قرارات الاحالة الى المعاش بالتطبيق للفقرة السادسة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 عدم التزام الادارة بتسبيبها
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ 1125
(104)
جلسة 23 من يونية سنة 1962
برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.
القضية رقم 2228 لسنة 6 القضائية
قرار ادارى - تسبيبه - قرارات الاحالة الى المعاش بالتطبيق للفقرة السادسة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - عدم التزام الادارة بتسبيبها - قيام قرينة على مشروعيتها ما لم يقم على دحضها دليل عكسى - كشف الادارة عن الاسباب الواقعية أو استظهار المحكمة اياها من ظروف الدعوى يبسط رقابة القضاء الادارى عليها
انه ولئن كانت الادارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها الصادرة بالاحالة الى المعاش بالتطبيق للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة. كما أن المفروض فى هذه القرارات انها تهدف فى جميع الاحوال الى المصلحة العامة والى تحقيق ذات الغرض الذى منحت الادارة من أجله سلطة اصدارها وانها قائمة على سببها المبرر وبذا تحمل قرينة المشروعية التى لاتزايلها لمجرد عدم تسبيها أو لمجرد خلو ملف خدمة الموظف مما يصح أن يكون سببا للقرار ما لم يقم على دحض هذه القرينة الدليل العكسى ممن يطلب الغاء تلك القرارات الا أن الادارة اذا كشفت عن الاسباب الواقعية لهذه القرارات واستظرتها المحكمة من ظروف الدعوى وجب على القضاء الادارى ان يبسط رقابته القانونية على تلك الاسباب ليستبين صحتها، فاذا استبان انها غير مستخلصة من اصول ثابتة فقد القرار الاساس القانونى الذى ينبغى ان يقوم عليه وكان مشوبا بعيب مخالفة القانون.
اجراءات الطعن
فى 31 من يولية سنة 1160 أودعت ادارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيدين وزير المواصلات والمدير العام للهيئة العامة للسكك الحديدية تقرير طعن فى الحكم الصادر بتاريخ أول يونية سنة 1960 من محكمة القضاء الادارى (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبى) فى الدعوى رقم 49 لسنة 13 القضائية المقامة من السيد المهندس محمد لطفى هاشم ضد وزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية وزارة الخزانة والذى يقضى بالغاء القرار الجمهورى الصادر فى 13 من يولية سنة 1958 باحالة المدعى الى المعاش والزام الحكومة مصاريف الدعوى ومقابل اتعاب المحاماة ورفض ماعدا ذلك من الطلبات. وطلب الطاعنان للاسباب المبينة فى تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المدعى مع الزامه بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة. وأعلن تقرير الطعن الى المطعون عليه فى 22 من أغسطس سنة 1960 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 17 من ديسمبر سنة 1961 وتداول الطعن فى الجلسات حتى جلسة 7 من ابريل سنة 1962 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا، وعين لنظر الطعن امامها جلسة 26 من مايو سنة 1962 وفيها ارجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الاوراق وسماع ايضاحات ذوى الشأن وبعد المداولة.
ومن حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - فى ان المدعى أقام الدعوى رقم 49 لسنة 13 القضائية ضد السادة وزير المواصلات ومدير عام هيئة السكك الحديدية ووزير الخزانة بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الادارى بتاريخ 15 من اكتوبر سنة 1958 بطلب الحكم أولا وبصفة أصلية بالغاء القرار الجمهورى الرقيم 764 لسنة 1958 والمعلن للمدعى فى 16 من يولية سنة 1958، والقاضى وباحالته الى المعاش اعتبارا من 13 من يولية سنة 1958 واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وعلى الاخص صرف راتبه من تاريخ تركه العمل الى تاريخ عودته اليه وثانيا وبصفة احتياطية وفى حالة عدم الحكم بالالغاء بالزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعى مبلغ 15000 جنيه على سبيل التعويض وثالثا وفى الحالتين بالزام المدعى عليهم بالمصاريف ومقابل اتعاب المحاماة. وقال المدعى بيانا للدعوى انه عرف عنه الجد والكفاية والاستقامة فى العمل طوال مدة خدمته فهو حين تخرج من كلية الهندسة فى سنة 1927 كان فى طليعة زملائه وأوفد فى بعثة الى انجلترا فى سنة 1929 حيث حصل على مؤهلات ممتازة وتدرج فى وظائف مصلحة السكك الحديدية حتى عين رئيسا للمكتب الفنى بكبارى السكك الحديدية فى سنة 1945 ثم عين وكيلا لتفتيش الكبارى فى سنة 1950 ثم مفتشا للكبارى فى سنة 1953 وقام خلال توليه هذه الوظائف بأعمال فنية عديدة تشهد كلها بكفايته ونبوغه وتقديرا لاعماله الممتازة منح فى سنة 1955 نيشان الجمهورية وحصل فى سنتى 1955، 1956 على أكبر مكافأة تشجيعية، ثم عين فى وظيفة سكرتير عام هيئة السكك الحديدية فى سنة 1956 وهى الوظيفة التى أصبح اسمها "مساعد مدير عام هيئة السكك الحديدية" والتى ظل يشغلها حتى تاريخ قرار احالته الى المعاش. وقد حدث ان أخطر فى 19 من مايو سنة 1958 بخطاب من السيد/ مدير عام هيئة السكك الحديدية بأن السيد وزير المواصلات وقع اختياره عليه ليكون على رأس بعثة فنية للسفر الى الاقليم الشمالى لدراسة بعض المشروعات الفنية وهى خاصة بانشاء ثلاثة كبارى على نهر الخابور وجسرين على نهر الفرات عند دير الزور والرقة، وبقدر ماسر المدعى من هذا الاختيار لانه يدل على مدى الثقة فيه والاطمئنان اليه بقدر ما أسف لانه لن يتمكن من القيام بهذه المهمة فيحقق بذلك واجبا وطنيا كريما اذ أن حالته الصحية التى انتابته منذ شهور والتى لا تمكنه البتة من القيام بهذه المهمة جعلته يبعث باعتذاره عن هذا السفر وارفق بهذا الاعتذار خمس تذاكر علاجية صادرة من كبار الاطباء الباطنيين المعروفين، وكلها بتاريخ قديم مما يدل دلالة قاطعة على أن المرض قد انتابه من شهور قبل هذا الترشيح. وقد بعث بهذا الاعتذار فى 22 من مايو سنة 1958 بعد أن أوضح للسيد/ مدير عام هيئة السكك الحديدية ظروفه الصحية التى جدت والتى تحول دون قيامه بهذه المهمة الجليلة وعلى الاخص وهو رجل عمل وتاريخه المصلحى خير شاهد على خلقه وعمله فهو رغم ظروفه الصحية المشار اليها لم ينقطع عن عمله يوما واحدا حرصا على صالح العمل. ولكن بدا ان هذا الاعتذار لم يلق قبولا فقد عاود السيد/ المدير العام للهيئة التحدث طويلا معه فى الموضوع الامر الذى جعل المدعى يتقدم باستقالته من منصبه مع ضم سنتين الى مدة خدمته وذلك فى 8 يونية سنة 1958 ثم بعث فى 14 من يونية سنة 1958 بخطاب خاص الى السيد/ وزير المواصلات طالبا السماح له بمقابلته حتى يستطيع توضيح الموقف على حقيقته وارفق بهذا الخطاب شهادة طبية من طبيب كبير تدل على انه يشكو من مرض الكبد وتنتابه نوبات دوار شديد نتيجة هذا المرض فهو لا يستطيع تحمل مشاق السفر وطلب ان يرجئ السفر لبضعة اسابيع حتى تتحسن حالته الصحية. وفى 2 من يولية سنة 1958 وصله خطاب من السيد/ مدير عام الهيئة يبلغه فيه خطابا صادرا من مكتب السيد الوزير يتضمن أن استقالته لم تقبل فاطمأن المدعى الى هذا الوضع واعتقد ان عذره قد قبل. ولكنه فوجئ فى يوم 16 من يولية سنة 1958 بخطاب من السيد/ مدير عام هيئة السكك الحديدية يخطره فيه بصورة من القرار الجمهورى الرقيم 764 لسنة 1958 باحالته الى المعاش اعتبارا من 13 من يولية سنة 1958 بالتطبيق للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وهو قرار مجحف ومخالف للقانون فتظلم منه فلم يصل له رد على هذا التظلم واستطرد المدعى الى بيان أوجه طعنه على القرار المذكور. فذكر أنه مخالف للقانون فقد كان ينبغى ان يأمر الوزير بالتحقيق فى عذره أو على الاقل يسمح بمقابلته ليشرح له ظلامته وظروفه. واذ صدر دون تحقيق فى الامر فهو بمثابة عقوبة وذكر أنه مشوب بسوء استعمال السلطة لان فيه تحايلا ظاهرا لا يصح أن يصدر من جهة حكومية. اذ بعد أن تقرر رفض استقالته واطمأن هو الى ان الامر انتهى عند هذا الحد اذا به يفاجأ بعد اسبوعين بالاحالة الى المعاش. وأجابت وزارة الخزانة على الدعوى بأن المدعى كان موظفا تابعا لوزارة المواصلات ولا صلة اطلاقا لوزارة الخزانة بموضوع النزاع وطلبت اخراجها من الدعوى بغير مصروفات، وأجابت وزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية على الدعوى بأن القرار المطعون فيه صدر لاعتبارات تتعلق بالصالح العام تطبيقا للفقرة السادسة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951، والعلاقة بين الموظف والحكومة ليست علاقة تعاقدية تلزم بالابقاء على الموظف فى وظيفته ما بقى العقد ولكنها علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح والوظيفة العامة تكليف للقائم بها وهذا التكليف يقتضى من الموظف ان يكون قادرا على عمله ضمانا لحسن سير الادارة الحكومية فبقاؤه فى الوظيفة رهين بهذا المناط وهو استمرار صلاحيته للنهوض باعبائها وهو أمر يخضع اساسا لتقدير الحكومة القوامة على تسيير المرافق العامة مستهدفة تحقيق المصلحة العامة. وصدور القرار غير مسبب أو تسبيبه بأنه صدر لاعتبارات تتعلق بالصالح العام يوجب حمله على الصحة وافتراض قيام على سبب صحيح حتى يثبت العكس ويقع على عاتق من يطلب الغاء القرار ان يقيم الدليل القاطع على أنه صدر بدافع الغرض أو الهوى، واستناد المدعى الى ملف خدمته لا يفيد فى اثبات ان قرار احالته الى المعاش قد جانب المصلحة العامة أو انحرف بها الى تحقيق غرض خاص أو خدمة شخصية وليس للمدعى ان يرتب على رفض قبول استقالته ثم احالته بعد ذلك الى المعاش ان هناك اساءة استعمال السلطة اذ أن استقالته بنص القانون تفسر كأن لم تكن وما كان من الممكن قبولها لانها مقترنة بشرط ضم سنتين الى مدة خدمته أما مسألة المهمة التى كلف بها المدعى فى سوريا فانها ان افصحت عن شىء فانها تفصح عن امور تؤيد الحكومة فيما ذهبت اليه من احالة المدعى الى المعاش - وهذا مع الحرص على تسجيل ان القرار المطعون فيه قد صدر غير مسبب - ذلك ان المدعى كلف بمهمة رسمية تهم السياسة العامة للجمهورية ولكنه اعتذر عنها بأعذار تهرب من ان يثبتها اذ كان عليه هو ان يطلب أو يتمسك بأن يعرض نفسه على القومسيون الطبى ولكنه بدلا من ذلك قدم استقالته مما يقطع بأنه راغب عن أداء تلك المهمة مهما كانت الظروف. فاذا كان المدعى يقول ان الوزارة استخلصت من ذلك انه راغب عن التعاون. فان ذلك يكون استخلاصا سليما واذا كان المدعى يقول ان القرار المطعون فيه قد بنى على هذا السبب فبافتراض صحة ذلك لا يكون قد قصد بالقرار الا تحقيق المصلحة العامة التى تتطلب من كل موظف ان يجند نفسه للقيام بما يكلف به من مهام وخاصة فى هذه الفترة الهامة من حياتنا الاقتصادية. وعقب المدعى على دفاع الحكومة وما أدوعته من مستندات فذكر أنه اطلع فى حافظة مستندات الحكومة على خطاب مرفوع من السيد المدير العام الى السيد/ وزير المواصلات يذكر فيه ان المدعى اعتذر عن سفره الى الاقليم الشمالى بسبب حالته الصحية وأنه قدم شهادات طبية تدل على مرضه فأشر السيد الوزير فى نهاية الخطاب بأن "يحال على القومسيون الطبى" وقال المدعى ان معنى ذلك هو ان السيد الوزير حين عرض عليه الامر رأى ان العذر الصحى مما يجب التحقق منه. ومع ذلك فانه (أى المدعى) لم يخطر بذلك اطلاقا بواقعة احالته على القومسيون الطبى. وقد طلب السيد المفوض بجلسة المناقشة من الهيئة العامة للسكك الحديدية تقديم الدليل على اخطار المدعى بذلك ورفضه تلك الاحالة فقرر الحاضر عن الهيئة أنه ليس لديها مستندات غير ما تقدمت به وخلص المدعى من ذلك الى أن الهيئة عاجزة عن تقديم الدليل عن اخطاره باحالته على القومسيون الطبى أو رفضه تلك الاحالة.
ومن حيث انه بجلسة أول يونية سنة 1960 قضت محكمة القضاء الادارى بالغاء القرار الجمهورى الصادر فى 13 من يولية سنة 1958 باحالة المدعى الى المعاش والزام الحكومة بمصاريف الدعوى ومقابل اتعاب المحاماة ورفض ماعدا ذلك من الطلبات واقامت قضاءها على ان الاوراق تنطق بكفاية المدعى وجدارته وحسن سمعته وهو ينفى قرينة الصحة التى قد يحمل عليها القرار المطعون فيه. ويبقى على الحكومة ان تقيم الدليل على قيام القرار المطعون فيه على سبب صحيح يبرره وانه اذا صح ان السبب الذى بنت الادارة عليه قرارها المطعون فيه ان المدعى قد رشح للسفر على رأس هيئة من الفنيين للقيام بأعمال فى الاقليم الشمالى لكنه اعتذر بأن حالته الصحية قد لاتطوع له مشاق السفر ولا تحمل اعبائه، وانه تقرر احالته الى القومسيون الطبى العام ولكنه رفض عرض نفسه. فانه لم يثبت من الاوراق ان المدعى أخطر باحالته الى القومسيون الطبى والجهة الادارية ذاتها لم تقدم ما يدل على هذا الاخطار وهو اجراء له طابع خاص وكان واجبا ان يخطر به المدعى على وجه رسمى يقطع كل شك يثور حوله. وعلى كل حال فقد عاد المدعى وأبدى استعداده للسفر اذا أمهلته الحكومة بضعة أسابيع يستكمل فيها علاجه. واذا كانت قرينة الصحة المفروضة فى القرار الادارى غير المسبب لا وجود لها فى القرار المطعون فيه. فان هذا القرار لم يكن يستهدف مصلحة عامة لتناقض التذرع بذلك مع ما هو ثابت بملف الخدمة ولان الادارة لم تقدم ما يثبت ان كفايته قد مسها الوهن أو ان صلاحيته للوظيفة قد زالت أو تضاءلت. اذ أن عبء الاثبات أصبح ملقى على عاتقها كما أنه لم يثبت ان المدعى قد رغب عن التعاون فى أداء ماعهد اليه.
ومن حيث ان الطعن يقوم على أن القرينة التى استنبطها الحكم المطعون فيه فمالت به الى الاقتناع بأن القرار الصادر بفصل المدعى من الخدمة لم يقم على سبب يبرره وهى خلو ملف خدمته، وهذه القرينة غير كافية. وعلى ان عبء اثبات السبب المنحرف والمجافى للمصلحة العامة يقع على المدعى. ولم يثبت المدعى شيئا من ذلك، وعلى ان ظروف الحال تؤكد ان المرض لم يكن هو سبب اعتذار المدعى عن أداء المهمة ذات الاهمية البالغة فى اقتصديات الاقليم الشمالى. وانما هناك ظروف أخرى وجد المدعى نفسه أن مراعاتها تقضى اما أن تعدل الوزارة عن تكليفه السفر أو ان تقبل استقالته بالشروط التى بينها فى تلك الاستقالة، هذا من شأنه ان يؤيد استهداف القرار المطعون فيه للصالح العام ذلك انه ليس من حق الموظف متى تعارضت مصالحه الخاصة مع قيامه بواجبات وظيفته أن يفرض على الادارة، اما بقاءه فى الوظيفة معتذرا عما يعهد اليه من مهام أو اعفاءه منها بالشروط التى يختارها فاذا ما رفضت جهة الادارة الخضوع لشروطه رماها باساءة استعمال السلطة.
ومن حيث انه ولئن كانت الادارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها الصادرة بالاحالة الى المعاش بالتطبيق للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة. كما ان المفروض فى هذه القرارات انها تهدف فى جميع الاحوال الى المصلحة العامة والى تحقيق ذات الغرض الذى منحت الادارة من أجله سلطة اصدارها. وانها قائمة على سببها المبرر وبذا تحمل قرينة المشروعية التى لا تزايلها لمجرد عدم تسبيبها أو لمجرد خلو ملف خدمة الموظف مما يصح ان يكون سببا للقرار مالم يقم على دحض هذه القرينة الدليل العكسى ممن يطلب الغاء تلك القرارات الا أن الادارة اذا كشفت عن الاسباب الواقعية لهذه القرارات أو استظهرتها المحكمة من ظروف الدعوى وجب على القضاء الادارى أن يبسط رقابته القانونية على تلك الاسباب ليستبين صحتها، فاذا استبان أنها غير مستخلصة من أصول ثابتة، فقد القرار الاساس القانونى الذى ينبغى ان يقوم عليه، وكان مشوبا بعيب مخالفة القانون.
ومن حيث ان الثابت من محضر المناقشة التى أجراها المفوض لدى محكمة القضاء الادارى بتاريخ 19 من يناير سنة 1959 أنه سأل مندوب الهيئة العامة للسكك الحديدية عن " الاعتبارات المتعلقة بالصالح العام التى من أجلها طلب السيد وزير المواصلات الى السيد رئيس الجمهورية احالة المدعى الى المعاش وفقا للمادة 107 من قانون موظفى الدولة" فأجاب المندوب بأن "هذه الاعتبارات هى الاعتبارات الواردة بالمذكرة المؤرخة 11 من نوفمبر سنة 1958 الموجهة من السيد مدير مكتب الوزير للشئون القانونية الى السيد مدير عام السكة الحديد والتى قدمنا صورتها فى الجلسة الماضية" ويبين من مطالعة المذكرة المشار اليها (حافظة الحكومة رقم 13 دوسيه ملف الدعوى امام محكمة القضاء الادارى) انه جاء بها: "ايماء الى كتاب سيادتكم رقم 28/ 13/ 2486 المؤرخ 28/ 8/ 1958 فى شأن التظلم المقدم من السيد المهندس محمد لطفى هاشم لاحالته الى المعاش اعتبارا من 13/ 7/ 1958 اتشرف بسرد المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع والثابتة بملفى الوزارة رقمى 40/ 5/ 1 س، 65 - 23/ 4 رجاء التفضل بالرد على السيد المفوض بهذا الشأن - طلب السيد نائب رئيس الجمهورية بالكتاب رقم 33 المؤرخ 8/ 4/ 1958 ندب ثلاثة من الفنيين المصريين لدراسة اقامة ثلاث جسور على الخابور وكوبريين احدهما عند دير الزور والآخر عند الرقة على نهر الفرات بالاقليم الشمالى - وفى 27/ 4/ 1958 رشح السيد الوزير السيد المهندس محمد لطفى هاشم لرئاسة هذه اللجنة. واخطرت هيئة السكك الحديدية فى 15/ 5/ 1958 بكتاب الوزارة رقم 40/ 5/ 1 س (1935) بترشيح السيد المهندس محمد لطفى هاشم بالسفر الى الاقليم السورى - الا أن سيادته أبدى بكتابه المؤرخ 22/ 5/ 1958 بأن حالته الصحية لا تسمح البتة بمثل هذا السفر والابتعاد عن الاطباء الذين يباشرون علاجه هذا فضلا عن أن فى ظروفه العائلة الخاصة ورعاية والدته المتقدمة فى السن ما يتطلب بحكم الضرورة اقامته فى مصر لان فى ابتعاده عنها ضررا بليغا بصحته وبأسرته وبمصالحه جميعا واعتذر عن هذا الترشيح - وقد رأى السيد الوزير أزاء اعتذار السيد المهندس محمد لطفى هاشم عن السفر الى الاقليم الشمالى بسبب حالته الصحية أن يحال الى القومسيون الطبى. وقد أفهمه السيد مدير عام السكك الحديدية ان صالح العمل يستدعى مبادرته للقيام بالمأمورية المكلف بها فى الاقليم الشمالى حيث تتوفر وسائل العلاج والرعاية الطبية اذا ما طرأ على سيادته ما يستدعى ذلك خلال فترة المأمورية الا أنه أصر على موقفه من عدم الرغبة فى السفر الى الاقليم الشمالى ورفض عرض نفسه على القومسيون الطبى. وتقدم فى 8 يونية سنة 1958 بطلب يلتمس فيه استقالته من الخدمة مع ضم سنتين الى مدة خدمته، وبناء على هذه الاستقالة تقدم السيد الوزير بمذكرة الى السيد رئيس الجمهورية فى 9 من يونية سنة 1958 يطلب فيها الموافقة على قبول استقالة السيد المهندس محمد لطفى هاشم مع ضم سنتين الى مدة خدمته وحسابها فى المعاش. وقد رؤى عدم قبول الاستقالة نظرا لان الصالح العام يقضى احالة السيد المهندس محمد لطفى هاشم الى المعاش بالتطبيق للمادة 107 من قانون موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 - واخطرت هيئة السكك الحديدية بعدم قبول استقالة السيد المتظلم بكتاب الوزارة رقم 26/ 7 (2335) المؤرخ 1/ 7/ 1958 وصدر القرار الجمهورى رقم 764 لسنة 1958 فى 13 يولية سنة 1958 باحالة السيد المهندس محمد لطفى هاشم الى المعاش بالتطبيق للمادة 107 من قانون موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951.
ومن حيث أنه واضح كل الوضوح ان هذا الذى جاء على لسان مندوب الهيئة العامة للسكك الحديدية وما جاء فى المذكرة المشار اليها يعتبر كشفا من الهيئة العامة للسكك الحديدية عن السبب الواقعى الذى قام عليه قرار احالة المدعى الى المعاش ولا يقدح فى ذلك عدم تسليم الدفاع عن الحكومة فيما بعد بهذا الافصاح بمقولة ان اجابة مندوب الهيئة العامة للسكك الحديدية لا يمكن أن تعتبر تسبيبا للقرار المطعون فيه اذ أنها لا يجوز اعتبارها كذلك الا اذا كانت صادرة عن مصدر القرار نفسه لا يقدح عدم تسليم الدفاع عن الحكومة فيما بعد بهذا الافصاح عن السبب الواقعى الذى قام عليه القرار المطعون فيه لانه مهما يكن من أمر تمثيل المندوب المذكور للهيئة العامة للسكك الحديدية فان منطق الوقائع وتسلسلها وتتابعها وظروف الحال وملابساته لا تدع مجالا لاحتمال وجود سبب واقعى آخر.
ومن حيث ان حاصل ذلك السبب الواقعى - حسبما يخلص من المذكرة سالفة الذكر - هو اصرار المدعى على موقفه من عدم الرغبة فى السفر الى الاقليم الشمالى، هذا الاصرار الذى لم يكن له من سند، اذ ان المدعى - بعد ان رأى السيد الوزير تحقيق عذر مرضه باحالته الى القومسيون الطبى - رفض عرض نفسه على القومسيون الطبى.
ومن حيث انه لو كان ثابتا ان المدعى قد اخطر بأمر السيد الوزير باحالته الى القومسيون الطبى، وكان ثابتا بعد ذلك انه رفض عرض نفسه على القومسيون بعد اخطاره بأمر السيد الوزير فان قرار احالته الى المعاش يكون بغير جدال قد قام على سبب يبرره فيما من شك - كما قال الدفاع عن الحكومة - انه يعتبر متهربا من اثبات العذر الذى تمسك به للاعتذار عن السفر مما ينفى عنه جديته وبالتالى يعتبر راغبا عن التعاون فى الوقت الذى توجب فيه المصلحة العامة على كل موظف ان يجند نفسه للقيام بما يكلف به من مهام. ولكان للوزارة كل الحق فى طلب اقصائه عن الوظائف العامة. بيد أنه ولئن كان ثابتا ان ثمت كتابا مؤرخا 5 من يونية سنة 1958 موجها من السيد المدير الفنى لمكتب وزير المواصلات الى السيد المدير العام للسكك الحديدية احاطه فيه علما بأنه بعرض اعتذار المدعى عن السفر الى الاقليم الشمالى بسبب حالته الصحية على السيد الوزير رأى احالته على القومسيون الطبى ثم رجاه التكرم بالتنبيه باجراء اللازم لئن كان ذلك ثابتا. الا أنه غير ثابت أن الهيئة العامة للسكك الحديدية قد اخطرت المدعى فى تاريخ ذلك الكتاب أو بعده بأمر السيد الوزير باحالته الى القومسيون فقد نفى المدعى ان الهيئة قد أخطرته بهذا الامر والوضع الظاهر من الاوراق يؤيد المدعى فى هذا النفى فأمر السيد الوزير باحالته الى القومسيون الطبى لم يرد له ذكر فى صحيفة الدعوى ولم يثر المدعى هذه الواقعة - كما سلف البيان - الا بعد أن قدمت الهيئة العامة للسكك الحديدية حافظة مستنداتها وبها صورة من كل من الكتابين اللذين أشر على أحدهما السيد الوزير باحالته على القومسيون الطبى والآخر المشار اليه آنفا مما يؤيد عدم علمه بها قبل رفع الدعوى. وقد كلف المفوض لدى محكمة القضاء الادارى الهيئة العامة للسكك الحديدية بتقديم ما يدل على اخطارها للمدعى بأمر السيد الوزير باحالته على القومسيون فقرر الحاضر عنها انه ليس لديها من المستندات غير ما تقدمت به على حين أنه ليس فى هذه المستندات ما يثبت قيامها بهذا الاخطار، ثم أنه لا وجه لما يثيره الدفاع عن الحكومة من ان احالة المدعى الى المعاش لم تكن لعدم لياقته الصحية حتى تلتزم الهيئة بتقديم الدليل على ذلك من الجهات الطبية المختصة. لا وجه لذلك لان السيد الوزير هو الذى قدر ان عذر المرض الذى استمسك به المدعى للاعتذار عن السفر الى الاقليم الشمالى هو عذره الجوهرى وان هذا العذر يستأهل التحقيق بمعرفة الجهات الطبية المختصة. وأمر بالفعل باحالته على القومسيون الطبى. وقام السبب الواقعى للقرار المطعون فيه أساسا على هذه الواقعة.
ومن حيث انه لما كان استبان عدم ثبوت اخطار المدعى بأمر احالته على القومسيون الطبى لتحقيق عذر مرضه كما أمر بذلك السيد الوزر واستبان وبالتالى ان القول بأنه رفض عرض نفسه على القومسيون قول غير ذى محل، ولما كان عذر المدعى بأن حالته الصحية لا تمكنه من السفر الى الاقليم الشمالى يحمل قرينة الصحة بما قدمه من تذاكر علاجية صادرة من طبيبين كبيرين معروفين ذات تاريخ سابق على تاريخ تكليفه بمهمة السفر الى الاقليم الشمالى. الى جانب استبعاد مظنة اختلاقه لهذا العذر تهربا من المهمة التى كلف بها لماضيه النقى الذى يشهد به ملف خدمته.
ولما كان عذر المرض - بحكم طبائع الاشياء - من الاعذار المشروعة. فان القرار المطعون فيه يكون قد بنى على سبب غير مستخلص من اصول ثابتة، ومن ثم يكون فاقدا لاساسه القانونى مشوبا بعيب مخالفة القانون. ويكون الحكم المطعون فيه صحيحا فيما انتهى اليه من القضاء بالغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على هذا الالغاء من آثار. ويكون الطعن غير قائم على اساس سليم من القانون، ويتعين لذلك القضاء برفضه موضوعا، والزام الحكومة بالمصروفات.
فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ساحة النقاش