إن المادة 347 ع يفيد نصها أن السب غير المشتمل على إسناد عيب أو أمر معين يكون مخالفة حتى ولو كان علنيا مهما يكن فى هذا السب مما يخدش الناموس أو الاعتبار
الحكم كاملاً
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 482
جلسة الاثنين 14 مارس سنة 1932
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.
(336)
القضية رقم 1421 سنة 2 القضائية
سب غير مشتمل على إسناد عيب معين. جواز اعتباره مخالفة حتى لو كان علنيا بمقتضى المادة 347 ع. جواز اعتباره جنحة متى وقع علنا بمقتضى المادة 265 ع. النظر الثانى أقرب إلى غرض الشارع.
(المادتان 265 و347 ع)
إن المادة 347 ع يفيد نصها أن السب غير المشتمل على إسناد عيب أو أمر معين يكون مخالفة حتى ولو كان علنيا مهما يكن فى هذا السب مما يخدش الناموس أو الاعتبار، بينما أن المادة 265 يقضى نصها صراحة بأن مثل هذا السب الخادش للناموس والاعتبار متى وقع علنا كان جنحة مما تعاقب عليه المادة المذكورة حتى ولو كان غير مشتمل على إسناد عيب معين؛ فأى النصين أولى بالاعتبار؟
ترى محكمة النقض أن المنطبق على غرض الشارع هو اعتبار مثل هذا السب جنحة لا مخالفة وذلك: (أوّلا) لأن المادة 265 ع حلت محل المادة 281 ع من قانون سنة 1883 الأهلى المنقولة إليه من القانون المختلط (مادة 271 ع) التى أخذها هذا من القانون الفرنسى وأضاف إليها ما يفيد أنه جعل العلانية هى الفارق المميز بين الجنحة والمخالفة. فهذه الإضافة الواردة على أصل النص الفرنسى هى إضافة مقصودة عند الشارع المصرى والتوسيع الذى أتت به فى نطاق الجنحة يعتبر أنه تخصيص للنص المحدّد لنطاق المخالفة والمنقول عن القانون الفرنسى. وكل ما فى الأمر أن الشارع حين أضافها فاته أن يعدّل النص الخاص بالمخالفة التعديل الذى يتفق معها بل نقل هذا النص عن الأصل الفرنسى على حاله نقلا خطأ. (ثانيا) لأن المادة 265 ع التى تنص على السب المعتبر جنحة قد عدّلت أخيرا فى سنة 1931 (القانون رقم 97 سنة 1931) ولم يمس الشارع أصل تلك الإضافة بل استبقاها على حالها. وفى هذا ما يشير إلى تأكيد رضائه بوجودها وأنها واجبة التطبيق. هذا إلى أن من قواعد الأصول أنه إذا تعارض نصان عمل بالمتأخر منهما؛ فاذا كان نصا المادتين 265 و347 متعارضين فان نص أولاهما أصبح هو المتأخر بما طرأ عليه من التعديل فى سنة 1931 ذلك التعديل اللفظى الذى لم يمس جوهره بل بينه وأكد حرص الشارع على استبقائه [(1)]. وعليه فاذا كان المتهم قد سب المجنى عليه علنا بقوله "اطلع بره يا كلب" فمثل هذه العبارة الخادشة للناموس والاعتبار تجعل الواقعة جنحة لا مخالفة ولو أن السب غير مشتمل على إسناد عيب معين.
الطعن المقدّم من حسين بك فوده ضد النيابة العامة فى دعواها رقم 434 سنة 1931 و1932 المقيدة بجدول المحكمة رقم 1421 سنة 2 قضائية.
الوقائع
أقامت النيابة العمومية هذه الدعوى أمام محكمة مصر الجديدة المركزية ضد حسين بك فوده واتهمته بأنه فى 5 أكتوبر سنة 1930 بدائرة قسم مصر الجديدة اعتدى بالسب العلنى المخدش للشرف والناموس على جرانت أفندى اسكندر بأن قال له علانية "اطلع بره يا كلب" وطلبت معاقبته بالمادة 265 من قانون العقوبات.
وبعد أن سمعت المحكمة المذكورة الدعوى حكمت غيابيا فى أول مارس سنة 1931 عملا بالمادة السابقة بتغريم المتهم خمسمائة قرش. فعارض فى هذا الحكم ونظرت المعارضة وحكم فيها فى 19 أبريل سنة 1931 باعتبارها كأن لم تكن. فاستأنف المتهم هذا الحكم فى 23 أبريل سنة 1931.
ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية نظرت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا فى 10 ديسمبر سنة 1931 بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض فى 28 ديسمبر سنة 1931 وقدّم حضرة المحامى عنه تقريرا بأسباب طعنه فى ذات التاريخ.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم فى الميعاد وكذلك أسبابه فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن المحكمة أخطأت فى تطبيق القانون إذ اعتبرت الواقعة جنحة سب مما تنطبق عليه المادة 265 من قانون العقوبات مع أنها ليست إلا مخالفة مما تنطبق عليه المادة 347 من القانون المذكور وذلك لأن الطاعن لم يسند إلى المجنى عليه عيبا معينا.
وحيث إن المادة 347 من قانون العقوبات إذ نصت على أن "من ابتدر إنسانا بسب غير علنى أو غير مشتمل على إسناد عيب أو أمر معين" فقد أفادت أن السب غير المشتمل على إسناد عيب أو أمر معين يكون مخالفة مما تنطبق عليه المادة المذكورة حتى ولو كان علنيا مهما يكن فى هذا السب مما يخدش الناموس أو الاعتبار.
وحيث إن المادة 265 يقضى نصها صراحة بأن مثل هذا السب الخادش للناموس والاعتبار متى وقع علنا كان جنحة مما تعاقب عليه المادة المذكورة حتى ولو كان غير مشتمل على إسناد عيب معين.
وحيث إن واقعة الدعوى الحالية أن الطاعن سب المجنى عليه علنا بقوله "اطلع بره يا كلب" وهذه العبارة خادشة لا شك للناموس والاعتبار.
وحيث إن هذه العبارة من قبل أنها سب غير مشتمل على إسناد عيب أو أمر معين داخله تحت نص المادة 347 وإن كان هذا السب علنيا لأن مفهوم تلك المادة يقتضى هذا الدخول كما سلف القول. كما أن هذا السب من جهة أنه علنى ومشتمل على ما يخدش الناموس والاعتبار هو جنحة واقعة تحت نص المادة 265 كما يفهم مما تقدّم أيضا.
وحيث إن هذا الإشكال آت من أن النصين لم يراع وقت التشريع التدقيق فى ضبط مدى تطبيقهما؛ والمتعين الآن على المحكمة معرفة أى النصين أولى بالاعتبار.
وحيث إن الشارع المصرى نقل النصوص الخاصة بجرائم السب عن قانون الصحافة الفرنسى الصادر فى 18 مايو سنة 1819 إلى قانون العقوبات المختلط (مواد 271 و273 و340) ثم نقل هذه النصوص من القانون المختلط إلى القانون الأهلى فى سنة 1883 (مواد 281 و283 و346). ولكنه عند نقل هذه النصوص عن القانون الفرنسى المذكور يظهر أنه أخطأ القاعدة الفرنسية التى كانت لا تعتبر السب جنحة إلا بشرطين: الأول أن يكون علنيا؛ والثانى أن يكون فيه إسناد عيب معين فاذا انعدم أحد الشرطين كان السب مخالفة أى إذا كان غير علنى أو إذا كان علنيا ولكنه غير مشتمل على إسناد عيب معين مهما يكن فيه مما يجرح الناموس والاعتبار - أخطأ القاعدة أولا لأنه فيما يتعلق بالجنحة لم يقتصر على إيجاب شرطى العلنية وإسناد العيب المعين لتحقق الجريمة كما هو مقتضى القانون الفرنسى بل أضاف إلى ذلك ما يفيد أن السب الذى هو جنحة يتحقق أيضا بتوجيه ما يخدش الناموس والاعتبار بأى كيفية كانت توجيها علنيا وإن لم يكن فيه إسناد عيب معين (مادة 271 مختلط و281 من قانون سنة 1883 الأهلى) أى أنه جعل العلانية هى الفارق المميز بين الجنحة والمخالفة. وبينما هو يضيف هذه الإضافة إذا به يستثنى "السب غير العلنى أو غير المشتمل على إسناد عيب معين" وينص على اعتباره مخالفة (مادة 273 مختلط و283 من قانون سنة 1883 الأهلى) آخذا فى ذلك بقاعدة القانون الفرنسى. بتلك الإضافة حصل الخلط بين ضابط الجنحة وهو العلانية وضابط المخالفة وأصبح السب العلنى الخادش للناموس والاعتبار وإن لم يكن فيه إسناد عيب معين - أصبح هذا السب جنحة ومخالفة معا لانطباق النصين (271 و273 مختلط و281 و283 أهلى) عليه.
على أن الاضطراب لم يقف عند هذا الحدّ بل إنه فى باب المخالفات جاءت المادة 340 مختلط و346 أهلى سنة 1883 بقاعدة تخالف قاعدة المادتين 273 مختلط و283 أهلى إذ ورد فيهما "أن الشتم أو السب غير العلنى وغير المشتمل على إسناد عيب أو أمر معين" يعاقب بعقوبة مخالفة. ففى هذا النص جعل القانون عدم العلانية شرطا أساسيا لا تتحقق المخالفة على أى حال إلا به على خلاف مفهوم المادتين 273 مختلط و283 المذكورتين القاضى بأن السب العلنى غير المشتمل على إسناد عيب معين يكون مخالفة.
وحيث إن كل ما عمله قانون العقوبات الأهلى الصادر فى سنة 1904 أنه حذف المادة 283 لعدم لزومها ثم أتى للمادة 346 فجعلها 347 وأصلح نصها بحذف حرف العطف (الواو) واستبدال حرف العطف (أو) به قائلا إن المحذوف كان خطأ "نظرا للإحالة الواردة بالمادة 283 القديمة". ومفهوم هذا أن الشارع عاد إلى أصل النص الفرنسى بشأن المخالفة؛ ولكن بقى الإشكال على حاله فيما يتعلق بالسب العلنى المحتوى على ما يخدش الناموس والاعتبار بأى كيفية كانت وإن لم يكن مشتملا على إسناد عيب معين أهو جنحة تنطبق عليها المادة 265 التى حلت محل المادة 281 القديمة ما دامت تصدق عليه بسبب الإضافة الواردة فيها زائدة على أصل القانون الفرنسى أم هو مخالفة تنطبق عليها المادة 347 ما دامت تصدق عليه أيضا.
وحيث إن هذا الاضطراب الذى أوجده عدم مراعاة أصل الضوابط فى القانون الفرنسى يضطر المحكمة إلى تلمس أقرب ما يوافق غرض الشارع. وترى المحكمة أن من المنطبق على غرضه اعتبار الحادثة جنحة لا مخالفة وذلك: أوّلا - لأن الإضافة التى أضافها شارع المحاكم المختلطة ونقلت للقانون الأهلى الصادر فى سنة 1883 والصادر فى سنة 1904 هى إضافة واردة على أصل النص الفرنسى فهى إضافة مقصودة للشارع المصرى والتوسيع الذى أتت به فى نطاق الجنحة يعتبر أنه تخصيص للنص المحدّد لنطاق المخالفة والمنقول عن القانون الفرنسى - وكل ما فى الأمر أن الشارع إذ أضافها فاته أن يعدل النص الخاص بالمخالفة التعديل الذى يتفق معها بل نقل هذا النص عن الفرنسى على حاله نقلا خطأ.
ثانيا - لأن المادة 265 التى تنص على السب المعتبر جنحة قد عدّلت أخيرا فى سنة 1931 (القانون نمرة 97 سنة 1931) ولم يمس الشارع أصل تلك الإضافة بل استبقاها على حالها؛ وفى هذا ما يشير إلى تأكيد رضائه بوجودها وأنها واجبة التطبيق. يضاف لهذا أن من قواعد الأصول أنه إذا تعارض نصان عمل بالمتأخر منهما فاذا كان نصا المادتين 265 و347 متعارضين فان نص أولاهما أصبح هو المتأخر بما طرأ عليه من التعديل فى سنة 1931 ذلك التعديل اللفظى الذى لم يمس جوهره بل بيّنه وأكد حرص الشارع على استبقائه.
وحيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه لم يخطئ إذ اعتبر الحادثة جنحة منطبقة على المادة 265 من قانون العقوبات، ويتعين إذن رفض الطعن ومصادرة الكفالة.
على أن هذه المحكمة لا يفوتها لفت النظر إلى وجوب تعديل إحدى المادتين المذكورتين تعديلا يمنع هذا التعارض وتظن أن الأولى بالتعديل هى المادة 347 وأن يكون تعديلها بحذف عبارة "أو غير مشتمل على إسناد عيب معين" حتى يكون الفارق بين الجنحة والمخالفة هو مجرّد العلانية على مثال قانون الصحافة الفرنسى الصادر فى يوليه سنة 1881. وتحقيق هذا الفارق أسهل فى العمل على القاضى من البحث وراء معرفة توفر العيب المعين فى ألفاظ السب وعدم توفره.
[(1)] لفتت المحكمة النظر إلى وجوب تعديل إحدى المادتين (265 و347) تعديلا يمنع هذا التعارض ورأيها أن الأولى بالتعديل هى المادة 347 وأن يكون تعديلها بحذف عبارة "أو غير مشتمل على إسناد عيب أو أمر معين" حتى يكون الفارق بين الجنحة والمخالفة هو مجرّد العلانية. وتحقيق هذا الفارق أسهل فى العمل على القاضى من البحث وراء معرفة توفر العيب المعين فى ألفاظ السب وعدم توفره. وفى 10 يوليه سنة 1932 صدر القانون رقم 35 لسنة 1932 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 265 على الوجه الآتى: "وإذا كان السب موجها إلى موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة تكون العقوبة الحبس لمدّة لا تتجاوز سنة وغرامة لا تقل عن عشرين جنيها ولا تزيد عن مائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط" كما عدّلت الفقرة الثانية من المادة 347 على الوجه الآتى "من ابتدر إنسانا بسب غير علنى". الخ ما جاء بهذا القانون.
ساحة النقاش