إن القصد الجنائى فى جريمة القذف يتوافر متى كانت العبارات التى وجهت إلى المجنى عليها شائنة تمسها فى سمعتها أو تستلزم عقابها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 1033
جلسة 30 من مايو سنة 1955
برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومصطفى كامل، ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمود محمد مجاهد المستشارين.
(304)
القضية رقم 413 سنة 25 القضائية
(أ) نقض. أسباب جديدة. عدم أهلية المدعية بالحق المدنى. إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لا تقبل.
(ب) إثبات. خبراء تقدير تقاريرهم. موضوعى.
(ج) قذف. القصد الجنائى. متى يتوافر؟
(د) قانون. دعوى مدنية. رفعها أمام المحكمة الجنائية. يستتبع تطبيق قانون الإجراءات الجنائية عليها.
1- إذا كان الطاعنان لم يتمسكا بالدفع بعدم أهلية المدعية بالحق المدنى أمام محكمة الموضوع فلا يحق لهما إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة.
2- إن الأمر فى تقدير رأى الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضى الموضوع وله فى حدود سلطته التقديرية أن يأخذ بما يطمئن إليه منها.
3- إن القصد الجنائى فى جريمة القذف يتوافر متى كانت العبارات التى وجهت إلى المجنى عليها شائنة تمسها فى سمعتها أو تستلزم عقابها.
4- إن نصوص قانون الاجراءات الجنائية هى الواجبة التطبيق على الاجراءات فى المواد الجنائية وفى الدعاوى المدنية التى ترفع بطريق التبعية أمام المحاكم الجنائية، ولا يرجع إلى نصوص قانون المرافعات فى المواد المدنية والتجارية إلا لسد نقص.
الوقائع
أقامت النيابة العامة الدعوى العمومية على مناحم ابراهيم فسفس متهمة إياه بأنه. قذف علنا فى حق السيدة شويكار عبد الوهاب أبو العيون بأن وجه إليها العبارات الواردة بالمحضر على مسمع من كثيرين فى محل عام والتى توجب احتقارها عند أهل وطنها. وطلبت عقابه بالمواد 171 و302/ 1 و303/ 1 من قانون العقوبات.
وبإعلان مؤرخ فى 8 و13 و14 من أبريل سنة 1953 أقامت السيدة شويكار عبد الوهاب أبو العيون دعوى جنحة مباشرة على (1) مناحم ابراهيم فسفس (2) فوزى عياد جرجس (3) أريستوأرافندينوس الشهير بدينيس أمام محكمة عابدين الجزئية وجهت إليهم فيها نفس التهمة السابقة. وطلبت إلى المحكمة المذكورة معاقبتهم بالمواد 171 و302/ 1-2 و303 /1 من قانون العقوبات. كما أعلنت الأستاذ صادق راشد مدير محل عمر أفندى "أورزدى باك" بصفته مسئولا عن الحقوق المدنية. وطلبت الحكم عليهم بأن يدفعوا لها مبلغ عشرة آلاف جنيه بصفة تعويض مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبإعلان آخر مؤرخ فى 25 من أبريل سنة 1953 صححت السيدة شويكار عبد الوهاب أبو العيون دعواها المدنية بأن أدخلت المسيو رينيه جومار فى الدعوى باعتباره مدير المحل عمر افندى ووجهت إليه نفس الطلبات التى سبق أن وجهتها إلى الأستاذ صادق راشد. وبعد أن سمعت المحكمة المشار إليها آنفا هاتين الدعويين قضت حضوريا. أولا - بتغريم كل من المتهمين الأول مناحم ابراهيم فسفس والثالث أريستو أرفندينوس الشهير بدينيس مبلغ ثلاثين جنيها. وثانيا - ببراءة المتهم الثانى مما نسب إليه. وثالثا - بإلزام المتهمين الأول والثالث ورينيه جومار بصفته مديرا لمحلات أورزدى باك بأن يدفعوا متضامنين للمدعية بالحق المدنى السيدة شويكار عبد الوهاب أبو العيون مبلغ خمسمائة جنيه والمصروفات المناسبة لهذا المبلغ وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف وكيل المدعية بالحقوق المدنية هذا الحكم كما استأنفه المتهمان والمسئول عن الحقوق المدنية. ومحكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية نظرت هذه الاستئنافات وقضت حضوريا بقبولها شكلا وقبل الفصل فى الدعوى بندب الدكتور أحمد وجدى مدير مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية خبيرا فى الدعوى للاطلاع على أوراق القضية وتقارير الأطباء والمعالجين وأقوالهم بالتحقيقات وكذلك التقرير الطبى الاستشارى المقدم من المسئول عن الحق المدنى ثم توقيع الكشف الطبى على المدعية بالحق المدنى وذلك لبيان حالتها العقلية والعصبية الآن وسببها وهل يمكن أن يكون نتيجة للحادث على النحو الذى صور فى أوراق القضية وتقدير مدة العلاج إن كان ممكنا وهل يأتى بنتيجة من عدمه وتكاليفه على وجه التقريب وعلى المدعية والمسئول بالحق المدنى إيداع أمانة قدرها عشرون جنيها على ذمة أتعاب ومصاريف الخبير يدفعانها مناصفة فى مدى أسبوعين من اليوم وعلى النيابة إخطار الخبير لمباشرة العمل وتأجيل نظر الدعوى لجلسة 13 من يونيه سنة 1954 وعلى الخبير تقدير تقريره قبل الجلسة بأسبوع وحددت جلسة 23 من مايو سنة 1954 ليحلف الخبير المنتدب اليمين القانونية أمام هذه المحكمة. وقد قام الخبير بمأموريته وقدم تقريره. ثم دفع الحاضر مع المتهمين والمسئول عن الحقوق المدنية فرعيا ببطلان تقارير الأطباء حيث تمت جميعها بدون علم منهم. وقضت المحكمة. أولا - برفض الدفع ببطلان التقارير المقدمة من الأطباء بملف الدعوى. وثانيا - وفى الدعوى الجنائية بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم مناحم ابراهيم فسفس وإلغائه بالنسبة للمتهم أريستو أرافندينوس الشهير بدينيس وبراءته مما أسند إليه وثالثا - وفى الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم أريستو أرافندينوس الشهير بدينيس ورفض الدعوى المدنية قبله وتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم مناحم ابراهيم فسفس والمسئول عن الحقوق المدنية رينيه جومار بصفته مدير المحلات أوروزدى باك بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحق المدنى السيدة شويكار عبد الوهاب أبو العيون مبلغ ثلاثة آلاف جنيه والمصروفات المدنية المناسبة لهذا المبلغ وعشرين جنيها أتعابا للمحاماه عن الدرجتين ورفضت ماعدا ذلك من الطلبات.
فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو أن الحكم بنى على إجراء باطل إذ قبلت المحكمة من المجنى عليها الادعاء بالحق المدنى مع أنها كانت بشهادة أطبائها وقت رفع الدعوى ناقصة الأهلية إن لم تكن فاقدتها - وكان يتعين إقامة من يمثلها قانونا لمباشرة دعواها المدنية.
وحيث إن عوارض الأهلية محددة فى المادة 113 من القانون المدنى وليس من بينها الأمراض المشار إلهيا فى التقارير الطبية التى تحدث عنها الحكم كما أن الطاعنين لم يتمسكا بهذا الدفع أمام محكمة الموضوع فليس لهما الحق فى إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على الاخلال بحق الدفاع إذ لم تمكن المحكمة الطاعنين من مناقشة الطبيب الاستشارى الدكتور محمد نصر ولم تجبه إلى ما طلبه من زيارة المجنى عليها وأهدرت تقريره لتخلفه عن الحضور.
وحيث إنه يبين من أوراق الدعوى أن الطاعنين قدما تقريرا استشاريا من الدكتور محمد نصر وأجلت الدعوى مرتين ليعلنه الطاعنان للحضور للجلسة لمناقشته وأعلن ولم يحضر، ولم يتمسك الطاعنان بسماع أقواله بالجلسة وترافعا فى الدعوى، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد استندت فى حكمها إلى تقارير الأطباء الذين وقعوا الكشف الطبى على المجنى عليها وإلى أقوالهم بالجلسة ولم تأخذ بالتقرير الاستشارى، وكان الأمر فى تقدير رأى الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضى الموضوع وله فى حدود سلطته التقديرية أن يأخذ بما يطمئن إليه منها فأن ما يثيره الطاعنان لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن الحكم المطعون فيه شابه القصور والفساد فى الاستدلال إذا اعتمد فى إدانة الطاعن الأول على تحقيقات البوليس رغم ما شابها من غش وإكراه وإذ أخذ بشهادة زوج المدعية وشقيقة مع أنها شهادة سماعية وإذ اخذ بما شهدت به السيدة لينا صدقى والسيدة كليمانتين شرباتى والمسيو ألبير سوسان مع أن أقوالهم لا تفيد اسناد واقعة الاتهام إلى الطاعن الأول بقدر ما تفيد صياح المدعية وإعلانها للزبائن اتهام أصحاب المحلات لها وإذ بنى الحكم قضاءه على الاستنتاج بغير سماع شهود دون أن تحقق دفاع الطاعنين.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر معه العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن الأول بها واستند فى إدانته إلى أقوال المجنى عليها فى التحقيقات الأولية بعد أن تعذر حضورها أمام المحكمة بسبب حالتها المرضية وإلى أقوال زوج المجنى عليها وشقيقه وأقوال موظفى المحل الذى وقع فيه الحادث وهى تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك، وكان الطاعنان لم يتمسكا بسماع أحد من الشهود غير من سمعتهم المحكمة، فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الشأن هو محاولة للخوض فى موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما تستقل به محكمة الموضوع.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وشابه القصور وبنى على إجراء باطل إذ دان الطاعن الأول بجريمة القذف مع عدم توافر أركانها القانونية وإذ لم يتحدث عن القصد الجنائى وقضى بالتعويض على الطاعن الثانى مع أن علاقة السببية بين الخطأ والضرر غير قائمة ومع أن الطاعن الثانى اتخذ أقصى ما يوجبه الاحتياط من رب العمل. وقد دفع الطاعنان ببطلان تقارير الأطباء لمباشرتهم المأمورية التى ندبوا لها فى غيبة الخصوم فرد الحكم على ذلك ردا قاصرا.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه تحدث عن توافر أركان جريمة القذف فقال "ومن حيث إن التهمة ثابتة من أقوال المجنى عليها بالبوليس من أن المتهم مناحم فسفس قال لها بصوت عال فى أحد الممرات بمحل عمر أفندى الجوانتى ده إنت سرقاه منين وفى أقوال فوزى و عياد وأريستو أرافندينوس الشهير بدينيس من أنهما أبلغا مناحم فسفس باشتباههما فى أن تكون المجنى عليها قد سرقت شيئا من محتويات المحل وفى أقوال كلمين شرباتى صراف المحل من أن مناحم فسفس حضر إليه بصحبة المجنى عليها وسألها عن واقعة دفعها لثمن المشتريات وفى أقوال لينا صدقى رئيسة القسم الخاص بملابس السيدات من أنها سمعت صوتا عاليا فتوجهت نحوه ورأت المدعية بالحق المدنى وسط الزبائن وتصيح بحالة عصبية لاتهامها بسرقة بضاعة بالمحل وفى أقوال المسيو البير فانسوسان رئيس المفتشين بمحل عمر أفندى من أنه استدعى للدور الثالث فوجد المدعية بالحق المدنى فى حالة عصبية وأخبرته بفتح حقيبتها أمام جمهور الناس وأنه استبان له خطأ موظف المحل كما وجد الزبائن حانقين على تصرف المتهم وعلى ذلك يكون الحكم المستأنف صحيحا بالنسبة لإدانة هذا المتهم. أما ما أثاره الدفاع من أن المتهم مناحم فسفس لم يوجه إليها ألفاظ القذف صحة توجيهها فلم تكن فى علانية فمردود عليه بأن أقوال المجنى عليها صريحة فى أنها وجهت إليها الألفاظ التى ذكرتها بالتحقيق بصوت عال مسموع وأمام الجمهور فى ممر المحل ولا ترى المحكمة أى داع يدعو المجنى عليها إلى الافتراء على هذا المتهم ونسبة أقوال إليه لم تصدر منه" لما كان ذلك - وكان هذا الذى ذكره الحكم تتوافر به أركان جريمة القذف كما هى معرفة فى القانون، وكان القصد الجنائى فى جريمة القذف يتوافر متى كانت العبارات التى وجهها الطاعن الأول إلى المدعية بالحق المدنى شائنة تمس المجنى عليها فى سمعتها أو تستلزم عقابها كما هو الحال فى الدعوى - وكان الحكم قد استظهر رابطة السببية المباشرة بين الخطأ والضرر ودلل عليها بتقارير الأطباء الذين وقعوا الكشف الطبى على المدعية بالحق المدنى وإجماعهم على أنها مريضة بمرض نفسى وأن هذا المرض كان نتيجة مباشرة لجريمة القذف التى وقعت من الطاعن الأول - وكان الحكم قد تحدث عن مسئولية المسئول عن الحقوق المدنية فقال "ومن حيث إنه قد ثبتت إدانة المتهم مناحم إبراهيم فسفس فيكون بذلك مسئولا عن تعويض الأضرار الناتجة مباشرة عن جريمته متى توافرت علاقة السببية بين الضرر والخطأ ويكون المسئول بالحقوق المدنية مسئولا كذلك بالتضامن معه عن التعويض إذ أن المتهم ارتكب جريمته أثناء أدائه واجبات وظيفته لدى المسئول بالحقوق المدنية وبسبب هذه الوظيفة إذ الثابت أنه كان يعمل يوم الحادث موظفا بمحلات "عمر أفندى" التى يمثلها المسئول بالحقوق المدنية ومن واجبات وظيفته كما قرر هو بذلك فى التحقيقات مراقبة الزبائن الذين يترددون على المحل فى هذا اليوم خشية أن أحدهم يسرق شيئا فتكون علاقته بالمسئول المدنى علاقة التابع بالمتبوع" لما كان ما تقدم، وكان ما ذكره الحكم تتوافر به مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه فى حالة تأدية وظيفته أو بسببها عملا بنص المادة 174 مدنى وكان الحكم قد تناول الدفع ببطلان تقارير الأطباء ورد عليه بقوله "ومن حيث إن الحاضر مع المتهمين ومع المسئول بالحقوق المدنية دفع ببطلان تقارير الأطباء وقال شرحا لهذا الدفع إن تقرير الدكتور بهمان وتقرير الطبيب الشرعى المنتدب أمام محكمة أول درجة وتقرير الدكتور أحمد وجدى تمت كلها دون اخطار للمتهمين أو للمسئول المدنى للحضور عند توقيع الكشف الطبى مما يجعل التقرير باطلا عملا بالمادة 236 من قانون المرافعات. ومن حيث إن هذا الدفع فى غير محله إذ أنه لا محل لتطبيق أحكام قانون المرافعات فى حالة الدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية التى ترفع أمام المحاكم الجنائية بل الذى يطبق هو الاجراءات المقررة بقانون الاجراءات الجنائية وذلك طبقا لما هو وارد بالمادة 266 اجراءات. ولما كانت المادة 85 من قانون الاجراءات أجازت أن يؤدى الخبير مأموريته بغير حضور الخصوم فإنه والحال كذلك يكون الدفع فى غير محله ويتعين رفضه" وكان هذا الذى ذكره الحكم صحيحا فى القانون ذلك بأن نصوص قانون الاجراءات الجنائية هى الواجبة التطبيق على الاجراءات فى المواد الجنائية وفى الدعاوى المدنية التى ترفع بطريق التبعية أمام المحاكم الجنائية ولا يرجع إلى نصوص قانون المرافعات فى المواد المدنية والتجارية إلا لسد نقص وقد أجازت الفقرة الأخيرة من المادة 85 من قانون الاجراءات الجنائية فى جميع الأحوال للخبير أن يؤدى مأموريته بغير حضور الخصوم.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساسا متعينا رفضه.
وحيث إن الطاعن الثانى طلب إيقاف تنفيذ حكم التعويض إلى أن يفصل فى الطعن، أما وقد فصل فى الطعن فلا جدوى من بحث هذا الطلب.
ساحة النقاش