موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

إن القرار الإداري يفترض فيه أن يكون محمولاً على الصحة ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، بفضل ما يحاط به من ضمانات تعين على ذلك، كحسن اختيار الموظفين الذين يساهمون في إعداده وفي إصداره، وتسليط الرقابة الرياسية عليهم في ذلك، ولأن القرار الإداري قد يجتاز مراحل تمهيدية قبل أن يصبح نهائياً.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 360

(46)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1768 لسنة 2 القضائية

( أ ) دستورية القانون - الدفع بعدم دستورية المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بشأن الفصل غير التأديبي للموظفين - صيرورته غير ذي موضوع بعد صدور دستور سنة 1956 - المادتان 190 و191 من الدستور.
(ب) قرار إداري - إثبات - افتراض صحة القرار ما لم يقم الدليل على العكس.
(ج) فصل غير تأديبي - لجنة التطهير - لا إلزام عليها في اتباع الإجراءات والضوابط التي تلتزمها هيئات التأديب عادة - حقها في تكوين عقيدتها من معلومات أعضائها - حقها في إصدار قرارها دون سماع أقوال الموظف المقدم لها - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952.
1 - إن الدفع بعدم دستورية نص المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، قد أصبح غير ذي موضوع بعد صدور دستور جمهورية مصر والعمل به من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء؛ إذ أضفت المادتان 190 و191 منه حصانة دستورية على حركة التشريع السابقة عليه التي تمت في عهد الثورة.
2 - إن القرار الإداري يفترض فيه أن يكون محمولاً على الصحة ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، بفضل ما يحاط به من ضمانات تعين على ذلك، كحسن اختيار الموظفين الذين يساهمون في إعداده وفي إصداره، وتسليط الرقابة الرياسية عليهم في ذلك، ولأن القرار الإداري قد يجتاز مراحل تمهيدية قبل أن يصبح نهائياً.
3 - يؤخذ من حكم المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، أن الشارع لم يفرض على لجنة التطهير طريقاً معينة في البحث والتحقيق تلتزمه في كل حالة تعرض لها، كما أنه ليس في نصها ما يوجب سماع أقوال الموظف الذي تفحص حالته، بل وسع لها في ذلك، ولم يسلبها الحرية في أن تقدر كل حالة بقدرها، وفي أن تقرر في كل حالة مدى ما تراه لازماً من بحث أو تحقيق أو تحر أو اطلاع على أوراق وملفات أو بيانات مكتوبة أو شفوية لتكوين اقتناعها ثم تقديم توصياتها، ولم ترتب على عملها أي بطلان إن هي قنعت بما ورد إليها من بيانات أو معلومات عن نزعات الموظف المقدم لها وميوله غير الوطنية؛ لأن هذه اللجنة لم يعهد إليها بمحاكمة الموظفين تأديبياً حتى يتعين أن تجرى أمامها الإجراءات على أصول وضوابط تلتزمها في العادة هيئات التأديب، ولأنها من ناحية أخرى ليست هيئة قضائية يجب عليها ألا تحكم بعلمها بل على الدليل المقدم لها، وإنما لجان التطهير - على حسب قصد الشارع في المرسوم بقانون سالف الذكر - تستطيع أن تكون عقيدتها من معلومات أعضائها بحكم رابطة العمل، بل لقد روعي ذلك في تشكيلها، فهي مندوبة إليه.


إجراءات الطعن

في 19 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 20 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 511 لسنة 7 القضائية المقامة من عبد العزيز حجازي ضد مجلس الوزراء ووزارة الداخلية، القاضي "بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب الإلغاء، وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب، وإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض، وإلزام الحكومة المصروفات المناسبة ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس هيئة المفوضين، للأسباب المبينة بصحيفة الطعن، الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تعويض، ورفض طلب التعويض هو الآخر، وإلزام المدعي مصروفاته". وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 28 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 3 من سبتمبر سنة 1956، وعين لنظره جلسة 16 من فبراير سنة 1957. وقد أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه أوضح بها أن الطعن لا يقوم على وجه من أوجهه المحددة قانوناً، وأنه لا ينطوي على سبب من أسباب الالتماس، وأنه لا يستند إلى أساس. وبعد تداول الطعن في الجلسات نظر أخيراً بجلسة 16 من نوفمبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أجلت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
( أ ) عن قبول الطعن:
من حيث إن الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 20 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 511 لسنة 7 القضائية المقامة من عبد العزيز حجازي ضد وزارة الداخلية بعريضة مودعة سكرتيرية المحكمة في 24 من يناير سنة 1953 قد قضى في 20 من يونيه سنة 1956 "بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب الإلغاء، وبإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب، وإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض، وإلزام الحكومة المصروفات المناسبة ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إنه في 19 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في هذا الحكم قيد بجدولها تحت رقم 1768 لسنة 2 القضائية طالباً فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تعويض، ورفض طلب التعويض هو الآخر، وإلزام المدعي مصروفاته". واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه قام بالنسبة لما قضى به من تعويض على أن الحكومة لم تقدم من الأوراق ما يثبت ما أخذته لجنة التطهير على المدعي، مع أنها بلسان إدارة قضاياها قد قررت في طلبها المقدم إلى هيئة مفوضي الدولة المؤرخ 15 من أغسطس سنة 1956 أنها بسبيل تقديم الأوراق الدالة على صحة تقدير اللجنة، وأضاف الطعن أنه إذا ثبت وجود هذه الأوراق، فإن الأساس الذي قام عليه الحكم المطعون فيه يكون منهاراً، ويتعين من ثم الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المطعون عليه أودع سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة بملاحظاته نعى فيها على الطعن أنه قام هو ذاته على غير أساس، لأن ما استند إليه لا يمكن اعتباره وجهاً من أوجه الالتماس، كما أنه منعدم السبب؛ لأن أوجه الطعن التي حددت على سبيل الحصر في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 لا يتوافر أي منها في الطعن الحالي؛ إذ لم يعتور الحكم المطعون فيه أية مخالفة للقانون، ولا عابه خطأ في تطبيقه أو تأويله، ولا شابه بطلان في ذاته أو في الإجراءات التي بني عليها، ولا هو قد صدر على خلاف حكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به.
ومن حيث إن هذا النعي ليس في واقع الأمر إلا مجادلة موضوعية في مدى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون أو موافقته له فيما انتهى إليه من نتيجة قضائية. أما القول بعدم تحقق وجه من أوجه الالتماس فيما قام عليه الطعن من سبب يتصل بعد تقديم الأوراق الدالة على صواب تقدير لجنة التطهير، فهو اعتراض متهافت ساقط الاعتبار؛ إذ الأمر هنا ليس أمر التماس بإعادة النظر في الحكم المطعون فيه، وإلا لعرض على الهيئة التي أصدرته، بل أمر طعن يطرح على هذه المحكمة، وهي آخر المطاف في التدرج القضائي التي ناط بها القانون رقم 165 لسنة 1955 في مادته الخامسة عشرة ولاية التعقيب على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية بناءً على طعن من رئيس هيئة مفوضي الدولة في الأحوال المحصورة التي حددتها المادة المذكورة. ومن ثم يكون ما أثاره المطعون عليه على النحو المتقدم كدفع مانع من قبول الطعن في غير محله متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
(ب) عن عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب الإلغاء:
من حيث إن المطعون عليه استند في الطلب الخاص بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر بفصله من الخدمة إلى عدم دستورية المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي لمخالفة حكمها للدستور "لأنه ينشئ سلطة لا رقابة عليها من السلطة القضائية، وهذا غير جائز، كما أن فيه اعتداء على استقلال القضاء". وفي مذكرة أودعها ملف الدعوى في 16 من يوليه سنة 1953 فصل المطعون عليه الكلام في عدم دستورية المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 سالف الذكر بقوله "إنه لا يجوز للسلطة التشريعية أن تعرض على السلطة القضائية تطبيق تشريع يتعارض مع المبادئ الدستورية العامة فترغمها بذلك على مخالفة القانون؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن ينقلب خضوعها للدستور خضوعاً للسلطة التشريعية، وهذا يتعارض مع مبدأ فصل السلطات، كما أن في تطبيق هذا النص قبولاً لحكم صادر من المدعى عليه لنفسه،... ومن السلطة التنفيذية في النطاق القضائي الذي لا يجوز لها أن تمسه أو أن تستبق أحكامه أو أن تمنعه من مباشرته... وهو منافٍ للدستور بل وللمبادئ الدستورية العامة". وأن هذا المرسوم بقانون قد صدر استناداً إلى المادة 41 من دستور سنة 1923 الملغى، وسلطة الوزارة في نطاق هذه المادة مقيدة بأن لا تكون المراسيم بقوانين مخالفة للدستور وبأن يكون مقصودها اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. والمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي لم يتضمن من الأحكام ما يقتضي العجلة والبدار إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وليس في مذكرته الإيضاحية ما يشير إلى علة إصداره استناداً إلى المادة 41 من الدستور المشار إليه؛ ومن ثم ينبغي اعتبار المرسوم بقانون سالف الذكر قراراً إدارياً في هذا الخصوص من الناحية الشكلية التي يعتد بها وحدها في مجال رقابة القضاء عليه، بحيث يجب إخضاعه لرقابة محكمة القضاء الإداري كما يخضع لرقابتها سائر القرارات الإدارية سواء بسواء وقد دفعت الحكومة بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، سواء بالنسبة إلى طلب الإلغاء أو إلى طلب التعويض، استناداً إلى ما نصت عليه المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 من أنه "استثناءً من أحكام المادتين 3 و10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا القانون". ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 27 من نوفمبر سنة 1952 بفصل المدعي قد صدر بالتطبيق للمرسوم بقانون المشار إليه، فإن الدعوى تكون خارجة عن اختصاص المحكمة؛ استناداً إلى حكم المادة السابعة سالفة الذكر. وبجلسة 20 من يونيه سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري "الهيئة الثانية" بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب الإلغاء، وألزمت المدعي بمصروفات هذا الطلب، وبإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض، وألزمتها بالمصروفات المناسبة وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها في خصوص هذا الطلب على أن المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 لا تهدر مبدأ المساواة أمام القانون؛ لأنه مما لا شبهة فيه أن للحكومة أصلاً الحق في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، وحقها في ذلك مستمد من طبيعة وظيفتها في الهيمنة على تسيير المرافق العامة على الوجه الذي يحقق الصالح العام، مما يقتضي إطلاق يدها في اختيار من ترى منهم الصلاحية لمعاونتها، وعلى أن الحق في طلب الإلغاء قد تقرر بقانون فليس ثمة ما يمنع من تعطيله بقانون آخر، وليس في ذلك مصادرة لحق أو إهدار لمبدأ المساواة، وعلى أن هذا النظر يتمشى مع ما جرى عليه قضاؤها. وخلصت من ذلك إلى رفض دفع المدعي بعدم دستورية المادة السابعة وإلى إعمال الحكم الوارد فيها من حيث عدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب الإلغاء.
ومن حيث إنه ولئن كان الطعن قد اقتصر على الشق الخاص بما قضى به الحكم من تعويض دون التعرض لشقه الخاص بعدم قبول طلب الإلغاء، إلا أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الطعن أمامها في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية طبقاً للمادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة سالفة الذكر فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن. ولما كانت تلك المادة - إذ ناطت برئيس هيئة المفوضين وحده، سواء من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب ذوي الشأن إن رأى هو وجهاً لذلك، حق الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية - قد أقامت ذلك على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة، كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا، فإنه يتفرع عن ذلك أن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على هذا الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية، كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، ما دام المرد في ذلك هو إلى مبدأ الشرعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، فليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية في رقابتها للقرارات الإدارية سلطة قطعية تقصر عنها سلطة المحكمة العليا؛ ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو موضوع الرقابة القانونية التي للمحكمة الإدارية العليا على أحكام القضاء الإداري. ومن ثم فإذا قصر رئيس هيئة مفوضي الدولة طعنه على ما قضى به الحكم المطعون فيه في شقه الخاص بالتعويض - كما خصوصية هذه الدعوى - دون شقه الخاص المتعلق بما قضى به من عدم قبول دعوى الإلغاء، فإن هذا لا يمنع المحكمة العليا من البحث في حكم القانون الصحيح بالنسبة إلى هذا الشق الأخير، وبوجه خاص إذا أثار المطعون عليه المنازعة فيه؛ لتعلق الأمر بمشروعية أو عدم مشروعية القرار الصادر بفصل المدعي، ولا سيما إذا كان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، وكانا فرعين ينبعان من أصل مشترك ونتيجتين مترتبتين على أساس قانوني واحد.
ومن حيث إنه فضلاً عن أن الدفع بعدم دستورية النص المشار إليه قد أصبح غير ذي موضوع بعد صدور دستور جمهورية مصر والعمل به من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء؛ إذ أضفت المادتان 190 و191 حصانة دستورية على حركة التشريع السابقة عليه التي تمت في عهد الثورة - فضلاً عن ذلك فإن القانون لا يكون غير دستوري إلا إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه ومقتضاه. والمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي - كما سبق أن قضت هذه المحكمة بذلك - هو قانون دستوري في جميع ما اشتمل عليه، لأنه صادر من سلطة تملك التشريع في البلاد، وقد دعت إلى إصداره حكمة تتصل بمصلحة عليا هي ضرورة تطهير الأداة الحكومية مما شابها من أدران رعاية للصالح العام، ومتى قامت تلك الحكمة فإن ما يصدر على هديها من تشريعات يتسم بالشرعية، ما دامت الغاية منها هي حماية المجتمع وصون مصالحه.
وقد اعتنق الدستور المصري نظرية الضرورة في عدة مواطن، ولم تتخلف التشريعات المدنية والجنائية بل وأحكام القضاء عن تقدير ما للضرورة من مقتضيات. وإذا كانت الحكمة التي تدعو إلى إصدار تشريع كتشريع التطهير هي حكمة عادية تبرر في ظروف طبعية، فإنها تكون كذلك من باب أولى في ظروف إصلاح شامل. وليس شك في أن حق مجلس الوزراء في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو حق أصيل يستند في أساسه إلى الأوامر العالية والقوانين المتتابعة التي تناولت النص عليه. وقد رددته المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنص على أن من أسباب انتهاء خدمة الموظف العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي، وكذلك الفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء. وثبوت هذا الحق لمجلس الوزراء معناه تفرد الحكومة، وهي التي عينت الموظف، بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة والاستمرار في تولي عملها؛ ذلك أن الوظيفة ليست حقاً للموظف، بل نص الدستور على أنها تكليف، وهي مجموعة من الاختصاصات يتولاها الموظف لصالح المرفق العام، وعلاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح. فمركزه من هذه الناحية هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، وليس بقاء الموظف بالوظيفة - التي هي ملك الدولة وحدها، والمنوط هذا البقاء بصلاحيته لها - حقاً له ينهض مرتبة الحقوق الدستورية كحق الملكية مثلاً، فلا ينزع عن صاحبه إلا مقابل تعويض عادل بنص الدستور، بل مركز الموظف في هذا الخصوص هو وضع شرطي رهين بصلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة، وهذا أمر يخضع لتقدير الحكومة، فتفصل من تراه أصبح غير صالح لذلك، ما دام الفصل قد تم بالشروط والأوضاع التي قررها القانون وبغير إساءة استعمال السلطة، فلا يكون استعمال حق الفصل مشروعاً إلا إذا وقع الفصل لاعتبارات أساسها المصلحة العامة، وعلى الوجه الذي تغياه القانون. ومن هذا يبين أن المشرع لم يستحدث في المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 حقاً لم يكن قائماً من قبل، وكل ما فعله أنه قرر للموظف ضمانات لم تكن ثابتة له من قبل من حيث عرض أمره على لجان التطهير، كما رتب له حقوقاً مالية من حيث تسوية معاشه. أما ما نصت عليه المادة السابعة من المرسوم بقانون المشار إليه من عدم جواز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكامه، فإنه وإن جاء استثناءً من الاختصاص المقرر للقضاء الإداري، إلا أنه لا تثريب على المشرع إذا ما لجأ إلى تقريره مراعاة للصالح العام. وما دام المنع من الطعن الذي قررته هذه المادة قد اتسم بطابع العمومية والتجريد، فلا وجه للنعي عليه بعدم دستوريته بحجة مصادرة حق التقاضي أو إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون؛ ذلك أنه يجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء، فالمصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً بمثابة تعطيل وظيفة السلطة القضائية، أما تحديد دائرة اختصاص القضاء فهو أمر منوط بالمشرع وفقاً لأحكام الدستور. ولم يفرق المرسوم بقانون في هذا الشأن بين أفراد طائفة من الموظفين تماثلت مراكزهم القانونية واتحدت خصائصها. وقد كانت المحاكم المصرية قبل إنشاء مجلس الدولة ممنوعة من التعرض للقرارات الإدارية بالإلغاء أو وقف التنفيذ أو التعديل أو التأويل وكان اختصاصها مقصوراً على نظر دعوى التعويض عن الأضرار الناشئة من هذه القرارات. فإذا استحدث قانون مجلس الدولة دعوى الإلغاء، فليس ما يمنع دستورياً من تعطيل هذا التشريع جزئياً في وقت ما ولفترة محدودة إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك، ولا سيما أن ولاية الإلغاء التي للقضاء الإداري حالياً ليست ولاية عامة كاملة بل محددة بالنص. ولا وجه للتحدي بأن مناط إعمال المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 هو أن يكون قرار الفصل قد صدر بالمطابقة لأحكام هذا المرسوم بقانون، أي تطبيقه تطبيقاً صحيحاً لا يشوبه خطأ؛ ذلك أن الأخذ بهذا القول يجعل المنع الوارد في هذه المادة من قبيل اللغو؛ إذ يقوم على تأويل غير صحيح لغرض الشارع من عدم جواز الطعن بالإلغاء، وهو تأويل لو أخذ به لصارت كل القرارات التي لم يطبق فيها المرسوم بقانون المشار إليه تطبيقاً صحيحاً هدفاً للطعن، ولاستوت في ذلك مع سائر القرارات الإدارية التي لم يرد في شأنها منع من الطعن، ولكان الحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء مجرد صيغة أخرى من الحكم برفض الدعوى، فلا يحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء إلا فيما ترفض فيه الدعوى. وغني عن البيان أن هذا التأويل يخرج عن قصد الشارع كما كشفت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون سالف الذكر؛ ذلك أن الشارع رأى للغاية التي استهدفها من إصدار هذا التشريع، ولكي لا يظل الجهاز الحكومي قلقاً غير مستقر أن يجعل قرارات الفصل التي تصدر بالاستناد إليه بمنأى عن أي طعن من حيث الإلغاء أو وقف التنفيذ، ما دامت قد صدرت في ظل سريان أحكامه وفي الفترة المحددة لنفاذه، ولو شابها عيب من العيوب التي تجيز طلب الإلغاء تطبيقاً لقانون مجلس الدولة، فأورد نص المادة السابعة المتقدم ذكرها؛ وبذلك أغلق باب الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ بالنسبة إلى القرارات التي تصدر في ظل المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 واستناداً إليه، لا فرق في ذلك بين من طبق في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، وأياً كانت طبيعة المخالفة القانونية أو نوع الانحراف في تحصيل الواقع أو في غرضه، سواء كان هذا المأخذ مستنداً إلى لجنة التطهير ذاتها أو إلى مصدر القرار؛ لأن الغرض من المنع - كما سلف القول - هو سد باب المنازعة في العودة إلى خدمة الحكومة عن طريق الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ استقراراً للدولاب الحكومي؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صادف الصواب فيما قضى به من عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب الإلغاء. على أن الشارع لم يمنع سماع طلب التعويض عن قرارات الفصل من الخدمة الصادرة عملاً بالمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، كما فعل بالنسبة إلى طلب إلغائها أو وقف تنفيذها، فبقيت ولاية القضاء الإداري كاملة بالنسبة لطلب التعويض عن هذه القرارات، شأنها في ذلك شأن القرارات الإدارية الأخرى، فحسب الموظف المفصول استناداً إلى ذلك المرسوم بقانون أن ينصف بطريق التعويض، إن كان لذلك وجه وكان قرار فصله مخالفاً للقانون.
(ج) عن طلب التعويض:
من حيث إن المدعي طلب إلزام مجلس الوزراء ووزارة الداخلية بأن تدفع له تعويضاً قدره 500 م و20240 ج عن الضرر الأدبي والمادي الذي حاق به من جراء فصله من الخدمة، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. واستند في طلبه إلى أن القرار الصادر من مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1952 بفصله من الخدمة قد وقع باطلاً لعدم توافر الدليل على صحة السبب الذي أقيم عليه، ولبطلان الإجراءات السابقة على اتخاذ القرار المذكور. وقال إنه ظل يقوم بعمله كضابط بوليس على أكمل ما يكون القيام بالواجب حتى أبلغ بقرار مجلس الوزراء المشار إليه بفصله من الخدمة، دون أن يسأل عن شيء مما أسند إليه، ودون أن يجرى معه تحقيق يواجه فيه بما نسب إليه من اتهام، وأنه ظل يتلمس أسباب الفصل مما ترامى إلى سمعه من شائعات، حتى بلغه أن ذلك الفصل قد وقع فعلاً لاشتراكه في حوادث التعذيب، ولأنه من أنصار اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس مصر السابق. فبادر في اليوم الأول من شهر ديسمبر سنة 1952 بإرسال تظلمه من قرار الفصل إلى كل من وزير الداخلية ورئيس مجلس الوزراء حينذاك، أعقبه بإنذار معلن إليهما في 16 من ديسمبر سنة 1952 بين فيه أن قرار الفصل هو قرار جائر لا يستند إلى أساس ولا يقوم على وقائع أو تهم صحيحة، وأبان أن إجراءات الفصل كانت من الشذوذ إلى حد أنه، وهو المعنى بالقرار، كان يجهل ما قام عليه من تهم، وما أسند إليه من وقائع قام عليها فصله من الخدمة. هذا فضلاً عن أن اللجنة التي نيط بها النظر في تطهير رجال البوليس لم يشترك فيها أحد من رجال القضاء، فانفسح أمام أعضائها مجال الانتقام للأحقاد الشخصية والأخذ بأسباب النميمة والهوى، وكانت غالبية أعضائها من صغار الضباط، ومنهم من حوكم أمام مجلس تأديب ووقعت عليه جزاءات حديثة العهد. وأوضح المدعي في مذكراته أن اللجنة المشار إليها لم تستدعه لمواجهته بالاتهام الموجه إليه، فظل يجهل ما هو منسوب إليه حتى لقد أثبت في إنذاره الذي سبقت الإشارة إليه أسباباً للفصل تبين فيما بعد أنها غير الأسباب التي بني عليها فعلاً القرار الصادر بفصله، وذكر أنه ظهر في المستندات التي قدمتها الحكومة أن السبب اليتيم الذي فصل من أجله لا يتصل بسمعته أو نزاهته أو كرامته أو عمله، وإنما نسب إليه أنه غير صالح للعمل بسبب اتصاله بهيئات أجنبية، ويتساءل عما تقصده الحكومة بهذه العبارة، وكيف يتصور اتصال "ضابط البوليس" بالهيئات الأجنبية، وكيف يتصور أن يكون المدعي - وقد كان رئيساً لمكتب مكافحة الشيوعية بمحافظة مصر - على اتصال بهيئات أجنبية اتصالاً يجعله غير صالح للعمل، وإن عبء تفسير ذلك إنما يقع على كاهل الحكومة وحدها، وبخاصة وأن أسباب الفصل لا وزن لها إلا أن يكون لها أصل في ملف خدمة المدعي، وإذا كان حقاً أن يستند الفصل في بعض أسبابه إلى تقرير ما، فقد اتضح أن هذا التقرير غير موجود ضمن أوراق الدعوى ولا مودع ملف الخدمة، فإذا لم يكن موجوداً كان مؤدى هذا أن الفصل إنما أوحى به بعض ضباط البوليس الذين كانت لهم نزعات خاصة يعطف عليها الشيوعيون، وهم الذين كان المدعي خصماً لهم بحكم عمله الرسمي كرئيس لمكتب مكافحة الشيوعية؛ ولهذا كان ما بدر منهم في حق المدعي شفاء لأحقاد قديمة. واستطرد المدعي قائلاً إن اللجنة قد أغفلت الاطلاع على ملف خدمته وعلى التقارير السرية المقدمة عنه، ولم تسجل مداولاتها وتصرفاتها في محضر، وليس ثمة أي توقيع من أعضائها على محضرها، ثم إن المذكرة التي رفعها وزير الداخلية إلى مجلس الوزراء بطلب الموافقة على فصله تضمنت أسباباً جديدة غير الأسباب التي قررت اللجنة فصله من أجلها؛ فقد قررت اللجنة فصله "لأنه لا يلائمه العهد الجديد"؛ لأن التحريات دلت على أنه كان بالقسم السياسي بالمحافظة وأنه من أعوان الحكمدار السابق أحمد طلعت وكان مشتركاً معه في حوادث فساد العهد الماضي، ولأن تقرير المخابرات أثبتت أنه إنجليزي في حين أن وزير الداخلية طلب من مجلس الوزراء فصله من الخدمة لأنه غير صالح للعمل بسبب اتصاله بهيئات أجنبية، وليس من سلطة وزير الداخلية اصطناع أسباب جديدة للفصل، وفي مذكرته المودعة ملف الدعوى في 15 من مارس سنة 1955 عدل طلباته إلى طلب الحكم بإلزام الحكومة بتعويض عن الضرر الأدبي والمادي الذي لحقه من جراء الفصل والذي قدره بمبلغ 500 م و28880 ج.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) أصدرت حكمها بجلسة 20 من يونيه سنة 1956 في هذا الشق من الدعوى بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المناسبة ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأسست قضاءها على أن الحكومة "لم تقدم من الأوراق ما يثبت ما أخذته اللجنة على المدعي، كما لم تقدم تقرير المخابرات الذي انتهى إلى نعته بأنه إنجليزي، وهو ما عبر عنه وزير الداخلية في مذكرته بأن الضابط المذكور متصل بهيئات أجنبية؛ ومن ثم فليس لدى الحكومة أية أوراق تثبت التهم المنسوبة إلى المدعي، كما أن نقل المدعي من حكمدارية بوليس السكة الحديد إلى مكتب الشيوعية بالقسم السياسي بمحافظة القاهرة مع تكليفه بالعمل في القسم السياسي لا ينهض دليلاً في حد ذاته على اشتراكه مع الحكمدار السابق أحمد طلعت في جميع حوادث الفساد، كما أن عمله في هذا القسم لا يمكن أن يكون في حد ذاته موضعاً للمؤاخذة؛ لأنه كلف به من رياسة مختصة، علاوة على أن مكافحة الشيوعية لا تجعل منه موظفاً لا يلائم العهد الجديد؛ لأن مكافحة الشيوعية ما زالت قائمة، ولم يثبت من الأوراق أنه كان على صلة بالإنجليز".
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد قام على أن الحكومة لم تقدم من الأوراق ما يثبت ما أخذته لجنة التطهير على المدعي، بيد أن الحكومة قد قررت في طلبها المقدم إلى هيئة المفوضين في 15 من أغسطس سنة 1956 أنها بسبيل تقديم الأوراق الدالة على صحة تقدير اللجنة؛ ومن ثم فما دامت هذه الأوراق موجودة فقد انهار الأساس الذي قام عليه الحكم المطعون فيه".
ومن حيث إن المدعي أودع ملف الدعوى في 2 من يونيه سنة 1957 مذكرة بملاحظاته طلب فيها أصلياً عدم جواز الطعن قانوناً، واحتياطياً رفضه، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال تبريراً لطلبه الاحتياطي المتعلق برفض الطعن إن جهة الإدارة عجزت عن تقديم الدليل على وجود تقرير المخابرات المزعوم، وهذا ما يتبين جلياً من الكتب الرسمية المرسلة إلى إدارة قضايا الحكومة من كاتم أسرار الداخلية؛ ومؤدى هذا انهيار الاتهام المتعلق بميل المدعي إلى الإنجليز، وتساءل عن دليل هذا الميل ومظهره ومن أن عمله كرئيس لمكتب مكافحة الشيوعية كان يقتضيه الاتصال على وجه الدوام بجميع الهيئات الأجنبية حتى يسلط رقابته على جميع أوجه نشاط تلك الهيئات، وهذا هو المثل الأعلى الذي ينبغي أن يحتذيه من يؤدي مثل هذا الواجب، وما دام لم يقم دليل على انحراف هذا الاتصال ومجاوزة الحدود المشروعة فلا يصح أن يكون موضوع مؤاخذة واتهام للمدعي. أما عدم ملاءمته للعهد الحاضر فقول بغير دليل وذريعة تستر وراءها كيد بعض الموتورين من أعضاء لجنة التطهير. أما القول بأنه قد اشترك مع اللواء أحمد طلعت في جميع فساد العهد الماضي فلم تقدم جهة الإدارة أي دليل على مقارفة المدعي لأية جريمة في ذلك العهد أو في غيره، وقد كان يجمل بوزير الداخلية السابق أن يحيل الأسباب التي بنى عليها قرار لجنة التطهير بنصها إلى مجلس الوزراء، ولكنه استبعد منها ما يتعلق باشتراك المدعي في حوادث فساد العهد الماضي، وكأنه آمن بعدم جديتها، واكتفى بتقديمه إلى مجلس الوزراء على أنه إنجليزي النزعة، مكتفياً بالإشارة إلى تقرير المخابرات الذي استندت إليه لجنة التطهير، مجتزئاً بالقول بأنه "غير صالح للعمل بسبب اتصاله بهيئات أجنبية". وما فعله وزير الداخلية السابق هو إضافة إلى أسباب اللجنة، مع أنه في ذلك مسلوب الاختصاص. وهذا الاتهام لا تسانده واقعة مادية واحدة؛ لأنه لو كان المقصود منه هو التجسس لما ترددت اللجنة في التصريح بذلك على غرار ما فعلت بالنسبة إلى أحد الضباط الذين اقترحت فصلهم؛ فقد جاء قرين اسم أحد الضباط الوارد تحت رقم 61 "أنه غير صالح للعمل لاتصاله بهيئات أجنبية للتجسس"، ولكن وزير الداخلية في مذكرته المرفوعة إلى مجلس الوزراء أشار إلى أن اللجنة المؤلفة لبحث حالة الموظفين من قوات رجال البوليس المدنية والنظامية وفقاً للمادة الرابعة فقرة "ب" من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي قد قررت فصل المطعون عليه للسبب المبين أمام اسمه، وأوضح هذا السبب "بأنه غير صالح للعمل بسبب اتصاله بهيئات أجنبية". وقال إنه لا وجه للتحدي بأن مدير إدارة المباحث الجنائية لوزارة الداخلية كان ضمن لجنة التطهير؛ لأن إدارة المخابرات هي إدارة مستقلة، لها رياستها ولها كيانها المستقل عن إدارة المباحث؛ ومن ثم لا يكون مدير إدارة المباحث معبراً عن رأي المخابرات ولا مغنياً عن تقريرها الذي اعترفت إدارة قضايا الحكومة في جلسة 25 من مايو سنة 1957 بأنه لم يعثر عليه.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة أن وزير الداخلية وقتذاك أصدر القرار الوزاري رقم 641 بتاريخ 8 من سبتمبر سنة 1952 بتشكيل لجنة التطهير بوزارة الداخلية لبحث حالة الموظفين من قوات رجال البوليس المدنية والنظامية وفقاً للفقرة "ب" من المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، وأن هذه اللجنة قد اجتمعت لمباشرة مهمتها. ولما عرضت عليها حالة المطعون عليه قررت بالإجماع فصله من الخدمة؛ لأنه لا يلائمه العهد الجديد"، وذكرت بياناً لذلك أن التحريات دلت على أن "الضابط المذكور كان بالقسم السياسي بالمحافظة، وأنه من أعوان الحكمدار السابق أحمد طلعت حيث كان يشترك معه في جميع حوادث فساد العهد الماضي، وأن تقرير المخابرات أنه إنجليزي". وتلا ذلك تقدم وزير الداخلية وقتذاك إلى مجلس الوزراء بمذكرة أوضح فيها أن اللجنة المؤلفة لبحث حالة رجال البوليس بالتطبيق للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي قد قررت فصل المطعون عليه لأنه "غير صالح للعمل بسبب اتصاله بهيئات أجنبية". وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 27 من نوفمبر سنة 1952 على فصله من وظيفته.
ومن حيث إن مساءلة الحكومة بالتعويض عن القرارات الإدارية منوطة بأن يكون القرار معيباً، وأن يترتب عليه ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين عدم مشروعية القرار - أي بين خطأ الإدارة - وبين الضرر. فإذا كان القرار الإداري سليماًً مطابقاً للقانون فلا تسأل الإدارة عن نتائجه مهما بلغت جسامة الضرر الذي يلحق صاحب الشأن من تنفيذه. فقد نصت المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة في فقرتها التاسعة على أنه "ويشترط في الطلبات المنصوص عليها في البنود (ثالثاً) و(رابعاً) و(خامساً) و(سادساً) أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة". وقد تناول البند (خامساً) من هذه البنود "الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي". كما نصت المادة التاسعة من القانون المذكور على أن "يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة السابقة إذا رفعت بصفة أصلية أو تبعية". وكان هذا هو الحكم الذي تضمنته المادتان الثالثة والرابعة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، وكذلك المادة 18 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 التي نصت في البند (2) منها على اختصاص المحاكم العادية بالفصل "في دعاوى المسئولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح". وواضح من هذه النصوص أن المشرع قد جعل مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تسبب أضراراً للغير هو وقوع عيب في هذه القرارات من العيوب المنصوص عليها قانوناً، فإذا انتفى هذا العيب فلا خطأ، وبالتالي فلا مسئولية على الإدارة مهما ترتب على القرار من أثر أضر بذوي الشأن.
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل الموظف استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يجب - كأي قرار آخر - أن يقوم على سببه المبرر له قانوناً، وهو قيام حالة واقعية أو قانونية تسوغ صدور هذا القرار على الوجه الذي حدده المرسوم بقانون المشار إليه للغاية التي هدف إليها، فإذا انعدم هذا السبب أو كان غير صحيح أو منتزعاً من غير أصول موجودة أو كان غير مستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة لا تفضي إلى النتيجة التي يتطلبها القانون، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها القرار، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع معيباً مخالفاً للقانون وحق التعويض عنه إذا توافرت باقي الشروط اللازمة لاستحقاق التعويض. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة تنتجها مادياً وقانوناً، فإن القرار يكون قد قام على سببه وبرئ من العيب وجاء مطابقاً للقانون؛ ومن ثم فلا يكون هناك محل للتعويض.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 حدد في مادته الأولى السبب المسوغ لفصل الموظف؛ إذ نصت على أن "يكون فصل الموظفين العامين غير الصالحين للعمل أو الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة على الوجه المبين في المواد الآتية..."، وقد تكفلت هذه المواد بتقرير الضمانات التي رأى الشارع أن يوفرها لإمكان تطبيق حكم المادة الأولى في حق الموظف، وذلك من حيث الأداة التي يتم بها الفصل أو الهيئة التي تتولى فحص حالة الموظف قبل الموافقة على فصله، أو الآثار التي تترتب على هذا الفصل فيما يتعلق بمعاشه أو مكافأته أو المدة التي تضم إلى مدة خدمته وما يتبع ذلك من فروق مالية. وقد كشفت المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون عن الأهداف التي صدر هذا التشريع لتحقيقها بعد إذ لمس القائمون بالأمر مبلغ الفساد الذي تفشى في البلاد حتى امتد أثره إلى الأداة الحكومية، وأدركوا ضرورة معالجة هذه الحالة علاجاً حاسماً سريعاً، وذلك بفصل الموظفين غير الصالحين، سواء منهم غير القادر على أداء الوظيفة أو القادر غير المنتج أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد، وكذلك كل من تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. وقد اكتفى المشرع - وهو بسبيل تطهير الأداة الحكومية من أدران الفساد وإعادة تنظيمها لإقامة الحكم على أسس قوية سليمة - بالشوائب أو الشبهات القوية كسبب للفصل خلافاً للأصل العام في التأثيم؛ فأجاز فصل الموظف بمقتضى المرسوم بقانون المشار إليه متى علقت به شوائب أو شبهات، ولم يقيد ذلك إلا بأن تكون هذه الشوائب أو الشبهات قوية أي جدية، دون أن يتطلب أن تكون الوقائع المنسوبة إلى الموظف ثابتة في حقه على وجه يقيني قاطع؛ يؤكد ذلك أن المادة الأولى من المرسوم بقانون المتقدم الذكر قد فرقت بين طائفتين من الموظفين: طائفة الموظفين غير الصالحين للعمل وهم غير القادرين على أداء الوظيفة أو القادرون غير المنتجين أو القادرون المنتجون الذين لا يلائمهم العهد الجديد، وطائفة الموظفين الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. وقد ذهب المشرع في الحرص على كرامة الوظيفة وطهارة السمعة ونظافة الحكم ونزاهته إلى إقصاء الموظف الذي تعلق به شوائب أو شبهات قوية من شأنها المساس بذلك حتى ولو لم ترق هذه الشوائب والشبهات إلى حد الدليل القاطع؛ وعلى هذا الأساس يكون وزن القرار الإداري والتعقيب عليه إذا صدر بالفصل بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952.
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري لقرار الفصل الصادر بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون المشار إليه - من ناحية استظهار قيام السبب المسوغ لفصل الموظف وهو تعلق الشوائب أو الشبهات به وفقاً لما تقدم أو قيام عدم الصلاحية للعمل، وهي رقابة قانونية تقف عند حد التحقق من مدى مطابقة القرار أو عدم مطابقته في هذا الخصوص للقانون - لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل الجهة الإدارية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها واقتناعها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن الإدارة حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إن اقتنعت بها وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، كما أنها حرة في تقدير خطورة السبب وتقدير مدى ما ترتبه عليه من أثر، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا؛ إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذا التكييف - يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من محضر لجنة التطهير - وهي المشكلة تشكيلاً قانونياً بالتطبيق للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 من ضباط وموظفين تابعين لهيئات البوليس المدنية والنظامية ممن يفترض فيهم الدراية بأحوال المطعون عليه بحكم ما ربطتهم به من أواصر تسمح بالتعرف على وضعه والوقوف على مسلكه - أن إجماع أعضائها قد انعقد على أن المطعون عليه لا يلائمه العهد الجديد، لما اقتنعت به من أن ميوله إلى جانب الإنجليز، وأنه كان ضالعاً مع الحكمدار السابق أحمد طلعت في حوادث الفساد الذي استشرى في العهد البائد، وهي ميول اتضحت معالمها للجنة خلال عمله بقسم مكافحة الشيوعية التابع للقلم السياسي بمحافظة القاهرة، ويستوي بعد ذلك أن تكون العقيدة التي كونتها اللجنة قد استخلصتها مما يعلمها أعضاؤها عنه بحكم صلات العمل، أو تكون هيئة المخابرات العامة قد أمدتهم مشافهة ببيانات ولدت عندهم هذه العقيدة التي ارتضاها وجدانهم. وإذا ثبت مما تقدم كانت توصية لجنة التطهير متمحضة عن نتيجة انتهت إليها استخلصتها من أصول موجودة اقتنعت بها، وهي نتيجة تنهض السبب المبرر للفصل طبقاً لأحكام المرسوم بقانون سالف الذكر، فلا يملك القضاء الإداري - على ما سلف البيان - أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح لما قام لدى الإدارة من دلائل وبيانات وأمارات وقرائن أحوال إثباتاً ونفياً فيما هو متروك لتقديرها واقتناعها واطمئنان وجدانها، وإلا لكان مؤدى ذلك أن يحل هذا القضاء نفسه محل الجهة الإدارية المختصة فيما هو موكول إلى تقديرها واقتناعها ولصادرها على تكوين عقيدتها في هذا الشأن.
ومن حيث إنه لا وجه للتحدي بأن لفيفاً من صغار الضباط الممثلين في اللجنة المشار إليها كانوا يناصرون جماعة كانت متحاملة على المطعون عليه من جراء نشاطه خلال عمله بقسم مكافحة الشيوعية بالمحافظة، لما بين الشيوعيين وهذه الجماعة من تعاطف حمل هؤلاء الضباط على الكيد له وإشباع شهوة الانتقام منه؛ إذ لا دليل على وجود هذه النزعات، بل لا دليل على أنها انحرفت بجميع أعضاء لجنة التطهير عن سنن الإنصاف والحيدة المفترض توافرهما فيمن يختار لهذه المهمة، أو مالت بهم فصرفتهم عن فحص حالات الموظفين فحصاً موضوعياً مجرداً عن نزوات الهوى وشهوات الغرض. وغني عن البيان أن القرار الإداري يفترض فيه أن يكون محمولاً على الصحة ما لم يقم الدليل على عكس ذلك بفضل ما يحاط به من ضمانات تعين على ذلك؛ كحسن اختيار الموظفين الذين يساهمون في إعداده وفي إصداره وتسليط الرقابة الرياسية عليهم في ذلك، ولأن القرار الإداري قد يجتاز مراحل تمهيدية قبل أن يصبح نهائياً، كما هو الشأن في قرار الفصل بغير الطريق التأديبي الذي جعل لمجلس الوزراء القول الفصل فيه.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي - بعد أن بين في المادة الأولى منه أسباب فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي وأوضح في المادة الثانية كيفية فصلهم سواء بأداة المرسوم أو بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة لجنة تؤلف في كل مصلحة عامة على الوجه المفصل في المادة المذكورة - قضى في مادته

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 31 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,126,441

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »