إثبات الحكم أن الطاعن سب المدعية بالحق المدني في الطريق العام وهو مكان عمومي بطبيعته توافر ركن العلانية قانوناً النعي على الحكم بالقصور على غير أساس.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 632
جلسة 21 من أكتوبر سنة 1963
برياسة السيد المستشار/ محمود حلمي خاطر، وبحضور السادة المستشارين: توفيق الخشن، وأديب نصر، ومختار رضوان، وأحمد موافي.
(116)
الطعن رقم 35 لسنة 33 القضائية
(أ،ب) سب. "علانية ". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) إثبات الحكم أن الطاعن سب المدعية بالحق المدني في الطريق العام - وهو مكان عمومي بطبيعته - توافر ركن العلانية قانوناً. النعي على الحكم بالقصور. على غير أساس.
(ب) تعرف حقيقة ألفاظ السب. المرجع في ذلك: بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى. مثال.
(جـ) محاكمة. "إجراءاتها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
أساس المحاكمة الجنائية: هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفوي الذي يجريه بنفسه، ويوجهه الوجهة التي يراها موصلة للحقيقة. التحقيقات الأولية السابقة على المحاكمة. اعتبارها تمهيداً لذلك التحقيق الشفهي. عدم خروجها عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على القاضي. أخذه بها إذا اطمأن إليها وإطراحها إذا لم يصدقها.
(د، هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". شهود. محكمة الموضوع.
(د) وزن أقوال الشهود. من شئون محكمة الموضوع. أخذها بشهادة شاهد يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(هـ) للمحكمة أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. النعي على الحكم باطراحه أقوال شاهدي النفي وأخذه بأدلة الثبوت في الدعوى. جدل في تقدير الأدلة. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - متى كان الحكم قد أثبت أن الطاعن سب المدعية بالحق المدني في الطريق العام - وهو مكان عمومي بطبيعته - مما يتوافر به ركن العلانية قانوناً. فإن نعى الطاعن على الحكم بالقصور يكون على غير أساس.
2 - المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب هو بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض. ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعن سب المدعية بالحق المدني علناً وتضمن سبه طعناً في عرضها وخدشاً لسمعتها مما ينطبق عليه حكم المادة 308 من قانون العقوبات فإن الحكم إذ عاقب الطاعن بالعقوبة المقررة في هذه المادة يكون صحيحاً.
3 - من المقرر أن أساس المحاكمة الجنائية هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفوي الذي يجريه بنفسه والذي يديره ويوجهه الوجهة التي يراها موصلة للحقيقة، وأن التحقيقات الأولية السابقة على المحاكمة لا تعتبر إلا تمهيداً لذلك التحقيق الشفهي وأنها بهذا الاعتبار لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على القاضي، يأخذ بها إذا اطمأن إليها ويطرحها إذا لم يصدقها.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود من شئون محكمة الموضوع، وأنها متى أخذت بشهادة شاهد، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - للمحكمة أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن عليها أنها أطرحت أقوال شاهدي النفي وأخذت بأدلة الثبوت في الدعوى يكون على غير أساس، ولا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى بما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
الوقائع
أقامت المدعية بالحق المدني هذه الدعوى بالطريق المباشر أمام محكمة باب شرقي الجزئية ضد الطاعن بصحيفة أعلنت إليه بتاريخ 2 يناير سنة 1960 متهمة إياه بأنه في يوم 16 ديسمبر سنة 1959 بدائرة قسم باب شرقي محافظة الإسكندرية: "اعتدى عليها بالسب والقذف الذي يمس عرضها وشرفها". وطلبت عقابه بالمواد 171، 307، 308 من قانون العقوبات - وإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 22 أبريل سنة 1961 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 55، 56 من قانون العقوبات بحبس المتهم شهراً مع الشغل وبتغريمه عشرة جنيهات وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة هذا الحكم نهائياً مع إلزامه بأن يؤدى للمدعية بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً وألزمته بالمصاريف المدنية. فاستأنف المتهم هذا الحكم ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 19 نوفمبر سنة 1961 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بشقيه المدني والجنائي وأعفت المتهم من المصاريف الجنائية وألزمته المصاريف المدنية والاستئنافية ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد ذلك أن الحكم المطعون فيه اعتمد في التدليل على إدانة الطاعن على شهادة شهود الإثبات دون بيان أسمائهم أو مؤدى شهاداتهم كما أنه لم يحدد الوقائع التي دانه بها ولم يبين ركن العلانية الذي تتحقق به جريمة السب المسندة إليه كذلك لم يعن الحكم بالرد على ما استهدفه الطاعن من تقديم صورة المذكرة 47 أحوال سيدي جابر يوم 16/ 12/ 1959 التي تضمنت تبليغ زوج المدعية بالحق المدني والنقيب عبد العاطى هلل الذي كان في ضيافته بالواقعة فقد استدل الطاعن بها على أن واقعة السب المسندة إليه لم تحدث إذ قال الضيف في تلك المذكرة إن الطاعن قد التقى به أثناء نزوله لا أثناء صعوده ولأن كلاً من الضيف وزوج المدعية بالحق المدني لم يقطع فيها بلقائه للطاعن الذي كان بسيارته على البحر ومن ثم تنتفي واقعة السب المسندة إليه في اللقاء المزعوم ولأن المذكرة تدل على أن العبارات المقول بصدورها من الطاعن والتي تنطوي على السب والقذف المخدوش للعرض لم تصدر منه لأن العبارات التي وردت بالمذكرة لا تحمل هذا المعنى ولا تنطوي على إسناد العيب للمدعية بالحق المدني وإنما تتناول معان أخرى. ورغم ذلك كله فإن الحكم لم يعرض له في أسبابه بما يفنده أو يزيل التناقض بينه وبين ما جاء بأقوال الشهود بل اقتصر على تزكية أقوال الشهود في عبارة عامة لا تكفى للرد عليه. كذلك قدم الطاعن رسماً هندسياً يبين المسافة التي تفصل شارع زهرة الذي يقع به منزل المدعية بالحق المدني عن أقرب نقطة منه إلى طريق الكورنيش الذي ورد بمذكرة الأحوال أن الطاعن كان واقفاً فيه بسيارته تبلغ 250 متراً ومن ثم يكون مستحيلاً على المدعية بالحق المدني وأخيها وأختها والشاهد حليم ميخائيل وهم في شارع زهرة أن يسمعوا أو يروا شيئاً إن كان ثمة لقاء قد حصل بالفعل بين زوج المدعية بالحق المدني وضيفه وبين الطاعن ولم يعرض الحكم المطعون فيه لهذه المسألة بالرد. كما أثبت الطاعن أن الشاهد حليم ميخائيل لا يسكن بشارع زهرة رقم 10 الذي زعم أنه يسكن به ودلل على ذلك بما جاء بإجابة بواب المنزل وشيخ الحارة على أصل الإنذار المعلن إليه في 3/ 5/ 1960 بعد الواقعة بأيام فأغفل الحكم المطعون فيه الرد على ذلك المستند مع ما يحمله من دلالة على اختلاق الشاهد لشهادته. كما أطرح أقوال شاهدي النفي بمقولة صلتهما بالطاعن ولأن شهادتهما متأخرة دون أن يكشف عن تلك الصلة ورغم أن تراخى الشهادة لا محل له في صحة الاستدلال وعدمه. ولأن الحكم المطعون فيه أثبت أن شهود الإثبات قد انعقد إجماعهم على عبارات السب والقذف التي أوردها نقلاً عن صحيفة الدعوى في حين أن العبارات الواردة في أقوال هؤلاء الشهود قد اختلفت في محضر الشرطة عنها في محضر الجلسة فضلاً عن اختلافها عما ورد في مذكرة الأحوال رقم 47 سيدي جابر ولم يبين الحكم كيفية اعتبارها من السب الذي تنطبق عليه المادة 308 من قانون العقوبات.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بما أنشأه لنفسه وتبناه من أسباب الحكم المستأنف قد حدد شهود الإثبات في الدعوى ومؤدى شهاداتهم تفصيلاً واستخلص إدانة الطاعن من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه مبيناً الواقعة موضوع الاتهام ومستظهراً عناصر الجريمة المسندة إلى الطاعن كما هي معرفة به في القانون. وذلك بما مؤداه أن الطاعن اعترض سبيل النقيب عبد العاطي هلل في الطريق العام وكان قادماً لزيارة زوجه فسأله عن وجهته ثم سب المدعية بالحق المدني بقوله "إنت طالع الكرخانة وأن الست دى وسخت سمعة البيت" وقد أعاد ترديد هذه الألفاظ مرة ثانية في حضور زوجها وزائرة حينما نزلا لمقابلته كما أورد الحكم في معرض بيان أدلة الدعوى أن المدعية بالحق المدني ذكرت هذه الوقائع في محضر الشرطة وبجلسة المحاكمة وأن أقوالها قد تأيدت بشهادة زوجها يوسف رباط والنقيب عبد العاطي هلل اللذين فصل الحكم شهادتهما وشهادة حليم ميخائيل نعمة الله فيما يتصل بواقعة السب الثانية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن سب المدعية في الطريق العام وهو مكان عمومي بطبيعته مما يتوافر به ركن العلانية قانوناً فإن نعى الطاعن على الحكم بالقصور يكون على غير أساس. ولما كان الحكم المطعون فيه قد حصل دفاع الطاعن وأقوال شاهدي نفيه أمام محكمة أول درجة وأشار إلى مضمون مذكرة الأحوال التي تضمنت تبليغ زوج المدعية بالحق المدني والنقيب عبد العاطي هلل بالحادث كما أشار إلى الرسم الهندسي الذي قدمه الطاعن لبيان موقع منزله من طريق الكورنيش وانتهى إلى أن المحكمة تطمئن إلى أقوال الشهود وتأخذ بها دليلاً على وقوع الجريمة وثبوتها قبل الطاعن مطرحاً شهادة شاهدي النفي لعدم اطمئنان المحكمة لأقوالهما لصلتهما بالطاعن ولإدلائهما بها بعد فترة طويلة من الزمن، ولما كان من المقرر أن أساس المحاكمة الجنائية هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفهي الذي يجريه بنفسه والذي يديره ويوجهه الوجهة التي يراها موصلة للحقيقة وأن التحقيقات الأولية السابقة على المحاكمة لا تعتبر إلا تمهيداً لذلك التحقيق الشفهي وأنها بهذا الاعتبار لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على القاضي يأخذ بها إذا اطمأن إليها ويطرحها إذا لم يصدقها لما كان ذلك، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بأقوال الشاهدين يوسف رباط وعبد العاطى هلل بجلسة المحاكمة ومحضر الشرطة إن اختلفت مع ما أثبت على لسانهما في مذكرة الأحوال المحررة يوم الحادث والمقدمة صورتها في الدعوى، ولما كان الطاعن لم يبتغ من تقديم صورة مذكرة الأحوال والرسم الهندسي الذي بين به موقع منزله من طريق الكورنيش وصورة الإنذار التي ورد بها أن الشاهد حليم ميخائيل لا يسكن بالشارع الذي وقع به الحادث غير التشكيك في أدلة الثبوت. وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود من شئون محكمة الموضوع وأنها متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها لما كان ذلك، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن المستندات التي أشار إليها الطاعن كعناصر في الدعوى ولا يجوز الجدل فيها أمام هذه المحكمة لكونه من الأمور الموضوعية ويكون ما ينعاه الطاعن بالقصور في هذا الصدد لا محل له. ولما كان ما قالته المحكمة في الحكم المطعون فيه عن الصلة بين الطاعن وبين شاهدي النفي له أصله الثابت في الأوراق إذ أن أحد الشاهدين حداد كان يعمل في إصلاح باب منزله والآخر بواب لمنزل مجاور له كما أنهما لم يدليا بأقوالهما إلا متأخرين، وكان للمحكمة أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن عليها أنها أطرحت أقوالهما وأخذت بأدلة الثبوت في الدعوى يكون على غير أساس ولا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أورد أن المدعية بالحق المدني ذكرت أن الطاعن سب وقذف في حقها في مواجهة النقيب عبد العاطي هلل بقوله "إنت طالع الكرخانة الست دى وسخت سمعة البيت" وأنه أعاد ترديد هذه العبارات في حضور النقيب عبد العاطي هلل وزوجها حين نزلا لمقابلته في الطريق العام وأورد الحكم أن زوج المدعية والنقيب عبد العاطي قد ذكرا ما محصله أن الطاعن سب وقذف المدعية في مواجهة زوجها بقوله "مارى مراتك وسخت البيت ودايماً اليوزباشي ده يحضر عندها" كما أورد أن الشاهد حليم ميخائيل نعمة الله شهد أنه سمع الطاعن يخاطب زوج المدعية بالحق المدني بقوله "إحنا فتحينها كرخانة والا إيه كل يوم واحد طالع وواحد نازل" وخلص الحكم من ذلك إلى أن الطاعن سب المدعية بالحق المدني علناً وتضمن سبه طعناً في عرضها وخدشاً لسمعتها ولما كان المرجع في تعرف حقيقة الألفاظ هو بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض فإن الحكم لا يعتبر أنه أخطأ في الإسناد حين يكون بين بعض أقوال المدعية بالحق المدني وشهودها وبعضها الآخر زيادة أو نقصاً في ألفاظ السب ويكون ما ينعاه الطاعن عليه في هذا الصدد لا محل له، ولما كان نعت المدعية بالحق المدني بأنها "بطالة وتمشى مشى مش كويس ودايماً اليوزباشي ده يحضر عندها في البيت" يتضمن طعناً في عرضها وخدشاً لسمعتها مما ينطبق عليه حكم المادة 308 من قانون العقوبات. فإن الحكم المطعون فيه إذ عاقب الطاعن بالعقوبة المقررة في هذه المادة يكون صحيحاً ويكون النعي عليه في هذا الصدد بالخطأ لا يكون له سند. لما كان كل ما تقدم، فإن الطعن في موضوعه يكون على غير أساس متعيناً الرفض.
ساحة النقاش