قرار إداري عدم إمكان الطعن فيه بطريق الإلغاء لأي سبب من الأسباب لا يمنع المحكمة من استظهار ركن المشروعية للتحقق من قيامه
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 717
(82)
جلسة 15 من فبراير سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 154 لسنة 3 القضائية
( أ ) قرار إداري - عدم إمكان الطعن فيه بطريق الإلغاء لأي سبب من الأسباب لا يمنع المحكمة من استظهار ركن المشروعية للتحقق من قيامه أو انعدامه عند نظرها في طلب التعويض.
(ب) جامعة - قيد الطالب بقسمي الليسانس والبكالوريوس - سنوية القيد تبعاً لسنوية الرسوم بقطع النظر عن السنة الدراسية التي وصل إليها الطالب - خضوع القيد عند تجديده للقاعدة التي استحدثتها الفقرة الرابعة من المادة 11 من لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات، وهي تقديم شهادة تثبت الحصول على إجازة دراسية من الجهة التابع لها إذا كان موظفاً - لا فرق في ذلك بين المستجد وغير المستجد.
(ج) جامعة - اختلاف قيد الطالب بالجامعة عن قبول بها - القيد يتكرر سنوياً، والقبول يتم مرة واحده عند بدء الالتحاق.
(د) جامعة - إباحة قيد الطلبة المنتسبين كطلبة نظاميين طبقاً للمادة 36 من لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات - وجوب الحصول على إجازة دراسية من الجهة التابع لها المنتسب إن كان موظفاً.
(هـ) جامعة - المقصود بالإجازة الدراسية المطلوبة من الموظفين المنتسبين بالجامعة تلك التي نظمت أحكامها المادة 54 من قانون نظام موظفي الدولة - تطبيق هذا الشرط بالنسبة إلى غير المستجدين لا ينطوي على معنى العقوبة - حجة ذلك.
(1) لئن كان القضاء الإداري قد أصبح غير مختص بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من الهيئات الجامعية في شئون طلابها بتحويل المدعين من طلبة نظاميين إلى طلبة منتسبين إلا من يكون منهم قد منح إجازة دراسية من الجهة التي يتبعها، إلا أن ذلك لا يمنع عند نظر طلب التعويض المؤقت الذي ما زال مختصاً به من أن يستظهر ما إذا كان هذا القرار معيباً أو غير معيب بأي وجه من الوجوه، لا ليقضي بإلغائه، بل ليزن ذلك عند الفصل في طلب التعويض، لما هو معلوم من أن عيب عدم المشروعية في القرار الإداري إما أن يحكم به بالطريق المباشر أي بإلغاء القرار المشوب بهذا العيب، أو بالطريق غير المباشر أي بمساءلة الإدارة بالتعويض عنه، وإذا استغلق الطريق الأول، إما بسبب فوات ميعاد الطعن بالإلغاء أو لامتناع الاختصاص بنظر طلب الإلغاء أو لغير ذلك من الأسباب، فإن هذا لا يمنع القضاء من استظهار ركن المشروعية للتحقق من قيام هذا الركن أو انعدامه عند النظر في طلب التعويض، ما دام ميعاد تقديم هذا الطلب ما زال مفتوحاً واختصاص القضاء الإداري به ما زال قائماً.
(2) أصدر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 13 من أكتوبر سنة 1954 قراراً باعتماد لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات، وقد نصت المادة 11 من هذه اللائحة على أنه "يشترط لقيد الطالب في كليات الجامعة للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس (1).... (2) .... (3).... (4) أن يقدم شهادة تثبت أنه حصل على إجازة دراسية من الجهة التابع لها إذا كان موظفاً..". وقد كانت النصوص السابقة على ذلك خالية من مثل هذه الفقرة، وبالتالي فإن نص تلك الفقرة يكون قد استحدث بالنسبة إلى الطلبة الذين هم في الوقت ذاته موظفون عموميون حكماً جديداً بقاعدة تنظيمية عامة، يسري بأثره الحال دون استلزام نص خاص على أثر رجعي في العلاقة اللائحية القائمة بينهم وبين الجامعة، والتي تملك هذه الأخيرة تعدليها في أي وقت بإجراء عام متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، ولا وجه للتحدي إزاءها بحق مكتسب أو بمركز قانوني مستمد من النظام الدراسي الذي كان سارياً من قبل؛ إذ لا وجود لذلك الحق أو لهذا المركز، وذلك أن قيد الطالب بحسب نصوص اللوائح القديمة كان يجب أن يتجدد في أول كل سنة جامعية في سجل الكلية التي ينتمي إليها قبل افتتاح الدراسة - أصلاً - أو بعد هذا التاريخ ولأجل معلوم - استثناء - بترخيص من العميد أو بقرار من مجلس الكلية، ولا يتم هذا القيد السنوي إلا بعد دفع الرسوم الجامعية المستحقة أو صدور قرار بالإعفاء منها فنصوص اللائحة سالفة الذكر صريحة في سنوية القيد تبعاً لسنوية الرسوم، بقطع النظر عن السنة الدراسية التي وصل إليها الطالب بقسمي الليسانس والبكالوريوس، ومتى كان القيد واجب التجديد سنوياً، فإنه ينفك عن الماضي ويخضع حتماً عند تجديده للقاعدة الجديدة التي اشترطتها الفقرة الرابعة من المادة 11 من اللائحة لإجرائه، وهي تقديم شهادة تثبت أن الطالب حصل على إجازة دراسية من الجهة التابع لها إذا كان موظفاً، لا فرق في ذلك بين المستجد وغير المستجد.
3 - القيد الذي يتكرر سنوياً لطلاب الجامعات هو خلاف القبول الذي نصت علية المادة 65 من لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات والذي يتم مرة واحده عند بدء التحاق الطالب المستجد بإحدى الكليات، ولا يغير من هذا ما نصت علية المادة 31 من اللائحة المشار إليها من أن "يحتفظ الطالب بالمزايا التي تخوله إياها الرسوم الجامعية التي دفعها وأعمال السنة التي تابعها والامتحانات التي أداها فيما لا يتعارض مع قوانين الجامعة المحول إليها ولوائحها"؛ إذ أن هذه المادة - وقد وردت في باب التحويل من جامعة إلى أخرى - لا شأن لها بشروط القيد أو آثاره.
4 - إن المادة 36 من لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات قد أباحت للطالب المنتسب الذي ينجح في امتحان الفصل الدراسي الأول ويحصل في التقدير العام في امتحان الفصل الدراسي الثاني، مضموماً إلى التقدير العام في امتحان الفصل الدراسي الأول، على درجة ممتاز أو جيد جداً، أن يقيد طالباً نظامياً بالكلية متى طلب ذلك، إلا أن الإفادة من هذه الرخصة رهينة - فيما تعلق بالموظفين منهم - باستيفاء الشرط الأساسي المتطلب في الفقرة الرابعة من المادة 11 من اللائحة، والذي لم يعفه منه المشرع وهو إثبات الحصول على إجازة دراسية من الجهة التابع.
5 - إن الإجازة الدراسية المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة 11 من لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات، والمتطلبة من الموظفين العموميين دون سواهم ممن لا يخضعون لهذه النظام، ليست مجرد الإذن أو الموافقة من الجهة التابع لها الموظف على التحاقه بالدراسة في إحدى الكليات، بل المراد بها الإجازة الدراسية التي نظمت أحكامها وآثارها المادة 54 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. واشتراط الحصول على هذه الإجازة الدراسية أمر يملكه المشرع في تنظيمه لشئون الجامعات وللمصالح العامة التي يرعاها على حد سواء، ويكفل التنسيق بين احتياجاتها بما لا يتعارض مع أهدافها ولا يعطل سير العمل في المرافق العامة التي تقوم عليها، كما أن تحويل الطالب من نظامي إلى منتسب، وإن استتبع تعديلاً في بعض المزايا والأوضاع، لا ينطوي بحال على معنى التنزيل أو العقوبة؛ إذ هو نظام جامعي مألوف تقتضيه ظروف الحال في الجامعات وأوضاع طلابها ومستلزمات التوفيق بين تحصيل العلم ورعاية المصلحة العامة؛ ومن ثم فإن القرار الصادر من الجامعة بهذا التحويل بناء على تخلف شرط الحصول على الإجازة الدراسية اللازمة لإمكان قيد الموظف بإحدى الكليات كطالب نظامي للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس يكون صحيحاً مشروعاً مطابقاً للقانون.
إجراءات الطعن
في 14 من يناير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 154 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري ( الهيئة الأولى) بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1956، في الدعوى رقم 1619 لسنة 9 القضائية المقامة من: رياض سعد علي وآخرين، الطلبة بكلية الحقوق بجامعة عين شمس ضد، (1) السيد وزير التربية والتعليم (2) السيد رئيس المجلس الأعلى للجامعات (3) السيد مدير جامعة عين شمس، القاضي "بإلغاء القرار الصادر من جامعة عين شمس في 19 فبراير سنة 1955، بتحويل المدعين من طلبة نظاميين إلى طلبة منتسبين، وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنة "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى، وإلزام المدعين بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى السيد وزير التربية والتعليم في 20 من يناير سنة 1957 وإلى السيد رئيس المجلس الأعلى للجامعات في 24 منه وإلى المدعين في 4 من فبراير سنة 1957، وإلي السيد مدير جامعة عين شمس في 6 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 21 من ديسمبر سنة 1957، وفي 30 من أكتوبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
"أ" عن طلب الإلغاء:
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهم، وهم من طلبة كلية الحقوق بجامعة عين شمس، أقاموا الدعوى رقم 1619 لسنة 9 القضائية ضد السادة وزير التربية والتعليم ورئيس المجلس الأعلى للجامعات ومدير جامعة عين شمس أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعوها سكرتيرية المحكمة في 19 من مارس سنة 1955، وطلبوا فيها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من جامعة عين شمس في 19 من فبراير سنة 1955 بتحويلهم من طلبة نظاميين إلى طلبة منتسبين، إلا من يكون منهم قد منح إجازة دراسية من الجهة التي يتبعها، مع جميع ما ترتب علية من آثار حتى يقضى في الموضوع. وفي الموضوع بإلغاء هذه القرار مع إلزام المدعى عليهم بصفتهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعين قرشاً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق. وأثناء نظر الدعوى تدخل فيها طلبة آخرون قررت المحكمة قبولهم خصوماً ثلثاً منضمين إلى المدعين. وبجلسة 31 من مايو سنة 1955، أصدرت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) حكمها في طلب وقف التنفيذ "بوقف تنفيذ القرار المطعون" كما قضت بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1956 في الموضوع "بإلغاء القرار الصادر من جامعة عين شمس في 19 من فبراير سنة 1955، بتحويل المدعين من طلبة نظاميين إلى طلبة منتسبين، وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 14 من يناير سنة 1957 طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى، وإلزام المدعين المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى نص المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 الصادر في 20 من سبتمبر سنة 1956، وهو الذي قضى بعدم جواز الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ أمام أية هيئة قضائية في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها، وإلى أنه ما دام القانون المذكور قد أصبح معمولاً به قبل قفل باب المرافعة في هذه الدعوى فإنه يتعين النزول على حكمه في القضاء بعدم جواز نظرها. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن نص المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات المصرية القاضي بعدم جواز الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ أمام أية هيئة قضائية في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها، هو نص لا يهدف إلى مجرد تنظيم طرق الطعن، سواء بالنسبة إلى القرارات الإدارية التي عناها أو الأحكام الصادرة في شأنها، بل يقصد في الواقع من الأمر إلى منع أية جهة قضائية من نظر منازعة يكون موضوعها الطعن في القرارات الإدارية والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها، وهو بهذه المثابة قانون معدل لاختصاص مجلس الدولة في هذا الخصوص، مما لا معدي معه من تطبيق حكم الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات المدينة والتجارية، ما دام القانون رقم 345 لسنة 1956 المشار إليه قد أصبح معمولاً به قبل قفل باب المرافقة في الدعوى.
ومن حيث إن القانون رقم 345 لسنة 1956 نشر في الوقائع المصرية في 20 من سبتمبر سنة 1956، وعمل به من تاريخ نشره، في حين أن الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها نظرت أمام محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 25 من سبتمبر سنة 1956، وفيها حجزت للحكم مع مذكرات. ثم قررت المحكمة بجلسة 13 من نوفمبر سنة 1956 مد أجل النطق بالحكم فيها لإتمام المداولة، وبجلسة 20 من نوفمبر سنة 1956 أصدرت فيها الحكم المطعون فيه، كل ذلك بعد العمل بالقانون سالف الذكر مما يتعين معه إلغاء هذا الحكم والقضاء بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى فيما يتعلق بطلب إلغاء القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الدعوى رفعت أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت سكرتيريتها في 19 من مارس سنة 1955 أي قبل صدور القانون رقم 345 لسنة 1956؛ ومن ثم يكون المنع من نظرها كدعوى إلغاء قد جاء بعد رفعها نزولاً على حكم قانون جديد معدل للاختصاص، وقد كان غير ممنوع رفع الدعوى في ظل القانون القديم، فيتعين والحالة هذه إلزام الحكومة بالمصروفات الخاصة بطلب الإلغاء.
(ب) عن طلب التعويض المؤقت:
ومن حيث إنه ولئن كان القضاء الإداري قد أصبح بناء على نص المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات المصرية غير مختص بنظر طلبات الإلغاء أو وقف التنفيذ في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها، إلا أن اختصاصه بالقضاء بالتعويض عن هذه القرارات والأوامر ما زال قائماً، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن إلغاء الوسيلة القضائية ليس معناه إلغاء أصل الحق ذاته، وأن المادة 291 المشار إليها لا تهدر ولا تمس أصل حق الطلاب في رفض الدخول في الامتحانات أو في غيرها حسبما تقرره القوانين واللوائح الجامعية، وإنما تمنع فقط أية جهة قضائية من نظر الدعاوى التي يكون موضوعها طلبات إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات والأوامر الصادرة من الجامعات في شئون طلابها دون الإخلال بأصل حق الطلبة في اللجوء إلى الجهات الأخرى كالهيئات الجامعية أو الرياسية بالنسبة لها لاقتضاء حقوقهم بحسب القوانين واللوائح، إن كان لهم في ذلك وجه حق، ما دامت الحقوق المذكورة لم تمس في ذاتها ولم يتقرر إلغاؤها بأثر رجعي، كما أنه ما زال لهؤلاء الطلبة الحق في الالتجاء إلى القضاء بدعوى التعويض عن تلك القرارات إن كان لذلك وجه؛ إذ الذي منع من اختصاص القضاء هو الوسيلة القضائية بطلب الإلغاء ووقف التنفيذ فقط.
ومن حيث إن أساس مساءلة الحكومة عن القرارات الإدارية التي تصدر منها يقوم على وجود خطأ من جانبها، بأن يكون القرار الإداري غير مشروع أي يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة وفي المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وأن يترتب على هذا الخطأ ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر. فإذا كان القرار مشروعاً بأن كان سليماً مطابقاً للقانون فلا تسأل الإدارة عنه مهما بلغ الضرر الذي يترتب علية لانتفاء ركن الخطأ، ومن باب أولى إذا انعدم الضرر.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول، فلئن كان القضاء الإداري قد أصبح غير مختص بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من الجامعة بتحويل المدعين من طلبة نظاميين إلى طلبة منتسبين إلا من يكون منهم قد منح إجازة دراسية من الجهة التي يتبعها، إلا أن ذلك لا يمنع عند نظر طلب التعويض المؤقت الذي ما زال مختصاً به من أن يستظهر ما إذا كان هذا القرار معيباً أو غير معيب بأي وجه من الوجوه لا ليقضي بإلغائه بل ليزن ذلك عند الفصل في طلب التعويض، لما هو معلوم من أن عيب عدم المشروعية في القرار الإداري إما أن يحكم به بالطريق المباشر أي بإلغاء القرار المشوب بهذا العيب، أو بالطريق غير المباشر أي بمساءلة الإدارة بالتعويض عنه، وإذا استغلق الطريق الأول، إما بسب فوات ميعاد الطعن بالإلغاء، أو لامتناع الاختصاص بنظر طلب الإلغاء، أو لغير ذلك من الأسباب، فإن هذا لا يمنع القضاء من استظهار ركن المشروعية للتحقق من قيام هذا الركن أو انعدامه عند النظر في طلب التعويض، ما دام ميعاد تقديم هذا الطلب ما زال مفتوحاً واختصاص القضاء الإداري به ما زال قائماً.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق ومن مطالعة النصوص النافذة وقت صدور القرار المطعون فيه أن مجلس الوزراء أصدر بجلسته المنعقدة في 13 من أكتوبر سنة 1954 قرار باعتماد لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات، وقد نصت المادة 11 من هذه اللائحة على أنه "يشترط لقيد الطالب في كليات الجامعة للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس (1).. (2)... (3) ..(4) أن يقدم شهادة تثبت أنة حصل على إجازة دراسية من الجهة التابع لها إذا كان موظفاً.." وبمناسبة العمل بأحكام هذه اللائحة أصدر المجلس الأعلى للجامعات بجلستيه المنعقدتين في 29 من يناير سنة 1955، و17 من فبراير سنة 1955، قرارين - قضي أولهما بتطبيق الفقرة الرابعة من المادة 11 آنفة الذكر "على الطلاب غير المستجدين، على أن يكون لهؤلاء أن ينتظموا بالكليات في السنوات التي هم فيها بوصفهم منتسبين، وعلى ألا يسري ذلك إلا على طلاب الليسانس أو البكالوريوس"، ونص الثاني على "حذف الفقرة الأخيرة من القرار المشار إليه وهي (وعلى ألا يسري ذلك إلا على طلاب الليسانس أو البكالوريوس)"؛ وذلك نظراً إلى ما أثارته من لبس. وقد كانت النصوص السابقة على ذلك خالية من مثل هذا النص كمرسوم 22 من يونيه سنة 1933 بوضع لائحة النظام الدراسي والتأديبي لجامعة القاهرة المعدل بمرسومي 12 من مايو سنة 1947 و4 من ديسمبر سنة 1949، وكمرسوم 16 من سبتمبر سنة 1942 بشأن قبول الطلاب في كليات جامعتي القاهرة والإسكندرية المعدل بالمرسومين الصادرين في 26 من إبريل سنة 1944 و26 من يناير سنة 1948، وكمرسوم 28 من إبريل سنة 1947 بلائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب جامعة الإسكندرية وكالقانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء وتنظيم جامعة عين شمس؛ ومن ثم فإن نص الفقرة الرابعة من المادة 11 من لائحة 13 من أكتوبر سنة 1954 يكون قد استحدث بالنسبة إلى الطلبة الذين هم في الوقت ذاته موظفون عموميون حكماً جديداً بقاعدة تنظيمية عامة، يسري بأثره الحال دون استلزام نص خاص على أثر رجعي في العلاقة اللائحية القائمة بينهم وبين الجامعة، والتي تملك هذه الأخيرة تعديلها في أي وقت بإجراء عام متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، دون أن يكون ثمة وجه للتحدي إزاءها بحق مكتسب أو بمركز قانوني مستمد من النظام الدراسي الذي كان سارياً من قبل؛ إذ لا وجود لذلك الحق أو لهذا المركز؛ ذلك أن قيد الطالب - بحسب نصوص اللوائح القديمة - كان يجب أن يتجدد في أول كل سنة جامعية في سجل الكلية التي ينتمي إليها قبل افتتاح الدراسة - أصلاً - أو بعد هذا التاريخ ولأجل معلوم - استثناء - بترخيص من العميد أو بقرار من مجلس الكلية، ولا يتم هذا القيد السنوي إلا بعد دفع الرسوم الجامعية المستحقة أو صدور قرار بالإعفاء منها، وقد رددت هذا الحكم المواد 12 و13 و16 من اللائحة المتقدم ذكرها؛ إذ نصت المادة 12 على أن "يكون إجراء القيد بطلب يقدمه الطالب قبل افتتاح الدراسة، وللعميد أن يرخص بصفة استثنائية في إجرائه خلال الشهر اللاحق لافتتاحها. ولمجلس الكلية أن يرخص في إجرائه خلال شهر تال. ولا يجوز القيد بعد ذلك" كما نصت المادة 13 على أن "لا يتم القيد إلا بعد أداء الرسوم الجامعية المستحقة المبينة في الجدول المرافق لهذه اللائحة أو صدور قرار بالإعفاء منها"، ونصت المادة 16 على أن "يعد في كل كلية سجل لقيد الطلاب يدون فيه اسم الطالب ولقبه... وتاريخ أول قيد له والسنة الجامعية التي قيد فيها.."، وهذه النصوص، وكذا نصوص المواد من 21 إلى 29 الخاصة بالإعفاء من رسوم القيد صريحة جميعها في سنوية القيد تبعاً لسنوية الرسوم، بقطع النظر عن السنة الدراسية التي وصل إليها الطالب بقسمي الليسانس والبكالوريوس. ومتى كان القيد واجب التجديد سنوياً فإنه ينفك عن الماضي ويخضع حتماً عند تجديده للقاعدة الجديدة التي اشترطتها الفقرة الرابعة من المادة 11 من اللائحة لإجرائه، وهي تقديم شهادة تثبت أن الطالب حصل على إجازة دراسية من الجهة التابع لها إذا كان موظفاً، لا فرق في ذلك بين المستجد وغير المستجد، وهذا القيد الذي يتكرر سنوياً هو خلاف القبول الذي نصت عليه المادة 65 من اللائحة والذي يتم مرة واحدة عند بدء التحاق الطالب المستجد بإحدى الكليات، ولا يغير من هذا ما نصت عليه المادة 31 من اللائحة المشار إليها من أن "يحتفظ الطالب بالمزايا التي تخوله إياها الرسوم الجامعية التي دفعها وأعمال السنة التي تابعها والامتحانات التي أداها فيما لا يتعارض مع قوانين الجامعة المحول إليها ولوائحها"؛ إذ أن هذه المادة - وقد وردت في باب التحويل من جامعة إلى أخرى، كما يتأكد ذلك من العبارة الواردة في ختامها - لا شأن لها بشروط القيد أو آثاره. وإذا كانت المادة 36 من اللائحة المذكورة قد أباحت للطالب المنتسب الذي ينجح في امتحان الفصل الدراسي الأول ويحصل في التقدير العام في امتحان الفصل الدراسي الثاني، مضموماً إلى التقدير العام في امتحان في الفصل الدراسي الأول، على درجته ممتاز أو جيد جداً أن يقيد طالباً نظامياً بالكلية متى طلب ذلك، فإن الإفادة من هذه الرخصة رهينة باستيفاء الشرط الأساسي المتطلب في الفقرة الرابعة من المادة 11 من اللائحة والذي لم يعفه منه المشرع، وهو إثبات حصوله على إجازة دراسية من الجهة التابعة لها إذا كان موظفاً. وغني عن البيان أن الإجازة الدراسية المعنية بهذا النص والمتطلبة من الموظفين العموميين دون سواهم ممن لا يخضعون لهذا النظام ليست مجرد الإذن أو الموافقة من الجهة التابع لها الموظف على التحاقه بالدراسة في إحدى الكليات، بل المراد بها الإجازة الدراسية التي نظمت أحكامها وآثارها المادة 54 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. واشتراط الحصول على هذه الإجازة الدراسية أمر يملكه المشرع في تنظيمه لشئون الجامعات وللمصالح العامة التي يرعاها على حد سواء، ويكفل التنسيق بين احتياجاتها بما لا يتعارض مع أهدافها ولا يعطل سير العمل في المرافق العامة التي تقوم عليها، كما أن تحويل الطالب من نظامي إلى منتسب وإن استتبع تعديلاً في بعض المزايا والأوضاع لا ينطوي بحال على معنى التنزيل أو العقوبة؛ إذ هو نظام جامعي مألوف تقتضيه ظروف الحال في الجامعات وأوضاع طلابها، ومستلزمات التوفيق بين تحصيل العلم ورعاية المصلحة العامة؛ ومن ثم فإن القرار الصادر من الجامعة بهذا التحويل بناء على تخلف شرط الحصول على الإجازة الدراسية اللازمة لإمكان قيد الموظف بإحدى الكليات - كطالب نظامي للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس - يكون صحيحاً مشروعاً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني وهو ركن الضرر، فمتى كان القرار الإداري مشروعاً بأن كان سليماً مطابقاً للقانون وانتفى وقوع خطأ من جانب الإدارة، فإن هذه الأخيرة لا تسأل عنه مهما بلغ الضرر المرتب عليه، إذ لا مندوحة من أن يتحمل الناس نشاط الإدارة المشروع أي المطابق للقانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض طب التعويض المؤقت وإلزام المدعين بمصروفاته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به بالنسبة إلى طلب الإلغاء، وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر هذا الطلب، وبإلزام الحكومة (الجامعة) بالمصروفات الخاصة، وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
ساحة النقاش