لقاضى الموضوع الزام المدين بالتعويض بدلا من تنفيذ التزامه عينا. شرطه. أن يكون العقد مرهقا له ولا ملحق بالدائن ضررا جسيما. عدم جواز إثاره المدين لهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الأول - السنة 28 - صـ 865
جلسة 30 من مارس سنة 1977
برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود، وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد المهدى، ود. عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجورى، وصلاح نصار.
(151)
الطعنان رقما 565، 570 لسنة 43 القضائية
(1، 2) إيجار "إيجار الأماكن". نقض. "المصلحة فى الطعن".
(1) وجوب توافر المصلحة فى الطعن بالنقض. مناط المصلحة. أن يكون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن. العبرة بوقت صدور الحكم.
(2) صدور الحكم المطعون فيه باجابة المدعى إلى طلبه بتمكينه من احدى شقتى النزاع. الطعن بالنقض المرفوع منه فى أثر طعن خصمه على هذا الحكم. غير مقبول. علة ذلك.
(3) حكم "تسبيب الحكم". نقض. "أسباب الطعن". إيجار.
عدم تمسك الواعد أمام محكمة الموضوع فى صيغة صريحة جازمة بتنازل الموعود له عن حقه فى الوعد بالايجار. إلتفات المحكمة عن هذا الدفاع. لا خطأ. أثر ذلك. عدم قبول التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض.
(4، 5) إيجار. "إيجار الأماكن". عقد.
(4) الوعد بالايجار. ماهيته. وجوب اشتماله على العناصر الجوهرية لعقد الايجار. جواز أن يكون الاتفاق على المدة الواجب اتمام الايجار خلالها.
(5) الوعد بالإيجار. من العقود غير المسماه. اختلافه عن عقد الإيجار. تحديد محكمة الموضوع مدة نفاذ الوعد بأكثر من خمس سنوات المحددة لسقوط الحق فى الأجرة بالتقادم. لا خطأ.
(6) التزام. تعويض. نقض. "أسباب الطعن".
لقاضى الموضوع الزام المدين بالتعويض بدلا من تنفيذ التزامه عينا. شرطه. أن يكون العقد مرهقا له ولا ملحق بالدائن ضررا جسيما. عدم جواز إثاره المدين لهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
(7) نقض "أسباب الطعن". إيجار "إيجار الأماكن".
النعى بأن الطاعن أسبق من المطعون ضده فى وضع يده على العين المؤجرة. واقع. لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(1) قاعدة المصلحة مناط الدعوى وفق المادة الثالثة من قانون المرافعات تطبق حين الطعن بالنقض كما تطبق فى الدعوى حال رفعها وعند استئناف الحكم الذى يصدر فيها، ومعيار المصلحة الحقة سواء كانت حالة أو محتملة إنما هو كون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن حين قضى برفض طلباته كلها أو قضى له ببعضها دون البعض الآخر، فلا مصلحة للطاعن فيما يكون قد صدر به الحكم وفق طلباته أو محققا لمقصوده منها، والعبرة فى قيام المصلحة وعدم قيامها بوقت صدور الحكم محل الطعن بالنقض، وبالنظر وقتئذ إلى جميع وقائع الدعوى وظروفها الثابته بالحكم وتقدير ما إذا كان ما يمكن النعى عليه من خطأ فى القانون أضر بالطاعن أو لم يضر به بصرف النظر عما قد يطرأ بعد ذلك، وتعليل ذلك أن محكمة النقض إنما تنظر فى الطعن بالحالة التى كان عليها عند صدور الحكم المطعون فيه بحيث لا يكون لأيه ظروف طارئة أثر فى الطعن ولا فى مركز أطراف الخصومة.
(2) إذا كان الثابت أن الطاعن أقام دعواه بتمكينه من إحدى الشقتين رقم 8 أو رقم 12 تأسيسا على أنه يستمد حقه فى هذا الطلب من وعد بالإيجار توافرت شروط تنفيذه بالنسبة لأى واحدة من هاتين الشقتين، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتمكين من الشقة رقم 12 وقطع فى أسبابه بعدم أحقيته فى المطالبة بتمكينه من الشقة رقم 8، فانه يكون قد قضى للطاعن بكل مطلوبة وحقق مقصوده من مدعاة بتمكينه من إحدى الشقتين وفق تحديده لطلباته التى أقام على أساسها دعواه وأصر عليها طيلة مراحل التقاضى أمام المحكمتين الابتدائية والاستئنافية. لما كان ما تقدم وكان الطاعن حسبما يبين من صحيفة طعنه أرتضى ذلك القضاء من الحكم المطعون فيه لأنه يستوى عنده الحكم له بأى من الشقتين، وكان لا مصلحة له بهذه المثابة وقت صدور الحكم المطعون فيه، وكان الطاعن لم يشر لرفع طعنه إلا عندما أقام المحكوم عليهما - المطعون عليها الأول والرابع - طعنا على الحكم من جانبهما، فإنه لا يسوغ له القول بأن مصلحته المحتملة تستند إلى هذا الظرف الذى جاء لاحقا لصدور الحكم المطعون فيه، إذ أنه إنما يحتاط خشية نقض الحكم فى الطعن الآخر، لأنه طالما انتفت المصلحة فى الطعن وقت صدور الحكم فليس من شأن أى ظرف لاحق أن يبعثها إلى الوجود.
(3) إذ كان الطاعنان لم يقدما ما يدل على تمسكهما أمام محكمة الموضوع بانقضاء عقد الوعد بالإيجار بالتقابل عنه أثر تنازل بات من المطعون عليه الأول الموعود له - عن التمسك به، وكل ما ساقه الطاعن الأول على ما جاء بأسباب الحكم الابتدائى والحكم المطعون عليه فيه أنه عرض الشقق الأربعة على المطعون عليه الأول شفاهة لاستئجارها فلم يقبل بينما نفى المطعون عليه الأول هذا الأدعاء وإذ كان لا يكفى لاعتبار الدفاع متضمنا هذا النعى مجرد الاشاره فيه إلى عدم قبول المطعون عليه الأول استئجار تلك الشق بل يجب أن يبديه فى صيغة صريحه جازمة تدل على تمسك صاحبة بأن عقد الوعد بالإيجار قد أنقضى بما لا يجوز معه للمطعون عليه الأول التمسك به بعد ذلك، وإقامة دعواه تأسيسا عليه، فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو لم يعتبر دفاع الطاعن الأول متضمنا انقضاء الوعد وبالتالى لم يرد عليه، وطالما انه لم يتمسك به أمام محكمة الموضوع فإنه لا يقبل منه التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض.
4 - إذ كان الوعد بالإيجار الملزم لجانب واحد هو عقد بمقتضاه يتعهد صاحب العين بأن يؤجرها لآخر إذا رغب فى استئجارها، وكان هذا العقد وفقا للمادة 101 من القانون المدنى لكى يعتبر ملزما لمن صدر منه الشرط أن تبين فيه العناصر الجوهريه لعقد الإيجار وأن تحدد فيه المدة التى يجوز فيها إلزام الواعد بإتمام الإيجار خلالها، وكان الاتفاق على تحديد هذه المدة لا يشترط أن يكون صريحا بل يجوز أن يكون ضمنيا فيحق أن يستخلص من ظروف الاتفاق المدة المعقولة التى يقدرها لنفاذ الوعد بالإيجار، ولما كان ذلك، وكان الوعد بالإيجار مثار النزاع قد خلا من تقرير المدة التى يجوز فيها إلزام الطاعن الأول بإبرام عقد الإيجار الموعود به للمطعون عليه الأول فانه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هى قدرت المدة التى اعتبرتها معقولة - تسع سنوات - فى نطاق ما تستقل به من سلطة تقديرية وفق مقصود العاقدين، وكان هذا التقدير لا ينطوى على مخالفة لأية قاعدة آمرة نصت عليها القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن، فان النعى - على تحديد هذه المدة - يكون على غير أساس.
5 - الوعد بالإيجار ليس بإيجار بل يدخل فى طائفة العقود المسماه، باعتباره يقتصر على إلزام الواعد بأن يبرم عقد إيجار إذا طلب الطرف الآخر منه ذلك خلال مدة معينة ولا ينشئ فى ذمة الواعد أو الموعود له أيا من الالتزامات التبادلية بين المؤجر والمستأجر المترتبة على عقد الإيجار وبالتالى - فإنه لا مساغ للنعى على المدة التى قدرتها المحكمة لنفاذ الوعد - تسع سنوات - بمجاوزتها مدة السنوات الخمس المحددة لسقوط الأجرة بالتقادم فى عقد الإيجار لاختلاف مجال كل من العقدين.
6 - إنه وإن كان الأصل للدائن طلب تنفيذ التزام مدينة عينا، وكان يرد على هذا الأصل استثناء من حق القاضى اعماله تقضى به الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدنى أساسه إلا يكون هذا التنفيذ مرهقا للمدين فيجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى متى كان ذلك لا يلحق بالدائن ضررا جسيما، إلا أنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه لم يتضمن ما يفيد أن الطاعن الأول دفع الدعوى بأن تنفيذ الوعد بالايجار عينا ينطوى على رهق له وابدى استعداده للتنفيذ بمقابل، وكان الطاعنان لم يقدما ما يدل على تمسكهما بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، وهو أمر يخالطه عناصر واقعية ويقتضى تحقيق اعتبارات موضوعية، فأنه لا يجوز لهما أثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ويكون النعى غير مقبول.
7 - قول الطاعنين إن الطاعن الثانى وأخوته سبقوا عليه الأول فى وضع اليد على شقة النزاع فيفضلون عليه، دفاع يقوم على واقع لم يسبق طرحه أمام محكمة الموضوع لا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار والمقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه الأول فى الطعن رقم 565 سنة 43 ق - الطاعن فى الطعن رقم 570 لسنة 43 ق - أقام الدعوى رقم 188 لسنة 1969 مدنى أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين والمطعون عليه الثانى - المطعون عليهم الأول والثالث والرابع فى الطعن الآخر وآخر - المطعون عليه الثانى - فى الطعن الأخير بطلب الحكم بتمكينه من إحدى الشقتين رقم 8 أو رقم 13 من العقار المبين بالصحيفة وبتسليمها له خالية. وقال بيانا لدعواه أنه بموجب عقد مؤرخ 22/ 5/ 1960 أستأجر من الطاعن الأول الشقة ........ ونظرا لضيق الشقة فقد تعهد المؤجر فى العقد بأن يؤجر له أحدى الشقق التى تخلو ويكون لها مزايا أفضل وأن يعرضها عليه لعله يرغب فى استئجارها وإذا اخليت الشقة رقم 12 فى شهر أبريل سنة 1968 من مستأجرها وزغم المؤجر أن ابنه الطاعن الثانى يشغلها، وخلت الشقة رقم 8 من شاغلتها فى أغسطس سنة 1968، ومع ذلك أجرها شريك المؤجر فى ملكية العقار - المطعون عليه الثانى - فى 21/ 9/ 1968 إلى آخر - المطعون عليه الثانى - فى الطعن الآخر - رغم مبادرته بإخطار المؤجر له فى 21/ 8/ 1968 فقد أقام دعواه بطلباته سالفة البيان. وبتاريخ 9/ 6/ 1971 حكمت المحكمة برفض الدعوى. أستأنف المستأجر المطعون عليه الأول فى الطعن رقم 565 سنة 43 ق هذا الحكم طالبا إلغاءه والقضاء له بطلباته وقيد استئنافه برقم 3521 لسنة 88 ق القاهرة، وبتاريخ 2/ 4/ 1973 حكمت محكمة الاستئناف بالغاء الحكم المستأنف، وبالزام الطاعن الأول فى الطعن رقم 565 لسنة 43 ق بتمكين المطعون عليه الأول من الشقة رقم 12 وتسليمها له خالية. طعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنهما برقم 565 سنة 43 ق، كما طعن فيه المستأجر وقيد طعنه برقم 750 لسنة 43 ق. دفع المطعون عليه الثانى فى هذا الطعن بعدم قبوله، وقدمت النيابة العامة مذكرة فى كل طعن أبدت فيها الرأى برفض الدفع المبدى فى الطعن الثانى وفى الموضوع برفض الطعنين، وعرض الطاعنان على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فرأتهما جديرين بالنظر، وبالجلسة المحددة أمرت المحكمة بضم ثانى الطعنين لأولهما والتزمت النيابة رأيها.
أولا: الطعن رقم 750 لسنة 43 ق:
حيث إن مبنى الدفع بعدم القبول المبدى من المطعون عليه الثانى بانتفاء مصلحة الطاعن فيه، على سند من أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتمكين الطاعن من أحدى الشقين اللتين طالب، بتمكينه من أحداهما فيكون قد قضى له بكل طلباته وليس بجدية قوله أن له مصلحة محتملة احتياطيا لما عسى أن يحكم به ضده فى الطعن رقم 565 لسنة 34 ق المرفوع من المطعون عليه الأول عن شق الحكم الخاص الشقة رقم 12 وأنه قد يترتب عليه فى حالة سكوته عن إقامة طعنه الماثل بشأن الشقة رقم 8 عودة النزاع إلى محكمة الإحالة فيما يتعلق بالشقة الأخرى وحدها، لأن الطاعن لم يعد له حق يتعلق بالشقة الأولى، بما ينبنى عليه عدم قبول الطعن.
وحيث إن الدفع فى محله، ذلك أنه لما كانت قاعدة المصلحة مناط الدعوى وفق المادة الثالثة من قانون المرافعات تطبق حين الطعن بالنقض كما تطبق فى الدعوى حال رفعها وعند استئناف الحكم الذى يصدر فيها. ومعيار المصلحة الحقة سواء كانت حالة أو محتملة إنما هو كون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن حين قضى برفض طلباته كلها أو قضى له ببعضها دون البعض الآخر فلا مصلحة للطاعن فيما يكون قد صدر به الحكم وفق طلباته أو محققا لمقصوده منها، والعبرة فى قيام المصلحة وعدم قيامها بوقت صدور الحكم محل الطعن بالنقض، وبالنظر وقتئذ إلى جميع وقائع الدعوى وظروفها الثابتة بالحكم وتقدير ما إذا كان ما يمكن النعى عليه من خطأ فى القانون أضر بالطاعن أو لم يضر به، بصرف النظر عما قد يطرأ بعد ذلك وتعليل ذلك أن محكمة النقض إنما تنظر فى الطعن بالحالة التى كان عليها عند صدور الحكم المطعون فيه بحيث لا يكون لأيه ظروف طارئة أثر فى الطعن ولا فى مراكز أطراف الخصومة، لما كان ذلك وكان الثابت أن الطاعن أقام دعواه بتمكينه من احدى الشقتين رقم 8، ورقم 12 تأسيسا على أنه يستمد حقه فى هذا الطلب من وعد بالإيجار توافرت شروط تنفيذه بالنسبة لأى واحدة أن هاتين الشقتين، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتمكين من الشقة رقم 12، وقطع فى أسبابه بعدم أحقيته فى المطالبة بتمكينه من الشقة رقم 8، فإنه يكون قد قضى للطاعن بكل مطلوبه وحقق مقصوده من مدعاة بتمكينه من إحدى الشقتين وفق تحديده لطلباته التى أقام على أساسها دعواه وأصر عليها طيلة مراحل التقاضى أمام المحكمتين الابتدائية والاستئنافية، لما كان ما تقدم وكان الطاعن حسبما يبين من صحيفة طعنه ارتضى ذلك القضاء من الحكم المطعون فيه لأنه يستوى عنده الحكم له بأى من الشقتين، وكان لا مصلحة له بهذه المثابة وقت صدور الحكم المطعون فيه، وكان الطاعن لم ينبر لرفع طعنه إلا عندما أقام المحكوم عليهما - المطعون عليها الأول والرابع - طعنا على الحكم من جانبهما وأن لا يسوغ له القول بأن مصلحته المحتملة تستند إلى هذا الطرف الذى جاء لاحقا لصدور الحكم المطعون فيه، أو أنه انما يحتاط خشية نقض الحكم فى الطعن الآخر لأنه طالما انتفت المصلحة فى الطعن وقت صدور الحكم فليس من شأن أى ظرف لاحق أن يبعثها إلى الوجود، ويكون الدفع على أساس.
ولما تقدم يتعين القضاء بعدم قبول الطعن.
ثانيا: عن الطعن رقم 565 لسنة 43 ق:
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعنان بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقولان أن الطاعن الأول تمسك أمام محكمة الموضوع بأن أربع شقق خلت بالعمارة قبل شقتى النزاع وتتوافر فيها شروط الوعد بالإيجار، وأنه عرضها على المطعون عليه الأول شفاهة فرفض استئجارها، فيعد من ثم تنازلا عن حقه المستمد من الوعد مما يجيز للطاعن الأول بالتالى التحلل منه، وقدم تدليلا على دفاعه عقود هذه الشقق تحمل تواريخ لاحقه لتاريخ الوعد، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفاع الجوهرى فأنه يكون معيبا بالقصور فى التسبيب.
وحيث إن النعى مردود، ذلك أن الطاعنين لم يقدما ما يدل على تمسكهما أمام محكمة الموضوع بانقضاء عقد الوعد بالإيجار بالتقايل عنه أثر تنازل بات من المطعون عليه الأول عن التمسك به، وكل ما ساقه الطاعن الأول - على ما جاء بأسباب الحكم الابتدائى والحكم المطعون عليه فيه أنه عرض الشقق الأربعة على المطعون عليه الأول شفاهة لاستئجارها فلم يقبل بينما نفى المطعون عليه الأول هذا الادعاء وإذ كان لا يكتفى لاعتبار الدفاع متضمنا هذا النعى مجرد الإشارة فيه إلى عدم قبول المطعون عليه الأول استئجار تلك الشق بل يجب أن يبديه فى صيغة صريحة جازمة تدل على تمسك صاحبه بأن عقد الوعد بالإيجار قد انقضى بما لا يجوز معه للمطعون عليه الأول التمسك به بعد ذلك، وإقامة دعواه تأسيسا عليه، فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو لم يعتبر دفاع الطاعن الأول متضمنا انقضاء الوعد وبالتالى لم يرد عليه، وطالما أنه لم يتمسك به أمام محكمة الموضوع فإنه لا يقبل منه التحدى به الأول مرة أمام النقض، ويكون النعى غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقولان إن الحكم الابتدائى وسايره فى ذلك الحكم المطعون فيه حدد مدة الوعد بالإيجار بتسع سنوات تبدأ من تاريخ عقد الإيجار الصادر للمطعون عليه الأول فى 22/ 5/ 1968 الأمر الذى لا يتفق مع المعنى الظاهر لعبارة العقد ويتعارض ومقصود العاقدين إذ أن نية المؤجر أو المستأجر لا يمكن أن تتصرف إلى الالتزام بقيد الوعد أو ترقب نفاذه هذه المدة الطويلة، هذا إلى أن الوعد بالإيجار ليس إلا عقد إيجار وبهذه المثابة يتعارض وأحكام عقد الإيجار الذى يسقط حق المستأجر فى التمسك بالحقوق الناشئة عنه بانقضاء خمس سنوات على إبرامه، بالإضافة إلى أن تحديد مدة تسع سنوات لنفاذ الوعد ينطوى على خروج على قواعد قوانين إيجار الأماكن التى تؤثر من لا يجد مأوى على من يستقر فى مسكن ويبحث عن غيره، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن النعى مردود، ذلك أنه لما كان الوعد بالايجار الملزم لجانب واحد هو عقد بمقتضاه يتعهد صاحب العين بأن يؤجرها لآخر إذا رغب فى استئجارها، وكان هذا العقد وفقا للمادة 101 من القانون المدنى يعتبر ملزما لمن صدر منه بشرط أن تبين فيه العناصر الجوهرية لعقد الايجار، وأن تحدد فيه المدة التى يجوز فيها إلزام الواعد باتمام الايجار خلالها، وكان الاتفاق على تحديد هذه المدة لا يشترط أن يكون صريحا بل يجوز أن يكون ضمنا فيحق للقاضى أن يستخلص من ظروف الاتفاق المدة التى يقدرها لنفاذ الوعد بالايجار، لما كان ذلك وكان الوعد بالايجار مثار النزاع قد خلا من تقرير المدة التى يجوز فيها إلزام الطاعن الأول بأبرام عقد الايجار الموعود به للمطعون عليه الأول، فانه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هى قدرت المدة التى اعتبرتها معقولة فى نطاق ما تستقل به من سلطة تقديرية وفق مقصود العاقدين، لما كان ما تقدم وكان الوعد بالايجار ليس بايجار بل يدخل فى طائفة العقود المسماة، باعتباره يقتصر على إلزام الواعد بأن يبرم عقد إيجار إذا طلب الطرف الآخر منه ذلك خلال مدة معينة ولا يبشئ فى ذمة الواعد أو الموعود له أيا من الالتزامات التبادلة بين المؤجر والمستأجر المترتبة على عقد الإيجار فإنه لا مساع للنعى على المدة التى قدرتها المحكمة لنفاذ الوعد بالإيجار بمجاوزتها مدة السنوات الخمس المحددة لسقوط الأجرة بالتقادم فى عقد الايجار لإختلاف محال كل من العقدين، لما كان ما سلف وكان هذا التقدير لا ينطوى على مخالفة لأية قاعدة آمره نصت عليها القوانين والاستثنائية لإيجار الأماكن، فإن النعى يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقولان أن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه على أن الطاعن الأول أخل بالتزامه الناشئ عن عقد الوعد بالإيجار وأنه يحق من ثم للمطعون عليه الأول أن يطالبه بالتنفيذ العينى ما دام هذا التنفيذ ممكنا، مع أن التنفيذ العينى فى هذه إحالة ينطوى على ارهاق ظاهر للطاعن الأول الذى قدم ما يثبت شراءه لمنقولات المستأجر السابق الشقة بمبلغ ألف وخمسمائة جنيه ليتمكن من اخلائها وإعدادها سكنا لأولاده، بما كان يتعين معه على الحكم أعمال الفقرة الثانية من المادة 204 من القانون المدنى التى تنص على أنه إذا كان فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض وإذ خالف المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن النعى مردود، ذلك إنه وإن كان الأصل للدائن طلب تنفيذ التزام مدينة عينا، وكان يرد على هذا الأصل استثناء من حق القاضى أعماله تقضى به الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدنى أساسا وهو إلا يكون هذا التنفيذ مرهقا للمدين، فيجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى متى كان ذلك لا يلحق بالدائن ضررا جسيما، إلا أنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه لم يتضمن ما يفيد أن الطاعن الأول دفع الدعوى بأن تنفيذ الوعد بالإيجار عينا ينطوى على رهق له، وأيدى استعداده للتنفيذ بمقابل، وكان الطاعنان لم يقدما ما يدل على تمسكهما بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، وهو أمر تخالفه عناصر واقعية ويقتضى تحقيق اعتيارات موضوعية، فانه لا يجوز لهما إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ويكون النعى غير مقبول.
وحيث إن حاصل النعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الفساد فى الاستدلال وفى بيان ذلك يقول الطاعنان أن الحكم استند فى قضائه إلى أن الشقة رقم 12 قد خلت من ساكنها، وفى ذلك مخالفة لعبارة الوعد بالايجار التى تعنى أن يترك أحد المستأجرين بالعمارة شقته بسبب لا دخل لإرادة الطاعن الأول فيه، والطاعن الأول هو الذى تدخل لإخلاء هذه الشقة بشرائه منقولاتها بالثمن الباهظ الذى دفعه وما استخلصه الحكم من أن ترك الطاعن الأول للشقة لأولاده يعنى الاحتفاظ بها لنفسه بعيدا عن فهم الواقع فى الدعوى لأنه إنما أتاح لابنه الطاعن الثانى وإخوته استئجارها، وهم يفضلون المطعون عليه الأول لسبقهم فى وضع اليد إعمالا لحكم المادة 573 من القانون المدنى، والمخالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فانه يكون مشوبا بالفساد فى الاستدلال.
وحيث إن النعى فى غير محله، ذلك أن عبارة الوعد بالإيجار جرى نصها كما يلى "يتعهد المؤجر - الطاعن الأول - فى حالة خلو شقة على الشارع العمومى بأن يعرضها على المستأجر - المطعون عليه الأول - لعله يرغب فى استئجارها، على أنه إذا لم يرد المستأجر برغبته فى التأجير والقيام فعلا بتأجيرها فى خلال أسبوع من تاريخ اخطاره باستعداد المؤجر لتسليم الشقة اليه يكون العرض لاغيا". ولما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه فى هذا الخصوص على "وحيث إنه فيما يتعلق بالشقة رقم 12 فان الثابت من عقد بيع المنقولات المؤرخ 27/ 1/ 1968 المحرر بين كل من..... والمستأنف عليه الأول - الطاعن الأول - أن البائع كان يقيم بالشقة رقم 12 بالدور الثالث بالعمارة..... والمملوكة للمستأنف عليه الأول، وقد عزم المستأجر البائع على السفر خارج القطر واستغنى عن كافة المنقولات الموجودة بالشقة سكنه فباعها للمستأنف عليه الأول لقاء مبلغ 1500 جنيه ونص فى البند الرابع من عقد البيع المذكور على أن الطرف الأول البائع يقر بأن عقد الإيجار المحرر بينه وبين الطرف الأول المالك - المستأنف عليه الأول - والخاص بالشقة سكنه والمحرر فى 15/ 8/ 1961 قد فسخ وأصبح لاغيا ويحق للطرف الثانى المالك التصرف فى الشقة كيف يشاء... الخ ويستفاد من ذلك أن الشقة المذكورة قد خلت من ساكنها وكان يتعين على المستأنف عليه الأول أن يعرضها على المستأنف تنفيذا للوعد بالايجار الوارد بنهاية عقد الايجار المؤرخ 22/ 5/ 1970، فان هو لم يفعل واحتفظ بالمنقولات التى اشتراها من المستأجر السابق فى الشقة وتركها لأولاده على حد قوله أى احتفظ بالشقة لنفسه - فانه يكون قد أخل بالتزامه الوارد فى الوعد بالإيجار، ويحق للمستأنف أن يطالبه بالتنفيذ العينى..." فان ما قرره الحكم لا فساد فى استدلاله، ذلك أنه استمد من صيغة الوعد بالايجار ومن عبارات عقد بيع المنقولات المبرم من الطاعن الأول وبين المستأجر السابق أن ذلك الأخير أنهى علاقته الايجارية واسترد الطاعن الأول حريته فى التصرف، ملتزما فيما خلص اليه المعنى الظاهر منها، ولما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى تفسير المستندات المقدمة إليها بما لا يخرج عن عباراتها الواضحة وكان استخلاص الحكم المطعون فيه استخلاصا موضوعيا سائغا، فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التى انتهى اليها الحكم.
لما كان ما تقدم وكان قول الطاعنين إن الطاعن الثانى واخوته سبقوا المطعون عليه الأول فى وضع اليد على شقة النزاع فيفضلون عليه دفاع يقوم على واقع لم يسبق طرحه الموضوع، فانه لا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض، ويكون النعى على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ساحة النقاش