تحديد مسئولية الناقل البحري في معاهدة بروكسل في حالة عدم بيان جنس البضاعة وقيمتها في سند الشحن. اعتباره حداً أقصى لما يمكن أن يحكم به وحداً أدنى لما يمكن الاتفاق عليه. جواز الاتفاق على تشديد المسئولية. الاتفاق على حد أقصى للمسئولية يقل عن حدها القانوني في المعاهدة. باطل بطلاناً مطلقاً. وجوب تقدير التعويض عندئذ وفقاً للقواعد العامة.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 26 - صـ 1078
جلسة 26 من مايو سنة 1975
برئاسة السيد المستشار محمود العمراوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فتحي مرسي، ومصطفى سليم، وأحمد سيف الدين سابق، وفاروق سيف النصر.
(206)
الطعن رقم 569 لسنة 40 القضائية
(1) نقض "أسباب الطعن".
تعلق وجه النعي بسبب قانوني كانت عناصره الواقعية مطروحة أمام محكمة الموضوع. جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(2) تعويض "عناصر الضرر". نقض "رقابة محكمة النقض". محكمة الموضوع.
تقدير التعويض. مسألة واقع. تعيين عناصر الضرر. مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.
(3) نقل بحري. معاهدات. مسئولية.
معاهدة بروكسل لسندات الشحن. وجوب إعمال ما ورد بها من أحكام خاصة بالتحديد القانوني لمسئولية الناقل البحري. لا عبرة بمخالفتها لما هو مقرر بشأن التحديد الاتفاقي للمسئولية.
(4) نقل بحري. معاهدات. تعويض. بطلان.
تحديد مسئولية الناقل البحري في معاهدة بروكسل في حالة عدم بيان جنس البضاعة وقيمتها في سند الشحن. اعتباره حداً أقصى لما يمكن أن يحكم به وحداً أدنى لما يمكن الاتفاق عليه. جواز الاتفاق على تشديد المسئولية. الاتفاق على حد أقصى للمسئولية يقل عن حدها القانوني في المعاهدة. باطل بطلاناً مطلقاً. وجوب تقدير التعويض عندئذ وفقاً للقواعد العامة.
(5) نقل بحري. تعويض "تقدير التعويض".
التعويض عن هلاك البضاعة أو فقدها. وجوب تقديره بمقدار ثمن بيعها في ميناء الوصول بالسوق الحرة. علة ذلك.
1 - لئن كان وجه النعي لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع، إلا أنه متعلق بسبب قانوني كانت عناصره الواقعية مطروحة عليها - كما يبين من الحكم المطعون فيه - ومن ثم تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - إنه وإن كان تقدير التعويض عن الضرر من المسائل الواقعية التي يستقل بها قاضي الموضوع إلا أن تعيين عناصر الضرر التي يجب أن تدخل في حساب التعويض هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض.
3 - متى كانت معاهدة سندات الشحن الصادر بها مرسوم بقانون في 31/ 1/ 1944 هي القانون المتعين التطبيق على النزاع، فقد وجب إعمال ما ورد بهذا التشريع من أحكام خاصة بالتحديد القانوني للمسئولية بصرف النظر عما في هذه الأحكام من مغايرة لما هو مقرر في شأن التحديد الاتفاقي للمسئولية.
4 - مؤدى نص المادتين 3/ 8، 4/ 5 من معاهدة سندات الشحن الصادر بها مرسوم بقانون في 31/ 1/ 1944 أن التحديد القانوني لمسئولية الناقل البحري الذي نصت عليه المعاهدة - في حالة عدم بيان جنس البضاعة أو قيمتها في سند الشحن - يعتبر حداً أقصى للمسئولية القانونية لما يمكن أن يحكم به، وحداً أدنى للمسئولية الاتفاقية بالنظر إلى ما يمكن الاتفاق عليه. وأنه وإن كان يصح الاتفاق على تشديد مسئولية الناقل عن الحد القانوني المنصوص عليه في المعاهدة - وهو مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة - إلا أن الاتفاق على تخفيف مسئوليته والنزول بها بحيث يكون الحد الأقصى لها أقل من الحد القانوني المنصوص عليه فيها يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا أثر له وبالتالي ينفتح المجال لتقدير التعويض وفقاً للقواعد العامة الواردة في القانون المدني في شأن المسئولية التعاقدية بصفة عامة على ألا يجاوز التعويض المقضى به الحد الأقصى المقرر في المعاهدة في حالة عدم بيان جنس البضاعة وقيمتها في سند الشحن.
5 - تقضي المادة 221 من القانون المدني بأن يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، ومقتضى ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن الناقل يكون مسئولاً عن هلاك البضاعة أو فقدها أثناء الرحلة البحرية بمقدار الثمن الذي ينتج من بيعها في ميناء الوصول بالسوق الحرة التي تخضع لقواعد العرض والطلب، لأن هذا الثمن هو الذي يمثل الخسارة التي لحقت صاحبها والكسب الذي فاته إذا كان البيع في ميناء الوصول يزيد على ثمن شرائها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن وزارة التموين الطاعنة أقامت على شركة رشيد للملاحة بصفتها وكيلة عن ملاك الباخرة "انديان شيير" الدعوى رقم 1115 لسنة 1959 تجاري كلي الإسكندرية وانتهت فيها إلى طلب الحكم بإلزامها بأن تدفع لها مبلغ 652 جنيه و808 مليم وفوائده القانونية وقالت بياناً لدعواها إنها استوردت كمية من الشاي الهندي وشحنتها على الباخرة المذكورة وقد تبين عند وصولها إلى ميناء الوصول ببور سعيد في 29/ 7/ 1958 وتفريغ حمولتها أن بها عجزاً قدره 633 جنيه و872 مليماً، ولما كانت شركة رشيد للملاحة هي الناقلة للبضاعة والمسئولة عن هذا العجز الذي يقدر بسعر البيع في ميناء الوصول بواقع 908 مليماً للكيلو من الشاي، فقد أقامت دعواها بطلب المبلغ السابق بيانه مقابل التعويض المستحق لها عن هذا العجز.
وفي 16/ 12/ 1962 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليها بصفتها بأن تدفع للمدعية (الطاعنة) مبلغ 593 جنيه و462 مليماً وفوائده القانونية. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم باعتبارها الشركة الدامجة لشركة رشيد للملاحة وقيد استئنافها برقم 92 سنة 19 ق تجاري الإسكندرية، وفي 10/ 2/ 1965، قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف بإلزام المطعون ضدها بأن تدفع للطاعنة مبلغ 208 جنيه 247 مليماً، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 241 سنة 35 ق وبتاريخ 17/ 4/ 1969 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية وبعد تعجيلها حكمت المحكمة بتاريخ 30/ 4/ 1970 في موضوع الاستئناف بتعديل الحكم إلى إلزام المطعون ضدها بأن تدفع للطاعنة مبلغ 210 جنيه و629 مليماً. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت المطعون ضدها مذكرة دفعت فيها بأن ما تثيره الطاعنة في سبب الطعن غير مقبول لأنه لم يسبق لها التمسك به أمام محكمة الموضوع فلا يجوز لها التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض وطلبت رفض الطعن، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وعرض الطعن على غرفة المشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة في الوجه الأول من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه أنه قدر التعويض المستحق عن العجز في البضاعة على أساس سعرها حسب فاتورة الشراء استناداً إلى اتفاق الطرفين على ذلك بالبند 25 من سند الشحن وهو من الحكم مخالفة للقانون وخطأ في تطبيقه، ذلك أن معاهدة سندات الشحن المنطبقة على النزاع قد حددت في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة منها الحد الأدنى لمسئولية الناقل البحري بمبلغ مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة ما دام الشاحن لم يبين جنس البضاعة وقيمتها في سند الشحن، وجعلت هذا التحديد من النظام العام بحيث لا يجوز الاتفاق على أقل منه ومن ثم يكون باطلاً كل اتفاق من شأنه تخفيف مسئولية الناقل عن الحد المقرر في المعاهدة وهو ما أكدته الفقرة الثامنة من المادة الثالثة منها، ولما كان مفاد البند 25 من سند الشحن اتفاق الطرفين على أن يحتسب التعويض الذي تلتزم به المطعون ضدها على أساس قيمة العجز في رسالة الشاي بسعره حسب فاتورة الشراء أو بمائة جنيه عن كل طرد أيهما أقل، فإن هذا الشرط يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا أثر له - لأنه يقل عن الحد القانوني المقرر في المعاهدة - ويجوز للطاعنة أن تتمسك بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أغفل القضاء ببطلان هذا الشرط واقتصر على تقدير التعويض عن العجز في الرسالة على أساس سعر شراء الشاي في ميناء الشحن ولم يدخل في حسابه الربح الذي ضاع على الطاعنة بسبب ارتفاع سعره في ميناء الوصول عن سعر الشراء، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن ما تنعاه الطاعنة بهذا الوجه وإن كان لم يسبق لها التمسك به أمام محكمة الموضوع إلا أنه متعلق بسبب قانوني كانت عناصره الواقعية مطروحة عليها - كما يبين من الحكم المطعون فيه، ومن ثم تجوز إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضائه بصدد تقدير التعويض الذي تستحقه الطاعنة عن العجز الذي وجد في رسالة الشاي بسعر شرائه إعمالاً لاتفاق الطرفين بالبند 25 من سند الشحن على تقدير التعويض حسب فاتورة الشراء، واستناداً إلى أنه اتفاق صحيح وفقاً للمادتين 221، 223 من القانون المدني، وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه بتقدير التعويض غير صحيح في القانون، ذلك أنه وإن كان تقدير التعويض عن الضرر من المسائل الواقعية التي يستقل بها قاضي الموضوع إلا أن تعيين عناصر الضرر التي يجب أن تدخل في حساب التعويض هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض. ولما كانت معاهدة سندات الشحن الصادر بها مرسوم بقانون في 31/ 1/ 1944 هي القانون المتعين التطبيق على النزاع فقد وجب إعمال ما ورد بهذا التشريع الخاص من أحكام خاصة بالتحديد القانوني للمسئولية بصرف النظر عما في هذه الأحكام من مغايرة لما هو مقرر من شأن التحديد الاتفاقي للمسئولية. لما كان ذلك، وكان النص في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة سندات الشحن على أن لا يلزم الناقل أو السفينة في أي حال من الأحوال بسبب الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع أو ما يتعلق بها بمبلغ يزيد على مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة أو ما يعادل هذه القيمة بنقد بعملة أخرى ما لم يكن الشاحن قد بين جنس البضاعة وقيمتها قبل الشحن وأن هذا البيان قد دون في سند الشحن.... ويجوز للناقل أو الربان أو وكيل الناقل الاتفاق مع الشاحن على تعيين حد أقصى يختلف عن الحد المنصوص عليه في هذه الفقرة على شرط ألا يكون الحد الأقصى المتفق عليه أقل من المبلغ السابق ذكره......" والنص في الفقرة الثامنة من المادة الثالثة على أن "كل شرط أو تعاقد أو اتفاق في عقد النقل يتضمن إعفاء الناقل والسفينة من المسئوليات عن الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع الناشئة عن الإهمال أو الخطأ أو التقصير في الواجبات أو الالتزامات المنصوص عليها في هذه المادة أو يتضمن تخفيف هذه المسئولية على وجه مخالف لما هو منصوص عليه في هذه المعاهدة يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا يترتب عليه أثر ما...." يدل على أن التحديد القانوني لمسئولية الناقل البحري الذي نصت عليه المعاهدة في حالة عدم بيان جنس البضاعة وقيمتها في سند الشحن يعتبر حداً أقصى للمسئولية القانونية لما يمكن أن يحكم به، وحداً أدنى للمسئولية الاتفاقية بالنظر إلى ما يمكن الاتفاق عليه. وأنه وإن كان يصح الاتفاق على تشديد مسئولية الناقل عن الحد القانوني المنصوص عليه في المعاهدة - وهو مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة - إلا أن الاتفاق على تخفيف مسئوليته والنزول بها بحيث يكون الحد الأقصى لها أقل من الحد القانوني المنصوص عليه فيها يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا أثر له، وبالتالي ينفتح المجال لتقدير التعويض وفقاً للقواعد العامة الواردة في القانون المدني في شأن المسئولية التعاقدية بصفة عامة على ألا يجاوز التعويض المقضى به الحد الأقصى المقرر في المعاهدة في حالة عدم بيان جنس البضاعة وقيمتها في سند الشحن. ولما كانت المادة 221 من القانون المدني تقضي بأن يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، فإن مقتضى ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الناقل يكون مسئولاً عن هلاك البضاعة أو فقدها أثناء الرحلة البحرية بمقدار الثمن الذي ينتج من بيعها في ميناء الوصول بالسوق الحرة التي تخضع لقواعد العرض والطلب، لأن هذا الثمن هو الذي يمثل الخسارة التي لحقت صاحبها والكسب الذي فاته، إذا كان ثمن البيع في ميناء الوصول يزيد على ثمن شرائها. لما كان ذلك، وكان البند 25 من سند الشحن الذي تمسكت به المطعون ضدها ينص على أنه في حالة الخسارة أو التلف في الظروف التي تنطوي على مسئولية الناقل، فإن هذه المسئولية تحتسب على ألا تزيد في أية حالة من الأحوال على صافي قيمة فاتورة الشراء أو مائة جنيه استرليني للطرد أو الوحدة مخصوماً منها جميع النفقات المقتصدة أيهما أقل وكان البين من الحكم المطعون فيه أن صناديق الشاي موضوع الرسالة عبوة كل منها 120 لبرة وأن ثمن اللبرة الواحدة 19.38 بنسا حسب فاتورة الشراء، فإن قيمة الصندوق الواحد يكون مبلغ 82.45 جنيهاً إنجليزياً مما مؤداه أن البند 25 من سند الشحن يتضمن في الواقع اتفاقاً على تحديد مسئولية الناقل بحد أقصى يقل عن مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة، وبالتالي تخفيفاً لهذه المسئولية عما هو منصوص عليه في معاهدة سندات الشحن وهو أمر غير جائز طبقاً لنص المادتين 3/ 8، 4/ 5 منها، ومن ثم فإن هذا الاتفاق يكون قد وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا أثر له. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأعمل اتفاق الطرفين بالبند 25 من سند الشحن ولم يقضي ببطلانه، وقدر التعويض الذي تستحقه الطاعن عن العجز الذي وجد في رسالة الشاي أخذاً بسعره في فاتورة الشراء ولم يتبع في تقديره ما رسمه حكم النقض السابق صدوره في الدعوى إذ لم يدخل في حساب التعويض عنصر ما فات الطاعنة من كسب بسبب ارتفاع سعر الشاي في ميناء الوصول عن سعر الشراء، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث الوجه الثاني من سبب الطعن.
وحيث إن الطعن للمرة الثانية يتعين تحديد جلسة لنظر الموضوع والحكم فيه.
[(1)] نقض مدني 4/ 2/ 1971 مجموعة المكتب الفني السنة 22 ص 172.
ساحة النقاش