي 8/ 3/ 1958 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ 200 ج على سبيل التعويض ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً الحكم له بما رفضته المحكمة الابتدائية، وقيد هذا الاستئناف برقم 969 لسنة 75 ق، وعند نظر الاستئناف قدم المدعي مذكرة عدل فيها مبلغ التعويض المطالب به إلى 1040 ج و115 م وفي 31/ 5/ 1960 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وفي 11/ 11/ 1965 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه في خصوص قضائه برفض طلب وقف تنفيذ إلزامه بدفع الأجرة وسقوط حق المؤجر في المطالبة بها من تاريخ تعرضه للطاعن في انتفاعه واسترداد ما قبضه منه بعد هذا التاريخ، وفي خصوص قضائه برفض طلب التعويض عن الضرر الذي أصاب الطاعن بسبب اضطراره لاستئجار مسكن آخر أغلى أجرة من العين المؤجرة وبإعلان تم في 6/ 6/ 1968 عجل الطاعن استئنافه طالباً إلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لما عدا المحكوم به لصالحه، والحكم له (أولاً) بوقف سريان عقد الإيجار فيما يتعلق بالتزامات المستأنف (الطاعن) دون المطعون عليه ابتداء من تاريخ التعرض الحاصل في أول أغسطس سنة 1956 (ثانياً) بسقوط حق المستأنف عليه (المطعون عليه) في الأجرة اعتباراً من التاريخ المذكور وإلزامه بالكف عن المطالبة بها (ثالثاً) بإلزامه برد مبلغ 89 جنيه و115 مليماً عبارة عن الأجرة التي حصل عليها بعد التعرض وبغير حق وبلا مقابل انتفاع (رابعاً) بإلزامه بأن يدفع للطاعن تعويضاً مؤقتاً قدره 1561 جنيهاً منها 1000 جنيه عبارة عن فروق أجرة من 31/ 10/ 1966 بخلاف ما يستجد، ومنها النفقات الأخرى التي تكبدها بسبب الانتقال إلى مسكن آخر مؤقت (وخامساً) بإلزام المستأنف عليه (المطعون عليه) بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعرض وتمكين المستأنف (الطاعن) من الانتفاع المتفق عليه في ميعاد تحدده المحكمة وبمصاريف على حساب المستأنف عليه، وفي 21/ 4/ 1968 حكمت المحكمة (أولاً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض باقي طلبات المستأنف فيما عدا التعويض المحكوم به وقدره 200 جنيه (ثانياً) بإلزام المستأنف عليه بأن يدفع للمستأنف مبلغ 89 جنيهاً و115 مليماً قيمة الأجرة المدفوعة بغير حق من المستأنف عن المدة من 1/ 8/ 1956 حتى 31/ 8/ 1957 ومبلغ 80 جنيه على سبيل التعويض (ثالثاً) بعدم قبول الطلب الأخير من طلبات المستأنف، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم في خصوص السبب الأول.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون وفي تحصيل فهم الواقع في الدعوى، وفي بيان ذلك يقول إن قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول طلب إلزام المطعون عليه بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعرض، وتمكين الطاعن من الانتفاع بالعين المؤجرة على أساس أنه طلب جديد لم يسبق عرضه على محكمة أول درجة ولا يجوز عرضه لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ينطوي على خطأ في فهم طلبات الطاعن أمام محكمة أول درجة، والتي يدخل هذا الطلب في مضمونها، إذ أن طلب وقف سريان العقد وسقوط الحق في الأجرة والكف عن المطالبة بها مستقبلاً ورد ما دفع منها بغير حق، كل ذلك القصد منه مساعدة وتشجيع المطعون عليه، بل وحمله على إعادة الحالة إلى ما كانت عليه ليعود الانتفاع بالعين وهو ما سبق أن طالبه به بإنذاره المؤرخ 13/ 11/ 1965.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الثابت من مدونات الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه أن طلبات الطاعن أمام محكمة أول درجة قد انحصرت في طلب وقف سريان عقد الإيجار بالنسبة لالتزاماته وحدها، وبسقوط حق المطعون عليه في الأجرة اعتباراً من 1/ 8/ 1956، وبإلزامه برد ما استولى عليه وما يستجد، وبالكف عن المطالبة بشيء من الأجرة اعتباراً من أول فبراير سنة 1957 وبتعويضه عما ناله من ضرر، ولم يكن من بينها طلب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعرض الذي طلبه لأول مرة عند نظر الاستئناف ولما كان موضوع هذا الطلب يختلف عن موضوع باقي طلبات الطاعن التي نظرتها محكمة أول درجة، ولا يندرج في مضمونها، فإنه بذلك يعتبر طلباً جديداً لا يجوز إبداؤه في الاستئناف، وتحكم المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبوله عملاً بنص المادة 411 من قانون المرافعات السابق الذي نظر الاستئناف في ظله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون وفي فهم الواقع في الدعوى يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وفي فهم الواقع في الدعوى والإخلال بدفاع جوهري وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن التعويض المطالب به هو مقابل ما ترتب من نفقات وفروق في الأجرة بسبب الانتقال من المسكن المؤجر إلى مسكن مؤقت إلى أن يزيل المطعون عليه أسباب التعرض ويعيد الحالة إلى ما كانت عليه من قبل، ويمكنه من الانتفاع بالعين، وإذ سلم الحكم بمسئولية المطعون عليه عن هذا الضرر على أساس أنه ضرر مباشر ومتوقع، فقد كان يتعين عليه أن يقضي له بمبلغ الفرق الثابت بين عقدي الإيجار والذي استحق كاملاً مع ما يستجد منه، لأن في مقدور المطعون عليه أن يضع حداً لمسئوليته بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه وتمكينه من الانتفاع، إلا أن الحكم قدر التعويض المستحق له بمبلغ 80 ج دون أن يلقي بالاً للفرق بين أجرة عين النزاع وأجرة العين الجديدة التي استأجرها، أو يبين العلة في عدم أخذه بتقدير الطاعن لمبلغ التعويض، وهل كان هذا التقدير غير متوقع بالنسبة لما زاد على الـ 80 ج التي قدرها، وإذ كان ما قرره الحكم من أن التعرض كان في سنة 1956 وقبل أن تشتد أزمة المساكن يخالف الواقع الذي دعا المشرع إلى إصدار القانون رقم 344 لسنة 1956 بفرض قيود على الملاك المستغلين ممن حاولوا زيادة الأجرة بدون مبرر وابتزاز أموال الناس بالباطل، فإن الحكم يكون فضلاً عن مخالفته للقانون وخطئه في تطبيقه وتأويله معيباً بمخالفة فهم الواقع في الدعوى والقصور في التسبيب والإخلال بدفاع جوهري فضلاً عن الفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد في هذا الخصوص قوله "وحيث إنه عن طلب التعويض القائم عنصره على الضرر الذي حاق بالمستأنف من جراء اضطراره إلى تأجير مسكن آخر تفوق أجرته أجرة عين النزاع، والمبني على قواعد المسئولية العقدية، فإنه عملاً بحكم المادة 571 مدني على المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، ولا يجوز له أن يحدث بالعين أو ملحقاتها أي تغيير يخل بهذا الانتفاع، وأنه من المقرر أن مسئولية المؤجر في هذا الخصوص هي مسئولية عقدية يدعي فيها المستأجر على المؤجر عدم تنفيذه لالتزامه، ويطالبه بالتعويض على هذا الأساس، ومن ثم يقطع على الدائن عبء إثبات أن المدين لم ينفذ التزامه فإذا أثبت ذلك كان هذا إثباتاً للخطأ العقدي. وحيث إن المستأنف قد أثبت مما حواه تقرير الخبير في دعوى إثبات الحالة قيام المؤجر بهدم بعض أجزاء المبنى المشتمل على شقته بحيث جعل السكنى فيها موحشة وغير مأمونة، مما يعتبر من المؤجر تعرضاً للمستأجر، وحيث إن الأصل في المسئولية العقدية أن الضرر المباشر المتوقع هو الذي يعوض عنه في غير حالتي الغش والخطأ الجسيم. وحيث إن البادي من أوراق الدعوى أن المستأنف عليه وهو مؤجر قد تعرض لمستأجره المستأنف مما جعل انتفاعه بالعين معدوماً، ومن ثم فإنه يسأل عن تعويض هذا الضرر المباشر المتوقع وباعتبار أن هذا الخطأ من جانب المؤجر هو الذي تسبب في الإضرار به بتركه العين المؤجرة واضطراره إلى استئجار عين أخرى أغلى قيمة، وتقدر المحكمة هذا التعويض بالنسبة لظروف الدعوى وبالنظر إلى أن التعرض كان في سنة 1956 وقبل أن تشتد أزمة المساكن بمبلغ 80 ج" ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد حدد عناصر الضرر الذي ادعاه الطاعن وحصرها في اضطراره لترك العين المؤجرة واستئجار عين أخرى أغلى قيمة، ثم قدر الحكم للطاعن مبلغ 80 ج تعويضاً عن الضرر الذي حاق به من جراء ذلك، ولما كان تقدير التعويض الجابر للضرر هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع ولا معقب عليه من محكمة النقض في ذلك ما دام قد بين عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه، فإن النعي في هذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً ما تستقل محكمة الموضوع بتقديره.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون وفي تطبيقه وتأويله وفي تحصيل فهم الواقع في الدعوى والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والتناقض، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه بنفيه عن المطعون عليه الغش والخطأ الجسيم يصل إلى عدم مسئوليته عن الضرر غير المتوقع بقوله إن المطعون عليه كان قد أقام دعواه بالهدم وإعادة البناء بشكل أوسع قبل واقعة التعرض، وأخليت بعض شقق المنزل فعلاً فأجرى بعض أعمال الهدم فيها متوقعاً صدور حكم بإخلاء باقي الشقق، غير أن القانون رقم 344 لسنة 1956 الذي توجب أحكامه الحصول على ترخيص بالهدم من اللجنة المختصة قد أدرك دعواه فقضي فيها بالإيقاف، ولم يتعمد المطعون عليه الإضرار بشقة الطاعن، بل لحقها الضرر بسبب الأعمال التي أجريت في الشقق الأخرى وفي السلم العمومي، مع أن هذا الذي قرره يدل على غش المطعون عليه وخطئه الجسيم، إذ أن طلب الإخلاء بزعم الهدم وإعادة البناء بشكل أوسع لم يكن الهدف منه إلا التوصل إلى رفع الأجرة الذي كان قد فشل في الحصول عليه ولقد كان يتعين عليه أن ينتظر حتى يصدر الحكم لصالحه فيه، لا أن يجعل من نفسه خصماً وحكماً، ورغم أنه كان طلباً غير محتمل الكسب، إذ كانت تنقصه المستندات المؤيدة له إلا أن المطعون عليه لم يكن يقصد من رفعه سوى تهيئة الجو لأعمال التخريب التي ارتكبها.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وقد حدد الطاعن عناصر الضرر الذي أصابه وحصرها في اضطراره للانتقال إلى مسكن آخر بأجرة أغلى، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن هذا الضرر مباشر ومتوقع وقدر التعويض الجابر له، وكانت الأسباب التي استند إليها في هذا الخصوص كافية لحمله فإن خطأه فيما تزيد فيه من نفي الغش والخطأ الجسيم عن المطعون عليه يكون - بفرض صحته - غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي تحصيل فهم الواقع والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه بعد أن قرر أن انتفاع الطاعن بالعين المؤجرة بعد تعرض المطعون عليه أصبح في حكم المعدوم لتجرده من الأمان على النفس والمال، عاد وانتهى إلى أن طلبي وقف سريان عقد الإيجار فيما يتعلق بالتزامات الطاعن من تاريخ التعرض الحاصل في 1/ 8/ 1956 وسقوط حق المطعون عليه في الأجرة من هذا التاريخ وإلزامه بالكف عن المطالبة بها يندرجان تحت طلب رد ما حصل من الأجرة منذ بدأ التعرض حتى 31/ 8/ 1957 وأنه عن أجرة المدة التالية التي تبدأ من 1/ 9/ 1957 حتى 28/ 2/ 1959 فإنه وقد رفعت بشأنها دعوى أمام محكمة الوايلي ولم تكن محل طلب أمام محكمة أول درجة فلا يصح إلزام المؤجر بالكف عن المطالبة بالأجرة على إطلاقه وفي جميع المدة ما دام أن بعض الأجرة مطالب به أمام محكمة أخرى، وهو من الحكم خطأ في فهم الواقع في الدعوى وفي القانون، ذلك أن أجرة تلك المدة وما سبقها وما تلاها تدخل كلها صراحة في طلبات الطاعن أمام محكمة الموضوع منذ تاريخ رفع الدعوى وليس في القانون ما يجعل للدعوى المقامة بين نفس الخصوم أمام محكمة الوايلي أي أثر على الدعوى الماثلة أو طلباته فيها أو سلطة محكمة الموضوع بشأنها، وإذ كان طلبه الأصلي هو وقف سريان العقد، وكان سقوط الحق في الأجرة والكف عن المطالبة بها حتى يعود الانتفاع بالعين المؤجرة كاملاً واسترداد ما دفع منها بغير حق ودون أن يقابله انتفاع يتفرع عن هذا الطلب الأصلي، وكانت التزامات المستأجر لا تقتصر على دفع الأجرة، كما وأن التزامات المؤجر لا تنتهي ولا تتوقف بمجرد الفصل في طلب التعويض، فإن رفض طلب وقف سريان العقد وما تفرع عنه ينطوي على خلط بين الفسخ وبين وقف التزامات الطاعن مع بقاء التزامات المطعون عليه.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه بعد أن أورد ما أثبته خبير دعوى إثبات الحالة أقام قضاءه على قوله: "وحيث إن هذا الذي قرره الخبير من شأنه ألا يأمن المستأجر على ماله أو نفسه إن شغل العين المؤجرة وهي على هذا الحال، الأمر الذي ترى معه المحكمة أن انتفاع المستأنف بعين النزاع بعد تعرض المستأنف عليه له في تلك العين أصبح في حكم المعدوم ما دام هذا الانتفاع قد تجرد من الأمان على النفس والمال.... وقد تأيد هذا النظر بالحكم رقم 515 لسنة 1959 الوايلي الصادر بين الطرفين، والذي قضى بعدم أحقية المستأنف عليه لأجرة شقة النزاع في مدة لاحقة لذات السبب وقد أصبح الحكم المذكور نهائياً حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه، وقد قدم المستأنف صورة ذلك الحكم والتي لم يجحدها المستأنف عليه، وأنه على هدي ما تقدم فإنه يتعين إجابة المستأنف إلى طلب رد مبلغ الـ 89 ج و115 م المدفوعة منه والتي لم ينازع في مقدارها المستأنف عليه، وهي تشمل مجموع الأجرة في المدة من 1/ 8/ 1956 حتى 31/ 8/ 1957 بواقع 6 ج و855 م شهرياً، وأنه عن طلبي وقف سريان عقد الإيجار فيما يتعلق بالتزامات المستأنف دون المستأنف عليه من تاريخ التعرض وإلزامه بالكف عن المطالبة بها فإن الطلبين يندرجان تحت طلب رد ما حصل من الأجرة منذ بدأ التعرض حتى 31/ 8/ 1957، ذلك أنه وقد انتهت المحكمة إلى عدم أحقية المؤجر في اقتضاء الأجرة من تاريخ التعرض فإنما يقتضى ذلك بطريق اللزوم وقف سريان عقد الإيجار بالنسبة لالتزامات المستأجر، وهذه الالتزامات هي دفع الأجرة التي تقرر عدم أحقية المؤجر لها في المدة المشار إليها.... هذا بالإضافة إلى أن مبلغ الأجرة عن المدة التالية والتي تبدأ من 1/ 9/ 1957 حتى 28/ 8/ 1959 فإن المطالبة بها موضوع دعوى أخرى أمام محكمة الوايلي وليست محل طلب لدى محكمة أول درجة، مما لا يصح معه طلب إلزام المؤجر بالكف عن المطالبة بالأجرة على إطلاقه وفي جميع المدة ما دام بعض هذه الأجرة محل نظر محكمة أخرى" وهذا الذي قرره الحكم وإن تضمن في شطره الأول القضاء بوقف سريان عقد الإيجار بالنسبة لالتزام الطاعن بدفع الأجرة منذ بدأ التعرض حتى 31/ 8/ 1957، وإلا أن ما أورده بشطره الأخير ينطوي على خطأ في فهم الواقع في الدعوى وفي تطبيق القانون، ذلك أنه لما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن قد طلب من محكمة أول درجة الحكم له بوقف سريان عقد الإيجار المؤرخ 29/ 6/ 1936 الصادر عن الشقة المؤجرة له فيما يتعلق بالتزاماته وحدها وبسقوط حق المطعون عليه في الأجرة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1956 فإن طلبه هذا ينصرف إلى المدة التالية للتاريخ المذكور ومنها الفترة من 1/ 9/ 1957 حتى 28/ 2/ 1959، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن أجرة هذه المدة لم تكن محل طلب أمام محكمة أول درجة، فإنه يكون قد أخطأ في فهم الواقع في الدعوى. لما كان ذلك، وكان رفع الدعوى بوقف سريان العقد وبسقوط حق المطعون عليه في أجرة المدة المذكورة أمام محكمة الوايلي لا يمنع المحكمة من الفصل في ذات الطلب، ما دام قد رفع إليها ولم يتمسك أحد من الخصوم بالدفع بإحالة الدعوى بشأنه إلى المحكمة المذكورة لقيام ذات النزاع أمامها، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وأعرض عن الفصل في طلب وقف سريان عقد الإيجار في المدة المذكورة وسقوط حق المؤجر في الأجرة خلالها لقيام النزاع بشأنها أمام محكمة الوايلي، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن الطعن للمرة الثانية.
لذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه في خصوص السبب الأول وألزمت المطعون عليه بنصف مصروفات الطعن وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة وحددت جلسة 18/ 10/ 1973 لنظر الموضوع وعلى قلم الكتاب ضم المفردات وإخطار الخصوم.
ساحة النقاش