القانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة - الجمعية هي كل جماعة ذات تنظيم مستمر تتألف من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين وتقوم بنشاط أهلي في أحد مجالات الرعاية الاجتماعية أو الثقافية .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 911
(138)
جلسة 6 من إبريل سنة 1985
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين علي ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.
الطعن رقم 2667 لسنة 30 القضائية
دعوى - طلب وقف التنفيذ - ركناه - ركن الاستعجال.
القانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة - الجمعية هي كل جماعة ذات تنظيم مستمر تتألف من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين وتقوم بنشاط أهلي في أحد مجالات الرعاية الاجتماعية أو الثقافية - نشاط الجمعية - طبيعته - لا يلبي مطالب ملحة ولا يقوم وحده وبصفة أساسية على إشباع حاجات أساسية للأفراد - رفض الجهة الإدارية المختصة شهر جمعية لسبب من الأسباب لا يترتب عليه إضرار حالة يتعذر تداركها فيما لو رفع الأمر للقضاء واستغرق نظر النزاع بعض الوقت وانتهى الحكم لصالح الجمعية بإلغاء قرار رفض شهرها - تخلف ركن الاستعجال - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 21 من يوليو سنة 1984 أودع الأستاذ/ سعد عبد الواحد حماد المحامي عن نفسه وبصفته المندوب المفوض عن مؤسسي الجمعية المصرية للسلام والحرية - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2667 لسنة 30 ق. عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 22/ 5/ 1984 في الدعوى رقم 1149 لسنة 38 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب وقف التنفيذ وفي الموضوع برفض شهر الجمعية المصرية للسلام والحرية والحكم بإلغاء القرار رقم 19 لسنة 1983 وإلزام الإدارة بالمصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 5/ 11/ 1984، وبجلسة 21/ 1/ 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى (الدائرة الأولى) بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 23/ 2/ 1985، ونظرت المحكمة الطعن بهذه الجلسة وقررت إصدار حكمها فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم التالي وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن كان قد أقام دعواه بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 11/ 12/ 1983 قيدت بجدولها برقم 1149 لسنة 38 ق طالباً في ختامها الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري رقم 19 الصادر في 11/ 10/ 1983 من إدارة عابدين الاجتماعية فيما تضمنه من رفض شهر الجمعية المصرية للسلام والحرية وفي الموضوع بإلغاء القرار وما يترتب عليه من آثار وإلزام الإدارة المصروفات.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه تقدم في 28/ 8/ 1983 إلى إدارة عابدين الاجتماعية بصفته مندوباً مفوضاً عن مؤسسي "الجمعية المصرية للسلام والحرية" بطلب شهر الجمعية المذكورة مرفقاً به الأوراق والمستندات التي يتطلبها القانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة. وبتاريخ 15/ 10/ 1983 تلقى المدعي إخطاراً من الجهة الإدارية المختصة بصدور قرارها رقم 19 في 11/ 10/ 1983 برفض شهر الجمعية تأسيساً على المادتين 7، 12 من القانون سالف الذكر.
وقد قام هذا القرار على أن الجمعية تقوم على أغراض سياسية، وهذا السبب غير مقبول شكلاً ولا موضوعاً إذ أن أوراق الجمعية المقدمة لجهة الإدارية تضمنت أن نشاطها سيكون في مجال الخدمات الثقافية وفقاً للمادة 7 من القانون رقم 32 لسنة 1964 الذي يعرف الجمعية الثقافية بأنها كل جمعية يكون الغرض من تكوينها النهوض بالعلوم والفنون والآداب. وبديهي أن العلوم تشمل العلوم الطبيعية كما تشمل العلوم الإنسانية والاجتماعية، ولا شك أن نشر وتعميق ودراسة العلوم القانونية بما في ذلك حقوق الشعب وحقوق الإنسان لا تعدو أن تكون نهوضاً بما نصت عليه المادة 7 من القانون رقم 32 لسنة 1964. وأهداف الجمعية لا تخرج عن هذا النطاق إذ أنها جميعاً تدور في نطاق أحد أفرع العلوم القانونية المعترف بها وهو القانون الدولي العام مع النهوض بجوانب الأمن والسلام والتنمية والحرية مما يميز الجمعية عن نشاط جمعيات أخرى مثل الجمعية المصرية للقانون الدولي وغيرها. واستطرد المدعي موضحاً أن تنفيذ القرار المطعون فيه يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها لحرمانهم من المساهمة في النشاط الثقافي النبيل الذي تستهدفه الجمعية وهو من الحقوق الدستورية التي أشارت إليها ديباجة دستور سنة 1971 والمادة 50 من الدستور.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاع جهة الإدارة جاء بها أن المادة 12 من القانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة خولت الجهة الإدارية المختصة بعد أخذ رأي الاتحاد المختص حق رفض شهر الجمعية المخالفة لأحكام قانون الجمعيات وعرفت المادة 7 من القانون الجمعية الثقافية بأنها كل جمعية يكون الغرض منها النهوض بالعلوم أو الفنون أو الآداب.
ولما كانت الجمعية المصرية للسلام والحرية المطلوب شهرها قد استهدفت أغراضاً سياسية تخرج بها عن تعريف الجمعية الثقافية الذي أورده القانون مستترة وراء عبارات تحاول من خلالها الإيحاء بالغرض العلمي في حين أن الهدف السياسي واضح وصارخ من خلال لائحة النظام الأساسي للجمعية.
ولما كان إنشاء جمعيات ذات صفة سياسية يتعارض مع قانون الجمعيات وأن إنشاء الهياكل والتنظيمات السياسية يخضع لقوانين أخرى ولإجراءات مختلفة كقانون الأحزاب وغيره من القوانين المتعلقة بالحياة السياسية لذلك يكون قرار محافظ القاهرة برفض شهر الجمعية قد قام على سبب صحيح مطابقاً للقانون.
وأردفت مذكرة إدارة قضايا الحكومة بأن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يتخلف عنه ركن الاستعجال بحسبان أنه لن يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها.
وعقب المدعي على مذكرة إدارة قضايا الحكومة قائلاً أن أغراض الجمعية الواردة بلائحتها الأساسية لا تتضمن سوى النهوض بدراسة ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وجهودها من أجل تحريم استخدام الأسلحة النووية والمساهمة بالأبحاث والدراسات التي تخدم أهداف الأمم المتحدة في السلام والأمن والتعاون. ومما لا شك فيه أن ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وأهدافها يكون جزءاً أساسياً من علم القانون الدولي العام تهتم بدارسته كثير من الجامعات والمعاهد والجمعيات تحت باب الأمن الدولي.
وقد سبق للإدارة أن وافقت على شهر كثير من الجمعيات الثقافية التي تهتم بالنهوض ببعض فروع العلوم الإنسانية كجمعية الاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء وجمعية القانون الدولي وجمعية أنصار حقوق الإنسان وجمعية العلوم السياسية.
وأضاف المدعي أن الأغراض السياسية التي ادعت جهة الإدارة أن الجمعية تسعى إليها، هي كاصطلاح قانوني يمكن أن تفهم وفقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية بأنها المبادئ أو الأهداف التي يقوم عليها الحزب والبرامج والوسائل التي يدعو إليها لتحقيق هذه الأهداف. أما تعريف الحزب فهو كما نصت عليه المادة الثانية من القانون المذكور "كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم". وبتطبيق ذلك على الجمعية محل النزاع يبين أنها منشأة طبقاً للقانون رقم 32 لسنة 1964 وليست طبقاً للقانون رقم 40 لسنة 1977، كما أن لائحة الجمعية تتفق تماماً مع نموذج اللائحة الواردة بتعليمات ولوائح الجهة الإدارية المنفذة للقانون. وأهداف الجمعية لا تتضمن أية أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للدولة أو الرغبة في المشاركة في مسئوليات الحكم وإنما مجرد الاهتمام بدراسة ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بدعم السلام العالمي ودعم جهودها في تحريم استخدام أسلحة الإبادة بالجملة والمساهمة بالأبحاث والدراسات التي تخدم هذه الأهداف.
وأردف المدعي بأنه متى استهدفت الجمعية الشروط والأوضاع القانونية المقررة التزمت الإدارة بشهرها ذلك أن الحق في تكوين الجمعيات هو من الحقوق الدستورية التي يقتصر دور الإدارة بشأنها على مجرد كونها الأداة المنظمة لاستعمال هذا الحق وإقراره بتوافر عناصره وشروطه.
وبجلسة 22/ 5/ 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً، وفي طلب وقف التنفيذ برفضه وألزمت المدعي بمصروفاته وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن المادة 50 من الدستور تقضي بأن للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون، ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً أو ذا طابع عسكري كما أن المادة (1) من القانون رقم 32 لسنة 1964 في شأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة تنص على أن "تعتبر جمعية في تطبيق أحكام هذا القانون كل جماعة ذات تنظيم مستمر لمدة معينة أو غير معينة تتألف من أشخاص طبيعية لا يقل عددهم عن عشرة أو من أشخاص اعتبارية لغرض غير الحصول على ربح مادي". وقد حددت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه ميادين عمل الجمعيات والمؤسسات الخاصة ومن بينها "الخدمات الثقافية والعلمية والدينية" ونصت الفقرة الأخيرة من المادة 12 من القانون رقم 32 لسنة 1964 على أن "تعتبر جمعية ثقافية كل جمعية يكون الغرض من تكوينها النهوض بالعلوم أو الفنون أو الآداب...".
واستطردت المحكمة أنه ظاهر من هذه النصوص أن الجمعيات الخاصة هي عبارة عن تجمع لأشخاص يقوم على تحقيق أغراض غير مادية تتمثل في تحقيق الرعاية الاجتماعية والثقافية للمواطنين، ومن ثم فلا يجوز لأي جمعية أن تستهدف تحقيق أغراض خلاف تحقيق الرعاية الاجتماعية والثقافية للمواطنين بالمظاهر المختلفة لتلك الرعاية والتي نصت عليها المادة 12 من القانون رقم 32 لسنة 1964 والمادة الأولى من اللائحة التنفيذية - وإلا كان للجهة الإدارية المختصة حق رفض شهرها. وحيث إن طلب تأسيس الجمعية المذكورة قد نص على أن ميدان عملها "خدمات ثقافية وعلمية" كما نص على أن أغراضها تتحصل فيما يلي:
1 - الاهتمام بدراسة ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقة بدعم السلام العالمي وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتنمية تطوير مواردها لصالح شعوبها ولصالح التعاون والإخاء الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان كدعامة من دعائم الاستقرار الدولي.
2 - نشر وتعميق وتوسيع دائرة المعرفة الشعبية حول مخاطر الأسلحة النووية وغيرها من قوى السلام من أجل تحريم استخدام هذه الأسلحة تمهيداً لإبادتها وتحرير الإنسانية من مخاطر سباق التسلح والجحيم النووي وحرب الإبادة بالجملة.
3 - المساهمة بالأبحاث والدراسات التي تخدم أهداف الأمم المتحدة في السلام والحرية والتنمية ومنع الحروب النووية وتسخير الموارد المخصصة للتسلح النووي لأهداف التعمير وتنمية شعوب العالم الثالث والتعاون الدولي وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية وتدعيم الجهود المبذولة للدفاع عن السلام بغض النظر عن الاختلافات الفكرية أو السياسية أو الدينية وبغض النظر عن الجنس أو اللون أو الثروة".
وحيث إنه في مجال الاشتغال بالسياسة ينبغي التفرقة بين الفكر والدراسات السياسية وبين العمل السياسي أو العمل بالسياسة والفكر والدراسات السياسية تقتصر على تحديد ودراسة المشكلات العامة المحلية منها والدولية والبحث في الحلول الممكنة لتلك المشكلات، أما العمل السياسي فهو ممارسة الوسائل المختلفة لنقل الفكر السياسي لفرد أو طائفة معينة إلى عالم التطبيق.
وإذ يبين من استظهار أغراض الجمعية المطلوب شهرها أنها تحمل خليطاً من الأهداف يصعب الفصل فيه بين دراسة المشكلات السياسية الدولية، والعمل السياسي لحل تلك المشكلات مما يضفي طابعاً سياسياً ظاهراً على أغراض الجمعية لا يمكن إنكاره بالقول بأن دور الجمعية يقتصر على الدراسات النظرية كفرع من فروع العلوم الإنسانية وهو القانون وفي خصوصية من خصوصياته وهو القانون الدولي العام الذي تشتغل به العديد من الجمعيات القائمة والمرخص بإنشائها، ففرق بين الدراسة النظرية لقواعد القانون الدولي العام وبين الاهتمام بالجانب العلمي في حركة المجتمع الدولي وصراع القوى فيه وتبني الحلول السياسية لمشاكله المختلفة.
وأردفت المحكمة أنه في طبيعة الجمعيات الخاصة وما تستهدفه أساساً من أغراض الرعاية الاجتماعية والتثقيفية ما يقضي أن ينأى بها عن مجال الاشتغال بالسياسة عموماً وخاصة في الصورة التي صيغت بها أغراض الجمعية والتي يصعب فيها الفصل بين الدراسة والعمل السياسي. ومن ثم يكون القرار الصادر برفض شهر الجمعية قائم بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب لا يرجح معها احتمال القضاء بإلغائه مما ينتفي معه ركن الجدية في الطلب المستعجل ولا تبدو الحاجة قائمة بعد ذلك لبحث ركن الاستعجال.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: التناقض في أسباب الحكم فبينما يقرر الحكم أن أغراض الجمعية المطلوب شهرها تحمل خليطاً من الأهداف يصعب الفصل فيه بين دراسة المشكلات السياسية الدولية والعمل السياسي لحل تلك المشكلات، يقفز الحكم إلى نتيجة غير منطقية مع هذه المقدمات بقوله أن هذه الأهداف تضفي طابعاً سياسياً ظاهراً على أغراض الجمعية.
والواقع إنه بمراجعة أهداف الجمعية يبين إنها مجرد أهداف دراسية وعلمية لا علاقة لها بالاشتغال بالسياسة، ولا تخرج عن نطاق ما يدرس بكليات الحقوق بشأن القانون الدولي العام.
ثانياً: الفساد في الاستدلال، ذلك أن ما قرره الحكم المطعون فيه من أن الاهتمام بالجانب العملي في حركة المجتمع الدولي وصراع القوى فيه وتبني الحلول السياسية لمشاكله المختلفة لا يعتبر دراسة نظرية بل عمل سياسي، هو قول مردود عليه بأن كافة الجامعات والمؤسسات العلمية والجمعيات المهتمة بالقانون الدولي العام تركز أبحاثها ودراستها على كل من الجانبين النظري والعملي، وهذان الجانبان أصبحا كوجهي العملة لأية مشكلة اجتماعية.
ثالثاً: فساد المعيار الذي تبناه الحكم المطعون فيه للتفرقة بين الدراسة النظرية والعمل السياسي، إذ ذهب الحكم إلى أن الفكر والدراسات السياسية مقتصرة على تحديد ودراسة المشكلات العامة المحلية منها والدولية والبحث في الحلول الممكنة لتلك المشكلات. أما العمل السياسي فهو ممارسة الوسائل المختلفة لنقل الفكر السياسي لفرد أو طائفة معينة إلى عالم التطبيق. وهذا المعيار فضلاً عن أنه تحكمي فإنه معيار فضفاض إذ أن ممارسة الوسائل المختلفة لنقل الفكر السياسي لفرد أو طائفة معينة إلى عالم التطبيق يمكن أن ينطبق على أي نشاط ثقافي لأي جمعية من الجمعيات الثقافية العاملة في مجال القانون الدولي العام أو الاقتصاد السياسي أو الاجتماعي، إذا سعت إلى نشر أبحاثها أو دراستها أو أقامت الندوات العامة حولها.
يضاف إلى ذلك أن الأغراض السياسية لها مدلول قانوني وضحته الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية إذ عرفت الأغراض السياسية بأنها "المبادئ والأهداف التي يقوم عليها الحزب والبرامج أو الوسائل التي يدعو إليها لتحقيق هذه الأهداف". كذلك عرفت المادة الثامنة من القانون المقصود بالحزب السياسي بأنه "كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحديد برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وكذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم".
وبتطبيق هذه النصوص والمفاهيم للأغراض السياسية على المعيار الذي ردده الحكم المطعون فيه يتضح أنه بعيد كل البعد عن فهم القانون للأغراض السياسية والعمل السياسي وأنه ليس مجرد نقل فكر أو دراسة إلى فرد أو طائفة معينة ليكون محل التطبيق.
ومن حيث إن المادة 49 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها".
وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار، على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية، فوجب على القضاء الإداري ألا يوقف قراراً إدارياً إلا إذا تبين له - على حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء عند الفصل فيه - أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين:
الأول: قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
الثاني: يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون إدعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب جدية.
وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة محكمة القضاء الإداري في وقف تنفيذ القرار الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المادة الأولى من قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة الصادر بالقانون رقم 32 لسنة 1964 تنص على أن "تعتبر جمعية في تطبيق أحكام هذا القانون كل جماعة ذات تنظيم مستمر لمدة معينة أو غير معينة تتألف من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن عشرة أو من أشخاص اعتباريين لغرض غير الحصول على ربح مادي".
وقد عرفت المادة السابعة من القانون الجمعية الثقافية فنصت على أنه "وتعتبر جمعية ثقافية كل جمعية يكون الغرض من تكوينها النهوض بالعلوم أو الفنون أو الآداب".
وخولت المادة 12 من القانون الجهة الإدارية المختصة - بعد أخذ رأي الاتحاد المختص - حق رفض شهر نظام الجمعية للأسباب المشار إليها في هذه المادة.
وحددت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للقانون الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 932 لسنة 1966 (المعدلة بالقرار رقم 2340 لسنة 1967) الميادين الرئيسية التي تعمل فيها الجمعيات والمؤسسات الخاصة بما يأتي:
1 - رعاية الطفولة والأمومة.
2 - رعاية الأسرة.
3 - المساعدات الاجتماعية.
4 - رعاية الشيخوخة.
5 - رعاية الفئات الخاصة والمعوقين.
6 - الخدمات الثقافية والعلمية والدينية.
7 - تنمية المجتمعات المحلية.
ويجوز لوزير الأوقاف والشئون الاجتماعية أن يضيف بقرار منه ميادين عمل جديدة للجمعيات والمؤسسات الخاصة.... إلخ.
ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن الجمعية هي كل جماعة ذات تنظيم مستمر تتألف من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين وتقوم بنشاط أهلي في أحد مجالات الرعاية الاجتماعية أو الثقافية المنصوص عليها في المادة الأولى من اللائحة التنفيذية السالفة الذكر ولا تستهدف من نشاطها الحصول على ربح مادي.
وهذا النشاط بطبيعته - لا يلبي - كأصل عام - مطالب ملحة ولا يقوم وحده وبصفة أساسية على إشباع حاجات أساسية للأفراد - سواء القائمين بإنشاء الجمعية أو المستفيدين من نشاطها - ومن ثم لا يتصور في حالة رفض الجهة الإدارية المختصة شهر جمعية لسبب من الأسباب، وقوع أخطار محدقة أو ترتيب أضرار حاله في المجال الاجتماعي أو الثقافي الذي كانت الجمعية ستعمل فيه، يتعذر تداركها فيما لو رفع الأمر للقضاء واستغرق نظر النزاع بعض الوقت وانتهى الحكم لصالح الجمعية بإلغاء قرار رفض شهرها.
وإذا صح هذا النظر بوجه عام بالنسبة إلى الجمعيات أياً كان نوعها، فإنه يصح خاصة بالنسبة إلى الجمعيات الثقافية التي يكون الغرض منها النهوض بالعلوم أو الفنون أو الآداب، كما يصدق - من باب أولى على الجمعية الطاعنة بحسبان أن أغراضها - كما حددتها - تتعلق بدراسات واهتمامات في مجالات دولية تخص دول العالم كافة، وتتصل بآفاق أوسع من المجالات المحلية.
ومن ثم فلا ريب أن النزاع الماثل يتخلف عنه وجه الاستعجال الذي يتمثل في ترتيب نتائج يتعذر تداركها فيما لو أرجئ الفصل في طلب وقف التنفيذ حتى يفصل في موضوع النزاع.
ومن حيث إنه متى تخلف ركن الاستعجال، تعين الحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه دون حاجة لبحث ركن الجدية فيه.
ومن ثم فلا حاجة لمناقشة أسباب الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه لما تقدم يغدو الطعن الماثل حقيقاً بالرفض.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن المصروفات.
ساحة النقاش