جمع العامل بين حقه في التعويض قبل هيئة التأمينات وبين حقه في التعويض قبل المسئولية عن الفعل الضار جائز.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 117
جلسة 3 من فبراير سنة 1975
برئاسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم أحمد الديواني، وحسن علي المغربي، وعثمان مهران الزيني، وعادل برهان نور.
(27)
الطعن رقم 1507 لسنة 44 القضائية
(1) مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. محكمة الموضوع."سلطتها في تقدير الدليل". نقض."أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
تقرير الخطأ الموجب للمسئولية الجنائية أو المدنية موضوعي. عدم جواز المجادلة فيه أمام محكمة النقض.
(2) دفاع."الإخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". اجراءات المحاكمة. الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه؟.
(3) مسئولية جنائية. خطأ.
الخطأ المشترك. عدم رفعه مسئولية الجاني. ما لم يترتب عليه انتفاء أحد أركان الجريمة.
(4) مسئولية جنائية. خطأ. ضرر. محكمة الموضوع."سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام".
خطأ المضرور. عدم نفيه مسئولية المسئول. ما لم يكن هو العامل الأول في إحداث الضرر. وأن يستغرق خطأ المسئول. تقدير ذلك. موضوعي.
(5) تأمينات اجتماعية. عمل. مسئولية مدنية. تعويض. قانون."تفسيره". قتل خطأ.
تنفيذ هيئة التأمينات الاجتماعية التزاماتها. الخاصة بتأمين إصابات العمل. عدم إخلاله بحقوق المؤمن له قبل المسئول. المادة 41 من القانون رقم 63 لسنة 1964.
(6) مسئولية مدنية. تأمينات اجتماعية. عمل. نقض."أسباب الطعن ما لا يقبل".
مسئولية المتبوع عن تابعه. ليست ذاتيه. هي في حكم مسئولية الكفيل المتضامن. مصدرها القانون.
المادة 42 من القانون رقم 63 لسنة 1964. مجال إعمالها: مسئولية رب العمل الذاتية. لا بوصفه متبوعا.
(7) تأمينات اجتماعية. عمل. تعويض. مسئولية مدنية. حكم."تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جمع العامل. بين حقه في التعويض قبل هيئة التأمينات. وبين حقه في التعويض قبل المسئولية عن الفعل الضار. جائز. مثال.
1- إن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا أو مدنيا مما يتعلق بموضوع الدعوى وتفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق ولما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بحسب ما اطمأنت إليه عقيدة المحكمة واستقر في وجدانها ودلل على وقوع الخطأ في حق المتهمين الطاعنين تدليلا سائغا واستظهر في منطق سليم رابطة السببية بين هذا الخطأ والضرر الذي أصاب المجني عليهم وأحاط بعناصر جريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين دان المتهمين الطاعنين بهما فإن ما يثيره الطاعنون في هذه الأوجه من مناقشة للأدلة لا يكون له محل، إذ هو لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض.
2- لما كان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الصريح الجازم الذي يصر عليه مقدمه في طلباته الختامية، وكان لا يبين من محضر جلسة المرافعة الأخيرة إن الدفاع عن الطاعنين أصر في طلباته الختامية على طلب إجراء تحقيق في الدعوى فإن ما يرمون به الحكم من قاله الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل.
3- من المقرر أن الخطأ المشترك في نطاق المسئولية الجنائية - بفرض قيامه - لا يخلى المتهم من المسئولية، ما دام هذا الخطأ لا يترتب عليه انتفاء أحد الأركان القانونية لجريمتي القتل والإصابة الخطأ المنسوبتين إلى المتهم، ولما كان الثابت من مراجعة الأوراق أن الأدلة التي حصلها الحكم في الإدانة ترتد إلى اصول ثابتة في التحقيقات ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فقد انحسرت عنه قالة الخطأ في الإسناد. ولما كان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه، قد أثبت بأدلة سائغة توافر الخطأ في جانب المتهمين، وأحاط بعناصر جريمتي القتل الخطأ اللتين دانهم بهما فإنه بفرض منازعة المجني عليهم أو مصمم هيكل الإعلان لثمة خطأ فإن ذلك لا يسقط مسئولية المتهمين.
4- الأصل أن خطأ المضرور ذاته لا يرفع مسئولية المسئول ولا يعفي المسئول استثناء من هذا الأصل إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه المجني عليه وأنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول، ولما كان البين مما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى أن "...... قد أصيب بالإصابة الموصوفة بالتقارير الطبية نتيجة سقوط أحد العمال المجني عليهم فوقها"، وكان هذا الذي أورده الحكم ثابتا في بلاغ الحادث وفي أقوال المجني عليها في التحقيقات، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه وأن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة متى اطمأنت إليها دون أن تبين العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضوع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل ثابت فيها، فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن لا يكون له محل.
5- نص المادة 41 من القانون رقم 63 لسنة 1964 بشأن التأمينات الاجتماعية قد جرى بأن "تلتزم الهيئة بتنفيذ أحكام هذا الباب حتى ولو كانت الإصابة تقتضي مسئولية شخص آخر خلاف صاحب العمل ولا يخل ذلك بما يكون للمؤمن عليه من حق قبل الشخص المسئول"، ولما كان مقتضى ذلك أن تنفيذ الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية لالتزامها المنصوص عليه في الباب الرابع في تأمين إصابة العمل لا يخل بما يكون للمؤمن له - العامل أو ورثته - من حق قبل الشخص المسئول فإن الحكم إذ قضى بالحق قبل العمال الذين دانهم بجريمة القتل الخطأ يكون سديداً في القانون.
6- تنص المادة 174 من القانون المدني على أن المتبوع يكون مسئولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه حال تأدية وظيفته أو بسببها، وكانت مسئولية المتبوع عن تابعه ليست مسئولية ذاتية وإنما هي في حكم مسئولية الكفيل المتضامن وكفالته ليس مصدرها العقد وإنما مصدرها القانون، فإنه لا يجدي التحدي في هذه الحالة بنص المادة 42 من القانون رقم 63 لسنة 1964 والتي لا تجيز للمصاب فيما يتعلق بإصابات العمل أن يتمسك ضد الهيئة بأحكام أي قانون آخر ولا يجيز له ذلك أيضا بالنسبة لصاحب العمل إلا إذا كانت الإصابة قد نشأت عن خطأ جسيم، وذلك أن مجال تطبيق هذه المادة هو عند بحث مسئولية رب العمل الذاتية، لما كان ذلك، وكان الحكم قد التزم هذا النظر، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الشأن يكون غير سديد.
7- إن العامل إنما يقتضي حقه في التعويض من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في مقابل الاشتراكات التي شارك هو ورب العمل في دفعها بينما يتقاضى حقه في التعويض قبل المسئول عن الفعل الضار بسبب الخطأ الذي ارتكبه المسئول فليس ثمة ما يمنع من الجمع بين الحقين ولا يعيب الحكم التفاته عن الرد على ما دفع به الطاعنون من أن ما تقاضته المجني عليها - في جريمة الإصابة الخطأ - من هيئة التأمينات الاجتماعية له أثره في تقدير التعويض قبلهم، وذلك لما هو مقرر من أن الدفاع القانوني ظاهر البطلان لا يستأهل ردا.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم بدائرة قسم قصر النيل. (أولا): تسيب كل منهم بغير قصد ولا تعمد في موت...... و.... و..... و.... و...... وكان ذلك ناشئا عن إهمالهم وعدم احترازهم وإخلالهم إخلالا جسيما بما تفرضه عليهم أصول مهنتهم بأن لم يراعوا أصول هذه المهنة في تشييد هيكل الإعلان المنوط بهم تشييده فوق سطح العقار رقم 9 ميدان التحرير وذلك بأن لم يعملوا الصلبات والشدات اللازمة لصلب هيكل الإعلان وتزويده بمقاومة تمنع من سقوط بسبب الرياح مما أدى إلى سقوطه والعمال الخمسة المبينة أسماؤهم فيما سبق وسقطوا جميعا واصيبوا مما أودى بحياتهم (ثانيا) تسببوا بغير قصد ولا تعمد في إصابة...... بالإصابات المشار إليها بالتحقيقات وكان ذلك ناشئا عن عدم احترازهم وإهمالهم على النحو المبين آنفا مما أدى إلى سقوط أحد العمال المتوفين فوق المجني عليها أثناء سيرها بالطريق فأصيبت بما أثبته التقرير الطبي المشار إليه بالتحقيقات، وطلبت معاقبتهم بالمادتين 238/ 1- 2 - 3 و244/ 1من قانون العقوبات. وادعت كل من......... عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم.......، و ....... عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر،......... عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم........ قبل المتهمين ومؤسسة دار التحرير للطبع والنشر بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات، كما ادعت......... مدنيا قبل المتهمين والمؤسسة المذكورة متضامنين بمبلغ عشر آلاف جنيه والمصروفات والأتعاب. ومحكمة جنح قصر النيل الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام.
(أولا) بتغريم كل من المتهمين مائة جنيه. (ثانيا) بإلزام المتهمين متضامنين مع المسئول بالحقوق المدنية بأن يدفعوا إلى......... عن نفسها وبصفتها مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة،...... عن نفسها وبصفتها مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة و ......... الدولة عن نفسها وبصفتها مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة و...... مبلغ آلاف خمسة جنيه والمصروفات ومبلغ عشرين جنيها مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهمون والمسئولة عن الحقوق المدنية هذا الحكم كما استأنفته المدعية بالحقوق المدنية.......، ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للتعويض المقتضى به للمدعية بالحقوق المدنية........... إلى مبلغ ألفي جنيه وتأييده فيما عدا ذلك. فطعن الأستاذ...... نيابة عن المحكوم عليهم وعن المسئولة عن الحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض، وبتاريخ 27 مايو سنة 1973 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت في الدعوى حضورياً من جديد بقبول استئناف المتهمين والمدعية بالحقوق المدنية ومن المسئول عن الحقوق المدنية شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الجنائية وفي الدعوى المدنية بتعديله إلى مبلغ ألفين من الجنيهات وتأييده بالنسبة لباقي المدعين بالحقوق المدنية بإلزام المتهمين والمسئول عن الحقوق المدنية بالمصروفات المدنية. فطعن الأستاذ............ عن المحكوم عليه والمسئولة عن الحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الأوجه الأربعة الأولى والشق الأول من الوجه السادس من كلا الطعنين هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان المتهمين بجريمة القتل والإصابة الخطأ وقضى بإلزامهم والمسئولة عن الحق المدني متضامنين بالتعويض قد شابه الفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد وانطوى على قصور وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه استدل على قيام الخطأ في جانب المتهمين من عدم قيامهم بصلب هيكل الإعلان أو شده بالصلبات والشدات الكافية ودلل على ذلك بخلو المعاينة التي تضمنها كل من محضري جمع الاستدلالات وتحقيق النيابة مما يشير إلى وجود أية حبل تشد جسم الهيكل في حين أنه لا يتصور خلو مكان الحادث من وجود حبال سليمة أو مقطوعة إذ أنها تستعمل دائما في رفع أجزاء الهيكل وكانت السقالات مربوطة بها كما أن عدم التفات المحقق إلى وجود الحبال لا يفيد عدم وجودها، وفضلا عن ذلك فإن اللجنة التي قرر أحد أعضائها بعدم وجود الحبال لم تنتقل لإجراء المعاينة إلا بعد نحو أسبوع من وقوع الحادث وبعد إزالة الإعلان، كما أن عضوا آخر من أعضائها قرر بأنه قد تكون هناك حبال ولكنها غير كافية، وقد ثبت من أحد التقارير المقدمة وجود حبلين في مكان الحادث هذا بالإضافة إلى أن المتهمين طلبوا سماع أقوال رجال سلاح المهندسين والمطافئ في هذا الشأن إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وأخلت بذلك بحقهم في الدفاع، كما أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بإدانة المتهم الأول على أساس أنه باعتباره رئيس العمال هو الذي كان يتولى وضع الشدات والصلبات وتحديد مكانها وأن ذلك يتطلب قدرا من علم أو مؤهلات أو دراية فنية وخاصة أنه كان يتعين أن يطلب من المواد والحبال ما يكفي لصلب الإعلان، في حين أنه على العكس من ذلك فإن التنفيذ يتطلب خبرة فنية خاصة وإشرافا مستمرا من المهندس الذي قام بتصميم الهيكل عند التنفيذ، كما أنه ليس هناك ما يدل على أن المتهم الاول انفرد بتقدير الحاجة إلى الشدات أو تحديد مكانها وأن المتهمين الآخرين قد شاركاه في ذلك، كما أن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى توافر الخطأ من جانب المتهمين في حين أن المجني عليهم هم المسئولون عن الحادث وقد اعتلوا الهيكل وهم على بينة من درجة تحمله، هذا فضلا عن أن الحكم عول إثبات مسئولية المتهمين عن الحادث على أن لهم على باقي العمال إشرافا فنيا في العمل في حين أن الأوراق لا تكشف عن ذلك إذ أن جميع العمال يقومون بالعمل سويا ولم تسفر التحقيقات عمن قام بشد الحبال أو اكتفي بصلب البرج على قواعده، ولم يورد الحكم بشأن كيفية إصابة....... إلا قوله أن أحد المجني عليهم سقط فوقها دون أن يشير إلى مأخذ ذلك من الأوراق.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قد استظهر ركن الخطأ وأثبته في حق المتهمين بقوله "وحيث إن السبب المباشر للنتيجة المعاقب عليها على ما تستخلصه المحكمة من التحقيقات وسائر أوراق الدعوى هو عدم صلب هيكل الإعلان أو شده بالصلبات والشدات الكافية لتحمل كافة ما يقع عليه من جهد سواء نتيجة العمل في تركيبه كضغط العمال القائمين بالتركيب عليه أو نتيجة اشتداد سرعة الرياح المفاجئ وذلك لأن وقوع جهد على توازن الهيكل أثناء تركيبه أمر مستفاد بطريق اللزوم العقلي من ناحية ضخامة الهيكل بالنسبة لأطواله وأوزانه وبالمثل بالنسبة للجهد الناجم عن حركة العمال أثناء التركيب وفي رفع أجزائه إلى أعلا وفي تثبيتها وهبوب الرياح أمر متوقع في وقت طالما أنه لم يصل إلى القوة القاهرة وهذا السبب أي عدم صلب الإعلان ثابت من جملة أدلة أولها خلو المعاينة التي تضمنها محضر جمع الاستدلالات فور الحادث من الإشارة إلى وجود أية جنازير حديد أو حبال تشد جسم الهيكل سواء الجزء الماثل على سطح العمارة بمستواه أو الجزء الأعلى المتدلي على واجهة العمارة تشده إلى أي جزء ثابت على سطح العمارة وكذلك جاءت المعاينة التي أجرتها النيابة خالية من أية إشارة تفيد ذلك في حين أنه لم يفت كل من المعاينتين إثبات ما هو أقل من ذلك أهمية من ماديات ولو وجد مثل ذلك الحبل الذي قال المتهم الأول أنه كان يشد به الجزء الأوسط من الهيكل إلى برج المصعد ولو وجدت عدة حبال كما يقول المتهم الأول تشد جسم الهيكل إلى أجزاء ثابتة في العمارة لما فات على أي من المعاينتين وقد تمتا فور الحادث ولم يكن سلاح المهندسين قد بدأ رفع الهيكل أن تشير إليه وقد أشارتا إلى تفاصيل ليس لها ما لهذه المادية من قوة في لفت النظر ولو أغفلته إحدى المعاينتين لما فات على الأخرى أن تستدركه، وثانيها أقوال الشاهد...... وهو الترزي الذي كان يجلس طوال الوقت على سطح العمارة حيث يقطن يراقب العملية من أولها وشهادته بأنه لم ير حبالا تشد هيكل الإعلان إلى سطح العمارة شهادة توليها المحكمة ثقتها وذلك لأن رؤيته لمثل هذه الحبال خاصة إذا ما كانت متعددة وذات سمك كبير أمر غير عادى من الأمور التي تستلفت النظر لمقيم بسطح العمارة خاصة إذا كان يراقبها أثناء عمله ولمدة طويلة استمرت شهراً كما قرر المتهمون وأخيرا فإن ما ثبت بتقرير اللجنة الفنية المشكلة بمعرفة محافظة القاهرة وما قرره المهندسان...... مدير الإدارة الهندسية بغرب القاهرة و...... وكيل مراقبة التصميمات بمحافظة القاهرة وقد سبق أن أشارت إليها المحكمة بالتفصيل يقطع بأن هيكل الإعلان وكان في مرحلة التركيب لم يستعمل لاتزانه وصلبه صلبات خشبية أو حديدية أو شدادات من الحبال مع لزومها، وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم، فإن جريمة القتل الخطأ والإصابة الخطأ أركانها الخطأ والضرر ورابطة السببية ولمحكمة الموضوع الفصل في تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه وثبوت رابطة السببية بينه والنتيجة المعاقب عليها فترى المحكمة أن المسئولية في هذا الخطأ وهو عدم صلب هيكل الإعلان عند تركيبه بالصلبات أو الشدات اللازمة هي مسئولية المتهمين الثلاثة ذلك أن الثابت في تحديد العمل الذي يقوم به عادة والذي قام به فعلاً كل منهم أن أولهم هو رئيس العمال يتولى توجيهيهم وإن كان يعاونهم كذلك وذلك ثابت من أقواله وأقوال باقي موظفي الشركة وأقوال المتهمين الآخرين وهو لذلك الذي يتولى وضع الشدات والصلبات وتحديد مكان وضعها يملك أن يطلب من الحبال ما يكفي لصلب هيكل الإعلان وجعله في حالة اتزان وليس في هذا الأمر ما يستلزم قدراً من علم أو مؤهلات أو درايات فنية خاصة بل يكفي فيه مجرد الخبرة وملكة التقدير بل أن في مقدوره أن يستزيد منها لا بالقدر الكافي فقط بل بما فوقه لزيادة الاحتياط وطالما أنه يملك ذلك بل ويملك أيضاً أن يستبدل من الحبال ما هو جديد بما يبلى منها فإن المسؤولية تقع عليه فيما ثبت أنه سبب الحادث وثبت من ذلك أنه ارتكب جريمة خطأ هو إقدامه على تركيب الإعلان بواسطة العمال العاملين تحت أمره دون صلبه وشده على النحو السالف وبالمثل بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث فقد ارتكبا نفس الخطأ لما هو ثابت من أقوالهما وأقوال باقي موظفي الشركة من أنها كانا يشرفان على المتهم الأول ويمران عليه لتوجيهه وأن كلا منها يملك وقف العمل إذا لم يرض عن أوضاعه وهو ما يفيد المشاركة في الإشراف وبالتالي في الخطأ". لما كان ذلك، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا أو مدنيا مما يتعلق بموضوع الدعوى وتفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بحسب ما اطمأنت إليه عقيدة المحكمة واستقر في وجدانها، ودلل على وقوع الخطأ في حق المتهمين الطاعنين تدليلا سائغا واستظهر في منطق سليم رابطة السببية بين هذا الخطأ والضرر الذي أصاب المجني عليهم وأحاط بعناصر جريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين دان المتهمين الطاعنين بهما، فإن ما يثيره الطاعنون في هذه الأوجه من مناقشة للأدلة لا يكون له محل، إذ هو لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعي في تقدير المحكمة لادلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض. ولما كانت المحكمة قد حققت شفوية المرافعة، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو بالرد عليه هو الطلب الصريح الجازم الذي يصر عليه مقدمه في طلباته الختامية، وكان لا يبين من محضر جلسة المرافعة الأخيرة أن الدفاع عن الطاعنين أصر في طلباته الختامية على طلب إجراء تحقيق في الدعوى فإن ما يرمون به الحكم من قالة الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة الأوراق أن الأدلة التي حصلها الحكم وعول عليها في الإدانة ترتد إلى أصول ثابتة في التحقيقات ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فقد انحسرت عنه قاله الخطأ في الإسناد. ولما كان الحكم المطعون فيه- على ما سلف بيانه- قد أثبت بأدلة سائغة توافر الخطأ في جانب المتهمين، وأحاط بعناصر جريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين دانهم بهما فإنه بفرض مقارفة المجني عليهم أو مصمم هيكل الإعلان لثمة خطأ فإن ذلك لا يسقط مسئولية المتهمين، ذلك بأنه من المقرر أن الخطأ المشترك في نطاق المسئولية الجنائية - بفرض قيامه - لا يخلى المتهم من المسئولية، ما دام هذا الخطأ لا يترتب عليه انتفاء أحد الأركان القانونية لجريمتي القتل والإصابة الخطأ المنسوبتين إلى المتهم والأصل أن خطأ المضرور ذاته لا يرفع مسئولية المسئول ولا يعفي المسئول استثناء من هذا الأصل إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصاب المجني عليه وأنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول، ولما كان البين مما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى أن "............ قد أصيبت بالإصابة الموصوفة بالتقارير الطبية نتيجة سقوط أحد العمال المجني عليهم فوقها"، وكان هذا الذي أورده الحكم ثابتا في بلاغ الحادث وفي أقوال المجني عليها في التحقيقات، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه وأن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة متى اطمأنت إليها دون أن تبين العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل ثابت فيها، فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس والشق الثاني من الوجه السادس من كلا الطعنين هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور، ذلك بأنه قضى بإلزام المتهمين والمسئولة عن الحقوق المدنية بأن يؤدوا تعويضا لورثة العمال الذين توفوا من جراء الحادث طبقا للقواعد العامة في المسئولية رغم ما تمسكوا به مما نص عليه في المادة 42 من قانون التأمينات الاجتماعية من عدم جواز التمسك قبل صاحب العمل بأحكام أي قانون آخر إلا في حالة الخطأ الجسيم ولا يغير من ذلك أن يكون الأساس في رجوع الورثة بالتعويض على المسئولة هو مسئوليتها عن أفعال تابعيها ذلك أنها هي رب العمل والتعويض مطالب به عن إصابة عمل. كما أن الحكم قد التفت عما دفع به المتهمون والمسئولة عن الحقوق المدنية من آن ما أدته الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية للمجني عليها في جريمة الإصابة الخطأ "......... " من تعويض عن إصابتها باعتبارها إصابة عمل له أثره في تقدير التعويض فلم يرد على هذا الدفاع رغم ما له من أثر على أساس تقدير التعويض.
وحيث إنه لما كان نص المادة 41 من القانون رقم 63 لسنة 1964 بشأن التأمينات الاجتماعية قد جرى بأن "تلتزم الهيئة بتنفيذ أحكام هذا الباب حتى ولو كانت الإصابة تقتضي مسئولية شخص آخر خلاف صاحب العمل ولا يخل ذلك بما يكون للمؤمن عليه من حق قبل الشخص المسئول"، وكان مقتضى ذلك أن تنفيذ الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية لالتزامها المنصوص عليه في الباب الرابع في تأمين إصابات العمل لا يخل بما يكون للمؤمن له - العامل أو ورثته - من حق قبل الشخص المسئول فإن الحكم إذ قضى بالحق قبل العمال الذين دانهم بجريمة القتل الخطأ يكون سديدا في القانون. ولما كانت المادة 174 من القانون المدني قد نصت على أن المتبوع يكون مسئولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه حال تأدية وظيفته أو بسببها، وكانت مسئولية المتبوع عن تابعه ليست مسئولية ذاتية وإنما هي في حكم مسئولية الكفيل المتضامن وكفالته ليس مصدرها العقد وإنما مصدرها القانون، فإنه لا يجدي التحدي في هذه الحالة بنص المادة 42 من القانون رقم 63 لسنة 1964 والتي لا تجيز للمصاب فيما يتعلق بإصابات العمل آن يتمسك ضد الهيئة بأحكام أي قانون آخر ولا يجيز له ذلك أيضا بالنسبة لصاحب العمل إلا إذا كانت الإصابة قد نشأت عن خطأ جسيم، ذلك أن مجال تطبيق هذه المادة هو عند بحث مسئولية رب العمل الذاتية، لما كان ذلك وكان الحكم قد التزم هذا النظر، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الشأن يكون غير سديد. ولما كان العامل إنما يقتضي حقه في التعويض من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في مقابل الاشتراكات التي شارك هو ورب العمل في دفعها بينما يتقاضى حقه في التعويض قبل المسئول عن الفعل الضار بسبب الخطأ الذي ارتكبه المسئول فليس ثمة ما يمنع من الجمع بين الحقين ولا يعيب الحكم التفاته عن الرد على ما دافع به الطاعنون من أن ما تقاضته المجني عليها - في جريمة الإصابة الخطأ - من هيئة التأمينات الاجتماعية له أثره في تقدير التعويض قبلهم، وذلك لما هو مقرر من أن الدفاع القانوني ظاهر البطلان لا يستأهل ردا.
وحيث إنه لما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام المسؤولة عن الحقوق المدنية المصاريف المدنية.
ساحة النقاش