إسناد المتهم إلى المجني عليها أنها تشتغل بالجاسوسية لمآ رب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته وأن لها اتصالا غير شريف بآخرين هو إسناد وقائع مهينة إليها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 1 - صـ 251
جلسة 16 من يناير سنة 1950
برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وحسن الهضيبي بك وفهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك المستشارين.
(83)
القضية رقم 1168 سنة 19 القضائية
أ - قذف. حق محكمة النقض في استظهار مرامي العبارات.
ب - إسناد المتهم إلى المجني عليها أنها تشتغل بالجاسوسية لمآ رب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته وأن لها اتصالا غير شريف بآخرين. هو إسناد وقائع مهينة إليها. كون المقال المتضمن لهذا القذف منقولا عن جريدة أفرنجية وترك الأمر للمجني عليها في تكذيب أو تصحيح هذه الوقائع. لا يؤثر. القذف يتحقق بالصيغة التشكيكية.
جـ - مجلة. مالكتها. لا يرفع المسؤولية المدنية عنها بعدها عن أعمالها. اختيارها الناشر يجعلها مسؤولة عن خطئه.
1 - إنه لما كان لمحكمة النقض تصحيح الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة الثابتة بالحكم، كان لها في جرائم النشر أن تستظهر مرامي العبارات - كما هي ثابتة بالحكم - لتتعرف ما إذا كانت هذه العبارات تكون جريمة أم لا.
2 - متى كانت العبارات المنشورة - كما يكشف عنوانها وألفاظها وما أحاط بها من علامات وصور - دالة على أن الناشر إنما رمى بها إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعية بالحقوق المدنية هي أنها تشتغل بالجاسوسية لمآ رب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته الحسناء وأنه كان لها اتصال غير شريف بآخرين فإن إيراد تلك العبارات بما اشتملت عليه من وقائع مقذعة يتضمن بذاته الدليل على توافر القصد الجنائي. ولا يغني المتهم أن تكون هذه العبارات منقولة عن جريدة إفرنجية وأنه ترك للمجني عليها أن تكذب ما ورد فيها من وقائع أو تصححها، فإن الإسناد في القذف يتحقق ولو كان بصيغة تشكيكية متى كان من شأنها أن تلقى في الأذهان عقيدة ولو وقتية أو احتمالاً ولو وقتيين في صحة الأمور المدعاة.
3 - لا يرفع المسؤولية المدنية عن مالكة المجلة ادعاؤها بعدها عن أعمالها التي يقوم بها ابنها الناشر وحده ما دامت هي التي اختارته لهذا العمل إذ هو يعتبر تابعاً لها تسأل عن خطئه ما بقيت ملكية المجلة لها.
الوقائع
أقامت السيدة أمينة هانم البارودي هذه الدعوى مباشرة على كل من 1 - السيدة فاطمة اليوسف و2 - الأستاذ إحسان عبد القدوس تتهمهما فيها بأنهما نشرا في مجلة روز اليوسف في العدد رقم 1043 الصادر بتاريخ 9 يونية سنة 1948 مقالا تحت عنوان "سر السيدة أمينة البارودي" يتضمن عبارات أسند فيها إليها أموراً لو صحت لأوجبت احتقارها عند أهل وطنها إذ نسب إليها فيه أنها كانت تشتغل جاسوسة لحساب الانجليز وأنها حتى في هذه المهمة الدنيئة قد استغلت موقفها فذهبت إلى فندق شبرد وقابلت جوزفين بيكر الجاسوسة الموفدة من قبل الجنرال ديجول وهددتها بألا تفشي سرها إذا تعهدت السلطات الفرنسية بأن تمنحها (أي السيدة أمينة البارودي) العطاء الذي أعلن عنه خاصا بتوريد الخوذ الفولاذية لقوات فرنسا الحرة وذلك بالعبارات الواردة في المقال والمبينة بالعريضة وكذلك نسب إليها أنها كانت تشتغل مساعدة للبروفسور بوجومولتز بعد أن قدماه لقراء المجلة بأنه الخائن الأكبر وبأنه يتجر في عرض زوجته وذلك بالعبارات الواردة في المقال والمبينة بالعريضة، وكذلك نسب إليها علاقة غير شريفة مع كل من الموسيقيين الثمانية الذين كانوا يرافقون جوزفين بيكر إذ ذكر المتهمان في مقالهما أن السيدة أمينة البارودي قد التقطت التفصيل عن مهمة جوزفين بيكر في الجاسوسية من الموسيقيين الذين كانوا يرافقونها فقد كان لكل منهم مع السيدة أمينة قصة... ثم علامة تعجب وقد نشر المعلن إليهما هذا المقال في العدد المذكور من مجلة روز اليوسف وباعاه في كافة أنحاء المملكة المصرية وغيرها من البلاد، وقد طلبت إلى محكمة جنح السيدة زينب الجزئية معاقبتهما بالمواد 302و303/1و307و308/1-3و171/5و195و197 و198و200/1-2 من قانون العقوبات كما طلبت القضاء لها عليهما متضامنين بمبلغ خمسة آلاف جنيه بصفة تعويض.
نظرت محكمة جنح السيدة زينب الجزئية هذه الدعوى وقضت فيها عملا بالمواد 302/1و303/1و308/1-2 و171/5 و195 و197 و200 من قانون العقوبات، مع تطبيق المادتين 55و56 من قانون العقوبات للمتهم الثاني والمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات للمتهمة الأولى. (أولا) بحبس المتهم الثاني ستة شهور مع الشغل وتغريمه مائة جنيه مع وقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة لمدة خمس سنوات تبدأ من وقت صيرورة هذا الحكم نهائياً. (ثانياً) براءة المتهمة الأولى مما أسند إليها. (ثالثاً) تعطيل مجلة روز اليوسف الأسبوعية لمدة ثلاثة أشهر تبدأ عند إمكان تنفيذ هذا الحكم. (رابعاً) إلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحق المدني مبلغ 200 جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف المدنية المناسبة و20 قرش مقابل أتعاب المحاماة وأعفتهما من المصاريف الجنائية.
فاستأنفت المتهمة الأولى هذا الحكم، كما استأنفه المتهم الثاني.
سمعت محكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية هذه الدعوى وقضت فيها عملا بالمادتين 172 و188 من قانون تحقيق الجنايات بالنسبة للمتهم (الأستاذ إحسان عبد القدوس) بقبول الاستئنافين شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بجميع أجزائه وبراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله وقبل المستأنفة الثانية وإلزام رافعتها بمصروفاتها عن الدرجتين مع الإعفاء من المصروفات الجنائية.
فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض الخ الخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعنة تعيب على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي بيان ذلك تقول. إن المطعون ضدهما قد نشرا مقالا بالمجلة التي تملكها الأولى ويرأس الثاني تحريرها. ورد تحت عنوان كتب بحروف كبيرة وقد تضمن المقذوف والسب في حقها بأن نسب إليها فيه أنها تشتغل بالجاسوسية وأنها كانت مساعدة لآخر وصف بأنه خائن أكبر وأنه يتجر بعرض زوجته كما نسب إليها أن لها علاقة غير شريفة بآخرين ولكن المحكمة الاستئنافية قضت بالبراءة ورفض دعواها المدنية وبنت هذا القضاء على أن المقال مترجم عن جريدة أجنبية وأن المجلة قد تركت للمدعية حرية التكذيب أو تصحيح الوقائع مما لا يتوفر معه ثبوت القصد الجنائي كما بنته على أن عبارات المقال لا تفيد القذف أو السب ولم يترتب عليها ضرر بالمدعية مع أن المقال بعنوانه وعباراته والصور الواردة فيه يفيد غير ذلك ويتحقق معه توفر القصد الجنائي ثم إن المحكمة مع قضائها بالبراءة قد سلمت في الأسباب بأن العبارات فيها مساس بها ولكنها أسقطت حقها في التعويض بناء على ما ذكرته من أن شأن الطاعنة ورد عرضاً بالمقال وأنه لم يمسها فيه إلا القليل وقد اختفت فيه دلائل العوامل الشخصية مع أن هذا الذي ذكرته تبريراً لرفض الطلب لا يتفق وحكم القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "وحيث إنه بالرجوع إلى المقال الذي أسست عليه المدعية بالحق المدني دعواها - يتبين أنه نشر في مجلة روز اليوسف في العدد نمرة 1043 تحت عنوان "سر السيدة أمينة البارودي" وقد مهدت له المجلة بهذا التمهيد "هذه صفحة من صفحات الجاسوسية التي لعبت دوراً كبيراً في القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت بطلتها اللفتنانت جوزفين بيكر التي يطلق عليها الفرنسيون اسم ماتاهري السمراء والسيدة أمينة البارودي التي يلقبها الانجليز الجاسوسية السمراء" وفي هذه الصفحة التي كتبها القومندان إيتاي رئيس قسم المخابرات الفرنسية - يزاح الستار لأول مرة عن الطريقة التي فقد بها الفرنسيون سوريا ولبنان. ونحن ننشرها عملا بحرية الترجمة ونترك للسيدة أمينة البارودي حرية تكذيب أو تصحيح الوقائع التي ذكرها القومندان إيتاي". ثم أورد الوقائع التي تناولها الحكم الابتدائي وهي كما وردت فيه "وبما أنه يبين من مطالعة المقال موضوع التهمة والذي نشر بالصحيفتين 22 و23 من مجلة روز اليوسف بالعدد رقم 1043 الصادر في 9 يونيه سنة 1948 أنه عنون بعبارة "سر السيدة أمينة البارودي" وجاء في مقدمته أن هذه صفحة من صفحات الجاسوسية التي لعبت دوراً كبيراً في القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت بطلتاها اللفتنانت جوزفين بيكر التي يطلق عليها الفرنسيون اسم ماتاهاري السوداء والسيدة أمينة البارودي التي يلقبها الانجليز "الجاسوسية السمراء" وجاء بالمقال بعد ذلك أن الراقصة جوزفين بيكر سافرت من القاهرة إلى الجزائر سنة 1942 حيث قابلت الجنرال دى جول الذي كلفها بالعودة إلى القاهرة للتجسس لصالح الفرنسيين الأحرار فاصطحبت معها ثمانية موسيقيين من المقربين إليها وقد حرصت الراقصة على أن يكونوا جميعاً من الشباب المغامرين الذين تثق بهم. كما عاد معها إلى القاهرة القومندان إيتاي الذي وصف بمقدمة المقال بأنه كابتن وكان يعمل رئيساً لقلم المخابرات الفرنسية ونزلت جوزفين ومرافقوها في فندق شبرد "مركز الجاسوسية في الشرق الأوسط" وبعد ذلك بثلاثة أيام نزل في نفس الفندق الخائن الأكبر البروفسور بوجو مولنز وكان يحمل بيده دائماً الكتاب المقدس وكانت ترافقه زوجته الحسناء "الحسناء جداً" والتي كانت تقوم بإدارة أعماله الخاصة !!! وتناول المقال بعد ذلك كيف عرفت جوزفين أن البروفسور المذكور يراقبها وأن قلم المخابرات البريطانية يشتبه فيها ولكنها لم تصل إلى مصدر علم السلطات البريطانية إلى أن حضرت إليها السيدة أمينة البارودي بالفندق وقالت لها "إنها - أي السيدة أمينة - تعلم المهمة التي حضرت من أجلها لمصر وأنها تعد بأن لا تفشي سرها إذا تعهدت السلطات الفرنسية بأن تمنحها العطاء الذي أعلنت عنه خاصا بتوريد الخوذ الفولاذية لقوات فرنسا الحرة. وصعقت جوزفين من جرأة السيدة أمينة وطلبت منها مهلة للتفكير ومراجعة السلطات المختصة بالأمر وابتسمت السيدة أمينة ابتسامة المنتصر الواثق من نفسه وقالت وهي تستأذن بالخروج أنا لست مستعجلة أبداً. وطلبت جوزفين إلى القومندان إيتاي أن يبحث في الحال عن الطريقة التي عرفت بها السيدة أمينة البارودي تفصيلات مهمتها في مصر وفي اليوم التالي عرف إيتاي أن السيدة أمينة تعمل مساعدة للبروفسور بوجومولنز. أما التفاصيل فقد التقطتها من الموسيقيين الذين يرافقون جوزفين في رحلتها فقد كان لكل من الموسيقيين مع السيدة أمينة قصة ثم تناول المقال بعدئذ ما فعله القومندان إيتاي واتصالاته المختلفة". وقد انتهت المحكمة إلى أن العبارات قد تجردت عن معاني القذف كما تجردت الدعوى من قيام القصد الجنائي مما يتعين معه براءة المتهم وأن هذه البراءة تستتبع أن تكون الدعوى المدنية في غير محلها.
وحيث إنه لما كان لمحكمة لنقض تصحيح الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة بحسب ما هي مثبتة في الحكم وكانت العبارات المنشورة والمقامة من أجلها الدعوى هي بذاتها الواقعة الثابتة في الحكم المطعون فيه فإنه يتعين البحث في تبين مناحي تلك العبارات واستظهار مراميها من ناحية وجود جريمة فيها أو عدم وجودها ومن حيث توفر ما يستوجب التعويض من عدمه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال إن ما ورد بهذا المقال لا يتضمن على صورة ما قذفاً حق المدعية إذ ليس في عباراته ما يوجب الاحتقار أو الطعن في العرض وذكر "وليس في القول بأنها تعمل مساعدة للبروفسور برجومولنز الموصوف في المقال بأنه الخائن الأكبر ما يثير أي احتقار لها عند أهل وطنها، إذا ما روعي أن وصف الخائن الأكبر إنما أطلقه فرنسي يعمل في قلم المخابرات الفرنسية على شخص يحارب النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط لحساب الانجليز ومن الجلي أن المدعية بالحق المدني وهي تعمل مع هذا البروفسور في محاربة هذا النفوذ (في نظر منشئ المقال) ينالها شيء من هذا الوصف ولكنه أمر اعتباري محض - ومن وجهة نظره هو ومن يتفقون معه في هذا الرأي - أما من وجهة نظرها هي وما يرد في بيئتها ووسطها ووطنها فإنهم لا ينكرون من هذه الخيانة شيئاً لأنها في اعتبارهم إنما تعمل في وصف الساعين للقضاء على ذلك النفوذ وليس في المقال إشارة ما إلى أنها وهي تعمل في هذا السبيل تسعى لتمكين النفوذ الانجليزي وإحلاله محل النفوذ الفرنسي. فإن المقال خال من هذا المعنى وإنما هو يدور حول المعنى الذي أوضحه كاتب المقال على لسان دى جول حيث ذكر لجوزفين (أن الانجليز يعتقدون أن الفرنسيين قد احترقوا وانتهوا إلى الأبد وهم يحاولون القضاء على نفوذنا في الشرق فيجب أن تعودي في الحال، وتفعلي اللازم لإصلاح الموقف) ولا ريب في أن هذه العبارة، تنطوي على تكليف لجوزفين بالعمل على محاربة هذه الفكرة والسعي لإعادة النفوذ الفرنسي إلى ما كان عليه. فليس للمدعية بالحق المدني أن تلتمس من وصفها بأنها مساعدة البروفسور بوجومولنز (الخائن الأكبر) واقعة قذف في حقها وليس لها كذلك أن تعتبر عملها في هذا السبيل موجباً لاحتقارها عند أهل وطنها وهذا الاعتبار نفسه هو ما ينطبق أيضاً على عملها كجاسوسة. وحيث إنه لا محل لاستمداد هذا القذف أيضاً من الوصف الذي أسبغه كاتب المقال على بوجومولنز من أنه استأجر جناحاً خاصاً بالفندق الذي كانت تنزل به جوزفين - وأن زوجته الحسناء - الحسناء جدا - كانت ترافقه - وأنها هي التي تتولى إدارة أعماله الخاصة إذ مهما يكن المعنى الذي ينتهي إليه التأويل من هذه العبارات فإنه لا يلزم منه أن تكون مساعدة بوجومولنز لها من الصفات أو المؤهلات ما لزوجته إن صح أن تلك الصفات والمؤهلات لا بد حتما أن تنصرف في الذهن إلى معان غير كريمة أو سلوك مشوب. فلا محل إذن لما ذهب إليه الحكم المستأنف من القول بأن المقال المنشور ينسب للمدعية بالحق المدني أمراً مشيناً بعملها في الجاسوسية لحساب الانجليز مساعدة للخائن الأكبر - ذي الزوجة الحسناء. وحيث إن الحكم المستأنف أخذ للمتهم الأول بما ورد في المقال، من أنه أسند للمدعية بالحق المدني واقعة تتضمن طعناً في عرضها حين نشر في ذلك المقال، أنه كان لكل من الموسيقيين معها قصة - بما يوحي في الذهن - أن تلك القصة هي اتصالها بهؤلاء الموسيقيين اتصالا غير شريف والحق أن تخريج القصة - على هذه الصورة فيه تقديم لسوء الظن. إذ العبارة على ظاهرها تحتمل معاني شتى. فلا وجه لأفراد (القصة) بهذا المعنى الذي لا يدل عليه السياق. ولا يصح الاتجاه إلى هذا التفسير إلا عند ما يكون الجزم به ميسوراً من وقائع الحال ودلالته - وهو ما لا يتوفر في العبارة المذكورة".
وحيث إن مناحي العبارات كما تكشف عنها ألفاظها وما أحاط بها من عنوان وعلامات وصور تدل في غير لبس بل تكاد تتراءى للمطلع في مصارحة على أن الناشر إنما يرمي بها إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعية بالحقوق المدنية وهي أنها تشتغل بالجاسوسية لمآ رب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته الحسناء وأنه كان لها اتصال غير شريف بآخرين ولا شك أن إسناد هذه الوقائع يحط من كرامة المدعية في أعين الناس ويوجب الاحتقار عند أهل الوطن ولا يرد على ذلك بما حاول الحكم المطعون فيه أن يلطف به أثر الرمي بالتجسس وما انتهى إليه عنها إذ يكفي أن توصف المدعية بها في مثل ظروفها والبيئة التي توجد فيها ليبين أنها موجبة للاحتقار ثم إن في الوقائع الأخرى المسندة للطاعنة ما يفصح عن هذا المعنى وأنه بعيد عما أريد تأويلها به من معان لا تحتملها العبارات الواردة بالمقال ولا نزاع في أن إيراد تلك العبارات بما اشتملت عليه من وقائع مقذعة يتضمن بذاته الدليل على توفر القصد الجنائي وتكون المحكمة إذ قالت بغير ذلك قد جانبت الصواب. أما ما أشير إليه عن النقل والترجمة وما ورد بالمقال عن حق المدعية في التكذيب أو التصحيح وغير ذلك من التحفظات فإنه لا يغني المتهم شيئاً إذ يبقى الإسناد قائماً ما دام القصد ظاهراً فالإسناد في القذف يتحقق بكل صيغة ولو تشكيكية متى كان من شأنها أن تبقى في الأذهان عقيدة ولو وقتية أو ظناً أو احتمالا ولو وقتيا في صحة الأمور المدعاة.
وحيث إنه لما كان الأمر كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه بانعدام الخطأ على انعدام الجريمة وكانت المدعية قد أصابها ضرر حتما بهذا النشر على صورته كان الحكم برفض الدعوى عن التعويض في غير محله ويتعين لذلك نقض الحكم والقضاء لها بتعويض الضرر قبل الناشر وهو ما تقدره هذه المحكمة بالحد الذي ارتأته محكمة أول درجة.
وحيث إن الطاعنة تطلب إلزام صاحبة المجلة بالتضامن مع المطعون ضده الثاني بهذا التعويض وهذا الطلب في محله - وقد تبين قيام الخطأ وصلة التبعية ووقوع الخطأ أثناء العمل وذلك على مقتضى حكم المادة 152 من القانون المدني القديم ولا يكفي في دفع مسؤولية المالكة ما ادعت به من بعدها من أعمال الجريدة التي يقوم بها ابنها الناشر وحده ما دام أنها هي التي اختارته لهذا العمل فيعتبر تابعاً لها تسأل عن خطئه ما بقيت ملكية الصحيفة لها.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والقضاء بتأييد الحكم الابتدائي فيما جرى به عن التعويض.
ساحة النقاش